28 - (وما أرسلناك إلا كافة) حال من الناس قدم للاهتمام (للناس بشيرا) مبشرا للمؤمنين بالجنة (ونذيرا) منذرا للكافرين بالعذاب (ولكن أكثر الناس) أي كفار مكة (لا يعلمون) ذلك
يقول تعالى ذكره: وما أرسلناك يا محمد إلى هؤلاء المشركين بالله من قومك خاصة، ولكنا أرسلناك كافة للناس أجمعين، العرب منهم والعجم والأحمر والأسود، بشيراً من أطاعك، ونذيراً من كذبك، " ولكن أكثر الناس لا يعلمون " أن الله أرسلك كذلك إلى جميع البشر.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله " وما أرسلناك إلا كافة للناس " قال: أرسل الله محمداً إلى العرب والعجم، فأكرمهم على الله له.
ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: " أنا سابق العرب، وصهيب سابق الرومن وبلال سابق الحبشة، وسلمان سابق فارس ".
قوله تعالى: "وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا"، أي وما أرسلناك إلا للناس كافة أي عامة ففي الكلام تقديم وتأخير. وقال الزجاج: أي وما أرسلناك إلا جامعاً للناس بالإنذار والإبلاغ. والكافة بمعنى الجامع. وقيل: معناه كافا للناس، تكفهم
عما هم فيه من الكفر وتدعوهم إلى الإسلام. والهاء للمبالغة. وقيل: أي إلا ذا كافة، فحذف المضاف، أي ذا منع للناس من أن يشدوا عن تبليغك، أو ذا منع لهم من الكفر، ومنه: كف الثوب، لأنه ضم طرفيه. "بشيرا" أي بالجنة لمن أطاع. "ونذيرا" من النار لمن كفر. "ولكن أكثر الناس لا يعلمون" ما عند الله وهم المشركون، وكانوا في ذللك الوقت أكثر من المؤمنين عدداً. "ويقولون متى هذا الوعد" يعني موعدكم لنا بقيام الساعة. "إن كنتم صادقين " فقال الله تعالى: "قل " لهم يا محمد: "لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون " فلا يغرنكم تأخيره. والميعاد الميقات. ويعني بهذا الميعاد وقت البعث وقيل وقت حضور الموت أي لكم قبل يوم القيامة وقت معين تموتون فيه فتعلمون حقيقة قولي. وقيل: أراد بهذا اليوم يوم بدر لأن ذلك اليوم كان ميعاد عذابهم في الدنيا في حكم الله تعالى. وأجاز النحويون ميعاد يوم على أن يكون ميعاد ابتداء ويوم بدل منه، والخبر لكم . وأجازوا ميعاد يوماً يكون ظرفاً، وتكون الهاء في عنه ترجع إلى يوم ولا يصح ميعاد يوم لا تستأخرون بغير تنوين، وإضافة يوم لما إلى ما بعده إذا قدرت الهاء عائدة على اليوم، لأن ذلك يكون من إضافة الشيء إلى نفسه من أجل الهاء التي في الجملة. ويجوز ذلك على أن تكون الهاء للميعاد لا لليوم.
يقول تعالى لعبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم تسليماً "وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً" أي إلا إلى جميع الخلائق من المكلفين كقوله تبارك وتعالى: "قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً" "تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً", "بشيراً ونذيراً" أي تبشر من أطاعك بالجنة وتنذر من عصاك بالنار "ولكن أكثر الناس لا يعلمون" كقوله عز وجل: "وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين" "وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله".
قال محمد بن كعب في قوله تعالى: "وما أرسلناك إلا كافة للناس" يعني إلى الناس عامة. وقال قتادة في هذه الاية: أرسل الله تعالى محمداً صلى الله عليه وسلم إلى العرب والعجم, فأكرمهم على الله تبارك وتعالى أطوعهم لله عز وجل. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو عبد الله الظهراني , حدثنا حفص بن عمر العدني , حدثنا الحكم يعني ابن أبان عن عكرمة , قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول: إن الله تعالى فضل محمداً صلى الله عليه وسلم على أهل السماء وعلى الأنبياء. قالوا: يا ابن عباس فبم فضله على الأنبياء ؟ قال رضي الله عنه: إن الله تعالى قال: "وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم" وقال للنبي صلى الله عليه وسلم: "وما أرسلناك إلا كافة للناس" فأرسله الله تعالى إلى الجن والإنس. وهذا الذي قاله ابن عباس رضي الله عنهما قد ثبت في الصحيحين رفعه عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر, وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً, فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل, وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي, وأعطيت الشفاعة, وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة" وفي الصحيح أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بعثت إلى الأسود والأحمر" قال مجاهد : يعني الجن والإنس. وقال غيره: يعني العرب والعجم, والكل صحيح.
ثم قال عز وجل مخبراً عن الكفار في استبعادهم قيام الساعة: "ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين" وهذه الاية كقوله عز وجل: "يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق" الاية, ثم قال تعالى: "قل لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون" أي لكم ميعاد مؤجل معدود محرر لا يزاد ولا ينقص, فإذا جاء فلا يؤخر ساعة ولا يقدم كما قال تعالى: "إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر" وقال عز وجل: " وما نؤخره إلا لأجل معدود * يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد "
في انتصاب 28- "كافة" وجوه، فقيل إنه منتصب على الحال من الكاف في "أرسلناك" قال الزجاج: أي وما أرسلناك إلا جامعاً للناس بالإنذار والإبلاغ، والكافة بمعنى الجامع، والهاء فيه للمبالغة كعلامة. قال أبو حيان: أما قول الزجاج إن كافة بمعنى جامعاً، والهاء فيه للمبالغة، فإن اللغة لا تساعد عليه لأن كف ليس معناه جمع، بل معناه منع. يقال كف يكف: أي منع يمنع. والمعنى: إلا مانعاً لهم من الكفر، ومنه الكف لأنها تمنع من خروج ما فيه. وقيل إنه منتصب على المصدرية والهاء للمبالغة كالعاقبة والعافية، والمراد أنها صفة مصدر محذوف: أي إلا رسالة كافة. وقيل إنه حال من الناس والتقدير: وما أرسلناك إلا للناس كافة. وقيل إنه حال من النسا والتقدير: وما أرسلناك إلا للناس كافة، ورد بأنه يتقدم الحال من المجرور عليه كما هو مقرر في علم الإعراب. ويجاب عنه بأنه قد جوز ذلك أبو علي الفارسي وابن كيسان وابن برهان، ومنه قول الشاعر:
إذا المرء أعيته السيادة ناشئاً فمطلبها كهلا عليه عسير
وقول الآخر :
تسليت طرا عنكم بعد بينكم بذكراكم حتى كأنكم عندي
وقول الآخر:
غافلاً تعرض المنية للمر ء فيدعى ولات حين إباء
وممن رجح كونها حالاً من المجرور بعدها ابن عطية، وقال: قدمت للاهتمام والتقوى. وقيل المعنى إلا ذا كافة: أي ذا منع، فحذف المضاف. قيل واللام في "للناس" بمعنى إلى: أي وما أرسلناك إلى الناس إلا جامعاً لهم بالإنذار والإبلاغ، أو مانعاً لهم من الكفر والمعاصي، وانتصاب "بشيراً ونذيراً" على الحال: أي مبشراً لهم بالجنة، ومنذراً لهم من النار "ولكن أكثر الناس لا يعلمون" ما عند الله من النفع في إرسال الرسل.
قوله عز وجل: 28- "وما أرسلناك إلا كافة للناس"، يعني: للناس عامة أحمرهم وأسودهم، "بشيراً ونذيراً"، أي: مبشراً ونذيراً، "ولكن أكثر الناس لا يعلمون"، وروينا عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة".
وقيل: كافة أي: كافاً يكفهم عما هم عليه من الكفر، والهاء للمبالغة.
28 -" وما أرسلناك إلا كافةً للناس " إلا إرسالة عامة لهم من الكف إنها إذا عمتهم قد كفتهم أن يخرج منها أحد مهم ، أو إلا جامعاً لهم في الإبلاغ فهي حال من الكاف والتاء للمبالغة ، ولا يجوز جعلها حالاً من الناس على المختار . " بشيراً ونذيراً ولكن أكثر الناس لا يعلمون " فيحملهم جهلهم على مخالفتك .
28. And We have not sent thee (O Muhammad) save as a bringer of good tidings and a warner unto all mankind; but most of mankind know not.
28 - We have not sent thee but as a universal (Messenger) to men, giving them glad tidings, and warning them (against sin), but most men understand not.