26 - (للذين أحسنوا) بالإيمان (الحسنى) الجنة (وزيادة) هي النظر إليه تعالى كما في حديث مسلم (ولا يرهق) يغشى (وجوههم قتر) سواد (ولا ذلة) كآبة (أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: للذين أحسنوا عبادة الله في الدنيا من خلقه، فأطاعوه فيما أمر ونهى، " الحسنى ".
ثم اختلف أهل التأويل في معنى ((الحسنى))، و((الزيادة))، اللتين وعدهما المحسنين من خلقه.
فقال بعضهم: " الحسنى "، هي الجنة، جعلها الله للمحسنين من خلقه جزاءً، و((الزيادة عليها))، النظر إلى الله.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحق ، عن عامر بن سعد، عن أبي بكر الصديق: " للذين أحسنوا الحسنى وزيادة "، قال: النظر إلى وجه ربهم.
حدثنا سفيان قال، حدثنا حميد بن عبد الرحمن، عن قيس، عن أبي إسحق ، عن عامر بن سعد، عن سعيد بن نمران، عن أبي بكر: " للذين أحسنوا الحسنى وزيادة "، قال: النظر إلى وجه الله.
حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن أبي إسحق ، عن عامر بن سعد " للذين أحسنوا الحسنى وزيادة "، قال: النظر إلى وجه ربهم.
حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن أبي إسحق ، عن عامر بن سعد، قال في هذه الآية: " للذين أحسنوا الحسنى وزيادة "، قال: ((الزيادة))، النظر إلى وجه الرحمن.
حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحق ، عن مسلم بن نذير، عن حذيفة: " للذين أحسنوا الحسنى وزيادة "، قال: النظر إلى وجه ربهم.
حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي قال، حدثنا شريك قال، سمعت أبا إسحق يقول في قول الله: " وزيادة "، قال: النظر إلى وجه الرحمن.
حدثني علي بن عيسى قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا أبو بكر الهذلي قال، سمعت أبا تميمة الهجيمي، يحدث عن أبي موسى الأشعري، قال: إذا كان يوم القيامة، بعث الله إلى أهل الجنة منادياً ينادي: ((هل أنجزكم الله ما وعدكم))! فينظرون إلى ما أعد الله لهم من الكرامة، فيقولون: نعم! فيقول: " للذين أحسنوا الحسنى وزيادة "، النظر إلى وجه الرحمن.
حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك ، عن أبي بكر الهذلي قال، أخبرنا أبو تميمة الهجيمي قال، سمعت أبا موسى الأشعري يخطب على منبر البصرة يقول: إن الله يبعث يوم القيامة ملكاً إلى أهل الجنة فيقول: ((يا أهل الجنة، هل أنجزكم الله ما وعدكم))! فينظرون، فيرون الحلي والحلل والثمار والأنهار والأزواج المطهرة، فيقولون: ((نعم، قد أنجزنا الله ما وعدنا))! ثم يقول الملك: ((هل أنجزكم الله ما وعدكم))؟ثلاث مرات، فلا يفقدون شيئاً مما وعدوا، فيقولون: ((نعم))! فيقول: ((قد بقي لكم شيء، إن الله يقول: " للذين أحسنوا الحسنى وزيادة "، ألا إن الحسنى الجنة، والزيادة النظر إلى وجه الله)).
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني شبيب، عن أبان، عن أبي تميمة الهجيمي: أنه سمع أبا موسى الأشعري يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله يبعث يوم القيامة منادياً ينادي أهل الجنة بصوت يسمع أولهم وآخرهم: ((إن الله وعدكم الحسنى وزيادةً، فالحسنى الجنة، والزيادة النظر إلى وجه الرحمن)) ".
حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا حماد بن زيد، عن ثابت البناني، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: " للذين أحسنوا الحسنى وزيادة "، قال: النظر إلى وجه ربهم. وقرأ: " ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة "، قال: بعد النظر إلى وجه ربهم.
حدثني المنثى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك ، عن سليمان بن المغيرة قال، أخبرنا ثابت، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى في قوله: " وزيادة "، قال: قيل له: أرأيت قوله: " للذين أحسنوا الحسنى وزيادة "؟ قال: إن أهل الجنة إذا دخلوا الجنة فأعطوا فيها ما أعطوا من الكرامة والنعيم، قال: نودوا: يا أهل الجنة، إن الله قد وعدكم الزيادة))، فيتجلى لهم. قال ابن أبي ليلى : فما ظنك بهم حين ثقلت موازينهم، وحين صارت الصحف في أيمانهم، وحين جاوزوا جسر جهنم ودخلوا الجنة، وأعطوا فيها ما أعطوا من الكرامة والنعيم؟ كل ذلك لم يكن شيئاً فيما رأوا!
... قال، حدثنا ابن المبارك ، عن معمر، وسليمان بن المغيرة، عن ثابت البناني، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى:" للذين أحسنوا الحسنى وزيادة "، قال:النظر إلى وجه ربهم.
... قال، حدثنا الحجاج، ومعلى بن أسد قالا، حدثنا حماد بن زيد، عن ثابت، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: إذا دخل أهل الجنة الجنة قال لهم: إنه قد بقي من حقكم شيء لم تعطوه! قال: فيتجلى لهم تبارك وتعالى. قال: فيصغر عندهم كل شيء أعطوه. قال: ثم قال: " للذين أحسنوا الحسنى وزيادة "، قال: الحسنى الجنة، والزيادة النظر إلى وجه ربهم، ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة بعد ذلك.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن ثابت البناني، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: " للذين أحسنوا الحسنى وزيادة "، النظر إلى وجه الله.
حدثنا ابن بشار قال، تحدثنا هوذة قال، حدثنا عوف، عن الحسن في قول الله: " للذين أحسنوا الحسنى وزيادة "، النظر إلى الرب.
حدثنا عمرو بن علي ومحمد بن بشار قالا، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الآية: " " للذين أحسنوا الحسنى وزيادة "، قال: إذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، نودوا: ((يا أهل الجنة، إن لكم عند الله موعداً))! قالوا: ما هو؟ ألم تبيض وجوهنا، وتثقل موازيننا، وتدخلنا الجنة، وتنجنا من النار؟ فيكشف الحجاب، فيتجلى لهم، فوالله ما أعطاهم شيئاً أحب إليهم من النظر إليه ". ولفظ الحديث لعمرو.
حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج بن المنهال قال، حدثنا حماد، عن ثابت، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن صهيب قال: " تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: " للذين أحسنوا الحسنى وزيادة "، قال: إذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، نادى مناد: ((يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعداً يريد أن ينجزكموه)). فيقولون: ((وما هو؟ ألم يثقل الله موازيننا ويبيض وجوهنا؟)) "، ثم ذكر سائر الحديث نحو حديث عمرو بن علي، وابن بشار، عن عبد الرحمن.
... قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن أبي إسحق ، عن سعيد بن نمران، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه: " للذين أحسنوا الحسنى وزيادة "، قال: النظر إلى وجه الله تبارك وتعالى.
... قال، حدثنا شريك، عن أبي إسحق عن عامر بن سعد، مثله.
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة : قوله: " للذين أحسنوا الحسنى وزيادة "، بلغنا أن المؤمنين لما دخلوا الجنة ناداهم مناد: إن الله وعدكم الحسنى، وهي الجنة، وأما الزيادة، فالنظر إلى وجه الرحمن.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ، مثله.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا إبراهيم بن المختار، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن كعب بن عجرة، " عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: " للذين أحسنوا الحسنى وزيادة "، قال: الزيادة، النظر إلى وجه الرحمن تبارك وتعالى " .
... قال، حدثنا جرير، عن ليث ، عن عبد الرحمن بن سابط قال: " الحسنى "، النضرة، و((الزيادة))، النظر إلى وجه الله.
حدثنا ابن البرقي قال، حدثنا عمرو بن أبي سلمة قال، سمعت زهيراً، عمن سمع أبا العالية قال، " حدثنا أبي بن كعب: أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن قول الله: " للذين أحسنوا الحسنى وزيادة "، قال: الحسنى الجنة، والزيادة النظر إلى وجه الله ".
وقال آخرون في ((الزيادة ))، بما:
حدثنا به يحيى بن طلحة قال، حدثنا فضيل بن عياض، عن منصور، عن الحكم ، عن علي رضي الله عنه: " للذين أحسنوا الحسنى وزيادة "، قال: ((الزيادة))، غرفة من لؤلؤة واحدة لها أربعة أبواب.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عمرو، عن منصور، عن الحكم، عن علي رضي الله عنه، نحوه، إلا أنه قال: فيها أربعة أبواب.
... قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن الحكم بن عتيبة، عن علي رضي الله عنه، مثل حديث يحيى بن طلحة، عن فضيل، سواءً.
وقال آخرون: " الحسنى "، واحدة من الحسنات بواحدة، و((الزيادة))، التضعيف إلى تمام العشر.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: " للذين أحسنوا الحسنى وزيادة "، قال: هو مثل قوله: " ولدينا مزيد "، [ق: 35]، يقول: يجزيهم بعملهم، ويزيدهم من فضله. وقال: " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون "، [الأنعام: 160].
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن قابوس، عن أبيه، عن علقمة بن قيس: " للذين أحسنوا الحسنى وزيادة "، قال قلت: هذه الحسنى، فما الزيادة؟ قال ألم تر أن الله يقول: " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها "؟ [الأنعام: 160].
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: كان الحسن يقول في هذه الآية: " للذين أحسنوا الحسنى وزيادة "، قال: الزيادة بالحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف.
وقال آخرون: " الحسنى " حسنة مثل حسنة، و((الزيادة))، زيادة مغفرة من الله ورضوان.
ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد : " للذين أحسنوا الحسنى "، مثلها حسنى " وزيادة "، مغفرة ورضوان.
وقال آخرون: ((الزيادة))، ما أعطوا في الدنيا.
ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " للذين أحسنوا الحسنى وزيادة "، قال: " الحسنى "، الجنة، " وزيادة "، ما أعطاهم في الدنيا، لا يحاسبهم به يوم القيامة. وقرأوا: " وآتيناه أجره في الدنيا "، [العنكبوت: 27]. قال: ما آتاه مما يحب في الدنيا، عجل له أجره فيها.
وكان ابن عباس يقول في قوله: " للذين أحسنوا الحسنى "، بما:
حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: " للذين أحسنوا الحسنى "، يقول: للذين شهدوا أن لا إله إلا الله.
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تبارك وتعالى وعد المحسنين من عباده على إحسانهم الحسنى، أن يجزيهم على طاعتهم إياه الجنة، وأن تبيض وجوههم، ووعدهم مع الحسنى الزيادة عليها. ومن الزيادة على إدخالهم الجنة أن يكرمهم بالنظر إليه، وأن يعطيهم غرفاً من لآلىء، وأن يزيدهم غفراناً ورضواناً، كل ذلك من زيادات عطاء الله إياهم على الحسنى التي جعلها الله لأهل جناته. وعم ربنا جل ثناؤه بقوله: " وزيادة "، الزيادات على " الحسنى "، فلم يخصص منها شيئاً دون شيء. وغير مستنكر من فضل الله أن يجمع ذلك لهم، بل ذلك كله مجموع لهم إن شاء الله. فأولى الأقوال في ذلك بالصواب، أن يعم، كما عمه عز ذكره.
القول في تأويل قوله تعالى:" ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ".
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله:" ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة "، لا يغشى وجوههم كآبة، ولا كسوف، حتى تصير من الحزن كأنما علاها قتر.
و((القتر)) الغبار، وهو جمع ((قترة))، ومنه قول الشاعر:
متوج برداء الملك يتبعه موج ترى فوقه الرايات والقترا
يعني بـ((التقر))، الغبار.
" ولا ذلة "، ولا هوان، " أولئك أصحاب الجنة "، يقول: هؤلاء الذين وصفت صفتهم، هم أهل الجنة وسكانها، ومن هو فيها، " هم فيها خالدون "، يقول: هم فيها ماكثون أبداً لا تبيد، فيخافوا زوال نعيمهم، ولا هم بمخرجين، فتتنغص عليهم لذتهم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
وكان ابن أبي ليلى يقول في قوله: " ولا يرهق وجوههم قتر "، ما:
حدثنا محمد بن منصور الطوسي قال، حدثنا عفان قال، حدثنا حماد بن زيد، عن ثابت، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: " ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة "، قال: بعد نظرهم إلى ربهم.
حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج، ومعلى بن أسد قالا: حدثنا حماد بن زيد، عن ثابت، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، بنحوه.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج ، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس قوله: " ولا يرهق وجوههم قتر"، قال: سواد الوجوه.
قوله تعالى: "للذين أحسنوا الحسنى وزيادة" روي من حديث أنس قال:
"سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى وزيادة قال: للذين أحسنوا العمل في الدنيا لهم الحسنى وهي الجنة والزيادة النظر إلى وجه الله الكريم" وهو قول أبي بكر الصديق وعلي بن أبي طالب في رواية. وحذيفة وعبادة بن الصامت وكعب بن عجرة وأبي موسى وصهيب وابن عباس في رواية، وهو قول جماعة من التابعين، وهو الصحيح في الباب. وروى مسلم في صحيحه عن صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"إذا دخل أهل الجنة الجنة قال الله تبارك وتعالى: تريدون شيئاً أزيدكم فيقولون ألم تبيض وجوهنا ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار؟ قال؟ قال فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل -وفي رواية ثم تلا- للذين أحسنوا الحسنى وزيادة" وخرجه النسائي أيضاً عن صهيب قال:
"قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: هذه الآية: "للذين أحسنوا الحسنى وزيادة" قال: إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار نادى مناد يا أهل الجنة إن لكم موعداً عند الله يريد أن ينجزكموه قالوا ألم تبيض وجوهنا ويثقل موازيننا ويجرنا من النار قال فيكشف الحجاب فينظرون إليه فوالله ما أعطاهم شيئاً أحب إليهم من النظر ولا أقر لأعينهم". وخرجه ابن المبارك في رقائقه عن أبي موسى الأشعري موقوفاً، وقد ذكرناه في كتاب التذكرة. وذكرنا هناك معنى كشف الحجاب، والحمد لله. وخرج الترمذي الحكيم أبو عبد الله رحمه الله: حدثنا علي بن حجر حدثنا الوليد بن مسلم عن زهير عن أبي العالية عن أبي بن كعب قال:
"سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الزيادتين في كتاب الله، في قوله: "للذين أحسنوا الحسنى وزيادة" قال: النظر إلى وجه الرحمن وعن قوله: "وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون" [الصافات: 147] قال: عشرون ألفاً". وقد قيل: إن الزيادة أن تضاعف الحسنة عشر حسنات إلى أكثر من ذلك، روي عن ابن عباس. وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: الزيادة غرفة من لؤلؤة واحدة لها أربعة آلاف باب. وقال مجاهد: الحسنى حسنة مثل حسنة، والزيادة مغفرة من الله ورضوان. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: الحسنى الجنة، والزيادة ما أعطاهم الله في الدنيا من فضله لا يحاسبهم به يوم القيامة. وقال عبد الرحمن بن سابط: الحسنى البشرى، والزيادة النظر إلى وجه الله الكريم، قال الله تعالى: "وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة" [القيامة: 22-23]. وقال يزيد بن شجرة: الزيادة أن تمر السحابة بأهل الجنة فتمطرهم من كل النوادر التي لم يروها، وتقول: يا أهل الجنة، ما تريدون أن أمطركم؟ فلا يريدون شيئاً إلا أمطرتهم إياه. وقيل: الزيادة أنه ما يمر عليهم مقدار يوم من أيام الدنيا إلا حتى يطيف بمنزل أحدهم سبعون ألف ملك، مع كل ملك هدايا من عند الله ليس مع صاحبه، ما رأوا مثل تلك الهدايا قط، فسبحان الواسع العليم الغني الحميد العلي الكبير العزيز القدير البر الرحيم المدبر الحكيم اللطيف الكريم الذي لا تتناهى مقدوراته. وقيل: أحسنوا أي معاملة الناس، والحسنى: شفاعتهم، والزيادة: إذن الله تعالى فيها وقبوله.
قوله تعالى: "ولا يرهق" قيل: معناه يلحق، ومنه قيل: غلام مراهق إذا لحق بالرجال. وقيل: يعلوا. وقيل: يغشى، والمعنى متقارب. "قتر" غبار. "ولا ذلة" أي مذلة، كما يلحق أهل النار، أي لا يلحقهم غبار في محشرهم إلى الله ولا تغشاهم ذلة. وأنشد أبو عبيدة للفرزدق:
متوج برداء الملك يتبعه موج ترى فوقه الرايات والقترا
وقرأ الحسن قتر بإسكان التاء. والقتر والقترة والقترة بمعنى واحد، قاله النحاس. وواحد القتر قترة، ومنه قوله تعالى: "ترهقها قترة" [عبس: 41] أي تعلوها غبرة. وقيل: قتر كآبة وكسوف. ابن عباس: القتر سواد الوجوه. ابن بحر: دخان النار، ومنه قتار القدر. وقال ابن أبي ليلى: هو بعد نظرهم إلى ربهم عز وجل.
قلت: هذا فيه نظر، فإن الله عز يقول: "إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون" -إلى قوله- "لا يحزنهم الفزع الأكبر" [الأنبياء: 101-103] وقال في غير آية: "ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون" [البقرة: 62] وقال: " إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا " [فصلت: 30] الآية. وهذا عام فلا يتغير بفضل الله في موطن من المواطن لا قبل النظر ولا بعده وجه المحسن بسواد من كآبة ولا حزن، ولا يعلوه شيء من دخان جهنم ولا غيره. "وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون" [آل عمران: 107].
يخبر تعالى أن لمن أحسن العمل في الدنيا بالإيمان والعمل الصالح: الحسنى في الدار الاخرة كقوله تعالى: "هل جزاء الإحسان إلا الإحسان" وقوله: "وزيادة" هي تضعيف ثواب الأعمال بالحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف وزيادة على ذلك أيضاً, ويشمل ما يعطيهم الله في الجنان من القصور والحور والرضا عنهم, وما أخفاه لهم من قرة أعين وأفضل من ذلك وأعلاه النظر إلى وجهه الكريم فإنه زيادة أعظم من جميع ما أعطوه لا يستحقونها بعملهم بل بفضله ورحمته, وقد روي تفسير الزيادة بالنظر إلى وجهه الكريم عن أبي بكر الصديق وحذيفة بن اليمان وعبد الله بن عباس وسعيد بن المسيب وعبد الرحمن بن أبي ليلى وعبد الرحمن بن سابط ومجاهد وعكرمة وعامر بن سعد وعطاء والضحاك والحسن وقتادة والسدي ومحمد بن إسحاق وغيرهم من السلف والخلف, وقد وردت فيه أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم, فمن ذلك ما رواه الإمام أحمد, حدثنا عفان, أخبرنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الاية "للذين أحسنوا الحسنى وزيادة" وقال: "إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار نادى مناد يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعداً يريد أن ينجزكموه فيقولون: وما هو ألم يثقل موازيننا ؟ ألم يبيض وجوهنا ويدخلنا الجنة ويجرنا من النار ـ قال ـ فيكشف لهم الحجاب فينظرون إليه فوالله ما أعطاهم الله شيئاً أحب إليهم من النظر إليه ولا أقر لأعينهم" وهكذا رواه مسلم وجماعة من الأئمة من حديث حماد بن سلمة به.
وقال ابن جرير: حدثني يونس, قال أخبرنا ابن وهب, قال أخبرني شبيب عن أبان عن أبي تميمة الهجيمي, أنه سمع أبا موسى الأشعري يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله يبعث يوم القيامة منادياً ينادي يا أهل الجنة ـ بصوت يسمع أولهم وآخرهم ـ إن الله وعدكم الحسنى وزيادة, فالحسنى الجنة والزيادة النظر إلى وجه الرحمن عز وجل" ورواه أيضاً ابن أبي حاتم من حديث أبي بكر الهذلي عن أبي تميمة الهجيمي به. وقال ابن جرير أيضاً حدثنا ابن حميد حدثنا إبراهيم بن المختار عن ابن جريج عن عطاء عن كعب بن عجرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "للذين أحسنوا الحسنى وزيادة" قال "النظر إلى وجه الرحمن عز وجل" وقال أيضاً حدثنا ابن عبد الرحيم حدثنا عمرو بن أبي سلمة سمعت زهيراً عمن سمع أبا العالية حدثنا أبي بن كعب أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله عز وجل "للذين أحسنوا الحسنى وزيادة" قال: "الحسنى الجنة والزيادة النظر إلى وجه الله عز وجل" ورواه ابن أبي حاتم أيضاً من حديث زهير به. وقوله تعالى: "ولا يرهق وجوههم قتر" أي قتام وسواد في عرصات المحشر كما يعتري وجوه الكفرة الفجرة من القترة والغبرة "ولا ذلة" أي هوان وصغار أي لا يحصل لهم إهانة في الباطن ولا في الظاهر بل هم كما قال تعالى في حقهم: "فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسروراً" أي نضرة في وجوههم وسروراً في قلوبهم, جعلنا الله منهم بفضله ورحمته آمين.
ثم قسم سبحانه أهل الدعوة إلى قسمين، وبين حال كل طائفة فقال: 26- "للذين أحسنوا الحسنى وزيادة" أي الذين أحسنوا بالقيام بما أوجبه الله عليهم من الأعمال والكف عما نهاهم عنه من المعاصي، والمراد بالحسنى المثوبة الحسنى. قال ابن الأنباري: العرب توقع هذه اللفظة على الخصلة المحبوبة المرغوب فيها، ولذلك ترك موصوفها، وقيل: المراد بالحسنى الجنة، وأما الزيادة فقيل المراد بها ما يزيد على المثوبة من التفضل كقوله: "ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله" وقيل: الزيادة النظر إلى وجهه الكريم، وقيل: الزيادة هي مضاعفة الحسنة إلى عشر أمثالها، وقيل: الزيادة غرفة من لؤلؤ، وقيل: الزيادة مغفرة من الله ورضوان، وقيل: هي أنه سبحانه يعطيهم في الدنيا من فضله ما لا يحاسبهم عليه، وقيل غير ذلك مما لا فائدة في ذكره، وسيأتي بيان ما هو الحق في آخر البحث "ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة" معنى يرهق يلحق، ومنه قيل: غلام مراهق إذا لحق بالرجال، وقيل: يعلو، وقيل: يغشى، والمعنى متقارب، والقتر: الغبار، ومنه قول الفرزدق:
متوج برداء الملك يتبعه موج ترى فوقه الرايات والقترا
وقرأ الحسن قتر بإسكان المثناة، والمعنى واحد، قاله النحاس، وواحد القتر قترة، والذلة: ما يظهر على الوجه من الخضوع والإنكسار والهوان، والمعنى: أنه لا يعلو وجوههم غبرة ولا يظهر فيها هوان، وقيل: القتر الكآبة، وقيل: سواد الوجوه، وقيل: هو دخان النار "أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون" الإشارة إلى المتصفين بالصفات السابقة هم أصحاب الجنة الخالدون فيها المتنعمون بأنواع نعيمها.
26-قوله تعالى: "للذين أحسنوا الحسنى وزيادة"، أي: للذين أحسنوا العمل في الدنيا الحسنى، وهي الجنة، وزيادة: وهي النظر إلى وجه الله، هذا قول جماعة من الصحابة، منهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وحذيفة، وأبو موسى، وعبادة بن الصامت رضي الله عنهم، وهو قول الحسين، وعكرمة، وعطاء، ومقاتل، والضحاك، والسدي.
أخبرنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن العباس الحميدي، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ، أنبأنا أبو العباس محمد بن يعقوب إملاء، حدثنا أبو بكر محمد بن إسحاق الصغاني، حدثنا الأسود بن عامر، حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت - يعني البناني - عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن صهيب رضي الله عنه قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: "للذين أحسنوا الحسنى وزيادة"، قال: "إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار نادى مناد: يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه، قالوا: ما هذا الموعود؟ ألم يثقل موازيننا، ويبيض وجوهنا، ويدخلنا الجنة، ويجرنا من النار؟ قال: فيرفع الحجاب فينظرون إلى وجه الله عز وجل. قال: فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إليه".
وروي عن ابن عباس: أن الحسنى هي: أن الحسنة بمثلها والزيادة هي التضعيف عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف. وقال مجاهد: الحسنى: حسنة مثل حسنة، والزيادة المغفرة والرضوان.
"ولا يرهق"، لا يغشى "وجوههم قتر"، غبار، جمع قترة. قال ابن عباس وقتادة: سواد الوجه، "ولا ذلة"، هوان. قال قتادة: كآبة. قال ابن أبي ليلى: هذا بعد نظرهم إلى ربهم. "أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون".
26."للذين أحسنوا الحسنى"المثوبة الحسنى."وزيادة"وما يزيد على المثوبة تفضلاً لقوله : "ويزيدهم من فضله" وقيل الحسنى مثل حسناتهم والزيادة عشر أمثالها إلى سبعمائة تضعف وأكثر،وقيل الزيادة مغفرة من الله ورضوان ،وقيل الحسنى الجنة والزيادة هي اللقاء."ولا يرهق وجوههم"لا يغشاها."قتر"غبرة فيها سواد."ولا ذلة"هوان، والمعنى لا يرهقهم ما يرهق أهل النار أو لا يرهقهم ما يوجب ذلك من حزن وسوء حال. "أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون"دائمون لا زوال فيها ولا انقرض لنعيمها بخلاف الدنيا وزخارفها.
26. For those who do good is the best (reward) and more (thereto). Neither dust nor ignominy cometh near their faces. Such are rightful owners of the Garden; they will abide therein.
26 - To those who do right is a goodly (reward) yea, more (than in measure) no darkness nor shame shall cover their faces they are companions of the garden; they will abide therein (for aye)