20 - (ومن آياته) تعالى الدالة على قدرته (أن خلقكم من تراب) أي أصلكم آدم (ثم إذا أنتم بشر) من دم ولحم (تنتشرون) في الأرض
يقول تعالى ذكره: ومن حججه على أنه القادر على ما يشاء أيها الناس من إنشاء وإفناء، وإيجاد وإعدام، وأن كل موجود فخلقه خلقة أبيكم من تراب، يعني بذلك خلق آدم من تراب، فوصفهم بأنه خلقهم من تراب، إذ كان ذلك فعله بأبيهم آدم كنحو الذي قد بينا فيما مضى من خطاب العرب من خاطبت بما فعلت بسلفه من قولهم: فعلنا بكم وفعلنا.
وقوله: " ثم إذا أنتم بشر تنتشرون " يقول: ثم إذا أنتم معشر ذرية من خلقناه من تراب بشر تنتشرون، يقول: تتصرفون.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة " ومن آياته أن خلقكم من تراب " خلق آدم عليه السلام من تراب " ثم إذا أنتم بشر تنتشرون " يعني ذريته.
قوله " ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون "
يقول تعالى: "ومن آياته" الدالة على عظمته وكمال قدرته, أنه خلق أباكم آدم من تراب "ثم إذا أنتم بشر تنتشرون" فأصلكم من تراب ثم من ماء مهين, ثم تصور فكان علقة ثم مضغة, ثم صار عظاماً شكله على شكل الإنسان, ثم كسا الله تلك العظام لحماً, ثم نفخ فيه الروح فإذا هو سميع بصير, ثم خرج من بطن أمه صغيراً ضعيف القوى والحركة, ثم كلما طال عمره تكاملت قواه وحركاته حتى آل به الحال إلى أن صار يبني المدائن والحصون, ويسافر في أقطار الأقاليم, ويركب متن البحور, ويدور أقطار الأرض, ويتكسب ويجمع الأموال, وله فكرة وغور ودهاء ومكر ورأي وعلم واتساع في أمور الدنيا والاخرة كل بحسبه, فسبحان من أقدرهم وسيرهم وسخرهم وصرفهم في فنون المعايش والمكاسب, وفاوت بينهم في العلوم والفكر, والحسن والقبح, والغنى والفقر, والسعادة والشقاوة, ولهذا قال تعالى: "ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون".
وقال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن سعيد وغندر قالا: حدثنا عوف عن قسامة بن زهير عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض, فجاء بنو آدم على قدر الأرض, جاء منهم الأبيض والأحمر والأسود وبين ذلك, والخبيث والطيب, والسهل والحزن وبين ذلك" ورواه أبو داود والترمذي من طرق عن عوف الأعرابي به. وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح.
وقوله تعالى: "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً" أي خلق لكم من جنسكم إناثاً يكن لكم أزواجاً "لتسكنوا إليها" كما قال تعالى: "هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها" يعني بذلك حواء, خلقها الله من آدم من ضلعه الأقصر الأيسر, ولو أنه تعالى جعل بني آدم كلهم ذكوراً وجعل إناثهم من جنس آخر إما من جان أو حيوان, لما حصل هذا الإئتلاف بينهم وبين الأزواج, بل كانت تحصل نفرة لو كانت الأزواج من غير الجنس, ثم من تمام رحمته ببني آدم أن جعل أزواجهم من جنسهم, وجعل بينهم وبينهن مودة وهي المحبة, ورحمة وهي الرأفة, فإن الرجل يمسك المرأة إنما لمحبته لها أو لرحمة بها بأن يكون لها منه ولد, أو محتاجة إليه في الإنفاق أو للألفة بينهما وغير ذلك " إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ".
20- "ومن آياته أن خلقكم من تراب" أي ن آياته الباهرة الدالة على البعث أن خلقكم: أي خلق أباكم آدم من تراب وخلقكم في ضمن خلقه، لأن الفرع مستمد من الأصل ومأخوذ منه، وقد مضى تفسير هذا في الأنعام، وأن في موضع رفع بالابتداء ومن آياته خبره "ثم إذا أنتم بشر تنتشرون" في الأرض، وإذا هي الفجائية: أي ثم فاجأتم بعد ذلك وقت كونكم بشراً تنتشرون في الأرض، وإذا الفجائية وإن كانت أكثر ما تقع بعد الفاء، لكنها وقعت هنا بعد ثم بالنسبة إلى ما يليق بهذه الحالة الخاصة، وهي أطوار الإنسان كما حكاه الله في مواضع: من كونه نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظماً مكسواً لحماً فاجأ البشرية والإنتشار، ومعنى تنتشرون: تنصرفون فيما هو قوام معايشكم.
20- "ومن آياته أن خلقكم من تراب"، أي: خلق أصلكم يعني آدم من تراب، "ثم إذا أنتم بشر تنتشرون"، تنبسطون في الأرض.
20 -" ومن آياته أن خلقكم من تراب " أي في أصل الإنشاء لأنه خلق أصلهم منه . " ثم إذا أنتم بشر تنتشرون " ثم فاجأتم وقت كونكم بشراً منتشرين في الأرض .
20. And of His signs is this: He created you of dust, and behold you human beings, ranging widely!
20 - Among His Signs is this, that He created you from dust; and then, behold, ye are men scattered (far and wide)!