23 - (ثم لم تكن) بالتاء والياء (فتنتهم) بالنصب والرفع أي معذرتهم (إلا أن قالوا) أي قولهم (والله ربنا) بالجر نعت والنصب نداء (ما كنا مشركين)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره : ثم لم يكن قولهم إذ قلنا لهم : "أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون"، إجابة منهم لنا عن سؤالنا إياهم ذلك ، إذ فتناهم فاختبرناهم ، "إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين"، كذباً منهم في أيمانهم على قيلهم ذلك.
ثم اختلفت القرأة في قراءة ذلك . فقرأته جماعة من قرأة المدينة والبصرة وبعض الكوفيين : ثم لم تكن فتنتهم بالتاء، بالنصب ، بمعنى : لم يكن اختبارناهم إلا قيلهم : "والله ربنا ما كنا مشركين"، غير أنهم يقرأون تكن بالتاء على التأنيث . لان كانت للقول لا للفتنة، لمجاورته الفتنة، وهي خبر. وذلك عند أهل العربية شاذ غير فصيح في الكلام . وقد روي بيت للبيد بنحو ذلك ، وهو قوله :
فمضى وقدمها، وكانت عادةً منه إذا هي عردت إقدامها
فقال : وكانت بتأنيث الإقدام ، لمجاورته قوله : عادة
وقرأ ذلك جماعة من قرأة الكوفيين : ثم لم يكن بالياء، فتنتهم بالنصب "إلا أن قالوا"، بنحو المعنى الذي قصده الآخرون الذين ذكرنا قراءتهم . غير أنهم ذكروا يكون لتذكير أن.
قال أبو جعفر: وهذه القراءة عندنا أولى القراءتين بالصواب ، لأن "أن" أثبت في المعرفة من الفتنة.
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله : "ثم لم تكن فتنتهم". فقال بعضهم : معناه ثم لم يكن قولهم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر قال ، قال قتادة في قوله : "ثم لم تكن فتنتهم"، قال : مقالتهم ، قال معمر: وسمعت غير قتادة يقول : معذرتهم .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عطاء الخراساني ، عن ابن عباس قوله : "ثم لم تكن فتنتهم"، قال : قولهم .
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : "ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا" الآية، فهو كلامهم ، "قالوا والله ربنا ما كنا مشركين".
حدثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد يقول ، حدثنا عبيد ابن سليمان قال ، سمعت الضحاك : "ثم لم تكن فتنتهم"، يعني : كلامهم .
وقال آخرون : معنى ذلك : معذرتهم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار وابن المثنى قالا، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة، عن قتادة: "ثم لم تكن فتنتهم"، قال : معذرتهم .
حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة : "ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين"، يقول : اعتذارهم بالباطل والكذب .
قال أبو جعفر: والصواب سن القول في ذلك أن يقال : معناه : ثم لم يكن قيلهم عند فتنتنا إياهم ، اعتذاراً مما سلف منهم من الشرك بالله، "إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين"، فوضعت الفتنة موضع القول ، لمعرفة السامعين معنى الكلام.
وإنماالفتنة، الاختبار والابتلاء، ولكن لما كان الجواب من القوم غير واقع هنالك إلا عند الاختبار، وضعت الفتنة التي هي الاختبار، موضع الخبر عن جوابهم ومعذرتهم .
واختلفت القرأة أيضا في قراءة قوله : "والله ربنا ما كنا مشركين".
فقرأ ذلك عامة قرأة المدينة وبعض الكوفيين والبصريين : "والله ربنا"، خفضاً، على أن الرب نعت لله.
وقرأ ذلك جماعة من التابعين (والله ربنا، بالنصب ، بمعنى : والله يا ربنا. وهى قراءة عامة قرأة أهل الكوفة .
قال أبو جعفر: وأولى القراءتين عندي بالصواب في ذلك ، قراءة من قرأ: والله ربنا، بنصب الرب ، بمعنى : يا ربنا ذلك أن هذا جواب من المسؤولين المقول لهم : "أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون"؟ وكان من جواب القوم لربهم : والله يا ربنا ما كنا مشركين ، فنفوا أن يكونوا قالوا ذلك في الدنيا.
يقول الله تعالى ذكره لمحمد صلى الله عليه وسلم : "انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون".
ويعني بقوله : "ما كنا مشركين"، ما كنا ندعو لك شريكاً، ولا ندعو سواك.
قوله تعالى :" ثم لم تكن فتنتهم " الفتنة الاختبار أي لم يكن جوابهم حين اخبروا بهذا السؤال ورأوا الحقائق وارتفعت الدواعي، " إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين " تبدوءا من الشرك وانتفوا منه لما رأوا من تجارة ومغفرته للمؤمنين، قال ابن عباس: يغفر الله تعالى لأهل الإخلاص ذنوبهم ولا يتعاظم عليه ذنب أن يغفره فإذا رأى المشركون ذلك قالوا إن ربنا يغفر الذنوب ولا يغفر الشرك فتعالوا نقول إنا كنا أهل ذنوب ولم نكن مشركين فقال الله تعالى: أما إذ كتموا الشرك فاختموا على أفواههم فيختم على أفواههم فتنطق أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون فعند ذلك يعرف المشركون أن الله لا يكتم حديثا فذلك قوله : " يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا " [النساء : 42] وقال أبو إسحاق والزجاج: تأويل هذه الآية لطيف جداً أخبر الله عز وجل بقصص المشركين وافتتانهم بشركهم ثم أخبر أن فتنهم لم تكن حين رأوا الحقائق إلا أن انتفوا من الشرك، ونظير هذا في اللغة أن ترى إنساناً يحب غاوياً فإذا وقع في هلكة تبرأ منه فيقال ما كانت محبتك إياه إلا أن تبرأت منه وقال الحسن: هذا خاص بالمنافقين جرياً على عادتهم في الدنيا ومعناه فتنتهم عاقبة فتنتهم أي كفرهم وقال قتادة: معناه معذرتهم وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة قال:
"فيلقى العبد فيقول أي فل ألم أكرمك وأسودك وأزوجك وأسخر لك الخيل والإبل وأذكر ترأس وتربع فيقل بلى أي رب يقول أفظننت أنت ملاقي فيقول لا فيقول لإني أنساك كما نسيتني ثم يقلى الثاني فيقو له ويقول هو مثل الذي بعينه ثم يلقى الثاني فيقول له مثل ذلك فيقول يا رب آمنت بك وبكتابك وبرسولك وصليت وصمت وتصدقت ويثني بخير ما استطاع قال فيقال ههنا إذا ثم يقال له الآن نبعث شاهداً عليك ويتفكر في نفسه من ذا الذي يشهد علي فيختم على فيه ويقال لفخذه ولحمه وعظامه انطقي فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله وذلك ليعذر من نفسه وذلك المنافق وذلك الذي سخط الله عليه "
يقول تعالى مخبراً عن المشركين "ويوم نحشرهم جميعاً" يوم القيامة, فيسألهم عن الأصنام والأنداد, التي كانوا يعبدونها من دونه, قائلاً لهم "أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون" كقوله تعالى في سورة القصص "ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون" وقوله تعالى: "ثم لم تكن فتنتهم" أي حجتهم وقال عطاء الخراساني عنه: أي معذرتهم, وكذا قال قتادة. وقال ابن جريج, عن ابن عباس: أي قيلهم وكذا قال الضحاك وقال عطاء الخراساني, "ثم لم تكن فتنتهم" بليتهم حين ابتلوا "إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين" وقال جرير: والصواب ثم لم يكن قيلهم عند فتنتنا إياهم, اعتذاراً عما سلف منهم من الشرك بالله, " إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين " وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج, حدثنا أبو يحيى الرازي, عن عمرو ابن أبي قيس, عن مطرف, عن المنهال, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس قال: أتاه رجل فقال: يا ابن عباس, سمعت الله يقول "والله ربنا ما كنا مشركين" قال أما قوله "والله ربنا ما كنا مشركين" فإنهم رأوا أنه لا يدخل الجنة, إلا أهل الصلاة, فقالوا: تعالوا فلنجحد فيجحدون, فيختم الله على أفواههم وتشهد أيديهم وأرجلهم, ولا يكتمون الله حديثاً, فهل في قلبك الان شيء ؟ إنه ليس من القرآن إلا ونزل فيه شيء ولكن لا تعلمون وجهه. وقال الضحاك عن ابن عباس: هذه في المنافقين, وفيه نظر, فإن هذه الاية مكية, والمنافقون إنما كانوا بالمدينة, والتي نزلت في المنافقين آية المجادلة "يوم يبعثهم الله جميعاً فيحلفون له", الاية, وهكذا قال في حق هؤلاء "انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون" كقوله " ثم قيل لهم أين ما كنتم تشركون * من دون الله قالوا ضلوا عنا " الاية. وقوله "ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقراً وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها" أي يجيئون ليستمعوا قراءتك, ولا تجزي عنهم شيئاً لأن الله " وجعلنا على قلوبهم أكنة " أي أغطية, لئلا يفقهوا القرآن "وفي آذانهم وقراً" أي صمماً عن السماع النافع لهم, كما قال تعالى: "ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء" الاية, وقوله "وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها" أي مهما رأوا من الايات والدلالات والحجج البينات والبراهين, لا يؤمنوا بها فلا فهم عندهم ولا إنصاف, كقوله تعالى: "ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم" الاية. وقوله تعالى: " حتى إذا جاؤوك يجادلونك " أي يحاجونك ويناظرونك, في الحق بالباطل, "يقول الذين كفروا إن هذا إلا أساطير الأولين" أي ما هذا الذي جئت به, إلا مأخوذاً من كتب الأوائل, ومنقول عنهم, وقوله "وهم ينهون عنه وينأون عنه" في معنى ينهون عنه قولان, (أحدهما): أن المراد أنهم ينهون الناس عن اتباع الحق وتصديق الرسول والانقياد للقرآن, "وينأون عنه" أي ويبعدون هم عنه, فيجمعون بين الفعلين القبيحين, لا ينتفعون ولا يدعون أحداً ينتفع, قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "وهم ينهون عنه" يردون الناس عن محمد صلى الله عليه وسلم, أن يؤمنوا به. وقال محمد بن الحنفية: كان كفار قريش لا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم وينهون عنه, وكذا قال قتادة ومجاهد والضحاك وغير واحد, وهذا القول أظهر, والله أعلم, وهو اختيار ابن جرير (والقول الثاني) رواه سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت, عمن سمع ابن عباس يقول في قوله "وهم ينهون عنه" قال: نزلت في أبي طالب, كان ينهى الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤذى, وكذا قال القاسم بن مخيمرة, وحبيب بن أبي ثابت, وعطاء بن دينار, وغيره, أنها نزلت في أبي طالب وقال سعيد بن أبي هلال: نزلت في عمومة النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا عشرة, فكانوا أشد الناس معه في العلانية, وأشد الناس عليه في السر, رواه ابن أبي حاتم, وقال محمد بن كعب القرظي "وهم ينهون عنه" أي ينهون الناس عن قتله, وقوله "وينأون عنه" أي يتباعدون منه "وإن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون" أي وما يهلكون بهذا الصنيع, ولا يعود وباله إلا عليهم, وهم لا يشعرون.
قوله: 23- "ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين". قال الزجاج: تأويل هذه الآية أن الله عز وجل أخبر بقصص المشركين وافتتانهم بشركهم، ثم أخبر أن فتنتهم لم تكن حتى رأوا الحقائق إلا أن انتفوا من الشرك، ونظير هذا في اللغة أن ترى إنساناً يحب غاوياً. فإذا وقع في هلكة تبرأ منه فتقول: ما كانت محبتك إياه إلا أن تبرأ منه انتهى. فالمراد بالفتنة على هذا كفرهم: أي لم تكن عاقبة كفرهم الذي افتخروا به وقاتلوا عليه إلا ما وقع منهم من الجحود والحلف على نفيه بقوله: "والله ربنا ما كنا مشركين" وقيل المراد بالفتنة هنا جوابهم: أي لم يكن جوابهم إلا الجحود والتبري، فكان هذا الجواب فتنة لكونه كذباً، وجملة "ثم لم تكن فتنتهم" معطوفة على عامل الظرف المقدر كما مر والاستثناء مفرغ، وقرئ "فتنتهم" بالرفع والنصب، و "يكن" و "تكن" والوجه ظاهر. وقرئ " لم تكن فتنتهم " وقرئ "ربنا" بالنصب على النداء.
23- " ثم لم تكن فتنتهم "، قرأ حمزة و الكسائي و يعقوب " يكن " بالياء لأن الفتنة بمعنى الافتتان، فجاز تذكيره، وقرأ الآخرون بالتاء لتأنيث الفتنة، وقرأ ابن كثير وابن عامر وحفص عن عاصم " فتنتهم " بالرفع جعلوه أسم كان، وقرأ الآخرون بالنصب، فجعلوا الاسم قوله " أن قالوا " وفتنتهم الخبر، ومعنى قوله " فتنتهم " أي: قولهم وجوابهم،وقال ابن عباس و قتادة : معذرتهم والفتنة التجربة، فلما كان سؤالهم تجربة لإظهار ما في قلوبهم قيل فتنة .
قال الزجاج في قوله " ثم لم تكن فتنتهم " معنى لطيف وذلك مثل الرجل يفتتن بمحبوب ثم يصيبه فيه [محنة] فيتبرأ من محبوبه، فيقال: لم تكن فتنت إلا هذا، كذلك الكفار فتنوا بمحبة الأصنام ولما رأوا العذاب تبرأوا منها، يقول الله عز وجل: " ثم لم تكن فتنتهم " في محبتهم الأصنام، " إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين "،قرأ حمزة و الكسائي " ربنا " بالنصب على نداء المضاف، وقرأ الآخرون بالخفض على نعت والله، وقيل:إنهم إذا رأوا يوم القيامة مغفرة الله تعالى وتجاوزه عن أهل التوحيد، قال بعضهم لبعض: تعالوا نكتم الشرك لعلنا ننجوا من أهل التوحيد، فيقولون:والله ربنا ما كنا مشركين، فيختم على أفواههم وتشهد عليهم جوارحهم بالكفر.
23- " ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا " أي كفرهم، والمراد عاقبته وقيل معذرتهم التي يتوهمون أن يتخلصوا بها، من فتنت الذهب إذا خلصته. وقيل جوابهم وإنما سماه فتنة لأنه كذب، أو لأنهم قصدوا به الخلاص. وقرأ ابن كثير. و ابن عامر و حفص عن عاصم " لم تكن " بالتاء و " فتنتهم " بالرفع على أنها الاسم، و نافع و أبو عمر و أبو بكر عنه بالتاء والنصب على أن الاسم " أن قالوا "، والتأنيث للخبر كقولهم من كانت أمك والباقون بالياء والنصب. " والله ربنا ما كنا مشركين " يكذبون ويحلفون عليه مع علمهم بأنه لا ينفعهم من فرط الحيرة والدهشة، كما يقولون: " ربنا أخرجنا منها ". وقد أيقنوا بالخلود. وقيل معناه ما كنا مشركين عند أنفسنا وهو لا يوافق قوله.
23. Then will they have no contention save that they will say: By Allah, our Lord, we never were idolaters.
23 - There will then be (left) no subterfuge for them but to say: by God our lord, we were not those who joined gods with God.