21 - (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا) بخلق حواء من ضلع آدم وسائر النساء من نطف الرجال والنساء (لتسكنوا إليها) وتألفوها (وجعل بينكم) جميعا (مودة ورحمة إن في ذلك) المذكور (لآيات لقوم يتفكرون) في صنع الله تعالى
يقول تعالى ذكره: ومن حججه وأدلته على ذلك أيضاً خلقه لأبيكم آدم من نفسه زوجة ليسكن إليها، وذلك أنه خلق حواء من ضلع من أضلاع آدم.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة " ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا " خلقها لكم من ضلع من أضلاعه.
وقوله: " وجعل بينكم مودة ورحمة " يقول: جعل بينكم بالمصاهرة والختونة مودة تتوادون بها، وتتواصلون من أجلها، ورحمة رحمكم بها، فعطف بعضكم بذلك على بعض " إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون " يقول تعالى ذكره: إن في فعله ذلك لعبراً وعظات لقوم يتذكرون في حجج الله وأدلته، فيعلمون إنه الإله الذي لا يعجزه شيء أراده، ولا يتعذر عليه فعل شيء شاءه.
قوله تعالى " ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون " .
يقول تعالى: "ومن آياته" الدالة على عظمته وكمال قدرته, أنه خلق أباكم آدم من تراب "ثم إذا أنتم بشر تنتشرون" فأصلكم من تراب ثم من ماء مهين, ثم تصور فكان علقة ثم مضغة, ثم صار عظاماً شكله على شكل الإنسان, ثم كسا الله تلك العظام لحماً, ثم نفخ فيه الروح فإذا هو سميع بصير, ثم خرج من بطن أمه صغيراً ضعيف القوى والحركة, ثم كلما طال عمره تكاملت قواه وحركاته حتى آل به الحال إلى أن صار يبني المدائن والحصون, ويسافر في أقطار الأقاليم, ويركب متن البحور, ويدور أقطار الأرض, ويتكسب ويجمع الأموال, وله فكرة وغور ودهاء ومكر ورأي وعلم واتساع في أمور الدنيا والاخرة كل بحسبه, فسبحان من أقدرهم وسيرهم وسخرهم وصرفهم في فنون المعايش والمكاسب, وفاوت بينهم في العلوم والفكر, والحسن والقبح, والغنى والفقر, والسعادة والشقاوة, ولهذا قال تعالى: "ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون".
وقال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن سعيد وغندر قالا: حدثنا عوف عن قسامة بن زهير عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض, فجاء بنو آدم على قدر الأرض, جاء منهم الأبيض والأحمر والأسود وبين ذلك, والخبيث والطيب, والسهل والحزن وبين ذلك" ورواه أبو داود والترمذي من طرق عن عوف الأعرابي به. وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح.
وقوله تعالى: "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً" أي خلق لكم من جنسكم إناثاً يكن لكم أزواجاً "لتسكنوا إليها" كما قال تعالى: "هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها" يعني بذلك حواء, خلقها الله من آدم من ضلعه الأقصر الأيسر, ولو أنه تعالى جعل بني آدم كلهم ذكوراً وجعل إناثهم من جنس آخر إما من جان أو حيوان, لما حصل هذا الإئتلاف بينهم وبين الأزواج, بل كانت تحصل نفرة لو كانت الأزواج من غير الجنس, ثم من تمام رحمته ببني آدم أن جعل أزواجهم من جنسهم, وجعل بينهم وبينهن مودة وهي المحبة, ورحمة وهي الرأفة, فإن الرجل يمسك المرأة إنما لمحبته لها أو لرحمة بها بأن يكون لها منه ولد, أو محتاجة إليه في الإنفاق أو للألفة بينهما وغير ذلك " إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ".
21- "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً" أي ومن علاماته ودلالاته الدالة على البعث أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً: أي من جنسكم في البشرية والإنسانية، وقيل المراد حواء فإنه خلقها من ضلع آدم "لتسكنوا إليها" أي تألفوها وتميلوا إليها، فإن الجنسين المختلفين لا يسكن أحدهما إلى الآخر ولا يميل قلبه إليه "وجعل بينكم مودة ورحمة" أي وداداً وتراحماً بسبب عصمة النكاح يعطف به بعضكم على بعض من غير أن يكون بينكم قبل ذلك معرفة فضلاً عن مودة ورحمة. وقال مجاهد: المودة الجماع، والرحمة الولد، وبه قال الحسن. وقال السدي: المودة المحبة، والرحمة الشفقة. وقيل المودة حب الرجل امرأته، والرحمة رحمته إياها من أن يصيبها بسوء وقوله أن خلق لكم في موضع رفع على الابتداء، ومن آياته خبره "إن في ذلك" المذكور سابقا. " لآيات " عظيمة الشأن بديعة البيان واضحة الدلالة على قدرته سبحانه على البعث والنشور "لقوم يتفكرون" لأنهم الذين يقتدرون على الاستدلال لكون التفكر مادة له يتحصل عنه، وأما الغافلون عن التفكر فما هم إلا كالأنعام.
21- "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً"، قيل: من جنسكم من بني آدم. وقيل: خلق حواء من ضلع آدم، "لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة"، جعل بين الزوجين المودة والرحمة فهما يتوادان ويتراحمان، وما شيء أحب إلى أحدهما من الآخر من غير رحم بينهما، "إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون"، في عظمة الله وقدرته.
21 -" ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً " لأن حواء خلقت من ضلع آدم وسائر النساء خلقن من نطف الرجال ، أو لأنهن من جنسهم لا من جنس آخر . " لتسكنوا إليها " لتميلوا إليها وتألفوا بها فإن الجنسية علة للضم والاختلاف سبب للتنافر . " وجعل بينكم " أي بين الرجال والنساء ، أو بين أفراد الجنس . " مودةً ورحمةً " بواسطة الزواج حال الشبق وغيرها بخلاف سائر الحيوانات نظماً لأمر المعاش ، أو بأن تعيش الإنسان متوقف على التعارف والتعاون المحوج إلى التواد والتراحم ، وقيل المودة كناية عن الجماع والرحمة عن الولد كقوله تعالى : " ورحمة منا " . " إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون " فيعلمون ما في ذلك من الحكم .
21. And of His signs is this: He created for you helpmeets from yourselves that ye might find rest in them, and He ordained between you love and mercy. Lo, herein indeed are portents for folk who reflect.
21 - And among His signs is this, that He created for you mates from among yourselves, that ye may dwell in tranquillity with them, and He has put love and mercy between your (hearts): verily in that are signs for those who reflect.