28 - (فبأي آلاء ربكما تكذبان)
وقوله " فبأي آلاء ربكما تكذبان " يقول تعالى ذكره : فبأي نعم ربكما معشر الثقلين من هذه النعم تكذبان .
قوله تعالى " فبأي آلاء ربكما تكذبان "
يخبر تعالى أن جميع أهل الأرض سيذهبون ويموتون أجمعون, وكذلك أهل السماوات إلا من شاء الله ولا يبقى أحد سوى وجهه الكريم, فإن الرب تعالى وتقدس لا يموت بل هو الحي الذي لا يموت أبداً, قال قتادة: أنبأ بما خلق ثم أنبأ أن ذلك كله فان. وفي الدعاء المأثور: يا حي يا قيوم يا بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام, لا إله إلا أنت برحمتك نستغيث أصلح لنا شأننا كله, ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين, ولا إلى أحد من خلقك. وقال الشعبي: إذا قرأت "كل من عليها فان" فلا تسكت حتى تقرأ "ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام" وهذه الاية كقوله تعالى: "كل شيء هالك إلا وجهه" وقد نعت تعالى وجهه الكريم في هذه الاية بأنه ذو الجلال والإكرام أي هو أهل أن يجل فلا يعصى, وأن يطاع فلا يخالف كقوله تعالى:"واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه" وكقوله إخباراً عن المتصدقين: "إنما نطعمكم لوجه الله" قال ابن عباس: ذو الجلال والإكرام ذو العظمة والكبرياء, ولما أخبر تعالى عن تساوي أهل الأرض كلهم في الوفاة, وأنهم سيصيرون إلى الدار الاخرة فيحكم فيهم ذو الجلال والإكرام بحكمه العدل قال: "فبأي آلاء ربكما تكذبان", وقوله تعالى: "يسأله من في السموات والأرض كل يوم هو في شأن" وهذا إخبار عن غناه عما سواه وافتقار الخلائق إليه في جميع الانات وأنهم يسألونه بلسان حالهم وقالهم وأنه كل يوم هو في شأن, قال الأعمش عن مجاهد عن عبيد بن عمير "كل يوم هو في شأن" قال من شأنه أن يجيب داعياً أو يعطي سائلاً, أو يفك عانياً أو يشفي سقيماً.
وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: كل يوم هو يجيب داعياً ويكشف كرباً ويجيب مضطراً ويغفر ذنباً, وقال قتادة: لا يستغني عنه أهل السموات والأرض يحيي حياً ويميت ميتاً, ويربي صغيراً ويفك أسيراً وهو منتهى حاجات الصالحين وصريخهم ومنتهى شكواهم. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا أبو اليمان الحمصي, حدثنا جرير بن عثمان عن سويد بن جبلة هو الفزاري قال: إن ربكم كل يوم هو في شأن فيعتق رقاباً, ويعطي رغاباً, ويقحم عقاباً.
وقال ابن جرير: حدثني عبد الله بن محمد بن عمرو الغزي, حدثني إبراهيم بن محمد بن يوسف الفريابي, حدثني عمرو بن بكر السكسكي, حدثنا الحارث بن عبدة بن رباح الغساني عن أبيه, عن منيب بن عبد الله بن منيب الأزدي عن أبيه قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الاية "كل يوم هو في شأن" فقلنا: يا رسول الله وما ذاك الشأن ؟ قال: "أن يغفر ذنباً, ويفرج كرباً, ويرفع قوماً ويضع آخرين".. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا هشام بن عمار وسليمان بن أحمد الواسطي قالا: حدثنا الوزير بن صبيح الثقفي أبو روح الدمشقي والسياق لهشام قال: سمعت يونس بن ميسرة بن حليس, يحدث عن أم الدرداء عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله عز وجل: "كل يوم هو في شأن" ـ قال ـ من شأنه أن يغفر ذنباً, ويفرج كرباً, ويرفع قوماً ويضع آخرين". وقد رواه ابن عساكر من طرق متعددة عن هشام بن عمار به, ثم ساقه من حديث أبي همام الوليد بن شجاع عن الوزير بن صبيح قال: ودلنا عليه الوليد بن مسلم عن مطرف عن الشعبي عن أم الدرداء عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره قال: والصحيح الأول, يعني إسناده الأول.
قلت: وقد روي موقوفاً كما علقه البخاري بصيغة الجزم فجعله من كلام أبي الدرداء فالله أعلم. وقال البزار: حدثنا محمد بن المثنى, حدثنا محمد بن الحارث, حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني عن أبيه عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: كل يوم هو في شأن قال "يغفر ذنباً, ويكشف كرباً" ثم قال ابن جرير: وحدثنا أبو كريب, حدثنا عبيد الله بن موسى عن أبي حمزة الثمالي عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس إن الله خلق لوحاً محفوظاً من درة بيضاء دفتاه ياقوتة حمراء قلمه نور, وكتابه نور, وعرضه ما بين السماء والأرض ينظر فيه كل يوم ثلثمائة وستين نظرة, يخلق في كل نظرة ويحيي ويميت ويعز ويذل ويفعل ما يشاء.
28- "فبأي آلاء ربكما تكذبان" وجه النعمة في فناء الخلق أن الموت سبب النقلة إلى دار الجزاء والثواب. وقال مقاتل: وجه النعمة في فناء الخلق التسوية بينهم في الموت، ومع الموت تستوي الأقدام.
28. " فبأي آلاء ربكما تكذبان ".
28-" فبأي آلاء ربكما تكذبان " أي مما ذكرنا قبل من بقاء الرب وإبقاء مما لا يحصى مما هو على صدد الفناء وفضلاً ، أو مما يترتب على فناء الكل من الإعادة والحياة الدائمة والنعيم المقيم .
28. Which is it, of the favors of your Lord, that ye deny?
28 - Then which of the favours of your Lord will ye deny?