(ألم تر) تنظر (إلى الذين أوتوا نصيبا) حظا (من الكتاب) التوراة (يدعون) حال (إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون) عن قبول حكمه نزل في اليهود زنى منهم اثنان فتحاكموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحكم عليهما بالرجم فأبوا فجيء بالتوراة فوجد فيها فرجما فغضبوا
قوله تعالى ألم ترإلى الذين أوتوا الآية أخرج ابن أبي حاتم وابن المنذر عن عكرمة عن ابن عباس قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت المدراس على جماعة من اليهود فدعاهم إلى الله فقال له نعيم بن عمرو والحرث بن زيد على أي دين أنت يا محمد قال على ملة إبراهيم ودينه قال فإن إبراهيم كان يهوديا فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فهلما إلى التوراة فهي بيننا وبينكم فأبيا عليه فأنزل الله ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى قوله يفترون
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: "ألم تر"، يا محمد، "إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب"، يقول: الذين أعطوا حظاً من الكتاب، "يدعون إلى كتاب الله".
واختلف أهل التأويل في "الكتاب" الذي عنى الله بقوله: "يدعون إلى كتاب الله".
فقال بعضهم: هو التوراة، دعاهم إلى الرضى بما فيها، إذ كانت الفرق المنتحلة الكتب تقر بها وبما فيها: أنها كانت أحكام الله قبل أن ينسخ منها ما نسخ.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا يونس قال، حدثنا محمد بن إسحق قال، حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال، حدثي سعيد بن جبير وعكرمة، عن ابن عباس قال: "دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت المدراس على جماعة من يهود، فدعاهم إلى الله، فقال له نعيم بن عمرو، والحارث بن زيد: على أي دين أنت يا محمد؟ فقال: على ملة إبراهيم ودينه. فقالا: فإن إبراهيم كان يهودياً! فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهلموا إلى التوراة، فهي بيننا وبينكم! فأبيا عليه، فأنزل الله عز وجل: "ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون" إلى قوله: "ما كانوا يفترون"".
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحق، عن محمد بن أبي محمد مولى آل زيد، عن سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت المدراس، فذكر نحوه، إلا أنه قال: فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهلما إلى التوراة، وقال أيضاً: فأنزل الله فيهما: "ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب"، وسائر الحديث مثل حديث أبي كريب.
وقال بعضهم: بل ذلك كتاب الله الذي أنزله على محمد، وإنما دعيت طائفة منهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحكم بينهم بالحق، فأبت.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون"، أولئك أعداء الله اليهود، دعوا إلى كتاب الله ليحكم بينهم، وإلى نبيه ليحكم بينهم، وهم يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل، ثم تولوا عنه وهم معرضون.
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن قتادة: "ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب"، الآية قال: هم اليهود، دعوا إلى كتاب الله وإلى نبيه، وهم يجدونه مكتوباً عندهم، ثم يتولون وهم معرضون!
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله: "ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم"، قال: كان أهل الكتاب يدعون إلى كتاب ليحكم بينهم بالحق يكون، وفي الحدود. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعوهم إلى الإسلام، فيتولون عن ذلك.
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في تأويل ذلك عندي بالصواب أن يقال: إن الله جل ثناؤه أخبر عن طائفة من اليهود، الذين كانوا بين ظهراني مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم في عهده، ممن قد أوتي علماً بالتوراة، أنهم دعوا إلى كتاب الله الذي كانوا يقرون أنه من عند الله -وهو التوراة- في بعض ما تنازعوا فيه هم ورسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد يجوز أن يكون تنازعهم الذي كانوا تنازعوا فيه، ثم دعوا إلى حكم التوراة فيه فامتنعوا من الإجابة إليه، كان أمر محمد صلى الله عليه وسلم وأمر نبوته، ويجوز أن يكون ذلك كان أمر إبراهيم خليل الرحمن ودينه، ويجوز أن يكون ذلك ما دعوا إليه من أمر الإسلام والإقرار به، ويجوز أن يكون ذلك كان في حد، فإن كل ذلك مما قد كانوا نازعوا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعاهم فيه إلى حكم التوراة، فأبى الإجابة فيه وكتمه بعضهم.
ولا دلالة في الآية على أي ذلك كان من أي، فيجوز أن يقال: هو هذا دون هذا. ولا حاجة بنا إلى معرفة ذلك، لأن المعنى الذي دعوا إلى حكمه، هو مما كان فرضاً عليهم الإجابة إليه في دينهم، فامتنعوا منه، فأخبر الله جل ثناؤه عنهم بردتهم، وتكذيبهم بما في كتابهم، وجحودهم ما قد أخذ عليهم عهودهم ومواثيقهم بإقامته والعمل به. فلن يعدوا أن يكونوا في تكذيبهم محمداً وما جاء به من الحق، مثلهم في تكذيبهم موسى وما جاء به وهم يتولونه ويقرون به.
ومعنى قوله: "ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون"، ثم يستدبر عن كتاب الله الذي دعا إلى حكمه، معرضاً عنه منصرفاً، وهو بحقيقته وحجته عالم.
وإنما قلنا إن ذلك "الكتاب" هو التوراة، لأنهم كانوا بالقرآن مكذبين، وبالتوراة بزعمهم مصدقين، فكانت الحجة عليهم بتكذيبهم بما هم به في زعمهم مقرون، أبلغ، وللعذر أقطع.
فيه ثلاث مسائل :
الأولى : قال ابن عباس : هذه الآية نزلت بسبب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل بيت المدراس على جماعة من يهود فدعاهم إلى الله . فقال له نعيم بن عمرو والحارث بن زيد : على اي دين أنت يا محمد فقال النبي صلى الله عليه وسلم إني على ملة إبراهيم فقالا : فإن إبراهيم كان يهوديا . فقال النبي صلى الله عليه وسلم فهلموا إلى التوراة فهي بيننا وبينكم فأبيا عليه فنزلت الآية . وذكر النقاش أنها نزلت لأن جماعة من اليهود أنكروا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم " هلموا إلى التوراة ففيها صفتي فأبوا " . وقرأ الجمهور ليحكم وقرأ أبو جعفر يزيد بن القعقاع ليحكم بضم الياء . والقراءة الأولى أحسن ، لقوله تعالى : " هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق ".
الثانية : في هذه الآية دليل على وجوب ارتفاع المدعو إلى الحاكم لأنه دعي إلى كتاب الله ، فإن لم يفعل كان مخلفا يتعين عليه الزجر بالأدب على قدر المخالف والمخلف . وهذا الحكم جار عندنا بالأندلس وبلاد المغرب وليس بالديار المصرية . وهذا الحكم الذي ذكرناه مبين في التنزيل في سورة النور في قوله تعالى : وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون . إلى قوله : بل أولئك هم الظالمون . وأسند الزهري عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من دعاه خصمه إلى حاكم من حكام المسلمين فلم يجب فهو ظالم ولا حق له . قال ابن العربي : وهذا حديث باطل . أما قوله فهو ظالم فكلام صحيح . وأما قوله فلا حق له فلا يصح . ويحتمل أن يريد أنه على غير الحق . قال ابن خوير منداد المالكي : واجب على كل من دعي إلى مجلس الحاكم أن يجيب ما لم يعمل أن الحاكم فاسق ، أو يعلم عداؤه من المدعي والمدعى عليه .
الثالثة : وفيها دليل على أن شرائع من قبلنا شريعة لنا إلا ما علمنا نسخة ، وانه يجب علنا الحكم بشرائع الأنبياء قبلنا ، على ما يأتي بيانه ، وإنما لا نقرأ التوراة ولا نعمل بما فيها لأن من هي في يده غير أمي عليها وقد غيرها وبدلها ، ولو علمنا أن شيئا منها لم يتغير ولم يتبدل جاز لنا قراءته . ونحو ذلك روي عن عمر حيث قال لكعب إن كنت تعلم أنها التوراة التي أنزلها الله على موسى بن عمران فاقرأها . وكان عليه السلام عالما بما لم يغير منها لذلك دعاهم غليها وإلى الحكم بها . وسيأتي بيان هذا في المائدة والأخبار الواردة في ذلك إن شاء الله تعالى . وقد قيل : إن هذه الآية نزلت في ذلك . والله أعلم .
يقول تعالى منكراً على اليهود والنصارى المتمسكين فيما يزعمون بكتابيهم اللذين بأيديهم, وهما التوراة والإنجيل, وإذا دعوا إلى التحاكم إلى ما فيهما من طاعة الله فيما أمرهم به فيهما من اتباع محمد صلى الله عليه وسلم, تولوا وهم معرضون عنهما, وهذا في غاية ما يكون من ذمهم والتنويه بذكرهم بالمخالفة والعناد, ثم قال تعالى: "ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودات" أي إنما حملهم وجرأهم على مخالفة الحق افتراؤهم على الله فيما ادعوه لأنفسهم أنهم إنما يعذبون في النار سبعة أيام عن كل ألف سنة في الدنيا يوماً وقد تقدم تفسير ذلك في سورة البقرة. ثم قال تعالى: "وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون" أي ثبتهم على دينهم الباطل, ما خدعوا به أنفسهم من زعمهم أن النار لا تمسهم بذنوبهم إلا أياماً معدودات, وهم الذين افتروا هذا من تلقاء أنفسهم واختلقوه ولم ينزل الله به سلطاناً, قال الله تعالى متهدداً لهم ومتوعداً "فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه" أي كيف يكون حالهم وقد افتروا على الله, وكذبوا رسله, وقتلوا أنبياءه, والعلماء من قومهم, الامرين بالمعروف, والناهين عن المنكر,والله تعالى سائلهم عن ذلك كله ومحاسبهم عليه ومجازيهم به, ولهذا قال تعالى: "فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه" أي لا شك في وقوعه وكونه, "ووفيت كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون".
قوله 23- "ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب" فيه تعجيب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولكل من تصح منه الرؤية من حال هؤلاء وهم أحبار اليهود. والكتاب: التوراة، وتنكير النصيب للتعظيم: أي نصيباً عظيماً كما يفيده مقام المبالغة، ومن قال إن التنكير للتحقير فلم يصب فلم ينتفعوا بذلك، وذلك بأنهم يدعون إلى كتاب الله الذين أوتوا نصيباً منه وهو التوراة: "ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم" والحال أنهم معرضون عن الإجابة إلى ما دعوا إليه مع علمهم به واعترافهم بوجوب الإجابة إليه.
23-قوله تعالى:" ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب " يعني اليهود " يدعون إلى كتاب الله" اختلفوا في هذا الكتاب ، فقال قتادة: هم اليهود دعوا الى حكم القرآن فاعرضوا عنه.
وروى الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الآية :إن الله تعالى جعل القرآن حكماً فيما بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكم القرآن على اليهود والنصارى أنهم على غير الهدى فاعرضوا عنه، وقال الاخرون : هو التوراة.
روى سعيد بن جبير وعكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:"دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت المراس على جماعة من اليهود ، فدعاهم إلى الله عز وجل.فقال له نعيم بن عمرو والحارث بن زيد : على أي دين أنت يامحمد؟فقال : على ملة إبراهيم، قالا :إن إبراهيم كان يهودياً ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :فهلموا إلى التوراة فهي بيننا وبينكم فأبيا عليه ، فأنزل الله تعالى هذه الآية" .
وروىالكلبي عن ابي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً وامرأة من أهل خيبر زنيا وكان في كتابهم الرجم، فكرهوا رجمهما لشرفهما فيهم ، فرفعوا امرهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجوا أن يكون عنده رخصة فحكم عليهما بالرجم فقال له النعمان بن اوفى وبحري بن عمرو : جرت عليهما يامحمد ليس عليهما الرجم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بيني وبينكم التوراة قالوا: قد أنصفتنا ، قال فمن أعلمكم بالتوارة قالوا رجل أعور يسكن فدك يقال له ابن صوريا ، فأرسلوا إليه فقدم المدينة وكان جبريل قد وصفه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أنت ابن صوريا؟ قال : نعم ، قال أنت اعلم اليهود؟قال:كذلك يزعمون قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشئ من التوارة ، فيها الرجم مكتوب ، فقال له : أقرأ فلما أتى على آية الرجم وضع كفه عليها وقرأ مابعدها على رسول الله صلى الله عليه وسلم .فقال عبد الله ابن سلام يارسول الله قد جاوزها فقام فرفع كفه عنها ثم قرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى اليهود بأن المحصن والمحصنة إذا زنيا وقامت عليهما البينة رجما ، وإن كانت المرأة حبلى تربص بها حتى تضع مافي بطنها ،فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم باليهوديين فرجما ، فغضب اليهود لذلك وانصرفوا فانزل الله عز وجل"ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يدعون إلى كتاب الله "".
23" ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب " أي التوراة أو جنس الكتب السماوية، ومن للتبعيض أو للبيان. وتنكير النصيب يحتمل التعظيم والتحقير. "يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم" الداعي محمد عليه الصلاة والسلام وكتاب الله القرآن، أو التوراة لما روي "أنه عليه الصلاة والسلام دخل مدراسهم فقال له نعيم بن عمرو والحارث بن زيد على أي دين أنت. فقال: على دين إبراهيم. فقالا إن إبراهيم كان يهودياً فقال: هلموا إلى التوراة فإنها بيننا وبينكم. فأبيا فنزلت". وقيل نزلت في الرجم. وقريء ليحكم على البناء للمفعول فيكون الإختلاف فيما بينهم، فيه دليل على أن الأدلة السمعية حجة في الأصول.
"ثم يتولى فريق منهم" إستبعاد لتوليهم مع علمهم بأن الرجوع إليه واجب. "وهم معرضون" وهم قوم عادتهم الإعراض، والجملة حال من فريق وإنما ساغ لتخصصه بالصفة.
23. Hast thou not seen how those who have received the Scripture invoke the Scripture of Allah (in their disputes) that it may judge between them; then a faction of them turn away, being opposed (to it)?
23 - Hast thou not turned thy vision to those who have been given a portion of the book? they are invited to the book of God, to settle their dispute, but a party of them turn back and decline (the arbitration).