2 - (رسول من الله) بدل من البينة وهو النبي محمد صلى الله عليه وسلم (يتلوا صحفا مطهرة) من الباطل
واستؤنف قوله : "رسول من الله " وهي نكرة على البينة ، وهي معرفة ، كما قيل : " ذو العرش المجيد * فعال " [ البروج : 15_ 16] فقال : حتى يأتيهم بيان أمر محمد أنه رسول الله ، ببعثة الله إياه إليهم . ثم ترجم عن البينة، فقال : تلك البينة " رسول من الله يتلو صحفا مطهرة " يقول : يقرأ صحفاً مطهرة من الباطل .
قوله تعالى: " رسول من الله " أي بعيث من الله جل ثناؤه. قال الزجاج : (رسول) رفع على البدل من (البينة). وقال الفراء: أي هي رسول من الله، أو هو رسول من الله، لأن البينة قد تذكر فيقال: بيتي فلان. وفي حرف أبي وابن مسعود (رسولا) بالنصب على القطع." يتلو " أي يقرأ. تلا يتلو تلاوة " صحفا" جمع صحيفة، وهي ظرف المكتوب."مطهرة" قال ابن عباس: من الزور، والشك، والنفاق، والضلالة. وقال قتادة: من الباطل. وقيل: من الكذب، والشبهات، والكفر، والمعنى واحد. أي يقرأ ما تتضمن الصحف من المكتوب، ويدل عليه أنه كان يتلو عن ظهر قلبه، لا عن كتاب، لأنه كان أميا، لايكتب ولا يقرأ. و" مطهرة": من نعت الصحف، وهو كقوله تعالى" في صحف مكرمة * مرفوعة مطهرة" [عبس:13-14]، فالمطهرة نعت للصحف في الظاهر، وهي نعت لما في الصحف من القرآن. وقيل: (مطهرة) أي ينبغي ألا يمسها إلا المطهرون، كما قال في سورة (الواقعة)حسب ما تقدم بيانه. وقيل: الصحف المطهرة: هي التي عند الله في ام الكتاب، الذي منه نسخ ما أنزل على الأنبياء من الكتب، كما قال تعالى:" بل هو قرآن مجيد * في لوح محفوظ " [البروج:21-22]. قال الحسن : يعني الصحف المطهرة في السماء.
أما أهل الكتاب فهم اليهود والنصارى والمشركون عبدة الأوثان والنيران من العرب ومن العجم, وقال مجاهد : لم يكونوا "منفكين" يعني منتهين حتى يتبين لهم الحق وهكذا قال قتادة "حتى تأتيهم البينة" أي هذا القرآن, ولهذا قال تعالى: "لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة". ثم فسر البينة بقوله: "رسول من الله يتلو صحفاً مطهرة" يعني محمداً صلى الله عليه وسلم وما يتلوه من القرآن العظيم الذي هو مكتتب في الملأ الأعلى في صحف مطهرة, كقوله: "في صحف مكرمة * مرفوعة مطهرة * بأيدي سفرة * كرام بررة", وقوله تعالى: "فيها كتب قيمة" قال ابن جرير : أي في الصحف المطهرة كتب من الله قيمة عادلة مستقيمة ليس فيها خطأ لأنها من عند الله عز وجل.
قال قتادة : "رسول من الله يتلو صحفاً مطهرة" يذكر القرآن بأحسن الذكر, ويثني عليه بأحسن الثناء, وقال ابن زيد "فيها كتب قيمة" مستقيمة معتدلة, وقوله تعالى: "وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة" كقوله: " ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم " يعني بذلك أهل الكتب المنزلة على الأمم قبلنا, بعد ما أقام الله عليهم الحجج والبينات تفرقوا واختلفوا في الذي أراده الله من كتبهم واختلفوا اختلافاً كثيراً, كما جاء في الحديث المروي من طرق: "إن اليهود اختلفوا على إحدى وسبعين فرقة, وإن النصارى اختلفوا على ثنتين وسبعين فرقة, وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة قالوا: من هم يا رسول الله ؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي".
وقوله تعالى: "وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين" كقوله: "وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون" ولهذا قال: "حنفاء" أي متحنفين عن الشرك إلى التوحيد كقوله: " ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت " وقد تقدم تقرير الحنيف في سورة الأنعام بما أغنى عن إعادته ههنا "ويقيموا الصلاة" وهي أشرف عبادات البدن "ويؤتوا الزكاة" وهي الإحسان إلى الفقراء والمحاويج "وذلك دين القيمة" أي الملة القائمة العادلة أو الأمة المستقيمة المعتدلة, وقد استدل كثير من الأئمة كالزهري والشافعي بهذه الاية الكريمة أن الأعمال داخلة في الإيمان, ولهذا قال: "وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة".
وقد فسر الله سبحانه هذه البينة المجملة بقوله: 2- "رسول من الله" فاتضح الأمر وتبين أنه المراد بالبينة. وقال قتادة وابن زيد: البينة هي القرآن كقوله: " أولم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى " وقال أبو مسلم: المراد بالبينة مطلق الرسل، والمعنى: حتى تأتيهم رسل من الله، وهم الملائكة يتلون عليهم صحفاً مطهرة، والأول أولى قرأ الجمهور "لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين" وقرأ ابن مسعود لم يكن المشركون وأهل الكتاب قال ابن العربي: وهي قراءة في معرض البيان، لا في معرض التلاوة. وقرأ الأعمش والنخعي: والمشركون بالرفع عطفاً على الموصول. وقرأ أبيفما كان الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركون قرأ الجمهور "رسول من الله" برفع رسول على أنه بدل كل من كل مبالغة، أو بدل اشتمال. قال الزجاج: رسول رفع على البدل من البينة. وقال الفراء: رفع على أنه خبر مبتدأ مضمر: أي هي رسول أو هو رسول. وقرأ أبي وابن مسعود رسولاً بالنصب على القطع، وقوله: "من الله" متعلق بمحذوف هو صفة لرسول: أي كائن من الله، ويجوز تعلقه بنفس رسول، وجوز أبو البقاء أن يكون حالاً من صحف، والتقدير: يتلو صحفاً مطهرة منزلة من الله، وقوله: "يتلو صحفاً مطهرة" يجوز أن تكون صفة أخرى لرسول، أو حالاً من متعلق الجار والمجرور قبله. ومعنى يتلو: يقرأ، يقال تلا يتلو تلاوة، والصحف جمع صحيفة، وهي ظرف المكتوب، ومعنى مطهرة: أنها منزهة من الزور والضلال. قال قتادة: مطهرة من الباطل، وقيل مطهرة من الكذب والشبهات والكفر، والمعنى واحد، والمعنى: أنه يقرأ ما تتضمنه الصحف من المكتوب فيها لأنه كان صلى الله عليه وسلم يتلو عن ظهر قلبه، لا عن كتاب كما تقدم.
ثم فسر البينة فقال:
2- "رسول من الله يتلو"، يقرأ، "صحفاً"، كتباً، يريد ما يتضمنه الصحف من المكتوب فيها، وهو القرآن، لأنه كان يتلو عن ظهر قلبه لا عن الكتاب، قوله: "مطهرة"، من الباطل والكذب والزور.
2-" رسول من الله " بدل من " البينة " بنفسه أو بتقدير مضاف أو مبتدأ . " يتلو صحفاً مطهرة " صفته أو خبره ، والرسول عليه الصلاة والسلام وإن كان إمياً لكنه لما تلا مثل ما في الصحف كان كالتالي لها . وقيل المراد جبريل عليه الصلاة والسلام وكون الصحف " مطهرة " إن الباطل لا يأتي ما فيها ، أو أنها لا يمسها إلا المطهرون .
2. A messenger from Allah, reading purified pages
2 - An apostle from God, rehearsing scriptures kept pure and holy: