26 - (وآت) أعط (ذا القربى) القرابة (حقه) من البر والصلة (والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا) بالإنفاق في غير طاعة الله
قوله تعالى وآت ذا القربى الآية أخرج الطبراني وغيره عن أبي سعيد الخدري قال لما أنزلت وآت ذا القربى حقه دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة فأعطاها فدك قال ابن كثير هذا مشكل فانه يشعر بأن الآية مدنية والمشهور خلافه وروى مردويه عن ابن عباس مثله
قوله تعالى وإذا قرأت القرآن الآية أخرج ابن المنذر عن ابن شهاب قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تلا القرآن على مشركي قريش ودعاهم إلى الكتاب قالوا يهزؤون به قلوبنا في أكنة مما تدعونا الله وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فأنزل الله في ذلك من قولهم وإذا قرأت القرآن الآيات
اختلف أهل التاويل في المعني بقوله " وآت ذا القربى" فقال بعضهم : عني به : قرابة الميت من قبل أبيه وأمه ، أمر الله جل ثناؤه عباده بصلتها .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا عمران بن موسى ، قال : ثنا عبد الوارث بن سعيد ، قال : ثنا حبيب المعلم ، قال : سأل رجل الحسن ، قال : أعطي قرابتي زكاة مالي ؟ فقال : إن لهم في ذلك لحقا سوى الزكاة، ثم تلا هذه الآية " وآت ذا القربى حقه " .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عكرمة ، قوله " وآت ذا القربى حقه " قال : صلته التي تريد أن تصله بها ما كنت تريد أن تفعله إليه .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله " وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل " قال : هو أن تصل ذا القرابة والمسكين وتحسن إلى ابن السبيل . وقال آخرون : بل عني به قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم . ذكرمن قال ذلك :
حدثني محمد بن عمارة الأسدي ، قال : ثنا إسماعيل بن أبان ، قال : ثنا الصباح بن يحيى المزني ، عن السدي ، عن أبي الديلم ، قال : قال علي بن الحسين عليهما السلام لرجل من أهل الشام : أقرأت القرآن ؟ قال : نعم ، قال : أفما قرأت في بني إسرائيل " وآت ذا القربى حقه " ؟ قال : وإنكم للقرابة التي أمر الله جل ثناؤه أن يؤتى حقه ؟ قال : نعم .
وأولى التأويلين عندي بالصواب ، تاويل من تأول ذلك أنها بمعنى وصية الله عباده بصلة قرابات أنفسهم وأرحامهم من قبل آبائهم وأمهاتهم ، وذلك أن الله عز وجل عقب ذلك عقيب حضة عباده على بر الآباء والأمهات ، فالواجب أن يكون ذلك حضا عاى صلة أنسابهم دون أنساب غيرهم التي لم يجر لها ذكر. وإذا كان ذلك كذلك ، فتاويل الكلام : وأعط يا محمد ذا قرابتك حقه من صلتك إياه ، وبرك به ، والعطف عليه ، وخرج ذلك مخرج الخطاب لنبي الله صلى الله عليه وسلم ، والمراد بحكمه جميع من لزمته فرائض الله ،
يدل على ذلك ابتداؤه الوصية بقوله جل ثناؤه " وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما " فوتجه الخطاب بقوله " وقضى ربك " إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال " أن لا تعبدوا إلا إياه " فرجع بالخطاب به إلى الجميع ، ثم صرف الخطاب بقوله " إما يبلغن عندك " إلى إفراده به .
والمعني بكل ذلك جميع من لزمته فرائض الله عز وجل ، أفرد بالخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده ، أو عم به هو وجميع أمته .
وقوله " والمسكين " وهو الذلة من أهل الحاجة . وقد دللنا فيما مضى على معنى المسكين بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. وقوله " وابن السبيل " يعني : المسافر المنقطع به ، يقول تعالى : وصل قرابتك ، فأعطه حقه من صلتك إياه ، والمسكين ذا الحاجة ، والمجتاز بك المنقطع به ، فأعنه ، وقوه على قطع سفره ، وقد قيل : إنما عنى بالأمر بإتيان ابن السبيل حقه أن يضاف ثلاثة أيام .
والقول الأول عندي أولى بالصواب ، لأن الله تعالى لم يخصص من حقوقه شيئا دون شيء فى كتابه ، ولا على لسان رسوله ، فذلك عام في كل حق له أن يعطاه من ضيافة أو حمولة أو معونة على سفره . وقوله " ولا تبذر تبذيرا" يقول : ولا تفرق يا محمد ما أعطاك الله من مال -في معصيته تفريقا. وأصل التبذير: التفريق في السرف ، ومنه قول الشاعر:
أناس أجارونا فكان جوارهم أعاصير من فسق العراق المبذر
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التاويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عبيد المحاربي ، قال : ثنا أبو الأحوص ، عن أبي إسحاق ، عن أبي العبيدين ، قال : قال عبد الله في قوله " ولا تبذر تبذيرا" قال : التبذير في غير الحق ، وهو الإسراف .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن سلمة ، عن مسلم البطين ، عن أبي العبيدين ، قال : سئل عبد الله عن المبذر فقال : الإنفاق في غير حق .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن الحكم ، قال : سمعت يحيى بن الجزار يحدث عن أبي العبيدين ضرير البصر، أنه سئل عبد الله بن مسعود عن هذه الآية " ولا تبذر تبذيرا" قال : إنفاق المال في غير حقه .
حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة ، قال : ثنا ابن إدريس ، عن الأعمش ، عن الحكم ، عن يحيى بن الجزار ، عن أبي العبيدين ، عن عبد الله ، مثله .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، قال : أخبرنا شعبة ، عن الحكم بن عتيبة ، عن يحيى بن الجزار أن أبا العبيدين كان ضرير البصر، سأل ابن مسعود فقال : ما التبذير؟ فقال : إنفاق المال في غير حقه .
حدثنا خلاد بن أسلم ، قال : أخبرنا النضر بن شميل ، قال : أخبرنا المسعودي ، قال : أخبرنا سلمة بن كهيل ، عن أبي العبيدين ، وكانت به زمانة، وكان عبد الله يعرف له ذلك ، فقال : يا أبا عبد الرحمن ، ما التبذير؟ فذكر مثله.
حدثنا أحمد بن منصور الرمادي ، قال ثنا أبو الحوءب ، عن عمار بن زريق ، عن أبي إسحاق ، عن حارثة بن مضرب ، عن أبي العبيدين ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : كنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم نتحدث أن التبذير: النفقة في غيرحقه .
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا يحيى بن كثير العنبري ، قال : ثنا شعبة ، قال : كنت أمشي مع أبي إسحاق في طريق الكوفة، فاتى على دار تبنى وآجر، فقال : هذا التبذير في قول عبد الله إنفاق المال في غيرحقه .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله " ولا تبذر تبذيرا" قال : المبذر: المنفق في غير حقه .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا عباد ، عن حصين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : المبذر: المنفق في غيرحقه .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عطاء الخراساني ، عن ابن عباس ، قال : لا تنفق في الباطل ، فإن المبذر: هو المسرف في غير حق .
قال ابن جريج وقال مجاهد : لوأنفق إنسان ماله كله في الحق ما كان تبذيرا، ولو أنفق مداً في باطل كان تبذيرا .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " ولا تبذر تبذيرا" قال : التبذير: النفقة في معصية الله ، وفي غير الحق وفي الفساد.
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله " وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل " قال : بدأ بالوالدين قبل هذا، فلما فرغ من الوالدين وحقهما، ذكر هؤلاء وقال " لا تبذر تبذيرا" : لا تعط في معاصي الله .
فيه ثلاث مسائل :
الأولى : قوله تعالى : وآت ذا القربى حقه : أي كما راعيت حق الوالدين فصل الرحم ، ثم تصدق على المسكين وابن السبيل . وقال علي بين الحسين في قوله تعالى : وآت ذا القربى حقه هم قرابة النبي صلى الله عليه وسلم ، أمر صلى الله عليهوسلم بإعطائهم حقوقهم من بيت المال ، أي من سهم ذوي القربى من الغزو والغنيمة ، ويكون خطابا للولاة او من قام مقامهم . وألحق في هذه الآية ما يتعين من صلة الرحم ، وسد الخلة ، والمواساة عند الحاجة بالمال ، والمعونة بكل وجه .
الثانية : قوله تعالى : ولا تبذر تبذيرا اي لا تسرف في الإنفاق في غير حق . قال الشافعي رضي الله عنه : والتبذير غنفاق المال في غير حقه ، ولا تبذير في عمل الخير . وهذا قول الجمهور . وقال أشهب عن مالك : التبذير هو أخذ المال من حقه ووضعه في غير حقه ، وهو الإسراف ، وهو حرام .
لما ذكر تعالى بر الوالدين, عطف بذكر الإحسان إلى القرابة وصلة الأرحام, وفي الحديث "أمك وأباك ثم أدناك أدناك" وفي رواية "ثم الأقرب فالأقرب", وفي الحديث "من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أجله, فليصل رحمه" وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا عباد بن يعقوب , حدثنا أبو يحيى التميمي , حدثنا فضيل بن مرزوق عن عطية عن أبي سعيد قال: لما نزلت " وآت ذا القربى حقه " دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة فأعطاها فدك, ثم قال: لا نعلم حدث به عن فضيل بن مرزوق إلا أبو يحيى التميمي وحميد بن حماد بن أبي الخوار , وهذا الحديث مشكل لو صح إسناده, لأن الاية مكية, وفدك إنما فتحت مع خيبر سنة سبع من الهجرة, فكيف يلتئم هذا مع هذا ؟ فهو إذاً حديث منكر, والأشبه أنه من وضع الرافضة, والله أعلم, وقد تقدم الكلام على المساكين وأبناء السبيل في سورة براءة بما أغنى عن إعادته ههنا.
وقوله "ولا تبذر تبذيراً" لما أمر بالإنفاق, نهى عن الإسراف فيه, بل يكون وسطاً كما قال في الاية الأخرى "والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا" الاية, ثم قال منفراً عن التبذير والسرف "إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين" أي أشباههم في ذلك. قال ابن مسعود : التبذير الإنفاق في غير حق, وكذا قال ابن عباس , وقال مجاهد : لو أنفق إنسان ماله كله في الحق لم يكن مبذراً, ولو أنفق مداً في غير حق كان مبذراً. وقال قتادة : التبذير النفقة في معصية الله تعالى, وفي غير الحق والفساد.
وقال الإمام أحمد : حدثنا هاشم بن القاسم , حدثنا الليث عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال , عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: " أتى رجل من بني تميم إلى رسول الله فقال: يا رسول الله إني ذو مال كثير, وذو أهل وولد وحاضرة, فأخبرني كيف أنفق, وكيف أصنع ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تخرج الزكاة من مالك إن كان, فإنها طهرة تطهرك, وتصل أقرباءك, وتعرف حق السائل والجار والمسكين فقال: يا رسول الله أقلل لي ؟ فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيراً فقال: حسبي يا رسول الله إذا أديت الزكاة إلى رسولك فقد برئت منها إلى الله وإلى رسوله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم إذا أديتها إلى رسولي فقد برئت منها ولك أجرها, وإثمها على من بدلها".
وقوله: "إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين" أي في التبذير والسفه وترك طاعة الله وارتكاب معصيته, ولهذا قال "وكان الشيطان لربه كفوراً" أي جحوداً, لأنه أنكر نعمة الله عليه ولم يعمل بطاعته, بل أقبل على معصيته ومخالفته. وقوله: "وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك" الاية, أي إذا سألك أقاربك ومن أمرناك بإعطائهم وليس عندك شيء, أعرضت عنهم لفقد النفقة "فقل لهم قولاً ميسوراً" أي عدهم وعداً بسهولة ولين, إذا جاء رزق الله فسنصلكم إن شاء الله, هكذا فسر قوله: "فقل لهم قولاً ميسوراً" بالوعد, مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والحسن وقتادة وغير واحد.
ثم ذكر سبحانه التوصية بغير الوالدين من الأقارب بعد التوصية بهما فقال: 26- "وآت ذا القربى حقه" والخطاب إما لرسول الله صلى الله عليه وسلم تهييجاً وإلهاباً لغيره من الأمة، أو لكل من هو صالح لذلك من المكلفين كما في قوله: "وقضى ربك" والمراد بذي القربى ذو القرابة، وحقهم هو صلة الرحم التي أمر الله بها، وكرر التوصية فيها، والخلاف بين أهل العلم في وجوب النفقة للقرابة، أو لبعضهم كالوالدين على الأولاد، والأولاد على الوالدين معروف. والذي ينبغي الاعتماد عليه وجوب صلتهم بما تبلغ إليه القدرة وحسبما يقتضيه الحال "والمسكين" معطوف على "ذا القربى"، وفي هذا العطف دليل على أن المراد بالحق الحق المالي "وابن السبيل" معطوف على "المسكين"، والمعنى: وآت من اتصف بالمسكنة، أو يكونه من أبناء السبيل حقه. وقد تقدم بيان حقيقة المسكين وابن السبيل في البقرة، وفي التوبة. والمراد في هذه الآية التصدق عليهما بما بلغت إليه القدرة من صدقة النفل، أو مما فرضه الله لهما من صدقة الفرض، فإنهما من الأصناف الثمانية التي هي مصرف الزكاة. ثم لما أمرسبحانه بما أمر به ها هنا نهى عن التبذير فقال: "ولا تبذر تبذيراً" التبذير تفريق المال كما يفرق البذر كيفما كان من غير تعمد لمواقعه، وهو الإسراف المذموم لمجاوزته للحد المستحسن شرعاً في الإنفاق، أو هو الإنفاق في غير الحق، وإن كان يسيراً. قال الشافعي: التبذير إنفاق المال في غير حقه، ولا تبذير في عمل الخير. قال القرطبي بعد حكايته لقول الشافعي هذا: وهذا قول الجمهور. قال أشهب عن مالك: التبذير هو أخذ المال من حقه، ووضعه في غير حقه، وهو الإسراف.
26 - قوله تعالى : " وآت ذا القربى حقه " ، يعني صلة الرحم ، وأراد به : قرابة الإنسان ، وعليه الأكثرون .
عن علي بن الحسين : أراد به قرابة الرسول صلى الله عليه وسلم .
" والمسكين وابن السبيل ، ولا تبذر تبذيراً " ، أي : لا تنفق مالك في المعصية .
وقال مجاهد : لو أنفق الإنسان ماله كله في الحق ما كان تبذيراً ، ولو أنفق مداً في باطل كان تبذيراً .
وسئل ابن مسعود عن التبذير فقال : إنفاق المال في غير حقه .
قال شعبة : كنت أمشي مع أبي إسحاق في طريق الكوفة ، فأتى على باب دار بني بجص وآجر ، فقال : هذا التبذير .
وفي قول عبد الله: إنفاق المال من غير حقه .
26."وآت ذا القربى حقه"من صلة الرحم وحسن المعاشرة والبر عليهم. وقالأبو حنيفة:حقهم إذا كانوا محارم فقراء أن ينفق عليهم . وقيل المراد بذي القربى أقارب الرسول صلى الله عليه وسلم."والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيراً"بصرف المال فيما لا ينبغي وإنفاقه على وجه الإسراف، وأصل التبذير التفريق . وعن النبي صلى الله عليه وسلم"أنه قال لسعد وهو يتوضأ: ما هذا السرف قال: أو في الوضوء سرف قال: نعم وإن كنت على نهر جار".
26. Give the kinsman his due, and the needy, and the wayfarer, and squander not (thy wealth) in wantonness.
26 - And render to the kindred their due rights, as (also) to those in want, and to the wayfarer: but squander not (your wealth) in the manner of a spendthrift.