27 - (وقال موسى) لقومه وقد سمع ذلك (إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب)
يقول تعالى ذكره : وقال موسى لفرعون وملئه : إني استجرت أيها القوم بربي وربكم ، من كل متكبر عليه ، تكبر عن توحيده ، والإقرار بألوهيته وطاعته ، لا يؤمن بيوم يحاسب الله فيه خلقه ، فيجازي المحسن بإحسانه ، والمسيء بما أساء . وإنما خص موسى صلوات الله وسلامه عليه ، الاستعاذة بالله ممن لا يؤمن بيوم الحساب ، لأن من لم يؤمن بيوم الحساب مصدقاً ، لم يكن للثواب على الإحسان راجياً ، ولا للعقاب على الإساءة وقبيح ما يأتي من الأفعال خائفاً ، ولذلك كان استجارته من هذا الصنف من الناس خاصة .
قوله تعالى : " وقال موسى إني عذت بربي وربكم " لما هدده فرعون بالقتل استعاذ موسى بالله " من كل متكبر " أي متعظم عن الإيمان بالله ، وصفته أنه " لا يؤمن بيوم الحساب " .
يقول تعالى مسلياً لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم في تكذيب من كذبه من قومه ومبشراً له بأن العاقبة والنصرة له في الدنيا والاخرة كما جرى لموسى بن عمران عليه السلام فإن الله تعالى أرسله بالايات البينات. والدلائل الواضحات. ولهذا قال تعالى: "بآياتنا وسلطان مبين" والسلطان هو الحجة والبرهان "إلى فرعون" وهو ملك القبط بالديار المصرية "وهامان" وهو وزيره في مملكته "وقارون" وكان أكثر الناس في زمانه مالاً وتجارة "فقالوا ساحر كذاب" أي كذبوه وجعلوه ساحراً مجنوناً مموهاً كذاباً في أن الله أرسله وهذه كقوله تعالى: "كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون * أتواصوا به ؟ بل هم قوم طاغون" "فلما جاءهم بالحق من عندنا" أي بالبرهان القاطع الدال على أن الله عز وجل أرسله إليهم "قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم" وهذا أمر ثان من فرعون بقتل ذكور بني إسرائيل. أما الأول فكان لأجل الاحتراز من وجود موسى أو لإذلال هذا الشعب وتقليل عددهم أو لمجموع الأمرين, وأما الأمر الثاني فللعلة الثانية ولإهانة هذا الشعب ولكي يتشاءموا بموسى عليه السلام ولهذا قالوا: " أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون " قال قتادة هذا أمر بعد أمر, قال الله عز وجل: "وما كيد الكافرين إلا في ضلال" أي وما مكرهم وقصدهم الذي هو تقليل عدد بني إسرائيل لئلا ينصروا عليهم إلا ذاهب وهالك في ضلال "وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه" وهذا عزم من فرعون لعنه الله تعالى إلى قتل موسى عليه الصلاة والسلام أي قال لقومه دعوني حتى أقتل لكم هذا "وليدع ربه" أي لا أبالي به, وهذا في غاية الجحد والتهجم والعناد, وقوله قبحه الله: "إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد" يعني موسى, يخشى فرعون أن يضل موسى الناس ويغير رسومهم وعاداتهم, وهذا كما يقال في المثل: صار فرعون مذكراً, يعني واعظاً يشفق على الناس من موسى عليه السلام. وقرأ الأكثرون " أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد " وقرأ الاخرون "أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد" وقرأ بعضهم "يظهر في الأرض الفساد" بالضم "وقال موسى إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب" أي لما بلغه قول فرعون "ذروني أقتل موسى" قال موسى عليه السلام استجرت بالله وعذت به من شره وشر أمثاله ولهذا قال: "إني عذت بربي وربكم" أيها المخاطبون "من كل متكبر" أي عن الحق مجرم "لا يؤمن بيوم الحساب" ولهذا جاء في الحديث عن أبي موسى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خاف قوماً قال: "اللهم إنا نعوذ بك من شرورهم وندرأ بك في نحورهم".
27- "وقال موسى إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب" قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي "عذت" بإدغام الذال، وقرأ الباقون بالإظهار، لما هدده فرعون بالقتل استعاذ بالله عز وجل من كل متعظم عن الإيمان بالله غير مؤمن بالبعث والنشور، ويدخل فرعون في هذا العموم دخولاً أولياً.
27. " وقال موسى "، لما توعده فرعون بالقتل، " إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب "
27-" وقال موسى " أي لقومه لما سمع بكلامه . " إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب " صدر الكلام بأن تأكيداً وإشعاراً على أن السبب المؤكد في دفع الشر هو العياذ بالله ، وخص اسم الرب لأن المطلوب هو الحفظ والتربية ، وإضافته إليه وإليهم حثاً لهم على موافقته لما في تظاهر الأرواح من استجلاب الإجابة ، ولم يسم فرعون وذكر وصفاً يعمه وغيره لتعميم الاستعاذة ورعاية الحق والدلالة على الحامل له على القول . وقرأ أبو عمرو و حمزة و الكسائي " عذت " فيه وفي سورة الدخان بالإدغام وعن نافع مثله .
27. Moses said: Lo! I seek refuge in my Lord and your Lord from every scorner who believeth not in a Day of Reckoning.
27 - Moses said: I have indeed called upon my Lord and your Lord (for protection) from every arrogant one who believes not in the Day of Account!