واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا) ملجأ
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : واتبع يا محمد ما أنزل إليك من كتاب ربك هذا، ولا تتركن تلاوته ، واتباع ما فيه من أمر الله ونهيه ، والعمل بحلاله وحرامه ، فتكون من الهالكين ، وذلك أن مصير من خالفه ، وترك اتباعه يوم القيامة إلى جهنم " لا مبدل لكلماته " يقول : لا مغير لما أوعد بكلماته التي أنزلها عليك أهل معاصيه ، والعاملين بخلاف هذا الكتاب الذي أوحيناه إليك .
وقوله " ولن تجد من دونه ملتحدا" يقول : وإن أنت يا محمد لم تتل ما أوحي إليك من كتاب ربك فتتبعه وتاتم به ، فنالك وعيد الله الذي أوعد فيه المخالفين حدوده ، لن تجد من دون الله موئلا تئل إليه ومعدلا تعدل عنه إليه ، لأن قدرة الله محيطة بك وبجميع خلقه ، لا يقدر أحد منهم على الهرب من أمر أراد به .
وبنحو الذي قلنا في معنى قوله " ملتحدا" قال أهل التاويل ، وإن اختلفت ألفاظهم في البيان عنه .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن بشار ، قال . : ثنا يحيى بن سعيد ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، في قوله " ملتحدا " قال : ملجا.
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد " ملتحدا" قال : ملجا .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " ولن تجد من دونه ملتحدا " قال : موئلا.
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله " ملتحدا" قال : ملجا ولا موئلأ .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " ولن تجد من دونه ملتحدا" قال : لا يجدون ملتحدا يلتحدونه ، ولا يجدون من دونه ملجا ولا أحدا يمنعهم . والملتحد: إنما هو المفتعل من اللحد، يقال منه : لحدت إلى كذا : إذا ملت إليه ، ومنه قيل للحد: لحد، لأنه في ناحية من القبر، وليس بالشق الذي في وسطه ، ومنه الإلحاد في الدين ، وهو المعاندة بالعدول عنه ، والترك له .
قوله تعالى : " واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته " قيل : هو من تمام قصة أصحاب الكهف ، أي اتبع القرآن فلا مبدل لكلمات الله ولا خلف فيما أخبر به من قصة أصحاب الكهف . وقال الطبري : لا مغير لما أوعد بكلماته أهل معاصيه والمخالفين لكتابه . " ولن تجد " أنت " من دونه " إن لم تتبع القرآن وخالفته " ملتحدا " أي ملجأ .وقيل موئلاً . وأصله الميل ، ومن لجأت إليه فقد ملت إليه .قال القشيري أبو نصر عبد الرحيم : وهذا آخر قصة أصحاب الكهف . ولما غعزا معاوية عزوة المضيق نحو الرروح وكان معه ابن عباس فانتهى إلى الكهف الذي فيه أصحاب الكهف ، فقال معاوية : لو كشف لنا عن هؤلاء فنظر إليهم ن، فقال ابن عباس : قد منع الله من هو خيرمنك عن ذلك ، فقال : " لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا" فقال : لا انتهي حتى أعلم علمهم وبعث قوماً لذلك ، فلما دخلوا الكهف بعث الله عليهم ريحاً فأخرجتهم ، ذكره الثعلبي أيضاً . وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل الله أن يريه إياهم ، فقال إنك لن تراهم في دار الدنيا ولكن ابعث إليهم أربعة من خيار أصحابك ليبلغوهم رسالتك ويدعوهم إلى الإيمان ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه السلام : كيف أبعثهم ؟ فقال : ابسط كساءك وأجلس على طرف من أطرافه أبا بكر وعلى الطرف الآخر عمر وعلى الثالث عثمان وعلي الرابع علي بن أبي طالب ، ثم أدع الريح الرخاء المسخرة لسلمان فإن الله تعالى يأمرها أن تطيعك ، ففعل فحملتهم الريح إلى باب الكهف ، فقلعو منه حجراً ، فحمل الكلب عليهم فلما رآهم حرك رأسه وبصبص بذنبه وأومأ إليهم برأسه أن ادخلوا فدخلوا الكهف فقالوا : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، فرد الله على الفتية أرواحهم فقاموا بأجحعهم وقالوا : عليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، فقالوا لهم : معشر الفيتة ، إن النبي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم يقرأعليكم السلام ، فقالوا : وعلى محمد رسول الله السلام مادامت السموات والأرض ، وعلكم بما أبلغتم ، وقبلوا دينه وأسلموا ، ثم قالوا ،: أقرئوا محمداً رسول الله منا السلام ، وأخذوا مضاجعهم وصاروا إلى رقدتهم إلى آخر الزمان عند خروج المهدوي . فيقال : إن المهدوي يسلم عليهم فيحييهم الله ثم يررجعون إلى رقدتهم فلا يقومون حتى تقوم الساعة ، فأخبر جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم بما كان منهم ، ثم ردتهم الريح فقال الني صلى الله عليه وسلم : " كيف وجدتموهم ؟ فأخبروه الخبر ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اللهم لا تفرق بيني وبين أصحابيب وأصهاري واغفر لمن أحبني وأحب أهل بيتي وخاصتي وأصحابي " . وقيل : إن أصحاب الكهف دخلوا الكهف قبل المسيح ، فأخبر الله تعالى المسيح بخبرهم ثم بعثوا في الفترة بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم . وقيل : كانوا قبل موسى عليه السلام وأن موسى ذكرهم في التوراة ، ولهذا سألت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقيل : دخلوا الكهف بعد المسيح ، فالله أعلم أي ذلك كان .
يقول تعالى آمراً رسوله صلى الله عليه وسلم بتلاوة كتابه العزيز وإبلاغه إلى الناس "لا مبدل لكلماته" أي لا مغير لها ولا محرف ولا مزيل. وقوله: "ولن تجد من دونه ملتحداً" عن مجاهد ملتحداً قال: ملجأ. وعن قتادة : ولياً ولا مولى. قال ابن جرير : يقول إن أنت يا محمد لم تتل ما أوحي إليك من كتاب ربك, فإنه لا ملجأ لك من الله, كما قال تعالى: "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس" وقال: "إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد" أي سائلك عما فرض عليك من إبلاغ الرسالة.
وقوله: "واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه" أي اجلس مع الذين يذكرون الله ويهللونه ويحمدونه ويسبحونه ويكبرونه ويسألونه بكرة وعشياً, من عباد الله سواء كانوا فقراء أو أغنياء, أو أقوياء أو ضعفاء,يقال: إنها نزلت في أشراف قريش حين طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يجلس معهم, وحده, ولا يجالسهم بضعفاء أصحابه, كبلال وعمار وصهيب وخباب وابن مسعود , وليفرد أولئك بمجلس على حدة, فنهاه الله عن ذلك فقال: "ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي" الاية, وأمره أن يصبر نفسه في الجلوس مع هؤلاء, فقال "واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي" الاية, وقال مسلم في صحيحه : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة , حدثنا محمد بن عبد الله الأسدي عن إسرائيل عن المقدام بن شريح عن أبيه عن سعد هو ابن أبي وقاص قال: " كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ستة نفر فقال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم: اطرد هؤلاء لا يجترؤون علينا قال: وكنت أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلال, ورجلان نسيت اسميهما, فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يشاء الله أن يقع, فحدث نفسه, فأنزل الله عز وجل "ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه" " انفرد بإخراجه مسلم دون البخاري .
وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر , حدثنا شعبة عن أبي التياح قال: سمعت أبا الجعد يحدث عن أبي أمامة قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على قاص يقص فأمسك, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "قص, فلأن أقعد غدوة إلى أن تشرق الشمس أحب إلي من أن أعتق أربع رقاب". وقال الإمام أحمد أيضاً: حدثنا هاشم : حدثنا شعبة عن عبد الملك بن ميسرة قال: سمعت كردوس بن قيس , وكان قاص العامة بالكوفة, يقول: أخبرني رجل من أصحاب بدر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لأن أقعد في مثل هذا المجلس أحب إلي من أن أعتق أربع رقاب" قال شعبة : فقلت أي مجلس ؟ قال: كان قاصاً.
وقال أبو داود الطيالسي في مسنده : حدثنا محمد , حدثنا يزيد بن أبان عن أنس قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لأن أجالس قوماً يذكرون الله من صلاة الغداة إلى طلوع الشمس أحب إلي مما طلعت عليه الشمس, ولأن أذكر الله من صلاة العصر إلى غروب الشمس أحب إلي من أن أعتق ثمانية من ولد إسماعيل, دية كل واحد منهم اثنا عشر ألفاً" فحسبنا دياتهم ونحن في مجلس أنس , فبلغت ستة وتسعين ألفاً وههنا من يقول أربعة من ولد إسماعيل, والله ما قال إلا ثمانية, دية كل واحد منهم اثنا عشر ألفاً.
وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا محمد بن إسحاق الأهوازي , حدثنا أبو أحمد الزبيري , حدثنا عمرو بن ثابت عن علي بن الأقمر , عن الأغر أبي مسلم وهو الكوفي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر برجل يقرأ سورة الكهف, فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم سكت, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هذا المجلس الذي أمرت أن أصبر نفسي معهم", هكذا رواه أبو أحمد عن عمرو بن ثابت , عن علي بن الأقمر , عن الأغر مرسلاً. وحدثنا يحيى بن المعلى عن المنصور , حدثنا محمد بن الصلت , حدثنا عمرو بن ثابت عن علي بن الأقمر , عن الأغر أبي مسلم , عن أبي هريرة وأبي سعيد , قالا: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجل يقرأ سورة الحج, أو سورة الكهف, فسكت, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا المجلس الذي أمرت أن أصبر نفسي معهم".
وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن بكر , حدثنا ميمون المرئي , حدثنا ميمون بن سياه عن أنس بن مالك رضي الله عنه, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من قوم اجتمعوا يذكرون الله لا يريدون بذلك إلا وجهه, إلا ناداهم مناد من السماء: أن قوموا مغفوراً لكم قد بدلت سيئاتكم حسنات" تفرد به أحمد رحمه الله. وقال الطبراني : حدثنا إسماعيل بن الحسن , حدثنا أحمد بن صالح , حدثنا ابن وهب عن أسامة بن زيد , عن أبي حازم , عن عبد الرحمن بن سهل بن حنيف قال: نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بعض أبياته "واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي" الاية, فخرج يتلمسهم, فوجد قوماً يذكرون الله تعالى, منهم ثائر الرأس وجاف الجلد وذو الثوب الواحد, فلما رآهم جلس معهم وقال: "الحمد الله الذي جعل في أمتي من أمرني الله أن أصبر نفسي معهم" عبد الرحمن هذا, ذكره أبو بكر ابن أبي داود في الصحابة. وأما أبوه فمن سادات الصحابة رضي الله عنهم.
وقوله "ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا" قال ابن عباس : ولا تجاوزهم إلى غيرهم, يعني تطلب بدلهم أصحاب الشرف والثروة, "ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا" أي شغل عن الدين وعبادة ربه بالدنيا, "وكان أمره فرطاً" أي أعماله وأفعاله سفه وتفريط وضياع, ولا تكن مطيعاً ولا محباً لطريقته, ولا تغبطه بما هو فيه, كما قال: " ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى ".
قوله: 27- "واتل ما أوحي إليك" أمره الله سبحانه أن يواظب على تلاوة الكتاب الموحي إليه، قيل ويحتمل أن يكون معنى قوله: "واتل" واتبع، أمراً من التلو، لا من التلاوة، و "من كتاب ربك" بيان للذي أوحي إليه "لا مبدل لكلماته" أي لا قادر على تبديلها وتغييرها، وإنما يقدر على ذلك هو وحده. قال الزجاج: أي ما أخبر الله به وما أمر به فلا مبدل له، وعلى هذا يكون التقدير: لا مبدل لحكم كلماته "ولن تجد من دونه ملتحداً" الملتحد: الملتجأ، وأصل اللحد: الميل. قال الزجاج: لن تجد معدلاً عن أمره ونهيه، والمعنى: أنك إن لم تتبع القرآن وتتله وتعمل بأحكامه لن تجد معدلاً تعدل إليه ومكاناً تميل إليه، وهذه الآية آخر قصة أهل الكهف.
27 - قوله عز وجل : " واتل " أي : واقرأ يا محمد ، " ما أوحي إليك من كتاب ربك " ، يعني القرآن ، واتبع ما فيه ،" لا مبدل لكلماته " ، قال الكلبي : لا مغير للقرآن . وقيل : لا مغير لما أوعد بكلماته أهل معاصيه ، " ولن تجد " ،أنت ، " من دونه " ، إن لم تتبع القرآن ، " ملتحداً " ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : حرزاً . وقال الحسن : مدخلاً . وقال مجاهد : ملجأ . وقيل : معدلاً . وقيل : مهرباً . وأصله من الميل .
27."واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك"من القرآن ،ولا تسمع لقولهم " ائت بقرآن غير هذا أو بدله "."لا مبدل لكلماته"لا أحد يقدر على تبديلها وتغييرها غيره."ولن تجد من دونه ملتحداً"ملتجأ عليه إن هممت به.
27. And recite that which hath been revealed unto thee of the scripture of thy Lord. There is none who can change His words, and thou wilt find no refuge beside Him.
27 - And recite (and teach) what has been revealed to thee of the Book of thy Lord: none can change his words, and none wilt thou find as a refuge other than him.