27 - (ويوم يعض الظالم) المشرك عقبة بن أبي معيط كان نطق بالشهادتين ثم رجع إرضاء لأبي ابن خلف (على يديه) ندما وتحسرا في يوم القيامة (يقول يا) للتنبيه (ليتني اتخذت مع الرسول) محمد (سبيلا) طريقا إلى الهدى
وأخرج ابن جرير نحوه من طريق سعيد وعكرمة عن ابن عباس وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال كان أبي بن خلف يحضر النبي صلى الله عليه وسلم فيزجره عقبة بن ابي معيط فنزل ويوم يعض الظالم على يديه إلى قوله خذولا وأخرج مثله عن الشعبي ومقسم
ك وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه والضياء في المختارة عن ابن عباس قال قال المشركون إن كان محمد كما يزعم نبيا فلم يعذبه ربه ألا ينزل عليه القرآن جملة واحدة فينزل عليه الآية والآيتين فأنزل الله وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة
يقول تعالى ذكره : و يوم يعض الظالم نفسه المشرك بربه على يديه ندما و أسفا على ما فرط في جنب الله ، و أوبق نفسه بالكفر به في طاعة خليله الذي صده عن سبيل ربه ، يقول : يا ليتني اتخذت في الدنيا مع الرسول سبيلا ، يعني طريقا إلى النجاة من عذاب الله .
قوله تعالى : " ويوم يعض الظالم على يديه " الماضي عضضت . وحكى الكسائي عضضت بفتح الضاد الأولى . وجاء التوقيف عن أهل التفسير ، منهم ابن عباس و سعيد بن المسيب أن الظالم هاهنا يراد به عقبة بن أبي معيط ، وأن خليله أمية بن خلف ، فعقبة قتله علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وذلك أنه كان في الأسارى يوم بدر فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله ، فقال : أأقتل دونهم ؟ فقال : نعم ، بكفرك وعتوك . فقال : من للصبية ؟ فقال : النار . فقالم علي رضي الله عنه فقتله . وأمية قتله النبي صلى الله عليه وسلم ، فكان هذا من دلائل نبوة النبي صلى الله عليه وسلم ، لأنه خبر عنهما بهذا فقتلا على الكفر . ولم يسميا في الآية لأنه أبلغ في الفائدة ، لعلم أن هذا سبيل كل ظالم قبل من غيره في معصية الله عز وجل . قال ابن عباس و قتادة وغيرهما : وكان عقبة قد هم باسلام فمنعه منه أبي بن خلف في المبارزة يوم أحد ، ذكره القشري و الثعلبي ، والأول ذكره النحاس . وقال السهيلي : " ويوم يعض الظالم على يديه " هو عقبة بن أبي معيط ، وكان صديقاً لأمية بن خلف الجمحي ويروى لأبي بن خلف أخ أمية ، وكان قد صنع وليمة فدعا إليها قريشاً ، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبى أن يأتيه إلا أن يسلم . وكره عقبة أن يتأخر عن طعامه من أشرف قريش أحد فأسلم ونطق بالشهادتين ، فأتاه رسول الله وأكل من طعامه ، فعاتبه خليله أمية بن خلف ، أو أبي بن خلف وكان غائباً . فقال عقبة : رأيت عظيماً ألا يحضر طعامي رجل من أشراف قريش . فقال له خليله : لا أرضى حتى ترجع وتبصف في وجهه وتطاً عنقه وتقول كيت وكيت ففعل عدو الله وأمره به خليله ، فأنزل الله عز وجل : " ويوم يعض الظالم على يديه " . قال الضحاك : لما بصف عقبة في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع بصاقه في وجه وشوى وجهه وشفتيه ، حتى أثر في وجهه وأحرق خديه ، فلم يزل أثر ذلك في وجهه حتى قتل . وعضه يديه فعل النادم بالحزين لأحل طاعته خليله ، " يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا " في الدنيا ، يعني طريقاً إلى الجنة ."يا ويلتى " دعا بالويل والثبور علي .
يخبر تعالى عن هول يوم القيامة وما يكون فيه من الأمور العظيمة, فمنها انشقاق السماء وتفطرها, وانفراجها بالغمام وهو ظلل النور العظيم الذي يبهر الأبصار, ونزول ملائكة السموات يومئذ فيحيطون بالخلائق في مقام المحشر, ثم يجيء الرب تبارك وتعالى لفصل القضاء. قال مجاهد : وهذا كما قال تعالى: "هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة" الاية.
قال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عمار بن الحارث , حدثنا مؤمل , حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران , عن ابن عباس أنه قرأ هذه الاية "ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلاً" قال ابن عباس رضي الله: عنهما يجمع الله تعالى الخلق يوم القيامة في صعيد واحد: الجن والإنس والبهائم والسباع والطير وجميع الخلق, فتنشق السماء الدنيا, فينزل أهلها وهم أكثر من الجن والإنس ومن جميع الخلق, فيحيطون بالجن والإنس وجميع الخلق, ثم تنشق السماء الثانية فينزل أهلها وهم أكثر من أهل السماء الدنيا ومن جميع الخلق, فيحيطون بالملائكة الذين نزلوا قبلهم والجن والإنس وجميع الخلق, ثم تنشق السماء الثالثة فينزل أهلها وهم أكثر من أهل السماء الثانية والسماء الدنيا ومن جميع الخلق فيحيطون بالملائكة الذين نزلوا قبلهم وبالجن والإنس وجميع الخلق, ثم كذلك كل سماء على ذلك التضعيف, حتى تنشق السماء السابعة فينزل أهلها وهم أكثر ممن نزل قبلهم من أهل السموات ومن الجن والإنس ومن جميع الخلق, فيحيطون بالملائكة الذين نزلوا قبلهم من أهل السموات وبالجن والإنس وجميع الخلق كلهم, وينزل ربنا عز وجل في ظلل من الغمام وحوله الكروبيون وهم أكثر من أهل السموات السبع ومن الجن والإنس, وجميع الخلق لهم قرون كأكعب القنا, وهم تحت العرش لهم زجل بالتسبيح والتهليل والتقديس لله عز وجل, ما بين أخمص قدم أحدهم إلى كعبه مسيرة خمسمائة عام, وما بين كعبه إلى ركبته مسيرة خمسمائة عام, وما بن ركبته إلى حجزته مسيرة خمسمائة عام, وما بين حجزته إلى ترقوته مسيرة خمسمائة عام, وما بين ترقوته إلى موضع القرط مسيرة خمسمائة عام. وما فوق ذلك مسيرة خمسمائة عام وجهنم مجنبته, وهكذا رواه ابن حاتم بهذا السياق.
وقال ابن جرير : حدثنا القاسم , حدثنا الحسين , حدثني الحجاج عن مبارك بن فضالة عن علي بن زيد بن جدعان عن يوسف بن مهران أنه سمع ابن عباس يقول: إن هذه السماء إذا انشقت ينزل منها من الملائكة أكثر من الإنس والجن, وهو يوم التلاق يوم يلتقي أهل السماء وأهل الأرض, فيقول أهل الأرض: جاء ربنا ؟ فيقولون: لم يجىء وهو آت, ثم تنشق السماء الثانية, ثم سماء سماء على قدر ذلك من التضعيف إلى السماء السابعة, فينزل منها من الملائكة أكثر من جميع من نزل من السموات ومن الجن والإنس. قال: فتنزل الملائكة الكروبيون, ثم يأتي ربنا في حملة العرش الثمانية بين كعب كل ملك وركبته مسيرة سبعين سنة, وبين فخذه ومنكبه مسيرة سبعين سنة. قال: وكل ملك منهم لم يتأمل وجه صاحبه, وكل ملك منهم واضع رأسه بين ثدييه, يقول: سبحان الملك القدوس, وعلى رؤوسهم شيء مبسوط كأنه القباء, والعرش فوق ذلك, ثم وقف, فمداره على علي بن زيد بن جدعان , وفيه ضعف وفي سياقاته غالباً, وفيها نكارة شديدة, وقد ورد في حديث الصور المشهور قريب من هذا, والله أعلم, وقد قال الله تعالى: "فيومئذ وقعت الواقعة * وانشقت السماء فهي يومئذ واهية * والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية" قال شهر بن حوشب : حملة العرش ثمانية, أربعة منهم يقولون: سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على حلمك بعد علمك. وأربعة منهم يقولون: سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على عفوك بعد قدرتك ورواه ابن جرير عنه. وقال أبو بكر بن عبد الله : إذا نظر أهل الأرض إلى العرش يهبط عليهم من فوقهم, شخصت إليه أبصارهم, ورجفت كلاهم في أجوافهم, وطارت قلوبهم من مقرها من صدورهم إلى حناجرهم. قال ابن جرير: حدثنا القاسم , حدثنا الحسين , حدثنا المعتمر بن سليمان عن عبد الجليل عن أبي حازم عن عبد الله بن عمرو قال: يهبط الله عز وجل حين يهبط, وبينه وبين خلقه سبعون ألف حجاب, منها النور والظلمة فيصوت الماء في تلك الظلمة صوتاً تنخلع له القلوب, وهذا موقوف على عبد الله بن عمرو من كلامه, ولعله من الزاملتين, والله أعلم.
وقوله تعالى: "الملك يومئذ الحق للرحمن" الاية, كما قال تعالى: "لمن الملك اليوم ؟ لله الواحد القهار". وفي الصحيح أن الله تعالى يطوي السموات بيمينه, ويأخذ الأرضين بيده الأخرى, ثم يقول: أنا الملك أنا الديان, أين ملوك الأرض ؟ أين الجبارون, أين المتكبرون ؟ وقوله "وكان يوماً على الكافرين عسيراً" أي شديداً صعباً, لأنه يوم عدل وقضاء فصل, كما قال تعالى: "فذلك يومئذ يوم عسير * على الكافرين غير يسير" فهذا حال الكافرين في هذا اليوم, وأما المؤمنون فكما قال تعالى: "لا يحزنهم الفزع الأكبر" الاية.
وروى الإمام أحمد : حدثنا حسين بن موسى , حدثنا ابن لهيعة , حدثنا دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري قال: قيل يا رسول الله "يوم كان مقداره خمسين ألف سنة" ما أطول هذا اليوم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "والذي نفسي بيده, إنه ليخفف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا" وقوله تعالى: "ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً", يخبر تعالى عن ندم الظالم الذي فارق طريق الرسول صلى الله عليه وسلم, وما جاء به من عند الله من الحق المبين الذي لا مرية فيه, وسلك طريقاً أخرى غير سبيل الرسول, فإذا كان يوم القيامة ندم حيث لا ينفعه الندم, وعض على يديه حسرة وأسفاً, وسواء كان سبب نزولها في عقبة بن أبي معيط أو غيره من الأشقياء, فإنها عامة في كل ظالم, كما قال تعالى: "يوم تقلب وجوههم في النار" الايتين, فكل ظالم يندم يوم القيامة غاية الندم, ويعض على يديه قائلاً "يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً * يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً" يعني من صرفه عن الهدى وعدل به إلى طريق الضلال من دعاة الضلالة, وسواء في ذلك أمية بن خلف أو أخوه أبي بن خلف أو غيرهما, "لقد أضلني عن الذكر" وهو القرآن "بعد إذ جاءني" أي بعد بلوغه إلي, قال الله تعالى: "وكان الشيطان للإنسان خذولا" أي يخذله عن الحق ويصرفه عنه, ويستعمله في الباطل ويدعوه إليه.
26- "ويوم يعض الظالم على يديه" الظرف منصوب بمحذوف: أي واذكر كما انتصب بهذا المحذوف الظرف الأول، أعني يوم تشقق، ويوم يعض الظالم على يديه الظاهر أن العض هنا حقيقة، ولا مانع من ذلك ولا موجب لتأويله. وقيل هو كناية عن الغيظ والحسرة، والمراد بالظالم كل ظالم يرد ذلك المكان وينزل ذلك المنزل، ولا ينافيه ورود الآية على سبب خاص، فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب "يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً" يقول في محل نصب على الحال ومقول القول هو: يا ليتني إلخ، والمنادى محذوف: أي يا قوم ليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً طريقاً وهو طريق الحق ومشيت فيه حتى أخلص من هذه الأمور المضلة، والمراد اتباع النبي صلى الله عليه وسلم فيما جاء به.
27- "ويوم يعض الظالم على يديه" أراد بالظالم عقبة بن أبي معيط، وذلك أن عقبة كان لا يقدم من سفر إلا صنع طعاماً فدعا إليه أشراف قومه، وكان يكثر مجالسة النبي صلى الله عليه وسلم فقدم ذات يوم من سفر فصنع طعاماً فدعا الناس ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قرب الطعام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أنا بآكل طعامك حتى تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فقال عقبة: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم من طعامه، وكان عقبة صديقاً لأبي بن خلف، فلما أخبر أبي بن خلف قال له: يا عقبة صبأت؟ قال: لا والله ما صبأت، ولكن دخل علي رجل فأبى أن يأكل طعامي إلا أن أشهد له، فاستحييت أن يخرج من بيتي ولم يطعم، فشهدت له فطعم، فقال: ما أنا بالذي أرضى عنك أبداً إلا أن تأتيه فتبزق في وجهه، ففعل ذلك عقبة، فقال عليه السلام: لا ألقاك خارجاً من مكة إلا علوت رأسك بالسيف فقتل عقبة يوم بدر صبراً. وأما أبي بن خلف فقتله النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد بيده.
وقال الضحاك: لما بزق عقبة في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد بزاقه في وجهه فاحترق خداه، وكان أثر ذلك فيه حتى الموت.
وقال الشعبي: كان عقبة بن أبي معيط خليل أمية بن خلف فأسلم عقبة، فقال أمية: وجهي من وجهك حرام أن بايعت محمداً، فكفر وارتد، فأنزل الله عز وجل: "ويوم يعض الظالم" يعني: عقبة بن أبي معيط بن عبد شمس بن مناف على يديه ندماً وأسفاً على ما فرط في جنب الله، وأوبق نفسه بالمعصية والكفر بالله بطاعة خليله الذي صده عن سبيل ربه. قال عطاء: يأكل يديه حتى يبلغ مرفقيه ثم تنبتان، ثم يأكل هكذا، كلما نبتت يده أكلها تحسراً على ما فعل.
"يقول يا ليتني اتخذت"، في الدنيا، "مع الرسول سبيلاً"، ليتني اتبعت محمداً صلى الله عليه وسلم، واتخذت معه سبيلاً إلى الهدى. قرأ أبو عمرو: يا ليتني اتخذت بفتح الياء، والآخرون بإسكانها.
27ـ " ويوم يعض الظالم على يديه " من فرط الحسرة ، وعض اليدين وأكل البنان وحرق الأسنان ونحوها كنايات عن الغيظ والحسرة لأنها من روادفهما ، والمراد بـ " الظالم " الجنس . وقيل عقبة بن أبي معيط كان يكثر مجالسة النبي صلى الله عليه وسلم ، فدعاه إلى ضيافته فأبى أن يأكل من طعامه حتى ينطق بالشهادتين ففعل ، وكان أبي بن خلف صديقه فعاتبه وقال صبأت فقال : لا ، ولكن آلى أن لا يأكل من طعامي وهو في بيتي فاستحيت منه فشهدت له ، فقال لا أرى منك إلا أن تأتيه فتطأ قفاه وتبزق في وجهه ، فوجده ساجداً في دار الندوة ففعل ذلك ، فقال عليه الصلاة والسلام : لا ألقاك خارجاً من مكة إلا علوت رأسك بالسيف ، فأسر يوم بدر فأمر علياً فقتله وطعن أبياً بأحد في المبارزة فرجع لى مكة ومات . " يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً " طريقاً إلى النجاة أو طريقاً واحداً وهو طريق الحق ولم تتشعب بي طرق الضلالة .
27. On the day when the wrongdoer gnaweth his hands, he will say: Ah, would that I had chosen a way together with the messenger (of Allah)!
27 - The Day that the wrong doer will bite at his hands, He will say, Oh! would that I had taken a (straight) path with the Apostle!