24 - (لا يذوقون فيها بردا) نوما فإنهم لا يذوقونه (ولا شرابا) ما يشرب تلذذا
وقوله : " لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا " يقول : لا يطعمون فيها برداً حر السعير عنهم ، إلا الغساق ، ولا شراباً يرويهم من شدة العطش الذي بهم ، إلا الحميم ، وقد زعم بعض أهل العلم بكلام العرب أن البرد في هذا الموضع النوم ، وأن معنى الكلام : لا يذوقون فيها نوماً ولا شراباً ، واستشهد لقيله ذلك بقول الكندي :
بردت مراشفها علي فصدني عنها وعن قبلاتها البرد
يعني بالبرد : النعاس ، والنوم كان يبرد غليل العطش ، فقيل له من أجل ذلك البرد ، فليس هو باسمه المعروف ، وتأويل كتاب الله على الأغلب من معروف كلام العرب ، دون غيره .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران عن أبي جعفر ، عن الربيع " لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا * إلا حميما وغساقا " فاستثنى من الشراب الحميم ، ومن البرد : الغساق .
قوله تعالى:" لا يذوقون فيها" أي في الأحقاب " بردا ولا شرابا" البرد: النوم في قول أبي عبيدة وغيره، قال الشاعر:
ولو شئت حرمت النساء سواكم وإن شئت لم أطعم نقاخاً ولا برداً
وقاله مجاهد والسدي والكسائي والفضل بن خالد وأبو معاذ النحوي، وأنشدوا قول الكندي:
بردت مراشفها علي فصدني عنها وعن تقبيلها البرد
يعني النوم. والعرب تقول: منع البرد البرد، يعني : أذهب البرد النوم.
قلت : وقد جاء الحديث:
"أنه عليه الصلاة والسلام سئل هل في الجنة نوم. فقال: ((لا، النوم أخو الموت، والجنة لا موت فيها)) فكذلك النار " ، قد قال تعالى : " لا يقضى عليهم فيموتوا" [ فاطر: 36] وقال ابن عباس: البرد: برد الشراب. وعنه أيضاً: البرد النوم: والشراب الماء. وقال الزجاج : أي لا يذوقون فيها برد ريح، ولا ظل، ولا نوم. فجعل البرد برد كل شيء له راحة، وهذا برد ينفعهم، فأما الزمهرير فهو برد يتأذون به، فلا ينفعهم، فلهم منه من العذاب ما الله أعلم به. وقال الحسن وعطاء وابن زيد: برداً: أي روحاً وراحة، قال الشاعر:
فلا الظل من برد الضحى تستطيعه ولا الفيء أوقات العشي تذوق
(( لا يذوقون فيها برداً ولا شراباً)) جملة في موضع الحال من الطاغين، أو نعت للأحقاب، فالأحقاب ظرف زمان، والعامل فيه (( لابثين)) أو ((لبثين)) على تعديه فعل.
يقول تعالى مخبراً عن يوم الفصل وهو يوم القيامة أنه مؤقت بأجل معدود لا يزاد عليه ولا ينقص منه ولا يعلم وقته على التعيين إلا الله عز وجل كما قال تعالى: "وما نؤخره إلا لأجل معدود" "يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجاً" قال مجاهد : زمراً زمراً, قال ابن جرير : يعني تأتي كل أمة مع رسولها, وكقوله تعالى: " يوم ندعوا كل أناس بإمامهم " وقال البخاري "يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجاً" حدثنا محمد , حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بين النفختين أربعون قالوا: أربعون يوماً ؟ قال أبيت قالوا: أربعون شهراً ؟ قال أبيت قالوا: أربعون سنة ؟ قال أبيت قال :ثم ينزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل ليس من الإنسان شيء إلا يبلى إلا عظماً واحداً وهو عجب الذنب ومنه يركب الخلق يوم القيامة".
"وفتحت السماء فكانت أبواباً" أي طرقاً ومسالك لنزول الملائكة "وسيرت الجبال فكانت سراباً" كقوله تعالى: "وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب" وكقوله تعالى: "وتكون الجبال كالعهن المنفوش" وقال ههنا: "فكانت سراباً" أي يخيل إلى الناظر أنها شيء وليست بشيء وبعد هذا تذهب بالكلية فلا عين ولا أثر, كما قال تعالى: "ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفاً * فيذرها قاعاً صفصفاً * لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً", وقال تعالى: "ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة" وقوله تعالى: "إن جهنم كانت مرصاداً" أي مرصدة معدة "للطاغين" وهم المردة العصاة المخالفون للرسل "مآباً" أي مرجعاً ومنقلباً ومصيراً ونزلاً. وقال الحسن وقتادة في قوله تعالى: "إن جهنم كانت مرصاداً" يعني أنه لا يدخل أحد الجنة حتى يجتاز بالنار فإن كان معه جواز نجا وإلا احتبس, وقال سفيان الثوري : عليها ثلاث قناطر.
وقوله تعالى: " لابثين فيها أحقابا " أي ماكثين فيها أحقاباً وهي جمع حقب وهو المدة من الزمان, وقد اختلفوا في مقداره فقال ابن جرير عن ابن حميد عن مهران عن سفيان الثوري عن عمار الدهني عن سالم بن أبي الجعد قال: قال علي بن أبي طالب لهلال الهجري : ما تجدون الحقب في كتاب الله المنزل ؟ قال: نجده ثمانين سنة كل سنة اثنا عشر شهراً كل شهر ثلاثون يوماً كل يوم ألف سنة, وهكذا روي عن أبي هريرة وعبد الله بن عمرو وابن عباس وسعيد بن جبير وعمرو بن ميمون والحسن وقتادة والربيع بن أنس والضحاك , وعن الحسن والسدي أيضاً سبعون سنة كذلك, وعن عبد الله بن عمرو : الحقب أربعون سنة كل يوم منها كألف سنة مما تعدون,رواهما ابن أبي حاتم .
وقال بشير بن كعب : ذكر لي أن الحقب الواحد ثلثمائة سنة, كل سنة اثنا عشر شهراً, كل سنة ثلثمائة وستون يوماً كل يوم منها كألف سنة, رواه ابن جرير وابن أبي حاتم , ثم قال ابن أبي حاتم : ذكر عن عمرو بن علي بن أبي بكر الأسفيدي , حدثنا مروان بن معاوية الفزاري عن جعفر بن الزبير عن القاسم عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: " لابثين فيها أحقابا " قال: فالحقب شهر, الشهر ثلاثون يوماً والسنة اثنا عشر شهراً, والسنة ثلثمائة وستون يوما, كل يوم منها ألف سنة مما تعدون, فالحقب ثلاثون ألف ألف سنة, وهذا حديث منكر جداً, والقاسم هو والراوي عنه وهو جعفر بن الزبير كلاهما متروك. وقال البزار : حدثنا محمد بن مرداس , حدثنا سليمان بن مسلم أبو العلاء قال: سألت سليمان التيمي : هل يخرج من النار أحد ؟ فقال: حدثني نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "والله لا يخرج من النار أحد حتى يمكث فيها أحقاباً قال: والحقب بضع وثمانون سنة كل سنة ثلثمائة وستون يوماً مما تعدون" , ثم قال: سليمان بن مسلم بصري مشهور, وقال السدي " لابثين فيها أحقابا " سبعمائة حقب, كل حقب سبعون سنة, كل سنة ثلثمائة وستون يوماً, كل يوم كألف سنة مما تعدون, وقد قال مقاتل بن حيان : إن هذه الاية منسوخة بقوله تعالى: "فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذاباً".
وقال خالد بن معدان : هذه الاية وقوله تعالى: "إلا ما شاء ربك" في أهل التوحيد رواهما ابن جرير ثم قال: ويحتمل أن يكون قوله تعالى: "لابثين فيها أحقاباً" متعلقاً بقوله تعالى: "لا يذوقون فيها برداً ولا شراباً" ثم يحدث الله لهم بعد ذلك عذاباً من شكل آخر ونوع آخر ثم قال: والصحيح أنها لا انقضاء لها كما قال قتادة والربيع بن أنس , وقد قال قبل ذلك: حدثني محمد بن عبد الرحيم البرقي , حدثنا عمرو بن أبي سلمة عن زهير عن سالم : سمعت الحسن يسأل عن قوله تعالى: "لابثين فيها أحقاباً" قال: أما الأحقاب فليس لها عدة إلا الخلود في النار, ولكن ذكروا أن الحقب سبعون سنة كل يوم منها كألف سنة مما تعدون, وقال سعيد عن قتادة : قال الله تعالى: "لابثين فيها أحقاباً" وهو ما لا انقطاع له وكلما مضى حقب جاء حقب بعده. وذكر لنا أن الحقب ثمانون سنة وقال الربيع بن أنس " لابثين فيها أحقابا " لا يعلم عدة هذه الأحقاب إلا الله عز وجل, وذكر لنا أن الحقب الواحد ثمانون سنة, والسنة ثلثمائة وستون يوماً, وكل يوم كألف سنة مما تعدون, رواهما أيضاً ابن جرير .
وقوله تعالى: "لا يذوقون فيها برداً ولا شراباً" أي لا يجدون في جهنم برداً لقلوبهم ولا شراباً طيباً يتغذون به ولهذا قال تعالى: "إلا حميماً وغساقاً" قال أبو العالية : استثنى من البرد الحميم ومن الشراب الغساق, وكذا قال الربيع بن أنس , فأما الحميم فهو الحار الذي قد انتهى حره وحموه والغساق هو ما اجتمع من صديد أهل النار وعرقهم ودموعهم وجروحهم فهو بارد لا يستطاع من برده ولا يواجه من نتنه, وقد قدمنا الكلام على الغساق في سورة ص بما أغنى عن إعادته ـ أجارنا الله من ذلك بمنه وكرمه ـ قال ابن جرير وقيل المراد بقوله: "لا يذوقون فيها برداً" يعني النوم كما قال الكندي :
بردت مراشفها علي فصدني عنها وعن قبلاتها البرد
يعني بالبرد النعاس والنوم. هكذا ذكره ولم يعزه إلى أحد. وقد رواه ابن أبي حاتم من طريق السدي عن مرة الطيب ونقله عن مجاهد أيضاً. وحكاه البغوي عن أبي عبيدة والكسائي أيضاً. وقوله تعالى: "جزاء وفاقاً" أي هذا الذي صاروا إليه من هذه العقوبة وفق أعمالهم الفاسدة التي كانوا يعملونها في الدنيا, قاله مجاهد وقتادة وغير واحد. ثم قال تعالى: "إنهم كانوا لا يرجون حساباً" أي لم يكونوا يعتقدون أن ثم داراً يجازون فيها ويحاسبون "وكذبوا بآياتنا كذاباً" أي وكانوا يكذبون بحجج الله ودلائله على خلقه التي أنزلها على رسله, فيقابلونها بالتكذيب والمعاندة. وقوله: "كذاباً" أي تكذيباً, وهو مصدر من غير الفعل, قالوا: وقد سمع أعرابي يستفتي الفراء على المروة: الحلق أحب إليك أو القصار ؟ وأنشد بعضهم:
لقد طال ما ثبطتني عن صحابتي وعن حوج قصارها من شفائيا
وقوله تعالى: " وكل شيء أحصيناه كتابا " أي وقد علمنا أعمال العباد كلهم وكتبناها عليهم وسنجزيهم على ذلك إن خيراً فخير وإن شراً فشر, وقوله تعالى: "فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذاباً" أي يقال لأهل النار: ذوقوا ما أنتم فيه فلن نزيدكم إلا عذاباً من جنسه وآخر من شكله أزواج, قال قتادة عن أبي أيوب الأزدي عن عبد الله بن عمرو قال: لم ينزل على أهل النار آية أشد من هذه الاية "فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذاباً" قال: فهم في مزيد من العذاب أبداً, وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن محمد بن مصعب الصوري , حدثنا خالد بن عبد الرحمن , حدثنا جسر بن فرقد عن الحسن قال: سألت أبا برزة الأسلمي عن أشد آية في كتاب الله على أهل النار قال: " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ "فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذاباً" قال: أهلك القوم بمعاصيهم الله عز وجل" جسر بن فرقد ضعيف الحديث بالكلية.
وجملة 24- "لا يذوقون فيها برداً ولا شراباً".
24- "لا يذوقون فيها برداً ولا شراباً"، روي عن ابن عباس: أن البرد النوم، ومثله قال الكسائي وقال أبو عبيدة، تقول العرب: منع البرد البرد أي أذهب البرد النوم. وقال الحسن وعطاء: "لا يذوقون فيها برداً" أي: روحاً وراحة. وقال مقاتل: "لا يذوقون فيها برداً" ينفعهم من حر، "ولا شراباً" ينفعهم من عطش.
24-" لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا " .
24. Therein taste they neither coolness nor (any) drink
24 - Nothing cool shall they taste therein, nor any drink,