24 - (فاصبر لحكم ربك) عليك بتبليغ رسالته (ولا تطع منهم) أي الكفار (آثما أو كفورا) أي عتبة بن ربيعة والوليد بن المغيرة قالا للنبي صلى الله عليه وسلم ارجع عن هذا الأمر ويجوز أن يراد كل آثم وكافر ولا تطع أحدهما أيا كان فيما دعاك إليه من إثم أو كفر
ك وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن قتادة انه بلغه أن أبا جهل قال لئن رأيت محمد يصلي لأطأن عنقه فأنزل الله ولا تطع منهم آثما أو كفورا
" فاصبر لحكم ربك " يقول : اصبر لما امتحنك به ربك من فرائضه ، وتبليغ رسالاته ، والقيام بما ألزمك القيام به في تنزيله الذي أوحاه إليك " ولا تطع منهم آثما أو كفورا " يقول : ولا تطع في معصية الله من مشركي قومك آثماً يريد بركوبه معاصيه ، أو كفوراً : يعني جحوداً لنعمه عنده ، وآلائه قبله ، فهو يكفر به ، ويعبد غيره .
وقيل : إن الذي عني بهذا القول أبو جهل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ن عن قتادة ، قوله " ولا تطع منهم آثما أو كفورا " قال : نزلت في عدو الله أبي جهل .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن عمر ، عن قتادة ، أنه بلغه أن أبا جهل قال : لئن محمداً يصلي لأطأن عنقه ، فأنزل الله " ولا تطع منهم آثما أو كفورا " .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " ولا تطع منهم آثما أو كفورا " قال : الآثم : المذنب الظالم والكفور ، هذا كله واحد ، وقيل : " أو كفورا " والمعنى : ولا كفوراً ، قال الفراء : ( أو ) هاهنا بمنزلة الواو ، وفي الجحد والاستفهام والجزاء تكون معنى ( لا ) فهذا من ذلك مع الجحد ، ومنه قول الشاعر :
ولا وجد ثكلى كما وجدت ولا وجد عجول أضلها ربع
أو وجد شيخ أضل ناقته يوم توافى الحجيج فاندفعوا
أراد : ولا وجد شيخ ، قال : وقد يكون في العربية : لا تطيعن منهم من أثم أو كفر ، فيكون المعنى في أو قريباً من معنى الواو ، كقولك للرجل : لأعطينك سألت أو سكت ، معناه : لأعطينك على كل حال .
قوله تعالى:" فاصبر لحكم ربك" أي لقضاء ربك. وروى الضحاك عن ابن عباس قال: اصبر على أذى المشركين، هكذا قضيت. ثم نسخ بآية القتال. وقيل : أي اصبر لما حكم به عليك من الطاعات، أو انتظر حكم الله إذا وعدك انه ينصرك عليهم، ولا تستعجل فإنه كائن لا محالة." ولا تطع منهم آثما أو كفورا" أي لا تطع الكفار. فروى معمر عن قتادة قال: قال أبو جهل : إن رأيت محمداً يصلي لأطأن على عنقه. فأنزل الله عز وجل: " ولا تطع منهم آثما أو كفورا". ويقال : نزلت في عتبة بن ربيعة والوليد بن المغيرة، وكانا أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضان عليه الأموال والتزويج، على أن يترك ذكر النبوة، ففيهما نزلت:" ولا تطع منهم آثما أو كفورا". قال مقاتل : الذي عرض التزويج عتبة بن ربيعة، قال: إن بناتي من أجمل نساء قريش، فأنا أزوجك ابنتي من غير مهر وارجع عن هذا الأمر. وقال الوليد: إن كنت صنعت ما صنعت لأجل المال، فأنا أعطيك من المال حتى ترضى وارجع عن هذا الأمر، فنزلت. ثم قيل: ((أو)) في قوله تعالى: " آثما أو كفورا " أوكد من الواو، لأن الواو إذا قلت: لا تطع زيداً وعمراً فأطاع أحدهما كان غير عاص، لأنه أمره ألا يطيع الاثنين، فإذا قال: " ولا تطع منهم آثما أو كفورا " فـ((ـأو)) قد دلت على أن كل واحد منهما أهل ان يعصى، كما أنك إذا قلت: لا تخالف الحسن او ابن سيرين، أو اتبع الحسن او ابن سيرين فقد قلت: هذان أهل ان يتبعا وكل واحد منهما اهل لأن يتبع، قاله الزجاج. وقال الفراء: ((أو)) هنا بمنزله ((لا)) كأنه قال: ولا كفوراً، قال الشاعر:
لا وجد ثكلى كما وجدت ولا وجد عجول أضلها ربع
أو وجد شيخ أضل ناقته يوم توافى الحجيج فاندفعوا
أراد ولا وجد شيخ. وقيل : الآثم المنافق، والكفور الكافر الذي يظهر الكفر، أي لا تطع منهم آثما ولا كفوراً. وهو قريب من قول الفراء.
يقول تعالى ممتناً على رسوله صلى الله عليه وسلم بما أنزله عليه من القرآن العظيم تنزيلاً: "فاصبر لحكم ربك" أي كما أكرمتك بما أنزلت عليك فاصبر على قضائه وقدره واعلم أنه سيدبرك بحسن تدبيره "ولا تطع منهم آثماً أو كفوراً" أي لا تطع الكافرين والمنافقين إن أرادوا صدك عما أنزل إليك بل بلغ ما أنزل إليك من ربك وتوكل على الله فإن الله يعصمك من الناس, فالاثم هو الفاجر في أفعاله والكفور هو الكافر قلبه "واذكر اسم ربك بكرة وأصيلاً" أي أول النهار وآخره "ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلاً طويلاً" كقوله تعالى: "ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً" وكقوله تعالى: "يا أيها المزمل * قم الليل إلا قليلا * نصفه أو انقص منه قليلاً * أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلاً" ثم قال تعالى منكراً على الكفار ومن أشبههم في حب الدنيا والإقبال عليها والانصباب إليها وترك الدار الاخرة وراء ظهورهم "إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوماً ثقيلاً" يعني يوم القيامة ثم قال تعالى: "نحن خلقناهم وشددنا أسرهم" قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد: يعني خلقهم "وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلاً" أي وإذا شئنا بعثناهم يوم القيامة وبدلناهم فأعدناهم خلقاً جديداً, وهذا استدلال بالبداءة على الرجعة. وقال ابن زيد وابن جرير "وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلاً" أي وإذا شئنا أتينا بقوم آخرين غيرهم كقوله تعالى: "إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين وكان الله على ذلك قديراً" وكقوله تعالى: " إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد * وما ذلك على الله بعزيز ".
ثم قال تعالى: "إن هذه تذكرة" يعني هذه السورة تذكرة "فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلاً" أي طريقاً ومسلكاً أي من شاء اهتدى بالقرآن كقوله تعالى: " وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر " الاية, ثم قال تعالى: "وما تشاؤون إلا أن يشاء الله" أي لا يقدر أحد أن يهدي نفسه ولا يدخل في الإيمان ولا يجر لنفسه نفعاً "إلا أن يشاء الله إن الله كان عليماً حكيماً" أي عليم بمن يستحق الهداية فييسرها له ويقيض له أسبابها, ومن يستحق الغواية فيصرفه عن الهدى. وله الحكمة البالغة, والحجة الدامغة, ولهذا قال تعالى: "إن الله كان عليماً حكيماً" ثم قال: "يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذاباً أليماً" أي يهدي من يشاء ويضل من يشاء فمن يهده فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. آخر تفسير سورة الإنسان, و لله الحمد والمنة.
24- "فاصبر لحكم ربك" أي لقضائه، ومن حكمه وقضائه تأخير نصرك إلى أجل اقتضته حكمته. قيل وهذا منسوخ بآية السيف " ولا تطع منهم آثما أو كفورا " أي لا تطع كل واحد من مرتكب لإثم وغال في كفر، فنهاه الله سبحانه عن ذلك. قال الزجاج: إن الألف هنا آكد من الواو وحدها لأنك إذا قلت: لا تطع زيداً وعمراً، فأطاع أحدهما كان غير عاص، لأنه أمره أن لا يطيع الاثنين، فإذا قال: لا تطع منهم آثماً أو كفوراً دل ذلك على أن كل واحد منهما أهل أن يعصى، كما أنك إذا قلت: لا تخالف الحسن أو ابن سيرين، فقد قلت إنهما أهل أن يتبعا، وكل واحد منهما أهل أن يتبع. وقال الفراء أو هنا بمنزلة لا، كأنه قال: ولا كفوراً. وقيل المراد بقوله: " آثما " عتبة بن ربيعة، وبقوله: "أو كفوراً" الوليد بن المغيرة، لأنهما قالا للنبي صلى الله عليه وسلم: ارجع عن هذا الأمر ونحن نرضيك بالمال والتزويج.
24- "فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم"، يعني من مشركي مكة، "آثماً أو كفوراً"، يعني وكفوراً، والألف صلة.
قال قتادة: أراد بالآثم الكفور أبا جهل وذلك أنه لما فرضت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم نهاه أبو جهل عنها، وقال: لئن رأيت محمداً يصلي لأطأن عنقه.
وقال مقاتل: أراد بـ الآثم: عتبة بن ربيعة، وبـ الكفور الوليد بن المغيرة، قالا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن كنت صنعت ما صنعت لأجل النساء والمال فارجع عن هذا الأمر، قال عتبة: فأنا أزوجك ابنتي وأسوقها إليك بغير مهر، وقال الوليد: أنا أعطيك من المال حتى ترضى، فارجع عن هذا الأمر، فأنزل الله هذه الآية.
24-" فاصبر لحكم ربك " بتأخير نصرك على كفار مكة وغيرهم " ولا تطع منهم آثماً أو كفوراً " أي كل واحد من مرتكب الإثم الداعي لك إليه ومن الغالي في الكفر الداعي لك إليه ، وأو للدلالة على أنهما سيان في استحقاق العصيان والاستقلال به والقسم به والقسم باعتبار ما يدعونه إليه ، فإن ترتب النهي على الوصفين مشعر أنه لهما وذلك يستدعي أن تكون المطاوعة في الإثم والكفر ، فإن مطاوعتهما فيما ليس بإثم ولا كفر غير محظور .
24. So submit patiently to thy Lord's command, and obey not of them any guilty one or disbeliever.
24 - Therefore be patient with constancy to the Command of thy Lord, and hearken not to the sinner or the ingrate among them.