20 - (لتسلكوا منها سبلا) طرقا (فجاجا) واسعة
وقوله : " لتسلكوا منها سبلا فجاجا " يقول : لتسلكوا منها طرقاً صعاباً متفرقة ، والفجاج : جمع فج : وهو الطريق .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " لتسلكوا منها سبلا فجاجا " قال : طرقاً وأعلاماً .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله " لتسلكوا منها سبلا فجاجا " قال : طرقاً .
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله " لتسلكوا منها سبلا فجاجا " يقول : طرقاً مختلفة .
"لتسلكوا منها سبلا فجاجا" السبل: الطرق. والفجاج جمع فج، وهو الطريق الواسعة، قاله الفراء. وقيل: الفج المسلك بين الجبلين. وقد مضى في سورتي الأنبياء والحج.
يخبر تعالى عن عبده ورسوله نوح عليه السلام أنه اشتكى إلى ربه عز وجل ما لقي من قومه, وما صبر عليهم في تلك المدة الطويلة التي هي ألف سنة إلا خمسين عاماً, وما بين لقومه ووضح لهم ودعاهم إلى الرشد والسبيل الأقوم, فقال : "رب إني دعوت قومي ليلاً ونهاراً" أي لم أترك دعاءهم في ليل ولا نهار امتثالاً لأمرك وابتغاء لطاعتك "فلم يزدهم دعائي إلا فراراً" أي كلما دعوتهم ليقتربوا من الحق فروا منه وحادوا عنه "وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم" أي سدوا آذانهم لئلا يسمعوا ما أدعوهم إليه كما)أخبر تعالى عن كفار قريش: "وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون" "واستغشوا ثيابهم" قال ابن جرير عن ابن عباس : تنكروا له لئلا يعرفهم. وقال سعيد بن جبير والسدي : غطوا رؤوسهم لئلا يسمعوا ما يقول "وأصروا" أي استمروا على ما هم فيه من الشرك والكفر العظيم الفظيع "واستكبروا استكباراً" أي واستنكفوا عن اتباع الحق والانقياد له "ثم إني دعوتهم جهاراً" أي جهرة بين الناس "ثم إني أعلنت لهم" أي كلاماً ظاهراً بصوت عال "وأسررت لهم إسراراً" أي فيما بيني وبينهم, فنوع عليهم الدعوة لتكون أنجع فيهم.
"فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً" أي ارجعوا إليه وارجعوا عما أنتم فيه وتوبوا إليه من قريب فإنه من تاب إليه تاب عليه, ولو كانت ذنوبه مهما كانت في الكفر والشرك, ولهذا قال: "فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً * يرسل السماء عليكم مدراراً" أي متواصلة الأمطار, ولهذا تستحب قراءة هذه السورة في صلاة الاستسقاء لأجل هذه الاية, وهكذا روي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه صعد المنبر ليستسقي فلم يزد على الاستغفار وقراءة الايات في الاستغفار ومنها هذه الاية "فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً * يرسل السماء عليكم مدراراً" ثم قال: لقد طلبت الغيث بمجاديح السماء التي يستنزل بها المطر. وقال ابن عباس وغيره: يتبع بعضه بعضاً. وقوله تعالى: "ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً" أي إذا تبتم إلى الله واستغفرتموه وأطعتموه كثر الرزق عليكم أسقاكم من بركات السماء, وأنبت لكم من بركات الأرض وأنبت لكم الزرع, وأدر لكم الضرع وأمدكم بأموال وبنين أي أعطاكم الأموال والأولاد وجعل لكم جنات فيها أنواع الثمار وخللها بالأنهار الجارية بينها, هذا مقام الدعوة بالترغيب, ثم عدل بهم إلى دعوتهم بالترهيب فقال: " ما لكم لا ترجون لله وقارا " أي عظمة, قاله ابن عباس ومجاهد والضحاك , وقال ابن عباس : لا تعظمون الله حق عظمتة أي لا تخافون من بأسه ونقمته "وقد خلقكم أطواراً" قيل معناه من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة, قاله ابن عباس وعكرمة وقتادة ويحيى بن رافع والسدي وابن زيد .
وقوله تعالى: " ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا " أي واحدة فوق واحدة وهل هذا يتلقى من جهة السمع فقط ؟ أوهو من الأمور المدركة بالحس مما علم من التسيير والكسوفات, فإن الكواكب السبعة السيارة يكسف بعضها بعضاً فأدناها القمر في السماء الدنيا, وهو يكسف ما فوقه, وعطارد في الثانية, والزهرة في الثالثة, والشمس في الرابعة, والمريخ في الخامسة, والمشتري في السادسة, وزحل في السابعة, وأما بقية الكواكب وهي الثوابت ففي فلك ثامن يسمونه فلك الثوابت, والمتشرعون منهم يقولون هو الكرسي, والفلك التاسع وهو الأطلس والأثير عندهم الذي حركته على خلاف حركة سائر الأفلاك, وذلك أن حركته مبدأ الحركات وهي من المغرب إلى المشرق, وسائر الأفلاك عكسه من المشرق إلى المغرب ومعها يدور سائر الكواكب تبعاً ولكن للسيارة حركة معاكسة لحركة أفلاكها فإنها تسير من المغرب إلى المشرق, وكل يقطع فلكه بحسبه, فالقمر يقطع فلكه في كل شهر مرة, والشمس في كل سنة مرة, وزحل في كل ثلاثين سنة مرة, وذلك بحسب اتساع أفلاكها وإن كانت حركة الجميع في السرعة متناسبة, هذا ملخص ما يقولونه في هذا المقام على اختلاف بينهم في مواضع كثيرة لسنا بصدد بيانها وإنما المقصود أن الله سبحانه وتعالى: " خلق الله سبع سماوات طباقا * وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا " أي فاوت بينهما في الاستنارة فجعل كلاً منهما أنموذجاً على حدة ليعرف الليل والنهار بمطلع الشمس ومغيبها, وقدر للقمر منازل وبروجاً وفاوت نوره فتارة يزداد حتى يتناهى ثم يشرع في النقص حتى يستتر ليدل على مضي الشهور والأعوام, كما قال تعالى: " هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون ".
وقوله تعالى: "والله أنبتكم من الأرض نباتاً" هذا اسم مصدر والإتيان به ههنا أحسن "ثم يعيدكم فيها" أي إذا متم "ويخرجكم إخراجاً" أي يوم القيامة يعيدكم كما بدأكم أول مرة "والله جعل لكم الأرض بساطاً" أي بسطها ومهدها وقررها وثبتها بالجبال الراسيات الشم الشامخات "لتسلكوا منها سبلاً فجاجاً" أي خلقها لكم لتستقروا عليها وتسلكوا فيها أين شئتم من نواحيها وأرجائها وأقطارها, وكل هذا مما ينبههم به نوح عليه السلام على قدرة الله وعظمته في خلق السموات والأرض ونعمه عليهم فيما جعل لهم من المنافع السماوية والأرضية, فهو الخالق الرزاق جعل السماء بناء والأرض مهاداً وأوسع على خلقه من رزقه, فهو الذي يجب أن يعبد ويوحد ولا يشرك به أحد لأنه لا نظير له ولا عديل ولا ند ولا كفء, ولا صاحبة ولا ولد ولا وزير ولا مشير بل هو العلي الكبير.
20- "لتسلكوا منها سبلاً فجاجا" أي طرقاً واسعة، والفجاج جمع فج وهو الطريق الواسع، كذا قال الفراء وغيره، وقيل الفج: المسلك بين الجبلين، وقد مضى تحقيق هذا في سورة الأنبياء وفي سورة الحج مستوفى.
وقد أخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله: " جعلوا أصابعهم في آذانهم " قال: لئلا يسمعوا ما يقول "واستغشوا ثيابهم" قال: ليتنكروا فلا يعرفهم " واستكبروا استكبارا " قال: تركوا التوبة. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عنه "واستغشوا ثيابهم" قال: غطوا وجوههم لئلا يروا نوحاً ولا يسمعوا كلامه. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد والبيهقي في الشعب عنه أيضاً في قوله: "ما لكم لا ترجون لله وقاراً" قال: لا تعلمون لله عظمة. وأخرج ابن جرير والبيهقي عنه أيضاً "وقاراً" قال عظمة. وفي قوله: "وقد خلقكم أطواراً" قال: نطفة ثم علقة ثم مضغة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً قال: لا تخشون له عقاباً ولا ترجون له ثواباً. وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن علي بن أبي طالب "أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ناساً يغتسلون عراة ليس عليهم أزر، فوقف فنادى بأعلى صوته "ما لكم لا ترجون لله وقاراً"". وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وأبو الشيخ في العظمة عن عبد الله بن عمرو قال: الشمس والقمر وجوههما قبل السماء وأقفيتهما قبل الأرض، وأنا أقرأ بذلك عليكم أن من كتاب الله "وجعل القمر فيهن نوراً وجعل الشمس سراجاً". وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وأبو الشيخ في العظمة عن عبد الله بن عمر قال: تضيء لأهل السموات كما تضيء لأهل الأرض. وأخرج عبد بن حميد عن شهر بن حوشب قال: احتمع عبد الله بن عمرو بن العاص وكعب الأحبار وقد كان بينهما بعض العتب فتعاتبا فذهب ذلك، فقال عبد الله بن عمرو لكعب: سلني عما شئت فلا تسألني عن شيء إلا أخبرتك بتصديق قولي من القرآن، فقال له: أرأيت ضوء الشمس والقمر أهو في السموات السبع كما هو في الأرض؟ قال نعم: ألم تروا إلى قول الله: " خلق الله سبع سماوات طباقا * وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا ". وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ في العظمة والحاكم وصححه عن ابن عباس "وجعل القمر فيهن نوراً" قال: وجهه في السماء إلى العرش وقفاه إلى الأرض. وأخرج عبد بن حميد من طريق الكلبي عن أبي صالح عنه "وجعل القمر فيهن نوراً" قال: خلق حين خلقهن ضياءً لأهل الأرض، وليس في السماء من ضوئه شيء. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه أيضاً "سبلاً فجاجاً" قال: طرقاً مختلفة.
20- "لتسلكوا منها سبلاً فجاجاً"، طرقاً واسعة.
20-" لتسلكوا منها سبلاً فجاجاً " واسعة جمع فج ومن لتضمن الفعل معنى الاتخاذ .
20. That ye may thread the valley ways thereof.
20 - That ye may go about therein, in spacious roads.