28 - (فأوجس) أضمر في نفسه (منهم خيفة قالوا لا تخف) إنا رسل ربك (وبشروه بغلام عليم) ذي علم كثير وهو إسحاق كما ذكر في هود
" فأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم " .
قوله تعالى " فأوجس منهم خيفة " أي أحس منهم في نفسه خوفا وقيل أضمر لما لم يتحرموا بطعامه . ومن أخلاق الناس : أن من تحرم بطعام إنسان أمنه . وقال عمرو بن دينار قالت الملائكة لا نأكل إلا بالثمن قال كلوا وأدوا ثمنه . قالوا وما ثمنه ؟ قال تسمون الله إذا أكلتم وتحمدونه إذا فرغتم . فنظر بعضهم إلى بعض وقالوا : لهذا اتخذك الله خليلا . وقد تقدم هذا في هود ولما رأوا ما بإبراهيم من الخوف "قالوا لا تخف " وأعلموه أنهم ملائكة الله ورسله "وبشروه بغلام عليم " أي بولد يولد له من سارة زوجته . وقيل لما أخبروه أنهم ملائكة لم يصدقهم فدعوا الله فأحيا العجل الذي قربه إليهم . وروى عون بن أبي شداد : أن جبريل مسح العجل بجناحه فقام يدرج حتى لحق بأمه وأم العجل في الدار . ومعنى عليم أي يكون بعد بلوغه من أولي العلم بالله ودينه . والجمهور على أن المبشر به هو إسحاق وقال مجاهد وحده : هو إسماعيل وليس بشيء فإن الله تعالى يقول " وبشرناه بإسحاق" وهذا نص .
هذه القصة قد تقدمت في سورة هود والحجر أيضاً فقوله: "هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين" أي الذين أرصد لهم الكرامة, وقد ذهب الإمام أحمد وطائفة من العلماء إلى وجوب الضيافة للنزيل, وقد وردت السنة بذلك كما هو ظاهر التنزيل. وقوله تعالى: "قالوا سلاماً قال سلام" الرفع أقوى وأثبت من النصب, فرده أفضل من التسليم ولهذا قال تعالى: "وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها" فالخليل اختار الأفضل, وقوله تعالى: "قوم منكرون" وذلك أن الملائكة وهم جبريل وميكائيل وإسرافيل قدموا عليه في صورة شبان حسان عليهم مهابة عظيمة ولهذا قال: "قوم منكرون" وقوله عز وجل: "فراغ إلى أهله" أي انسل خفية في سرعة "فجاء بعجل سمين" أي من خيار ماله, وفي الاية الأخرى: "فما لبث أن جاء بعجل حنيذ" أي مشوي على الرضف "فقربه إليهم" أي أدناه منهم " قال ألا تأكلون " تلطف في العبارة وعرض حسن, وهذه الاية انتظمت آداب الضيافة فإنه جاء بطعام من حيث لا يشعرون بسرعة, ولم يمتن عليهم أولاً فقال: نأتيكم بطعام بل جاء به بسرعة وخفاء, وأتى بأفضل ما وجد من ماله, وهو عجل فتي سمين مشوي, فقربه إليهم لم يضعه وقال اقتربوا, بل وضعه بين أيديهم ولم يأمرهم أمراً يشق على سامعه بصيغة الجزم بل قال: "ألا تأكلون" على سبيل العرض والتلطف, كما يقول القائل اليوم إن رأيت أن تتفضل وتحسن وتتصدق فافعل.
وقوله تعالى: "فأوجس منهم خيفة" هذا محال على ما تقدم في القصة في السورة الأخرى وهي قوله تعالى: " فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط * وامرأته قائمة فضحكت " أي استبشرت بهلاكهم لتمردهم وعتوهم على الله تعالى, فعند ذلك بشرتها الملائكة بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب " قالت يا ويلتى أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب * قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد " ولهذا قال الله سبحانه وتعالى ههنا: "وبشروه بغلام عليم" فالبشارة له هي بشارة لها. لأن الولد منهما فكل منهما بشر به. وقوله تعالى: "فأقبلت امرأته في صرة" أي في صرخة عظيمة ورنة, قاله ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وعكرمة وأبو صالح والضحاك وزيد بن أسلم والثوري والسدي وهي قولها " يا ويلتى " "فصكت وجهها" أي ضربت بيدها على جبينها قاله مجاهد وابن سابط, وقال ابن عباس رضي الله عنهما: لطمت أي تعجباً كما تتعجب النساء من الأمر الغريب "وقالت عجوز عقيم" أي كيف ألد وأنا عجوز وقد كنت في حال الصبا عقيماً لا أحبل ؟ "قالوا كذلك قال ربك إنه هو الحكيم العليم" أي عليم بما تستحقون من الكرامة حكيم في أقواله وأفعاله.
28- "فأوجس منهم خيفة" أي أحسن في نفسه خوفاً منهم لما لم يأكلوا مما قربه إليهم. وقيل معنى أوجس أضمر، وإنما وقع له ذلك لما لم يتحرموا بطعامه، ومن أخلاق الناس أن من أكل من طعام إنسان صار آمناً منه، فظن إبراهيم أنهم جاءوا للشر ولم يأتوا للخير. وقيل إنه وقع في قلبه أنهم ملائكة، فلما رأوا ما ظهر عليه من أمارات الخوف "قالوا لا تخف" وأعلموه أنهم ملائكة مرسلون إليه من جهة الله سبحانه "وبشروه بغلام عليم" أي بشروه بغلام يولد له كثير العلم عند أن يبلغ مبالغ الرجال، والمبشر به عند الجمهور هو إسحاق. وقال مجاهد وحده: إنه إسماعيل، وهو مردود بقوله: "وبشرناه بإسحاق" وقد قدمنا تحقيق هذا المقام بما لا يحتاج الناظر فيه إلى غيره.
28. " فأوجس منهم خيفةً قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم "
28-" فأوجس منهم خيفة " فأضمر منهم خوفاً لما رأى إعراضهم عن طعامه لظنه أنهم جاؤوه لشر . وقيل وقع في نفسه أنهم ملائكة أوسلوا للعذاب . " قالوا لا تخف " إنا رسل الله . مسح جبريل العجل بجناحة فقام يدرج حتى لحق بأمه فعرفهم وأمن منهم . " وبشروه بغلام " هو اسحاق عليه السلام . " عليم " يكمل علمه إذ بلغ .
28. Then he conceived a fear of them. They said: Fear not! and gave him tidings of (the birth of) a wise son.
28 - (When they did not eat), he conceived a fear of them. They said, Fear not, and they gave him glad tidings of a son endowed with knowledge.