21 - (ومن) أي لا أحد (أظلم ممن افترى على الله كذبا) بنسبة الشريك إليه (أو كذب بآياته) القرآن (إنه) أي الشأن (لا يفلح الظالمون) بذلك
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره : ومن أشد اعتداءً، وأخطأ فعلاً وأخطل قولاً، "ممن افترى على الله كذبا"، يعني : ممن اختلق على الله قيل باطل ، واخترق من نفسه عليه كذباً، فزعم أن له شريكا من خلقه ، وإلهاً يعبد من دونه -كما قاله المشركون من عبدة الأوثان -أو ادعى له ولداً أو صاحبةً، كما قالته النصارى، "أو كذب بآياته"، يقول : أو كذب بحججه وأعلامه وأدلته التي أعطاها رسله على حقيقة نبوتهم ، كذبت بها اليهود- "إنه لا يفلح الظالمون" يقول : إنه لا يفلح القائلون على الله الباطل ، ولا يدركون البقاء في الجنان ، والمفترون عليه الكذب ، والجاحدون بنبوة أنبيائه.
قوله تعالى :" ومن أظلم " ابتداء وخبر أي لا أحد أظلم " ممن افترى " أي اختلق " على الله كذبا أو كذب بآياته " يريد القرآن والمعجزات " إنه لا يفلح الظالمون " قيل: معناه في الدنيا.
يقول تعالى مخبراً: أنه مالك الضر والنفع, وأنه المتصرف في خلقه بما يشاء, لا معقب لحكمه, ولا راد لقضائه, "وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير" كقوله تعالى: "ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده" الاية, وفي الصحيح: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول "اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت, ولا ينفع ذا الجد منك الجد" ولهذا قال تعالى "وهو القاهر فوق عباده" أي وهو الذي خضعت له الرقاب, وذلت له الجبابرة, وعنت له الوجوه, وقهر كل شيء, ودانت له الخلائق, وتواضعت لعظمة جلاله وكبريائه, وعظمته وعلوه, وقدرته على الأشياء, واستكانت وتضاءلت بين يديه, وتحت قهره وحكمه, "وهو الحكيم" أي في جميع أفعاله "الخبير" بمواضع الأشياء ومحالها, فلا يعطي إلا من يستحق, ولا يمنح إلا من يستحق, ثم قال "قل أي شيء أكبر شهادة" أي من أعظم الأشياء شهادة "قل الله شهيد بيني وبينكم" أي هو العالم بما جئتكم به, وما أنتم قائلون لي, " وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ " أي وهو نذير لكل من بلغه, كقوله تعالى: "ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده" قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج, حدثنا وكيع وأبو أسامة, وأبو خالد, عن موسى بن عبيدة, عن محمد بن كعب, في قوله: "ومن بلغ" من بلغه القرآن, فكأنما رأى النبي صلى الله عليه وسلم, زاد أبو خالد وكلمه, ورواه ابن جرير من طريق أبي معشر: عن محمد بن كعب, قال: من بلغه القرآن, فقد أبلغه محمد صلى الله عليه وسلم, وقال عبد الرزاق: عن معمر عن قتادة, في قوله تعالى: "لأنذركم به ومن بلغ" إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "بلغوا عن الله فمن بلغته آية من كتاب الله, فقد بلغه أمر الله " وقال الربيع بن أنس: حق على من اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم, أن يدعو كالذي دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأن ينذر بالذي أنذر, وقوله " أإنكم لتشهدون " أيها المشركون "أن مع الله آلهة أخرى قل لا أشهد" كقوله "فإن شهدوا فلا تشهد معهم" "قل إنما هو إله واحد وإنني بريء مما تشركون" ثم قال تعالى مخبراً عن أهل الكتاب: أنهم يعرفون هذا الذي جئتهم به, كما يعرفون أبناءهم بما عندهم من الأخبار والأنباء, عن المرسلين المتقدمين والأنبياء, فإن الرسل كلهم بشروا بوجود محمد صلى الله عليه وسلم ونعته وصفته, وبلده ومهاجره وصفة أمته, ولهذا قال بعده "الذين خسروا أنفسهم" أي خسروا كل الخسارة "فهم لا يؤمنون" بهذا الأمر الجلي الظاهر الذي بشرت به الأنبياء ونوهت به في قديم الزمان وحديثه ثم قال "ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو كذب بآياته" أي لا أظلم ممن تقول على الله, فادعى أن الله أرسله, ولم يكن أرسله, ثم لا أظلم ممن كذب بآيات الله, وحججه وبراهينه ودلالاته, "إنه لا يفلح الظالمون" أي لا يفلح هذا ولا هذا, لا المفتري ولا المكذب .
قوله: 21- "ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً" أي اختلق على الله الكذب فقال: إن في التوراة أو الإنجيل ما لم يكن فيهما "أو كذب بآياته" التي يلزمه الإيمان بها من المعجزة الواضحة البينة، فجمع بين كونه كاذباً على الله ومكذباً بما أمره الله بالإيمان به، ومن كان هكذا فلا أحد من عباد الله أظلم منه، والضمير في "إنه لا يفلح الظالمون" للشأن.
وقد أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سلمان الفارسي قال: إنا نجد في التوراة أن الله خلق السموات والأرض، ثم جعل مائة رحمة قبل أن يخلق الخلق، ثم خلق الخلق فوضع بينهم رحمة واحدة وأمسك عنده تسعاً وتسعين رحمة فبها يتراحمون، وبها يتعاطفون، وبها يتباذلون، وبها يتزاورون وبها تحن الناقة، وبها تنتج البقرة، وبها تيعر الشاة، وبها تتابع الطير، وبها تتابع الحيتان في البحر، فإذا كان يوم القيامة جمع تلك الرحمة إلى ما عنده، ورحمته أفضل وأوسع. وقد أخرج مسلم وأحمد وغيرهما عن سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خلق الله يوم خلق السموات والأرض مائة رحمة: منها رحمة يتراحم بها الخلق، وتسعة وتسعون ليوم القيامة، فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة"، وثبت في الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما قضى الله الخلق كتب كتاباً فوضعه عنده فوق العرش: إن رحمتي سبقت غضبي". وقد روي من طرق أخرى بنحو هذا. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله: "وله ما سكن في الليل والنهار" يقول: ما استقر في الليل والنهار، وفي قوله: "قل أغير الله أتخذ ولياً" قال: أما الولي فالذي تولاه ويقر له بالربوبية. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: "فاطر السموات والأرض" قال: بديع السموات والأرض. وأخرج أبو عبيد في فضائله وابن جرير وابن الأنباري عنه قال: كنت لا أدري ما فطر السموات والأرض؟ حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر فقال أحدهما: أنا فطرتها، يقول: أنا ابتدأتها. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله: "وهو يطعم ولا يطعم" قال: يرزق ولا يرزق. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: "من يصرف عنه" قال: من يصرف عنه العذاب. وأخرج أبو الشيخ عن السدي في قوله: "وإن يمسسك بخير" يقول: بعافية. وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال:" جاءالنمام بن زيد وقردم بن كعب وبحري بن عمرو فقالوا: يا محمد ما تعلم مع الله إلهاً غيره؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:لا إله إلا الله، بذلك بعثت وإلى ذلك أدعو، فأنزل الله: "قل أي شيء أكبر شهادة"الآية". وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله: "وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به" يعني أهل مكة "ومن بلغ" يعني من بلغه هذا القرآن من الناس فهو له نذير. وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن أنس قال: لما نزلت هذه الآية "وأوحي إلي هذا القرآن" كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر والنجاشي وكل جبار يدعوهم إلى الله عز وجل وليس بالنجاشي الذي صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم. وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم والخطيب وابن النجار عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من بلغه القرآن فكأنما شافهته به، ثم قرأ "وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ"". وأخرج ابن أبي شيبة وابن الضريس وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن محمد بن كعب القرظي قال: "من بلغه القرآن فكأنما رأى النبي صلى الله عليه وسلم" وفي لفظ: "من بلغه القرآن حتى تفهمه وتعقله كان كمن عاين رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلمه". وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في الأسماء والصفات عن مجاهد في قوله: "وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به" قال: العرب "ومن بلغ" قال: العجم. وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: قال النضر وهو من بني عبد الدار: إذا كان يوم القيامة شفعت لي اللات والعزى، فأنزل الله "ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً" الآية.
21- قوله عز وجل:" ومن أظلم "، أكفر،" ممن افترى "، اختلق، " على الله كذباً "، فأشرك به غيره، " أو كذب بآياته "، يعني: القرآن، " إنه لا يفلح الظالمون "، الكافرون .
21- "ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً " كقولهم: الملائكة بنات الله، وهؤلاء شفعاؤنا عند الله . " أو كذب بآياته " كأن كذبوا بالقرآن والمعجزات وسموها سحراً. وإنما ذكر (أو) وهم وقد جمعوا بين الأمرين تنبيهاً على أن كلا منهما وحده بالغ غاية الإفراط في الظلم على النفس. " إنه " الضمير للشأن. " لا يفلح الظالمون " فضلاً عمن لا أحد أظلم منه.
21. Who doth greater wrong than he who inventeth a lie against Allah and denieth His revelations? Lo! the wrong doers will not be successful
21 - Who doth more wrong than he who inventeth a lie against God or rejecteth his signs? but verily the wrong doers never shall prosper.