(يريد الله ليبين لكم) شرائع دينكم ومصالح أمركم (ويهديكم سنن) طرائق (الذين من قبلكم) من الأنبياء في التحليل والتحريم فتتبعوهم (ويتوب عليكم) يرجع بكم عن معصيته التي كنتم عليها إلى طاعته (والله عليم) بكم (حكيم) فيما دبره لكم
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: "يريد الله ليبين لكم"، حلاله وحرامه، "ويهديكم سنن الذين من قبلكم"، يقول: وليسددكم، "سنن الذين من قبلكم"، يعني: سبل من قبلكم من أهل الإيمان بالله وأنبيائه، ومناهجهم فيما حرم عليكم من نكاح الأمهات والبنات والأخوات وسائر ما حرم عليكم في الآيتين اللتين بين فيهما ما حرم من النساء، "ويتوب عليكم"، يقول: يريد الله أن يرجع بكم إلى طاعته في ذلك، مما كنتم عليه من معصيته في فعلكم ذلك قبل الإسلام، وقبل أن يوحي ما أوحى إلى نبيه من ذلك، "عليكم"، ليتجاوز لكم بتوبتكم عما سلف منكم من قبيح ذلك قبل إنابتكم وتوبتكم، "والله عليم"، يقول: والله ذو علم بما يصلح عباده في أديانهم ودنياهم وغير ذلك من أمورهم، وبما يأتون ويذرون مما أحل أو حرم عليهم، حافظ ذلك كله عليهم، "حكيم" بتدبيره فيهم، في تصريفهم فيما صرفهم فيه. واختلف أهل العربية في معنى قوله: "يريد الله ليبين لكم".
فقال بعضهم: معنى ذلك: يريد الله هذا من أجل أن يبين لكم. وقال: ذلك كما قال: "وأمرت لأعدل بينكم" [الشورى: 115] بكسر اللام، لأن معناه: أمرت بهذا من أجل ذلك.
وقال آخرون: معنى ذلك: يريد الله أن يبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم. وقالوا: من شأن العرب التعقيب بين كي ولام كي وأن، ووضع كل واحدة منهن موضع كل واحدة من أختها مع أردت وأمرت. فيقولون: أمرتك أن تذهب، ولتذهب وأردت أن تذهب ولتذهب، كما قال الله جل ثناؤه: "وأمرنا لنسلم لرب العالمين" [الأنعام: 71]، وقال في موضع آخر: "قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم" [الأنعام: 14]، وكما قال: "يريدون ليطفئوا نور الله" [الصف: 8]، ثم قال في موضع آخر: "يريدون أن يطفئوا" [التوبة: 32]. واعتلوا في توجيههم أن مع أمرت وأردت إلى معنى كي، وتوجيه كي مع ذلك إلى معنى أن، لطلب أردت وأمرت الاستقبال، وأنها لا يصلح معها الماضي، لا يقال: أمرتك أن قمت، ولا أردت أن قمت. قالوا: فلما كانت أن قد تكون مع الماضي في غير أردت وأمرت، وكدوا لها معنى الاستقبال بما لا يكون معه ماض من الأفعال بحال، من كي واللام التي في معنى كي. قالوا: وكذلك جمعت العرب بينهن أحياناً في الحرف الواحد، فقال قائلهم في الجمع:
أردت لكيما أن تطير بقربتي فتتركها شناً ببيداء بلقع
فجمع بينهن، لاتفاق معانيهن واختلاف ألفاظهن، كما قال الآخر:
قد يكسب المال الهدان الجافي بغير لا عصف ولا اصطراف
فجمع بين غير ولا توكيداً للنفي. قالوا: إنما يجوز أن يجعل أن مكان كي، وكي مكان أن، في الأماكن التي لا يصحب جالب ذلك ماض من الأفعال أو غير المستقبل. فأما ما صحبه ماض من الأفعال وغير المستقبل، فلا يجوز ذلك. لا يجوز عندهم أن يقال: ظننت ليقوم، ولا: أظن ليقوم، بمعنى: أظن أن يقوم، لأن [أن]، التي تدخل مع الظن تكون مع الماضي من الفعل، يقال: أظن أن قد قام زيد، ومع المستقبل، ومع الأسماء.
قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بالصواب عندي، قول من قال: إن اللام في قوله: "يريد الله ليبين لكم"، بمعنى: يريد الله أن يبين لكم، لما ذكرت من علة من قال إن ذلك كذلك.
قوله تعالى :" يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم "
أي ليبين لكم أمر دينكم ومصالح أمركم، وما يحل لحكم وما يحرم عليكم وذلك يدل على امتناع خلو واقعة عن حكم الله تعالى ، ومنه قوله تعالى :" ما فرطنا في الكتاب من شيء " [الأنعام:38] على ما يأتي، وقال بعد هذا : " يريد الله أن يخفف عنكم " [النساء :28] فجاء هذا بأن الأول باللام فقال الفراء: العرب تعاقب بين لام كي وأن فتأتي باللام التي على معنى كي في موضع أن في أردت وأمرت فيقولون : أردت أن تفعل وأردت لتفعل لأنهما يطلبان المستقبل ولا يجوز ظننت لتفعل لأنك تقول ظننت أن قد قمت وفي التنزيل" وأمرت لأعدل بينكم " [الشورى:15] " وأمرنا لنسلم لرب العالمين " [ الأنعام : 71] " يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم " [الصف:8] " يريدون أن يطفئوا نور الله" [التوبة:32] قال الشاعر :
أريد لأنسى ذكرها فكأنما تمثل لي ليلى بكل سبيل
يريد أن أنسى قال النحاس: وخطأ الزجاج هذا القول وقال : لو كانت اللام بمعنى أن لدخلت عليا لام أخرى كما تقول جئت كي تكرمني ثم تقول جئت لكي تكرمني وأنشدنا:
أردت لكيما يعلم الناس أنها سراويل قيس الوفود شهود
قال والتقدير إرداته لبين لكم، قال النحاس وزاد الأمر على هذا حتى سماها بعض القراء لام أن وقيل: المعنى يريد الله هذا من أجل أن يبين لكم .
"ويهديكم سنن الذين من قبلكم" أي من أهل الحق، وقيل: معنى " يهديكم " يبين لكم طرق الذين من قبلكم من أهل الحق وأهل الباطل وقال بعض أهل النظر في هذا دلل على أن كل ما حرم الله قبل هذه الآية علينا فقد حرم على من كان قبلنا، قال النحاس: وهذا غلط لأنه يكون المعنى ويبين لكم أمر من كان قبلكم ممن كان يجتنب ما نهي عنه وقد يكون ويبين لكم كما بين لمن كان قبلكم من الأنبياء فلا يومى به إلى هذا بعينه، ويقال: إن قوله " يريد الله " ابتداء القصة ، أي يريد الله أن يبين لكم كيفية طاعته. " ويهديكم" يعرفكم" سنن الذين من قبلكم " أنهم لما تركوا كيف عاقبتهم ، وأنتم إذا فعلتم ذلك لا أعاقبكم ولكني أتوب عليكم " والله عليم" بمن تاب " حكيم " بقبول التوبة .
يخبر تعالى أنه يريد أن يبين لكم أيها المؤمنون ما أحل لكم وحرم عليكم مما تقدم ذكره في هذه السورة وغيرها, "ويهديكم سنن الذين من قبلكم" يعني طرائقهم الحميدة واتباع شرائعه التي يحبها ويرضاها, "ويتوب عليكم" أي من الإثم والمحارم, "والله عليم حكيم" أي في شرعه وقدره وأفعاله وأقواله. وقوله: "ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً" أي يريد أتباع الشياطين من اليهود والنصارى والزناة أن تميلوا عن الحق إلى الباطل ميلاً عظيماً "يريد الله أن يخفف عنكم" أي في شرائعه وأوامره ونواهيه وما يقدره لكم, ولهذا أباح الإماء بشروط, كما قال مجاهد وغيره "وخلق الإنسان ضعيفاً" فناسبه التخفيف لضعفه في نفسه وضعف عزمه وهمته. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن إسماعيل, حدثنا وكيع عن سفيان, عن ابن طاوس, عن أبيه "وخلق الإنسان ضعيفاً" أي في أمر النساء. وقال وكيع: يذهب عقله عندهن. وقال موسى الكليم عليه السلام لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم, ليلة الإسراء حين مر عليه راجعاً من عند سدرة المنتهى, فقال له: ماذا فرض عليكم, فقال: أمرني بخمسين صلاة في كل يوم وليلة, فقال له: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف, فإن أمتك لا تطيق ذلك, فإني قد بلوت الناس قبلك على ما هو أقل من ذلك فعجزوا, وإن أمتك أضعف أسماعاً وأبصاراً وقلوباً, فرجع, فوضع عشراً. ثم رجع إلى موسى فلم يزل كذلك حتى بقيت خمساً, الحديث.
قوله 26- "يريد الله ليبين لكم" اللام هنا هي لام كي التي تعاقب أن. قال الفراء: العرب تعاقب بين لام كي وأن، فتأتي باللام التي على معنى كي في موضع أن في أردت وأمرت، فيقولون: أردت أن تفعل وأردت لتفعل، ومنه "يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم" "وأمرت لأعدل بينكم" "وأمرنا لنسلم لرب العالمين" ومنه:
أريد لأنسى ذكرها فكأنما تمثل لي ليلى بكل سبيل
وحكى الزجاج هذا القول وقال: لو كانت اللام بمعنى أن لدخلت عليها لام أخرى كما تقول: جئت كي تكرمني، ثم تقول: جئت لكي تكرمني، وأنشد:
أردت لكيما يعلم الناس أنها سراويل قيس والوفود شهود
وقيل: اللام زائدة لتأكيد معنى الاستقبال، أو لتأكيد إرادة التبيين، ومفعول يبين محذوف: أي ليبين لكم ما خفي عليكم من الخير، وقيل: مفعول يريد محذوف: أي يريد الله هذا ليبين لكم، وبه قال البصريون وهو مروي عن سيبويه، وقيل: اللام بنفسها ناصبة للفعل من غير إضمار أن، وهي وما بعدها مفعول للفعل المتقدم، وهو مثل قول الفراء السابق، وقال بعض البصريين: إن قوله "يريد" مؤول بالمصدر مرفوع بالابتداء مثل: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه. ومعنى الآية: يريد الله ليبين لكم مصالح دينكم وما يحل لكم وما يحرم عليكم "ويهديكم سنن الذين من قبلكم" أي: طرقهم، وهم الأنبياء وأتباعهم لتقتدوا بهم "ويتوب عليكم" أي: ويريد أن يتوب عليكم فتوبوا إليه وتلافوا ما فرط منكم بالتوبة يغفر لكم ذنوبكم.
26-قوله تعالى:"يريد الله ليبين لكم"،أي: أن يبين لكم ، كقوله تعالى:"وأمرت لأعدل بينكم"(الشورى-15) أي: أن أعدل، وقوله:"وأمرنا لنسلم لرب العالمين"(الأنعام-71) وقال في موضع آخر "وأمرت أن أسلم" (غافر -66).
الآية:يريد الله أن يبين لكم،أي: يوضح لكم شرائع دينكم ومصالح أموركم، قالعطاء : يبين، لكم ما يقربكم منه، قالالكلبي : يبين لكم أن الصبر عن نكاح الإماء خير لكم ، "ويهديكم" ، ويرشدكم،"سنن" ، شرائع،"الذين من قبلكم"، في تحريم الأمهات والبنات والأخوات ، فإنها كانت وقيل: ويهديكم الملة الحنيفية وهي ملة إبراهيم عليه السلام، "ويتوب عليكم" ، ويتجاوز عنكم ما أصبتم قبل أن يبين لكم، وقيل: يرجع بكم من المعصية التي كنتم عليها إلى طاعتهن وقيل: يوفقكم للتوبة "والله عليم" بمصالح عباده في أمر دينهم ودنياهم،"حكيم" ، فيما دبر من أمورهم.
26" يريد الله ليبين لكم " ما تعبدكم به من الحلال والحرام، أو ما خفي عنكم من مصالحكم ومحاسن أعمالكم، وليبين مفعول يريد واللام زيدت لتأكيد معنى الاستقبال اللازم للإرادة كما في قول قيس بن سعد:
أردت لكي ما يعلم الناس أنه سراويل قيس والوفود شهود
وقيل المفعول محذوف، وليبين مفعول له أي يريد الحق لأجله. " ويهديكم سنن الذين من قبلكم " مناهج من تقدمكم من أهل الرشد لتسلكوا طرقهم. " ويتوب عليكم " ويغفر لكم ذنوبكم، أو يرشدكم إلى ما يمنعكم من المعاصي ويحثكم على التوبة، أو إلى ما يكون كفارة لسيئاتكم. " والله عليم " بها " حكيم " في وضعها.
26. Allah would explain to you and guide you by the examples of those who were before you, and would turn to you in mercy. Allah is Knower, Wise.
26 - God doth wish to make clear to you and to show you the ordinances of those before you; and (he doth wish to) turn to you (in mercy): and God is all knowing, all wise.