20 - (ولقد صدق) بالتخفيف والتشديد (عليهم) أي الكفار منهم سبأ (إبليس ظنه) أنهم بإغوائه يتبعونه (فاتبعوه) فصدق بالتخفيف في ظنه أي وجده صادقا (إلا) بمعنى لكن (فريقا من المؤمنين) للبيان أي هم المؤمنون لم يتبعوه
اختلفت القراء في قراءة قوله " ولقد صدق عليهم إبليس ظنه " فقرأ ذلك عامة قراء الكوفيين " ولقد صدق " بتشديد الدال من صدق، بمعنى أنه قال ظناً منه " ولا تجد أكثرهم شاكرين " وقال: ( فبعزتك لأغوينهم أجمعين * إلا عبادك منهم المخلصين) ( ص: 82 - 83) ثم صدق ظنه ذلك فيهم، فحقق ذلك بهم، وباتباعهم إياه، وقرأ ذلك عامة قراء المدينة والشأم والبصرة ( ولقد صدق) بتخفيف الدال، بمعنى: ولقد صدق عليهم ظنه.
والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان متقاربتا المعنى، وذلك أن إبليس قد صدق على كفرة بني آدم في ظنه، وصدق عليهم ظنه الذي ظن حين قال ( ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين) ( الأعراف: 17)، وحين قال ( ولأضلنهم ولأمنينهم) ( النساء: 119) ... الآية، قال ذلك عدو الله، ظناً منه أنه يفعل ذلك لا علماً، فصار ذلك حقاً باتباعهم إياه، فبأي القراءتين قرأ القارىء فمصيب. فإذا كان ذلك كذلك، فتأويل الكلام على قراءة من قرأ بتشديد الدال: ولقد ظن إبليس بهؤلاء الذين بدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط، عقوبة منا لهم، ظناً غير يقين، علم أنهم يتبعونه ويطيعونه في معصية الله، فصدق ظنه عليهم، بإغوائه إياهم، حتى أطاعوه، وعصوا ربهم، إلا فريقاً من المؤمنين بالله، فإنهم ثبتوا على طاعة الله ومعصية إبليس.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني أحمد بن يوسف، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا حجاج، عن هارون، قال: أخبرني عمرو بن مالك، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس أنه قرأ " ولقد صدق عليهم إبليس ظنه " مشددة، وقال: ظن ظناً، فصدق ظنه.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد " ولقد صدق عليهم إبليس ظنه " قال: ظن ظناً فاتبعوا ظنه.
قال: ثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله " ولقد صدق عليهم إبليس ظنه " قال الله: ما كان إلا ظناً ظنه، والله لا يصدق كاذباً، ولا يكذب صادقاً.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله " ولقد صدق عليهم إبليس ظنه " قال: أرايت هؤلاء الذين كرمتهم علي، وفضلتهم وشرفتهم، لا تجد أكثرهم شاكرين، وكان ذلك ظناً منه بغير علم، فقال الله " فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين ".
قوله تعالى: "ولقد صدق عليهم إبليس ظنه" فيه أربع قراءات: قرأ أبو جعفر وشيبة ونافع وأبو عمرو وابن كثير وابن عامر ويروى عن مجاهد، ولقد صدق عليهم بالتخفيف إبليس بالرفع ظنه بالنصب أي في ظنه. قال الزجاج: وهو على المصدر أي صدق عليهم ظناً ظنه إذ صدق في ظنه فنصب على المصدر أو على الظرف. وقال أبو علي: ظنه لا نصب لأنه مفعول به أي صدق الظن الذي ظنه إذ قال: "لأقعدن لهم صراطك المستقيم" (الأعراف: 16) وقال: " لأغوينهم أجمعين" (ص: 82) و(الحجر: 39) ويجوز تعدية الصدق إلى المفعول به، ويقال: صدق الحديث، أي في الحديث. وقرأ ابن عباس ويحيى بن وثاب والأعمش وعاصم وحمزة والكسائي: صدق بالتشديد ظنه بالنصب بوقوع الفعل عليه. فال مجاهد: ظن ظنًا فكان كما ظن فصدق ظنه. وقرأ جعفر بن محمد وأبو الجهجاه صدق عليهم بالتخفيف إبليس بالنصب ظنه بالرفع . قال أبو حاتم: لا وجه لهذه القراءة عندي، والله تعالى أعلم. وقد أجاز هذه القراءة الفراء وذكرها الزجاج وجعل الظن فاعل صدق إبليسن مفعول به والمعنى: أن إبليس سول له ظنه فيهم شيئًا فصدق ظنه، فكأنه قال: ولقد صدق عليهم ظن إبليس. وعلى متعلقة بـ ـصدق ، كما تقول: صدقت عليك فيما ظننته بك، ولا تتعلق بالظن لاستحالة تقدم شيء من الصلة على الموصول. والقراءة الرابعة: ولقد صدق عليهم إبليس ظنه برفع إبليس والظن، مع التخفيف في صدق على أن يكون ظنه بدلاً من إبليس وهو بد الاشتمال. ثم قيل: هذا في أهل سبأ، أي كفروا وغيروا وبدلوا بعد أن كانوا مسلمين الا قوماً منهم آمنوا برسلهم. وقيل: هذا عام، أي صدق إبليس ظنه على الناس كلهم إلا من أطاع الله تعالى قاله مجاهد. وقال الحسن: لما أهبط آدم عليه السلام من الجنة ومعه حواء وهبط إبليس قال إبليس: أما إذ أصبت من الأبوين ما أصبت فالذرية أضعف وأضعف فكان ذلك ظنًا من إبليس، فأنزل الله تعالى: " ولقد صدق عليهم إبليس ظنه " وقال ابن عباس: إن إبليس، قال: خلقت من نار وخلق آدم من طين والنار تحرق كل شيء " لأحتنكن ذريته إلا قليلا" (الإسراء: 62) فصدق ظنه عليهم. وقال زيد بن أسلم: إن ابليس قال يا رب أرأيت هؤلاء الذين كرمتهم وشرفتهم وفضلتهم علي لا تجد أكثرهم شاكرين، ظنًا منه فصدق عليهم إبليس ظنه. وقال الكلبي: إنه ظن أنه إن أغواهم أجابوه وإن أضلهم أطاعوه، فصدق ظنه. " فاتبعوه" قال الحسن: ما ضربهم بسوط ولا بعصا وانما ظن ظنًا فكان كما ظن بوسوسته. " إلا فريقا من المؤمنين" نصب على الاستثناء، وفيه قولان: أحدهما أنه يراد به بعض المؤمنين، لأن كثيرًا من المؤمنين من يذنب وينقاد لإبليس في بعض المعاصي، أي ما سلم من المؤمنين أيضًا إلا فريق وهو المعني بقوله تعالى: "إن عبادي ليس لك عليهم سلطان" (الإسراء: 42). فأما ابن عباس فعنه أنه قال: هم المؤمنون كلهم، فـ ـمن على هذا للتبيين لا للتبعيض، فإن قيل: كيف علم إبليس صدق ظنه وهو لا يعلم الغيب قيل له: لما نفذ له في آدم ما نفذ غلب على ظنه أنه ينفذ له مثل ذلك في ذريته، وقد وقع له تحقيق ما ظن. وجواب آخر وهو ما أجيب من قوله تعالى: " واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك" (الإسراء: 64) فأعطي القوة والاستطاعة، فظن أنه يملكهم كلهم بذلك، فلما رأى أنه تاب على آدم وأنه سيكون له نسل يتبعونه إلى الجنة وقال: "إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين" (الحجر: 42) علم أن له تبعًا ولآدم تبعًا فظن أن تبعه أكثر من تبع آدم، لما وضع في يديه من سلطان الشهوات، ووضعت الشهوات في أجواف الآدميين، فخرج على ما ظن حيث نفخ فيهم وزين في أعينهم تلك الشهوات، ومدهم إليها بالأماني والخدائع، فصدق عليهم الظن الذي ظنه، والله أعلم.
لما ذكر تعالى قصة سبأ وما كان من أمرهم في اتباعهم الهوى والشيطان, أخبر عنهم وعن أمثالهم ممن اتبع إبليس والهوى وخالف الرشاد والهدى, فقال: "ولقد صدق عليهم إبليس ظنه" قال ابن عباس رضي الله عنهما وغيره: هذه الاية كقوله تعالى إخباراً عن إبليس حين امتنع من السجود لادم عليه الصلاة والسلام, ثم قال: "أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلاً" وقال: " ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين " والايات في هذا كثيرة, وقال الحسن البصري : لما أهبط الله آدم عليه الصلاة والسلام من الجنة ومعه حواء, هبط إبليس فرحاً بما أصاب منهما, وقال: إذا أصبت من الأبوين ما أصبت فالذرية أضعف وأضعف, وكان ذلك ظناً من إبليس, فأنزل الله عز وجل "ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقاً من المؤمنين" فقال عند ذلك إبليس: لا أفارق ابن آدم ما دام فيه الروح أعده وأمنيه وأخدعه, فقال الله تعالى: "وعزتي وجلالي لا أحجب عنه التوبة ما لم يغرغر بالموت, ولا يدعوني إلا أجبته, ولا يسألني إلا أعطيته, ولا يستغفر إلا غفرت له", رواه ابن أبي حاتم .
وقوله تبارك وتعالى: "وما كان له عليهم من سلطان" قال ابن عباس رضي الله عنهما: أي من حجة. وقال الحسن البصري : والله ما ضربهم بعصا ولا أكرهم على شيء, وما كان إلا غروراً وأماني, دعاهم إليها فأجابوه, وقوله عز وجل: " إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك " أي إنما سلطناه عليهم ليظهر أمر من هو مؤمن بالاخرة وقيامها والحساب فيها والجزاء, فيحسن عبادة ربه عز وجل في الدنيا ممن هو منها في شك.
وقوله تعالى: "وربك على كل شيء حفيظ" أي ومع حفظه ضل من ضل من أتباع إبليس, وبحفظه وكلاءته سلم من سلم من المؤمنين أتباع الرسل.
20- "ولقد صدق عليهم إبليس ظنه" قرأ الجمهور "صدق" بالتخفيف ورفع "إبليس" ونصب "ظنه". قال الزجاج: وهو على المصدر: أي صدق عليهم ظناً ظنه، أو صدق في ظنه، أو على الظرف. والمعنى: أنه ظن بهم أنه إذا أغواهم اتبعوه فوجدهم كذلك، ويجوز أن يكون منتصباً على المفعولية، أو بإسقاط الخافض. وقرأ حمزة والكسائي ويحيى بن وثاب والأعمش وعاصم "صدق" بالتشديد، و "ظنه" بالنصب على أنه مفعول به. قال أبو علي الفارسي: أي صدق الظن الذي ظنه. قال مجاهد: ظن ظناً فصدق ظنه، فكان كما ظن، وقرأ أبو جعفر وأبو الهجاء والزهري وزيد بن علي صدق على أن يكون ظنه بدل اشمتمال من إبليس. قيل وهذه الآية خاصة بأهل سبأ. والمعنى: أنهم غيروا وبدلوا بعد أن كانوا قد آمنوا بما جاءت به رسلهم، وقيل هي عامة: أي صدق إبليس ظنه على الناس كلهم إلا من أطاع الله. قاله مجاهد والحسن. قال الكلبي: إنه ظن أنه إن أغواهم أجابوه، وإن أضلهم أطاعوه فصدق ظنه "فاتبعوه" قال الحسن: ما ضربهم بسوط ولا بعضا، وإنما ظن ظناً بوسوسته، وانتصاب "إلا فريقاً من المؤمنين" على الاستثناء، وفيه وجهان: أحدهما أن يراد به بعض المؤمنين، لأن كثيراً من المؤمنين يذنب وينقاد لإبليس في بعض المعاصي، ولم يسلم منه إلا فريق، وهم الذين قال فيهم "إن عبادي ليس لك عليهم سلطان" وقيل المراد بفريقاً من المؤمنين: المؤمنون كلهم على أن تكون من بيانية.
قوله عز وجل: 20- "ولقد صدق عليهم إبليس ظنه"، قرأ أهل الكوفة: صدق بالتشديد أي: ظن فيهم ظناً حيث قال: "فبعزتك لأغوينهم أجمعين" (ص 82)، "ولا تجد أكثرهم شاكرين" (الأعراف 17) فصدق ظنه وحققه بفعله ذلك بهم واتباعهم إياه، وقرأ الآخرون بالتخفيف، أي: صدق عليهم في ظنه بهم، أي: على أهل سبأ. وقال مجاهد: على الناس كلهم إلا من أطاع الله، "فاتبعوه إلا فريقاً من المؤمنين"، قال السدي عن ابن عباس: يعني المؤمنين كلهم لأن المؤمنين لم يتبعوه في أصل الدين، وقد قال الله تعالى: "إن عبادي ليس لك عليهم سلطان" (الحجر-42)، يعني: المؤمنين. وقيل: هو خاص بالمؤمنين الذين يطيعون الله ولا يعصونه.
قال ابن قتيبة: إن إبليس لما سأل النظرة فأنظره الله، قال لأغوينهم ولأضلنهم، لم يكن مستيقناً وقت هذه المقالة أن ما قاله فيهم يتم وإنما قاله ظناً، قلما اتبعوه وأطاعوه صدق عليهم ما ظنه فيهم.
قال الحسن: إنه لم يسل عليهم سيفاً ولا ضربهم بسوط وإنما وعدهم ومناهم فاغتروا.
20ـ " ولقد صدق عليهم إبليس ظنه " أي صدق في ظنه أو صدق بظن ظنه مثل فعلته جهدك ، ويجوز أن يعدى الفعل إليه بنفسه كما في : " صدقنا وعده " . لأنه نوع من القول ، وشدده الكوفيون بمعنى حقق ظنه أو وجده صادقاً . وقرئ بنصب " إبليس " ورفع الظن من التشديد بمعنى وجد ظنه صادقاً ، والتخفيف بمعنى قال له ظنه الصدق حين خيله إغواءهم ، وبرفعهما والتخفيف على الأبدان وذلك إما ظنه بسبأ حين رأى انهماكهم في الشهوات أو ببني آدم حين رأى أباهم النبي ضعيف العزم ، أو ما ركب فيهم من الشهوة والغضب ، أو سمع من الملائكة قولهم " أتجعل فيها من يفسد فيها " فقال : " لأضلنهم " و " لأغوينهم " . " فاتبعوه إلا فريقاً من المؤمنين " إلا فريقاً هم المؤمنون لم يتبعوه ، وتقليلهم بالإضافة إلى الكفار ، أو إلا فريقاً من فرق المؤمنين لم يتبعوه في العصيان وهم المخلصون .
20. And Satan indeed found his calculation true concerning them, for they follow him, all save a group of true believers.
20 - And on them did Satan prove true his idea, and they followed him, all but a Party that believed.