28 - (أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار) نزل لما قال كفار مكة للمؤمنين إنا نعطى في الآخرة مثل ما تعطون وأم بمعنى همزة الانكار
وقوله "أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض" يقول : أنجعل الذين صدقوا الله ورسوله وعملوا بما أمر الله به ، وانتهوا عما نهاهم عنه "كالمفسدين في الأرض" يقول : كالذين يشركون بالله ويعصونه ويخالفون أمره ونهيه "أم نجعل المتقين" يقول : الذين اتقوا الله بطاعته وراقبوه ، فحذروا معاصيه "كالفجار" يعني؟ كالكفار المنتهكين حرمات الله.
ثم وبخهم فقال : " أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات " والميم صلة تقديره : أنجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات " كالمفسدين في الأرض " فكان في هذا رد على المرجئة ، لأنهم يقولون : يجوز أن يكون المفسد كالصالح أو أرفع درجة منه . وبعده أيضاً : " نجعل المتقين كالفجار " أي أنجعل أصحاب محمد عليه السلام كالكفار ، قاله ابن عباس . وقيل : هو عام في المسلمين المتقين والفجار الكافرين وهو أحسن ، وهو رد على منكري البعث الذي جعلوا مصير المطيع والعاصي إلى شيء واحد .
يخبر تعالى أنه ما خلق الخلق عبثاً وإنما خلقهم ليعبدوه ويوحدوه ثم يجمعهم يوم الجمع فيثيب المطيع ويعذب الكافر ولهذا قال تبارك وتعالى: "وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلاً ذلك ظن الذين كفروا" أي الذين لا يرون بعثاً ولا معاداً وإنما يعتقدون هذه الدار فقط "فويل للذين كفروا من النار" أي ويل لهم يوم معادهم ونشورهم من النار المعدة لهم, ثم بين تعالى أنه عز وجل من عدله وحكمته لا يساوي بين المؤمنين والكافرين فقال تعالى: " أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار " أي لا نفعل ذلك ولا يستوون عند الله وإذا كان الأمر كذلك فلا بد من دار أخرى يثاب فيها هذا المطيع ويعاقب فيها هذا الفاجر وهذا الإرشاد يدل على العقول السليمة والفطر المستقيمة على أنه لا بد من معاد وجزاء فإنا نرى الظالم الباغي يزداد ماله وولده ونعيمه ويموت كذلك ونرى المطيع المظلوم يموت بكمده فلا بد في حكمة الحكيم العليم العادل الذي لا يظلم مثقال ذرة من إنصاف هذا من هذا, وإذا لم يقع هذا في هذه الدار فتعين أن هناك داراً أخرى لهذا الجزاء والمواساة. ولما كان القرآن يرشد إلى المقاصد الصحيحة والمآخذ العقلية الصريحة قال تعالى: "كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب" أي ذوو العقول وهي الألباب جمع لب وهو العقل, قال الحسن البصري والله ما تدبره بحفظ حروفه وإضاعة حدوده حتى إن أحدهم ليقول قرأت القرآن كله ما يرى له القرآن في خلق ولا عمل, رواه ابن أبي حاتم.
ثم وبخهم وبكتهم فقال: 28- "أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض" قال مقاتل: قال كفار قريش للمؤمنين: إنا نعطى في الآخرة كما تعطون فنزلت، وأم هي المنقطعة المقدرة ببل والهمزة: أي نجعل الذين آمنوا بالله وصدقوا رسله وعملوا بفرائضه كالمفسدين في الأرض بالمعاصي. ثم أضرب سبحانه إضراباً آخر وانتقل عن الأول إلى ما هو أظهر استحالة منه فقال: "أم نجعل المتقين كالفجار" أي بل نجعل أتقياء المؤمنين كأشقاء الكافرين والمنافقين والمنهمكين في معاصي الله سبحانه من المسلمين، وقيل إن الفجار هنا خاص بالكافرين، وقيل المراد بالمتقين الصحابة، ولا وجه للتخصيص بغير مخصص، والاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
28. " أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض "، قال مقاتل : قال كفار قريش للمؤمنين إنا نعطى في الآخرة من الخير ما يعطون، فنزلت هذه الآية: " أم نجعل المتقين كالفجار "، [أي المؤمنين كالكفار]. وقيل: أراد بالمتقين أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، أي: لا نجعل ذلك.
28-" أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض " " أم " منقطعة والاستفهام فيها لإنكار التسوية بين الحزبين التي هي من لوازم خلقها باطلاً ليدل على نفيه وكذا التي في قوله : " أم نجعل المتقين كالفجار " كأنه أنكر التسوية أولاً بين المؤمنين والكافرين ثم بين المتقين من المؤمنين والمجرمين منهم ، ويجوز أن يكون تكريراً للإنكار الأول باعتبار وصفين آخرين يمنعان التسوية من الحكيم الرحيم ، والآية تدل على صحة القول بالحشر ، فإن التفاضل بينهما إما أن يكون في الدنيا والغالب فيها عكس ما يقتضي الحكمة فيه ، أو في غيرها وذلك يستدعي أن يكون لهم حالة أخرى يجازون بها .
28. Shall We treat those who believe and do good works as those who spread corruption in the earth; or shall We treat the Pious as the wicked?
28 - Shall We treat those who believe and work deeds of righteousness, the same as those who do mischief on earth? Shall We treat those who guard against evil, the same as those who turn aside from the right?