22 - (وما كنتم تستترون) عن ارتكابكم الفواحش من (أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم) لأنكم لم توقنوا بالبعث (ولكن ظننتم) عند استتاركم (أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون)
أخرج الشيخان والترمذي وأحمد وغيرهم عن ابن مسعود قال اختصم عند البيت ثلاثة نفر قرشيان وثقفي أو ثقفيان وقرشي فقال أحدهم أترون الله يسمع ما نقول فقال الآخر يسمع إن جهرنا ولا يسمع إن أخفينا وقال الآخر إن كان يسمع إذا جهرنا فهو يسمع إذا أخفينا فأنزل الله وما كنتم تستترون الآية
" وما كنتم تستترون " في الدنيا " أن يشهد عليكم " يوم القيامة " سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم " .
واختلف أهل التأويل في معنى قوله : " وما كنتم تستترون " ، فقال بعضهم : معناه : وما كنتم تستخفون .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن المفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي "وما كنتم تستترون " : أي تستحقون منها .
وقال آخرون : معناه : وما كنتم تتقون .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : " وما كنتم تستترون " قال : تتقون .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : وما كنتم تظنون .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " وما كنتم تستترون " يقول : وما كنتم تظنون " أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم " حتى بلغ " كثيراً مما " كنتم " تعملون " . والله إن عليك يا ابن آدم لشهوداً غير متهمة من بدنك ، فراقبهم واتق الله في سر أمرك وعلانيتك ، فإنه لا يخفى عليه خافية ، الظلمة عنده ضوء ، والسر عنده علانية ، فمن استطاع أن يموت وهو بالله حسن الظن فليفعل ، ولا قوة إلا بالله .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : معنى ذلك : وما كنتم تستخفون ، فتتركوا ركوب محارم الله في الدنيا حذراً أن يشهد عليكم سمعكم وأبصاركم اليوم .
وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال في ذلك بالصواب ، لأن المعروف من معاني الاستتار الاستخفاء .
فإن قال قائل : وكيف يستخفي الإنسان عن نفسه مما يأتي ؟ قيل : قد بينا أن معنى ذلك إنما هو الأماني وفي تركه إتيانه إخفاؤه عن نفسه .
وقوله : " ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيراً مما " كنتم " تعملون " يقول جل ثناؤه : ولكن حسبتم حين ركبتم في الدنيا ما ركبتم من معاصي الله أن الله لا يعلم كثيراً مما تعملون من أعمالكم الخبيثة ، فلذلك لم تستتروا أن يشهد عليكم سمعكم وأبصاركم وجلودكم ، فتتركوا ركوب ما حرم الله عليكم .
وذكر أن هذه الآية نزلت من أجل نفر تدارؤوا بينهم في علم الله بما يقولونه ويتكلمون سراً .
ذكر الخبر بذلك :
حدثني محمد بن يحيى القطعي ، قال : ثنا أبو داود ، قال : ثنا قيس ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن أبي معمر الأزدي ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : كنت مستتراً بأستار الكعبة ، فدخل ثلاثة نفر ، ثقفيان وقرشي ، أو قرشيان وثقفي ، كثير شحوم بطونهما ، قليل فقه قلوبهما ، فتكلموا بكلام لم أفهمه ، فقال أحدهم : أترون أن الله يسمع ما نقول ؟ فقال الرجلان : إذا رفعنا أصواتنا سمع ، وإذا لم نرفع لم يسمع ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكرت له ذلك ، فنزلت هذه الآية " وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم " .... إلى آخر الآية .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا يحيى بن سعيد ، قال : ثنا سفيان ، قال : ثني الأعمش ، عن عمارة بن عمير ، عن وهب بن ربيعة ،عن عبد الله بن مسعود ، قال : إني لمستتر بأستار الكعبة ، إذ دخل ثلاثة نفر ثقفي وختناه قرشيان ، قليل فقه قلوبهما ، كثير شحوم بطونهما ، فتحدثوا بينهم بحديث ، فقال أحدهم : أترى الله يسمع ما قلنا ؟ فقال الآخر : إنه يسمع إذا رفعنا ، ولا يسمع إذا خفضنا. وقال الآخر : إذا كان يسمع منه شيئاً فهو يسمعه كله ، " قال فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر ذلك له ، فنزلت هذه الآية " وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم " ... حتى بلغ "وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين " "
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا يحيى ، قال : ثنا سفيان ، قال : ثني منصور ، عن مجاهد ، عن أبي معمر عن عبد الله بنحوه .
قوله تعالى : " وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم " يجوز أن يكون هذا من قول الجوارح لهم : ويجوز أن يكون من قول الله عز وجل أو الملائكة . وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود قال : اجتمع عند البيت ثلاثة نفر ، قرشيان وثقفي أو قفقيان وقرشي ، قليل فقه قلوبهم ، كثير شحم بطونهم : فقال أحدهم : أترون الله يسمع ما نقول ؟ فقال الآخر : يسمع إن جهزنا ولا يسمع إن أخفينا ، وقال الآ خر : إن كان يسمع إذا جهرنا فهو يسمع إذا أخفينا ، فأنزل الله عز وجل : " وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم " الآية ، خرجه الترمذي فقال : اختصم عند البيت ثلاثة نفر . ثم ذكره بلفظه حرفاً حرفاً وقال : حديث حسن صحيح ، حدثنا هناد قال : حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عمارة بن عمير عن عبد الرحمن بن يزيد قال : قال عبد الله : كنت مستتراً بأستار الكعبة فجاء ثلاثة نفر كثير ششحم بطونهم قليل فقه قلوبهم ، قرشي وختناته ثقيفيان ، أو ثقفي وختناه قرشيان ، فتكلموا بكلام لم أفهمه ، فقال أحدهم : أترون أن الله يسمع كلامنا هذا ، فقال الآخر : إنا إذا رفعنا أصواتنا سمعه ، وإذا لم نررفع أصواتنا لم يسمعه ، فقال الآخر : إن سمع منه شيئاً سمعه كله ! فقال عبد الله : فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى : " وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم " إلى قوله : " فأصبحتم من الخاسرين " قال : هذا حديث حسن صحيح . قال الثعلبي : والثقفي عبد يا ليل ، وختناه ربيعة وصفوان بن أمية . ومعنى ( تستترون ) تستخفون في قول أكثر العلماء ، أي ما كنتم تستخفون من أنفسكم حذراً من شهادة الجوارج عليكم ، لأن الإنسان لا يمكنه أن يخفي من نفسه عمله ، فيكون الاستخفاء بمعنى العصية ، وقيل : الاستتار بمعنى الاتقاء ، أي ما كنتم تتقون في الدنيا أتن تشهد عليكم جوارحكم في الآخرة فتتركوا المعاصي خوفاً من هذه الشهادة . وقال معناه مجاهد . وقال قتادة : ( وما كنتم تستترون ) أي تظنون ( أن يشهد عليكم سمعكم ) بأن يقول سمعت الحق وما وعيت وسمعت ما لا يجوز من المعاصي ( ولا أيصاركم ) فتقول رأيت آيات الله وما اعتبرت ونظرت فيما لا يجوز ( ولا جلودكم ) تقدم . " ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون " من أعمالكم فجادلتم على ذلك حتى شهدت عليكم جوارحكم بأعمالكم . روى بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله :
" أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم " قال " إنكم تدعون يوم القيامة مفدمة أفواهكم بفدام فأول ما يبين عن الإنسان فخذه وكفه " قال عبد الله بن عبد الأعلى الشامي فأحسن :
العمر ينقص والذنوب تزيد وتقال عثرات الفتى فيعود
هل يستطيع جحود ذنب واحد رجل جوارحه عليه شهود
والمرء يسأل عن سنيه فيشتهي تقليلها وعن الممات يحيد
و"عن معقل بن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليس من يوم يأتي على ابن آدم إلا ينادي فيه يا ابن آدم أنا خلق جديد وأنا فيمها تعمل غداً عليك شهيد فاعمل في خيراً أشهد لك به غداً فإني لو قد مضيت لم ترني أبداً ويقول الليل مثل ذلك " ذكره أبو نعيم الحافظ وقد ذكرناه في كتاب التذكرة في باب شهادة الأرض والليالي والأيام والمال . وقال محمد بن بشير فأحسن :
مضى أمسك شهيداً معدلا ويومك هذا بالفعل شهيد
فإن تك بالأمس اقترفت إساءة فثن بإحسان وأنت حميد
ولا ترج فعل الخير منك إلى غد لعل غداً يأتي وأنت فقيد
يقول تعالى: "ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون" أي اذكر لهؤلاء المشركين يوم يحشرون إلى النار يوزعون أي تجمع الزبانية أولهم على آخرهم كما قال تبارك وتعالى: "ونسوق المجرمين إلى جهنم ورداً" أي عطاشاً. وقوله عز وجل: " حتى إذا ما جاؤوها " أي وقفوا عليها "شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون" أي بأعمالهم مما قدموه وأخروه لا يكتم منه حرف "وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا" أي لاموا أعضاءهم وجلودهم حين شهدوا عليهم فعند ذلك أجابتهم الأعضاء "قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة" أي فهو لا يخالف ولا يمانع وإليه ترجعون. قال الحافظ أبو بكر البزار حدثنا محمد بن عبد الرحيم حدثنا علي بن قادم حدثنا شريك عن عبيد المكتب عن الشعبي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وابتسم فقال صلى الله عليه وسلم: "ألا تسألوني عن أي شيء ضحكت ؟" قالوا يا رسول الله من أي شيء ضحكت ؟ قال صلى الله عليه وسلم: "عجبت من مجادلة العبد ربه يوم القيامة يقول أي ربي أليس وعدتني أن لا تظلمني, قال بلى فيقول فإني لا أقبل علي شاهداً إلا من نفسي فيقول الله تبارك وتعالى أوليس كفى بي شهيداً وبالملائكة الكرام الكاتبين ـ قال ـ فيردد هذا الكلام مراراً ـ قال ـ فيختم على فيه وتتكلم أركانه بما كان يعمل, فيقول بعداً لكن وسحقاً, عنكن كنت أجادل" ثم رواه هو وابن أبي حاتم من حديث أبي عامر الأسدي عن الثوري عن عبيد المكتب عن فضيل بن عمرو عن الشعبي ثم قال لا نعلم رواه عن أنس رضي الله عنه غير الشعبي وقد أخرجه مسلم والنسائي جميعاً عن أبي بكر بن أبي النضر عن عبيد الله بن عبد الرحمن الأشجعي عن الثوري به. ثم قال النسائي لا أعلم أحداً رواه عن الثوري غير الأشجعي وليس كما قال كما رأيت والله أعلم. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا أحمد بن إبراهيم حدثنا إسماعيل بن علية عن يونس بن عبيد عن حميد بن هلال قال: قال أبو بردة: قال أبو موسى: ويدعى الكافر والمنافق للحساب فيعرض عليه ربه عز وجل عمله فيجحد ويقول أي رب وعزتك لقد كتب علي هذا الملك ما لم أعمل فيقول له الملك أما عملت كذا في يوم كذا في مكان كذا ؟ فيقول لا وعزتك أي رب ما عملته قال فإذا فعل ذلك ختم على فيه, قال الأشعري رضي الله عنه: فإني لأحسب أول ما ينطق منه فخذه اليمنى. وقال الحافظ أبو يعلى حدثنا زهير حدثنا حسن عن ابن لهيعة قال دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كان يوم القيامة عرف الكافر بعمله فجحد وخاصم فيقول هؤلاء جيرانك يشهدون عليك فيقول كذبوا فيقول أهلك وعشيرتك فيقول كذبوا فيقول احلفوا فيحلفون ثم يصمتهم الله تعالى وتشهد عليهم ألسنتهم ويدخلهم النار" وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا أحمد بن إبراهيم حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال: سمعت أبي يقول حدثنا علي بن زيد عن مسلم بن صبيح أبي الضحى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال لابن الأزرق إن يوم القيامة يأتي على الناس منه حين لا ينطقون ولا يعتذرون ولا يتكلمون حتى يؤذن لهم ثم يؤذن لهم فيختصمون فيجحد الجاحد بشركه بالله تعالى فيحلفون له كما يحلفون لكم فيبعث الله تعالى عليهم حين يجحدون شهداء من أنفسهم جلودهم وأبصارهم وأيديهم ويختم على أفواههم ثم يفتح لهم الأفواه فتخاصم الجوارح فتقول: "أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون" فتقر الألسنة بعد الجحود. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا عبدة بن سليمان حدثنا ابن المبارك حدثنا صفوان بن عمرو عن عبد الرحمن بن جبير الحضرمي, عن رافع أبي الحسن قال وصف رجلاً جحد قال فيشير الله تعالى إلى لسانه فيربو في فمه حتى يملأه فلا يستطيع أن ينطق بكلمة ثم يقول لارابه كلها تكلمي واشهدي عليه فيشهد عليه سمعه وبصره وجلده وفرجه ويداه ورجلاه صنعنا عملنا فعلنا. وقد تقدم أحاديث كثيرة وآثار عند قوله تعالى في سورة يس "اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون" بما أغنى عن إعادته ههنا. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا سويد بن سعيد حدثنا يحيى بن سليم الطائفي عن ابن خثيم عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: لما رجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجرة البحر قال "ألا تحدثون بأعاجيب ما رأيتم بأرض الحبشة ؟" فقال فتية منهم: بلى يا رسول الله بينما نحن جلوس إذ مرت علينا عجوز من عجائز رهابينهم تحمل على رأسها قلة من ماء فمرت بفتى منهم فجعل إحدى يديه بين كتفيها ثم دفعها فخرت على ركبتيها فانكسرت قلتها فلما ارتفعت التفتت إليه فقالت سوف تعلم يا غدر إذا وضع الله الكرسي وجمع الأولين والاخرين وتكلمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون فسوف تعلم كيف أمري وأمرك عنده غداً ؟ قال يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صدقت صدقت كيف يقدس الله قوماً لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم" هذا حديث غريب من هذا الوجه ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب الأهوال حدثنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا يحيى بن سليم به وقوله تعالى: "وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم" أي تقول لهم الأعضاء والجلود حين يلومونها على الشهادة عليهم ما كنتم تكتمون منا الذي كنتم تفعلونه بل كنتم تجاهرون الله بالكفر والمعاصي ولا تبالون منه في زعمكم لأنكم كنتم لا تعتقدون أنه يعلم جميع أفعالكم ولهذا قال تعالى: " ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون * وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم " أي هذا الظن الفاسد وهو اعتقادكم أن الله تعالى لا يعلم كثيراً مما تعملون هو الذي أتلفكم وأرداكم عند ربكم "فأصبحتم من الخاسرين" أي في مواقف القيامة خسرتم أنفسكم وأهليكم. قال الإمام أحمد حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن عمارة عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله رضي الله عنه قال: كنت مستتراً بأستار الكعبة فجاء ثلاثة نفر قرشي وختناه ثقفيان ـ أو ثقفي وختناه قرشيان ـ كثير شحم بطونهم, قليل فقه قلوبهم فتكلموا بكلام لم أسمعه, فقال أحدهم: أترون أن الله يسمع كلامنا هذا, فقال الاخر: إنا إذا رفعنا أصواتنا سمعه وإذا لم نرفعه لم يسمعه فقال الاخر: إن سمع منه شيئاً سمعه كله ـ قال ـ فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل " وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون * وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين " وهكذا رواه الترمذي عن هناد عن أبي معاوية بإسناده نحوه, وأخرجه أحمد ومسلم والترمذي أيضاً من حديث سفيان الثوري عن الأعمش عن عمارة بن عمير عن وهب بن ربيعة عن عبد الله بن مسعود بنحوه, ورواه البخاري ومسلم أيضاً من حديث السفيانين كلاهما عن منصور عن مجاهد عن أبي معمر عبد الله بن سخبرة عن ابن مسعود رضي الله عنه به وقال عبد الرزاق: حدثنا معمر عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: "أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم" قال: "إنكم تدعون يوم القيامة مفدماً على أفواهكم بالفدام فأول شيء يبين عن أحدكم فخذه وكفه" قال معمر: وتلا الحسن "وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم" ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله تعالى أنا مع عبدي عند ظنه بي وأنا معه إذا دعاني" ثم افتر الحسن ينظر في هذا فقال: ألا إنما عمل الناس على قدر ظنونهم بربهم فأما المؤمن فأحسن الظن بربه فأحسن العمل, وأما الكافر والمنافق فأساءا الظن بالله فأساءا العمل ثم قال: قال الله تبارك وتعالى: " وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون * وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم " الاية. وقال الإمام أحمد: حدثنا النضر بن إسماعيل القاص وهو أبو المغيرة حدثنا ابن أبي ليلى عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يموتن أحد منكم إلا وهو يحسن بالله الظن فإن قوماً قد أرداهم سوء ظنهم بالله فقال الله تعالى: "وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين" " .وقوله تعالى: "فإن يصبروا فالنار مثوى لهم وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين" أي سواء عليهم صبروا أم لم يصبروا هم في النار لا محيد لهم عنها ولا خروج لهم منها, وإن طلبوا ان يستعتبوا ويبدوا أعذارهم فما لهم أعذار ولا تقال لهم عثرات. قال ابن جرير: ومعنى قوله تعالى: "وإن يستعتبوا" أي يسألوا الرجعة إلى الدنيا فلا جواب لهم قال وهذا كقوله تعالى إخباراً عنهم: " قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين * ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون * قال اخسؤوا فيها ولا تكلمون ".
22- "وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم" هذا تقريع لهم وتوبيخ من جهة الله سبحانه، أو من كلام الجلود: أي ما كنتم تستخفون عند الأعمال القبيحة حذراً من شهادة الجوارح عليكم، ولما كان الإنسان لا يقدر على أن يستخفي من جوارحه عند مباشرة المعصية كان معنى الاستخفاء هنا ترك المعصية. وقيل معنى الاستتار الاتقاء: أي ما كنتم تتقون في الدنيا أن تشهد عليكم جوارحكم في الآخرة فتتركوا المعاصي خوفاً من هذه الشهادة وأن في قوله: "أن تشهد" في محل نصب على العلة: أي لأجل أن تشهد، أو مخافة أن تشهد. وقيل منصوبة بنزع الخافض، وهو الباء، أو عن، أو من. وقيل إن الاستتار مضمن معنى الظن: أي وما كنتم تظنون أن تشهد، وهو بعيد " ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون " من المعاصي فاجترأتم على فعلها، قيل كان الكفار يقولون: إن الله لا يعلم ما في أنفسنا ولكن يعلم ما نظهر دون ما نسر. قال قتادة: الظن هنا بمعنى العلم، وقيل أريد بالظن معنى مجازي يعم معناه الحقيقي وما هو فوقه من العلم.
22. " وما كنتم تستترون "، أي: تستخفون [عند أكثر أهل العلم]. وقال مجاهد : تتقون. وقال قتادة : تظنون. " أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيراً مما تعملون ".
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا الحميدي ، أخبرنا سفيان ، أخبرنا منصور ، عن مجاهد ، عن أبي معمر، عن عبد الله بن مسعود قال: اجتمع عند البيت ثقفيان وقرشي، أو قرشيان وثقفي كثير شحم بطونهم، قليل فقه قلوبهم، فقال أحدهم: أترون أن الله يسمع ما نقول؟ قال الآخر: يسمع إن جهرنا ولا يسمع إن أخفينا، وقال الآخر: إن كان يسمع إذا جهرنا فإنه يسمع إذا أخفينا، فأنزل الله تعالى: " وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيراً مما تعملون ". وقيل: الثقفي، عبد ياليل، وختناه القرشيان: ربيعة، وصفوان بن أمية.
22-" وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم " أي كنتم تستترون عن الناس عند ارتكاب الفواحش مخافة الفضاحة ، وما ظننتم أن أعضاءكم تشهد عليكم بها فما استترتم عنها . وفيه تنبيه على أن المؤمن ينبغي أن يتحقق أنه لا يمر عليه حال إلا وهو عليه رقيب . " ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيراً مما تعملون " فلذلك احترأتم على ما فعلتم .
22. Ye did not hide yourselves lest your ears and your eyes and your skins should testify against you, but ye deemed that Allah knew riot much of what ye did.
22 - Ye did not seek to hide yourselves, lest your hearing, your sight, and your skins should bear witness against you! But ye did think that God knew not many of the things that ye used to do!