22 - (إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف) نحن (خصمان) قيل فريقان ليطابق ما قبله من ضمير الجمع وقيل اثنان والضمير بمعناها والخصم يطلق على الواحد وأكثر وهما ملكان جاءا في الصورة خصمين وقع لهما ما ذكر على سبيل الفرض لتنبيه داود عليه السلام على ما وقع منه وكان له تسع وتسعون امرأة وطلب امرأة شخص ليس له غيرها وتزوجها ودخل بها (بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط) تجر (واهدنا) أرشدنا (إلى سواء الصراط) وسط الطريق الصواب
وقوله "إذ دخلوا على داود" فكرر إذ مرتين وكان بعض أهل العربية يقول في ذلك : قد يكون معناهما كالواحد، كقولك : ضربتك إذ دخلت علي إذ اجترأت ، فيكون الدخول هو الاجتراء، ويكون أن تجعل إحداهما على مذهب لما، فكأنه قال : إذ تسوروا المحراب لما دخلوا، قال : وإن شئت جعلت لما في الأول ، فإذا كان لما أولاً أو آخراً، فهي بعد صاحبتها، كما تقول : أعطيته لما سألني ، فالسؤال قبل الإعطاء في تقدمه وتأخره .
وقوله "ففزع منهم" يقول القائا، : وما كان وجه فزعه منهما وهما خصمان؟ فإن فزعه منهما كان لدخولهما عليه من غير الباب الذي كان المدخل عليه ، فراعه دخولهما كذلك عليه . وقيل : إن فزعه كان منهما، لأنهما دخلا عليه ليلاً في غير وقت نظره بين الناس ؟ قالوا "لا تخف" يقول تعالى ذكره : قال له الخصم : لا تخف يا داود، وذلك لما رأياه قد ارتاع من دخولهما عليه من غير الباب . وفي الكلام محذوف استغني بدلالة ما ظهر من الكلام منه ، وهو مرافع خصمان ، وذلك نحن . وإنما جاز ترك إظهار ذلك مع حاجة الخصمين إلى المرافع ، لأن قوله "خصمان" فعل للمتكلم ، والعرب تضمر للمتكلم والمكلم والمخاطب ما يرفع أفعالهما، ولا يكادون أن يفعلوا ذلك بغيرهما، فيقولون للرجل يخاطبونه : أمنطلق يا فلان ويقول المتكلم لصاحبه : أحسن إليك وتجمل ، وإنما يفعلون ذلك كذلك في المتكلم والمكلم ، لأنهما حاضران يعرف السامع مراد المتكلم إذا حذف الاسم . وأكثر ما يجيء ذلك في الاستفهام ، وإن كان جائزاً في غير الاستفهام ، فيقال : أجالس راكب ؟ فمن ذلك قوله خصمان ، ومنه قول الشاعر :
وقولا إذا جاوزتما أرض عامر وجاوزتما الحيين نهداً وخثعما
نزيعان من جرم بن ربان إنهم أبوا أن يميروا في الهزاهز محجما
وقول الآخر:
تقول ابنة الكعبي يوم لقيتها أمنطلق في الجيش أم متثاقل
ومنه قولهم : محسنة فهيلي. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: آئبون تائبون. وقوله: جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله كل ذلك بضمير رفعه . وقوله عز وجل "بغى بعضنا على بعض" يقول : تعدى أحدنا على صاحبه بغير حق "فاحكم بيننا بالحق" يقول : فاقض بيننا بالعدل "ولا تشطط": يقول: ولا تجر، ولا تسرف في حكمك ، بالميل منك مع أحدنا على صاحبه. وفيه لغتان : أشط ، وشط . ومن الإشطاط قول الأحوص :
ألا يا لقوم قد أشطت عواذلي ويزعمن أن أودى بحقي باطلي
ومسموع من بعضهم : شططت علي في السوم . فأما في البعد فإن أكثر كلامهم : شطت الدار، فهي تشط ، كما قال الشاعر:
تشط غداً دار جيراننا وللدار بعد غد أبعد
وقوله "واهدنا إلى سواء الصراط" يقول : وأرشدنا إلى قصد الطريق المستقيم.
وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله "ولا تشطط" قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة "ولا تشطط": أي لا تمل .
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن المفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي "ولا تشطط" يقول : لا تحف .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله "ولا تشطط" تخالف عن الحق . وكالذي قلنا في قوله "واهدنا إلى سواء الصراط" قالوا.
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر، قال : ثنا سعيد، عن قتادة "واهدنا إلى سواء الصراط" إلى عدله وخيره.
حدثنا محمد بن الحسين، قال : ثنا أحمد بن المفضل، قال : ثنا أسباط، عن السدي "واهدنا إلى سواء الصراط" إلى عدل القضاء.
حدثني يونس، قال : أخبرنا ابن وهب، قال : قال ابن زيد، في قوله "واهدنا إلى سواء الصراط" قال : إلى الحق الذي هو الحق : الطريق المستقيم "ولا تشطط" تذهب إلى غيرها .
حدثنا ابن حميد، قال : ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن بعض أهل العلم ، عن وهب بن منبه: "واهدنا إلى سواء الصراط": إي احملنا على الحق ، ولا تخالف بنا إلى غيره.
الثالثة : قوله تعالى : " ففزع منهم " لأنهما أتياه ليلاً في غير وقت دخول الخصوم . وقيل : لدخولهم عليه بغير إذنه . وقيل : لأنهم تسوروا عليه المحراب ولم يأتوه من الباب . قال ابن العربي : كان محراب داود عليه السلام من الامتناع في الإرتفاع ، بحيث لا يرتقي إليه آدمي بحيلة إلا أن يقيم إليه أياماً أو أشهراً بحسب طاقته ، مع أعوان يكثر عددهم وألات جمة مختلفة الأنواع . ولو قلنا : إنه يوصل إليه من باب المحراب لما قال الله تعالى مخبراً عن ذلك : < تسوروا المحراب > إذ لا يقال تسور المحراب والغرفة لمن طلع إليها من درجها ، وجاءها من أسفلها إلا أن يكون ذلك مجازاً ، وإذا شاهدة الكوة التي يقال إنه دخل منها الخصمان علمت قطعاً أنها ملكان ، لأنها من العلو بحيث لا ينالها إلا علوي . قال الثعلبي : وقد قيل : كان المتسوران أخوين من بني إسرائيل لأب وأم . فلما قضى داود بينهما في القضية قال له ملك من الملائكة فهلا قضيت بذلك على نفسك يا داود . قال الثعلبي : والأول أحسن أنهما كانا ملكين نبها داود على ما فعل .
قلت : وعلى هذا أكثر أهل التأويل . فإن قيل : كيف يجوز أن يقول الملكان < خصمان بغى بعضنا على بعض > وذلك كذب والملائكة عن مثله منزهون . فالجواب عنه أنه لا بد في الكلام من تقدير ، فكأنهما قالا : قدرنا كأننا خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ، وعلى ذلك يحمل قولها : " إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة " لأن ذلك وإن كان بصورة الخبر فالمراد أيراده على طريق التقدير لينبه داود على ما فعل ، والله أعلم .
الرابعة : أن قيل : لما فزع داود وهو نبي ، وقد قويت نفسه بالنبوة ، واطمأنت بالوحي وأوثقت بما آتاه الله من المنزلة ، وأظهر على يديه من الآيات ، وكان من الشجاعة في غاية المكانة ؟ قيل له : ذلك سبيل الأنبياء قبله ، لم يأمن القتل والأذية ومنهما كان يخاف . ألا ترى إلى موسى وهارون عليهما السلام كيف قالا :"إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى " [ طه : 45 ] فقال الله عز وجل : " لا تخافا " . وقالت الرسل للوط : " لا تخف ""إنا رسل ربك لن يصلوا إليك " [ هود : 81 ] وكذا قال الملكان هنا : < لا تخف > . قال محمد بن إسحاق : بعث الله إليه ملكين يختصمان إليه وهو في محرابه - مثلاً ضربه الله له ولأوريا فرأهما واقفين على رأسه ، فقال : ما ادخلكما علي ؟ قالا : " لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض " فجئناك لتقضي بيننا .
الخامسة : قال ابن العربي : فإن قيل : كيف لم يأمر بإخراجهما إذ قد علم مطلبهما وهلا أدبهما وقد دخلا عليه بغير إذن ؟ فالجواب عليه من أربعة أوجه : الأول : إنا لم نعلم كيفية شرعه في الحجاب والإذن ، فيكون الجواب بحسب تلك الأحكام ، وقد كان ذلك في ابتداء شرعنا مهملاً في هذه الأحكام ، حتى أوضحها الله تعالى بالبيان . الثاني : إنا لو نزلنا الجواب على أحكام الحجاب ، لاحتمل أن يكون الفزع الطارىء عليه أذهله عما كان يجب في ذلك له . الثالث : أنه أراد أن يستوفي كلامهما الذي دخلا له حتى يعلم آخر الأمر منه ، ويرى هل يحتمل التقحم فيه بغير إذن أم لا ؟ وهل يقترن بذلك عذر لهما أم لا يكون لهما عذر فيه ؟ فكان من آخر الحال من كشف أنه بلاء ومحنة ، ومثل ضربه الله في القصة ، وأدب وقع على دعوى العصمة . الرابع : أنه يحتمل أن يكون في مسجد ولا إذن في المسجد لأحد إذ لا حجر فيه على أحد .
قلت : وقول خامس ذكره القشيري ، وهو أنهما قالا : لم يأذن لنا الموكلون بالحجاب ، توصلنا إلى الدخول بالتسور ، وخفنا أن يتفاقم الأمر بيننا فقبل داود عذرهم ، وأصغى إلى قولهم .
السادسة : قوله تعالى : " خصمان " إن قيل : كيف قال : < خصمان > وقبل هذا : < إذ تسوروا المحراب > فقيل : لأن الإثنين جمع ، قال الخليل : كما تقول نحن فعلنا إذا كنتما إثنين . وقال الكسائي : جمع لما كان خبراً فلما انقضى الخبر وجاءت المخاطبة ، خبر الإثنان عن أنفسهما فقالا خصمان . وقال الزجاج : المعنى نحن خصمان . وقال غيره : القول محذوف ، أي يقول : " خصمان بغى بعضنا على بعض " قال الكسائي ولو كان بغى بعضهما على بعض لجاز . الماوردي : وكانا ملكين ، ولم يكونا خصمين ولا باغيين ، ولا يتأتى منهما كذب وتقدير كلامهما ما تقول : إن أتاك خصمان قالا بغى بعضنا على بعض . وقيل : إي نحن فريقان من الخصوم بغى بعضنا على بعض وعلى هذا يحتمل أن تكون الخصومة بين إثنين ومع كل واحد جمع . ويحتمل أن يكون لكل واحد من هذا الفريق خصومة مع كل واحد من الفريق الآخر ، فحضروا الخصومات ولكن ابتدأ منهم إثنان فعرف داود بذكر النكاح القصة وأغنى ذلك على التعرض للخصومات الآخر . والبغي التعدي والخروج عن الواجب . يقال : بغى الجرح إذا أفرط وجعه وترامى إلى ما يفحش ومنه بغت المرأة إذا أتت الفاحشة .
السابعة : قوله تعالى : " فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط " أي لا تجر ، قاله السدي وحكى أبو عبيد : شطت عليه وأشطت أي جرت وفي حديث تميم الداري : < إنك لشاطي > أي جائر علي في الحكم . وقال قتادة : لا تمل . الأخفش : لا تسرف . وقيل : لا تفرط . والمعنى متقارب والأصل فيه البعد من شطت الدار أي بعدت ، شطت الدار تشط وتشط شطاً وشطوطاً بعدت . وأشط في القضية أي جار ، وأشط في السوم واشطت أي أبعد ، وأشطوا في طلبي أي أمعنوا . قال أبو عمرو : الشطط مجاوزة القدر في كل شيء . وفي الحديث : " لها مهر مثلها لا وكس ولا شطط " أي لا نقصان ولا زيادة . وفي التنزيل : " لقد قلنا إذا شططا " [ الكهف : 14 ] أي جوراً من القول وبعداً عن الحق . " واهدنا إلى سواء الصراط " أي أرشدنا إلى قصد السبيل .
قد ذكر المفسرون ها هنا قصة أكثرها مأخوذ من الإسرائيليات ولم يثبت فيها عن المعصوم حديث يجب اتباعه ولكن روى ابن أبي حاتم حديثاً لا يصح سنده لأنه من رواية يزيد الرقاشي عن أنس رضي الله عنه ويزيد وإن كان من الصالحين لكنه ضعيف الحديث عند الأئمة فالأولى أن يقتصر على مجرد تلاوة هذه القصة وأن يرد علمها إلى الله عز وجل فإن القرآن حق وما تضمن فهو حق أيضاً. وقوله تعالى: "ففزع منهم" إنما كان ذلك لأنه كان في محرابه وهو أشرف مكان في داره وكان قد أمر أن لا يدخل عليه أحد ذلك اليوم فلم يشعر إلا بشخصين قد تسورا عليه المحراب أي احتاطا به يسألانه عن شأنهما وقوله عز وجل: "وعزني في الخطاب" أي غلبني يقال عز يعز إذا قهر وغلب. وقوله تعالى: "وظن داود أنما فتناه" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما أي اختبرناه. وقوله تعالى "وخر راكعاً" أي ساجداً "وأناب" ويحتمل أنه ركع أولاً ثم سجد بعد ذلك, وقد ذكر أنه استمر ساجداً أربعين صباحاً "فغفرنا له ذلك" أي ما كان منه مما يقال فيه إن حسنات الأبرار سيئات المقربين.
وقد اختلف الأئمة في سجدة "ص" هل هي من عزائم السجود ؟ على قولين الجديد من مذهب الشافعي رضي الله عنه أنها ليست من عزائم السجود بل هي سجدة شكر, والدليل على ذلك ما رواه الإمام أحمد حيث قال حدثنا إسماعيل هو ابن علية عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال السجدة في "ص" ليست من عزائم السجود, وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد فيها. ورواه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي في تفسيره من حديث أيوب به وقال الترمذي حسن صحيح. وقال النسائي أيضاً عند تفسير هذه الاية أخبرني إبراهيم بن الحسن هو المقسمي حدثنا حجاج بن محمد عن عمرو بن ذر عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في "ص" وقال: "سجدها داود عليه الصلاة والسلام توبة ونسجدها شكراً" تفرد بروايته النسائي ورجال إسناده كلهم ثقات.
وقد أخبرني شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي قراءة عليه وأنا أسمع, أخبرنا أبو إسحاق المدرجي أخبرنا زاهر بن أبي طاهر الثقفي حدثنا زاهر بن أبي طاهر الشحامي أخبرنا أبو سعيد الكنجدروذي أخبرنا الحاكم أبو أحمد محمد بن محمد الحافظ أخبرنا أبو العباس السراج حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا محمد بن يزيد بن خنيس عن الحسن بن محمد بن عبيد الله بن أبي يزيد قال: قال لي ابن جريج يا حسن حدثني جدك عبيد الله بن أبي يزيد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني رأيت فيما يرى النائم كأني أصلي خلف شجرة فقرأت السجدة فسجدت, فسجدت الشجرة بسجودي فسمعتها تقول وهي ساجدة: اللهم اكتب لي عندك أجراً, واجعلها لي عندك ذخراً, وضع بها عني وزراً, واقبلها مني كما قبلتها من عبدك داود.
قال ابن عباس رضي الله عنهما فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم قام فقرأ السجدة ثم سجد فسمعته يقول وهو ساجد كما حكى الرجل عن كلام الشجرة, رواه الترمذي عن قتيبة وابن ماجه عن أبي بكر بن خلاد كلاهما عن محمد بن يزيد بن خنيس نحوه, وقال الترمذي غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وقال البخاري عند تفسيرها أيضاً حدثنا محمد بن عبد الله حدثنا محمد بن عبيد الطنافسي عن العوام قال سألت مجاهداً عن سجدة "ص" فقال: سألت ابن عباس رضي الله عنهما من أين سجدت فقال أو ما تقرأ "ومن ذريته داود وسليمان" "أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده" فكان داود عليه الصلاة والسلام ممن أمر نبيكم صلى الله عليه وسلم أن يقتدي به فسجدها داود عليه الصلاة والسلام فسجدها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال الإمام أحمد حدثنا عفان حدثنا يزيد بن زريع حدثنا حميد حدثنا بكر هو ابن عبد الله المزني أنه أخبره أن أبا سعيد الخدري رضي الله عنه رأى رؤيا أنه يكتب "ص" فلما بلغ إلى الاية التي يسجد بها رأى الدواة والقلم وكل شيء بحضرته انقلب ساجداً قال فقصها على النبي صلى الله عليه وسلم فلم يزل يسجد بها بعد, تفرد به أحمد, وقال أبو داود حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال عن عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر "ص" فلما بلغ السجدة نزل فسجد وسجد الناس معه فلما كان يوم آخر قرأها فلما بلغ السجدة تشرف الناس للسجود فقال صلى الله عليه وسلم: "إنما هي توبة نبي ولكني رأيتكم تشرفتم" فنزل وسجد وتفرد به أبو داود وإسناده على شرط الصحيحين.
وقوله تعالى: "وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب" أي وإن له يوم القيامة لقربة يقربه الله عز وجل بها وحسن مرجع وهو الدرجات العالية في الجنة لتوبته وعدله التام في ملكه كما جاء في الصحيح "المقسطون على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين الذين يقسطون في أهليهم وما ولوا" وقال الإمام أحمد حدثنا يحيى بن آدم حدثنا فضيل عن عطية عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أحب الناس إلى الله يوم القيامة وأقربهم منه مجلساً إمام عادل, وإن أبغض الناس إلى الله يوم القيامة وأشدهم عذاباً إمام جائر" ورواه الترمذي من حديث فضيل وهو ابن مرزوق الأغر عن عطية به, وقال لا نعرفه مرفوعاً إلا من هذا الوجه. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو زرعة حدثنا عبد الله بن أبي زياد حدثنا سيار حدثنا جعفر بن سليمان سمعت مالك بن دينار في قوله تعالى: "وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب" قال يقام داود يوم القيامة عند ساق العرش ثم يقول يا داود مجدني اليوم بذلك الصوت الحسن الرخيم الذي كنت تمجدني به في الدنيا فيقول وكيف وقد سلبته ؟ فيقول الله عز وجل إني أرده عليك اليوم قال فيرفع داود عليه الصلاة والسلام بصوت يستفرغ نعيم أهل الجنان.
والعامل في إذ في قوله: 22- "إذ دخلوا على داود " النبأ: أي هل أتاك الخبر الواقع في وقت تسورهم، وبهذا قال ابن عطية ومكي وأبو البقاء. وقيل العامل فيه أتاك. وقيل معمول للخصم. وقيل معمول لمحذوف: أي وهل أتاك نبأ تحاكم الخصم. وقيل هو معمول لتسوروا. وقيل هو بدل مما قبله. وقال الفراء إن أحد الظرفين المذكورين بمعنى لما "ففزع منهم" وذكل لأنهما أتياه ليلاً في غير وقت دخول الخصوم ودخلوا عليه بغير إذنه ولم يدخلوا من الباب الذي يدخل منه الناس. قال ابن الأعرابي: وكان محراب داود من المتناع بالارتفاع بحيث لا يرتقي إليه آدمي بحيلة، وجملة "قالوا لا تخف" مستأنفة جواب سؤال مقدر كأنه قيل: فماذا قالوا لداود لما فزع منهم وارتفاع "خصمان" على أنه خبر مبتدأ محذوف: أي نحن خصمان، وجاء فيما سبق بلفظ الجمع، وهنا بلفظ التثنية لما ذكر من أن لفظ الخصم يحتمل المفرد والمثنى والمجموع، فالكل جائز. قال الخليل: هو كما تقول نحن فعلنا كذا: إذا كنتما إثنين. وقال الكسائي: جمع لما كان خبراً فلما انقضى الخبر وجاءت المخاطبة أخبر الإثنان عن أنفسهما فقالا خصمان، وقوله: "بغى بعضنا على بعض" هو على سبيل الفرض والتقدير، وعلى سبيل التعريض لأن من المعلوم أن الملكين لا يبغيان. ثم طلبا منه أن يحكم بينهما بالحق ونهياه عن الجور فقالا: "فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط" أي لا تجر في حكمك، يقال شط الرجل وأشط شططاً وإشطاطاً: إذا جار في حكمه. قال أبو عبيد: شططت لعيه وأشططت: أي جرت. وقال الأخفش: معناه لا تسرف، وقيل لا تفرط، وقيل لا تمل. والمعنى متقارب، والأصل فيه البعد، من شطت الدار: إذا بعدت. قال أبو عمرو: الشطط مجاوزة القدر في كل شيء "واهدنا إلى سواء الصراط" سواء الصراط: وسطه. والمعنى: أرشدنا إلى الحق واحملنا عليه.
22. " إذ دخلوا على داود ففزع منهم "، خاف منهما حين هجما عليه في محرابه بغير إذنه، فقال: ما أدخلكما علي، " قالوا لا تخف خصمان "، [أي نحن خصمان] " بغى بعضنا على بعض " جئناك لتقضي بيننا، فإن قيل: كيف قالا: (( بغى بعضنا على بعض )) وهما ملكان لا يبغيان؟ قيل: معناه: أرأيت خصمان بغى أحدهما على الآخر، وهذا من معاريض الكلام لا على تحقيق البغي من أحدهما.
" فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط "، أي لا تجر، يقال: شط الرجل شططاً وأشط إشطاطاً إذا جار في حكمه، ومعناه مجاوزة الحد، وأصل الكلمة من شطت الدار وأشطت، إذا بعدت. " واهدنا إلى سواء الصراط "، أرشدنا إلى طريق الصواب والعدل، فقال داود لهما: تكلما.
22-" إذ دخلوا على داود " بدل من الأولى أو ظرف لـ " ففزع منهم " نزلوا عليه من فوق في يوم الاحتجاب والحرس على الباب لا يتركون من يدخل عليه ، فإنه عليه الصلاة والسلام كان جزأ زمانه : يوماً للعبادة ، ويوماً للوعظ ، ويوماً للاشتغال بخاصته ، فتسور عليه ملائكة على صورة الإنسان في يوم الخلوة . " قالوا لا تخف خصمان " نحن فوجان متخاصمان على تسمية مصاحب الخصم خصماً . " بغى بعضنا على بعض " و هو على الفرض وقصد التعريض إن كانوا ملائكة وهو المشهور . " فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط " ولا تجر في الحكومة ، وقرئ ولا تشطط أي ولا تبعد عن الحق ولا تشطط ولا تشاط ، والكل من معنى الشطط وهو من مجاوزة الحد . " واهدنا إلى سواء الصراط " أي إلى وسطه وهو العدل .
22. How they burst in upon David, and he was afraid of them. They said Be not afraid (We are) two litigants, one of whom hath wronged the other, therefor judge aright between us; be not unjust; and show us the fair way.
22 - When they entered the presence of David, and he was terrified of them, they said: fear not: we are two disputants, one of whom has wronged the other: decide now between us with truth, and treat us not with unjustice, but guide us to the Even Path.