23 - ونزل فيمن ترك الهجرة لأجل أهله وتجارته (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا) اختاروا (الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله: لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم بطانة أصدقاء تفشون إليهم أسراركم، وتطلعونهم على عورة الإسلام وأهله، وتؤثرون المكث بين أظهرهم على الهجرة إلى دار الإسلام، " إن استحبوا الكفر على الإيمان "، يقول: إن اختاروا الكفر بالله، على التصديق به والإقرار بتوحيده، " ومن يتولهم منكم "، يقول: ومن يتخذهم منكم بطانة من دون المؤمنين، ويؤثر المقام معهم على الهجرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ودار الإسلام، " فأولئك هم الظالمون "، يقول: فالذين يفعلون ذلك منكم، هم الذين خالفوا أمر الله، فوضعوا الولاية في غير موضعها، وعصوا الله في أمره.
وقيل: إن ذلك نزل نهياً من الله المؤمنين عن موالاة أقربائهم الذين لم يهاجروا من أرض الشرك إلى دار الإسلام.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: " أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام "، قال: أمروا بالهجرة، فقال العباس بن عبد المطلب: أنا أسقي الحاج! وقال طلحة أخو بني عبد الدار: أنا صاحب الكعبة، فلا نهاجر! فأنزلت: " لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء " إلى قوله: " يأتي الله بأمره "، بالفتح، في أمره إياهم بالهجرة. هذا كله قبل فتح مكة.
ظاهر هذه الآية أنها خطاب لجميع المؤمنين كافةً، وهي باقية الحكم إلى يوم القيامة في قطع الولاية بين المؤمنين والكافرين. وروت فرقة أن هذه الآية إنما نزلت في الحض على الهجرة ورفض بلاد الكفرة. فالمخاطبة على هذا إنما هي للمؤمنين الذي كانوا بمكة وغيرها من بلاد العرب، خوطبوا بألا يوالوا الآباء والإخوة فيكونوا لهم تبعاً في سكنى بلاد الكفر. "إن استحبوا" أي أحبوا، كما يقال: استجاب بمعنى أجاب. أي لا تطيعوهم ولا تخصوهم. وخص الله سبحانه الآباء والإخوة إذ لا قرابة أقرب منها. فنفى الموالاة بينهم كما نفاها بين الناس بقوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء" (المائدة: 51) ليبين أن القرب قرب الأديان لا قرب الأبدان. وفي مثله تنشد الصوفية:
يقولون لي دار الأحبة قد دنت وأنت كثيب إن ذا لعجيب
فقلت وما تغني ديار قريبة إذا لم يكن بين القلوب قريب
فكم من بعيد الدار نال مراده وآخر جار الجنب مات كثيب
ولم يذكر الأبناء في هذه الآية، إذ الأغلب من البشر أن الأبناء هم التبع للآباء. والإحسان والهبة مستثناة من الولاية.
(3310) قالت أسماء: يا رسول الله، إن أمي قدمت علي راغبةً وهي مشركة أفأصلها؟ قال: صلي أمك خرجه البخاري.
قوله تعالى: "ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون" قال ابن عباس: هو مشرك مثلهم، لأن من رضي بالشرك فهو مشرك.
قوله تعالى: "قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين".
أمر تعالى بمباينة الكفار به وإن كانوا آباء أو أبناء, ونهى عن موالاتهم إن استحبوا أي اختاروا الكفر على الإيمان, وتوعد على ذلك كقوله تعالى " لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار " الاية, وروى الحافظ البيهقي من حديث عبد الله بن شوذب قال: جعل أبو أبي عبيدة بن الجراح ينعت له الالهة يوم بدر وجعل أبو عبيدة يحيد عنه فلما أكثر الجراح قصده ابنه أبو عبيدة فقتله فأنزل الله فيه هذه الاية " لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله " الاية. ثم أمر تعالى رسوله أن يتوعد من آثر أهله وقرابته وعشيرته على الله ورسوله وجهاد في سبيله فقال: "قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها" أي اكتسبتموها وحصلتموها "وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها" أي تحبونها لطيبها وحسنها, أي إن كانت هذه الأشياء "أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا" أي فانتظروا ماذا يحل بكم من عقابه ونكاله بكم ولهذا قال "حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين".
وقال الإمام أحمد: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ابن لهيعة عن زهرة بن معبد عن جده قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب فقال: والله يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه" فقال عمر فأنت الان والله أحب إلي من نفسي, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الان يا عمر" انفرد بإخراجه البخاري فرواه عن يحيى بن سليمان عن ابن وهب عن حيوة بن شريح عن أبي عقيل زهرة بن معبد أنه سمع جده عبد الله بن هشام عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا, وقد ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال "والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين" وروى الإمام أحمد وأبو داود واللفظ له من حديث أبي عبد الرحمن الخراساني عن عطاء الخراساني عن نافع عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم بأذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم" وروى الإمام أحمد أيضاً عن يزيد بن هارون عن أبي جناب عن شهر بن حوشب أنه سمع عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو ذلك, وهذا شاهد للذي قبله والله أعلم .
23- " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون " الخطاب للمؤمنين كافة، وهو حكم باق إلى يوم القيامة يدل على قطع الولاية بين المؤمنين والكافرين، وقالت طائفة من أهل العلم: إنها نزلت في الحض على الهجرة ورفض بلاد الكفر، فيكون الخطاب لمن كان من المؤمنين بمكة وغيرها من بلاد العرب، نهوا أن يوالوا الآباء والإخوة فيكونون لهم تبعاً في سكنى البلاد والكفر إن استحبوا: أي أحبوا، كما يقال: استجاب بمعنى أجاب، وهو في الأصل طلب المحبة، وقد تقدم تحقيق المقام في سورة المائدة في قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء" ثم حكم على من يتولى من استحب الكفر على الإيمان من الآباء والإخوان بالظلم، فدل ذلك على أن تولي من كان كذلك من أعظم الذنوب وأشدها.
23-"يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء"، قال مجاهد: هذه الآية متصلة بما قبلها، نزلت في قصة العباس وطلحة وامتناعهما من الهجرة.
وقال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: قال لما مر النبي صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة، فمنهم من يتعلق به أهله وولده، يقولون: ننشدك بالله أن لا تضيعنا. فيرق لهم فيقيم عليهم ويدع الهجرة، فأنزل الله عز وجل هذه الآية.
وقال مقاتل: نزلت في التسعة الذين ارتدوا عن الإسلام ولحقوا بمكة، فنهى الله عنه ولايتهم، فأنزل الله: "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء" بطانة وأصدقاء فتفشون إليهم أسراركم وتؤرثون المقام معهم على الهجرة، "إن استحبوا"، اختاروا "الكفر على الإيمان، ومن يتولهم منكم"، فيطلعهم على عورة المسلمين ويؤثر المقام معهم على الهجرة والجهاد، "فأولئك هم الظالمون"، وكان في ذلك الوقت لا يقيل الإيمان إلا من مهاجر، فهذا معنى قوله: "فأولئك هم الظالمون".
23." يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء " نزلت في المهاجرين فإنهم لما أمروا بالهجرة قالوا : إن هاجرنا قطعنا آباءنا وأبنائنا وعشائرنا وذهبت تجاراتنا وبقينا ضائعين . وقيل نزلت نهياً عن موالاة التسعة الذين ارتدوا ولحقوا بمكة ، والمعنى لا تتخذوهم أولياء يمنعونكم عن الإيمان ويصدونكم عن الطاعة لقوله "إن استحبوا الكفر على الإيمان " إن اختاروه وحرصوا عليه . " ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون "بوضعهم الموالاة في غير موضعها .
23. O ye who believe! Choose not your fathers nor your brethren for friends if they take pleasure in disbelief rather than faith. Whoso of you taketh them for friends, such are wrong doers.
23 - O ye who believe take not for protectors your fathers and your brothers if they love infidelity above faith: if any of you do so, they do wrong.