2 - (وأنت) يا محمد (حل) حلال (بهذا البلد) بأن يحل لك فقاتل فيه وقد أنجز الله له هذا الوعد يوم الفتح فالجملة اعتراض بين المقسم به وما عطف عليه
وقوله : " وأنت حل بهذا البلد " يعني : بمكة ، يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : وأنت يا محمد حل بهذا البلد ، يعني بكة ، يقول : أنت به حلال تصنع فيه من قتل من أردت قتله ، وأسر من أردت اسره ، مطلق ذلك لك ، يقال منه ، هو حل ، وهو حلال وهو حرم ، هو حرام ، وهو محل ، وهو محرم ، وأحللنا ، وأحرمنا .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي عن أبيه ، عن ابن عباس " وأنت حل بهذا البلد " يعني بذلك نبي الله صلى الله عليه وسلم ، أحل الله له يوم دخل مكة أن يقتل من شاء ويستحيي من شاء ، فقتل يومئذ ابن خطل صبراً وهو آخذ بأستار الكعبة ، فلم تحل لأحد من الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتل فيها حراماً حرمه الله ، فأحل الله له ما صنع بأهل مكة ، ألم تسمع أن الله قال في تحريم الحرم " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا " [ آل عمران: 97] يعني بالناس أهل القبلة .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد " وأنت حل بهذا البلد " قال : ما صنعت فأنت في حل من أمر القتال .
حدثنا ابن بشار قال : ثنا عبد الرحمن قال : ثنا سفيان عن منصور عن مجاهد "وأنت حل بهذا البلد " قال : أحل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما صنع فيه ساعة .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد " وأنت حل بهذا البلد " قال : أحل له أن يصنع فيه ما شاء .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن منصور " وأنت حل بهذا البلد " قلا : أحلت للنبي صلى الله عليه وسلم قال : اصنع فيها ما شئت .
حدثني موسى بن عبد الرحمن ، قال : ثنا حسين الجعفي ، عن زائدة ، عن منصور عن مجاهد ، في قول الله " وأنت حل بهذا البلد " قال : أنت حل مما صنعت فيه .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، عن عمرو عن منصور عن مجاهد " وأنت حل بهذا البلد " قال : أحل الله لك يا محمد ما صنعت في هذا البلد من شيء ، يعني مكة .
حدثني حمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد " وأنت حل بهذا البلد " قال : لا تؤاخذ بما عملت فيه ، وليس عليك فيه ما على الناس .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " وأنت حل بهذا البلد " يقول بريء عن الحرج والإثم .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة " وأنت حل بهذا البلد " يقول : وأنت به حل لست بآثم .
حدثنا يونس ، قال : أخرنا ابن وهب ، قال : قال ابن يزيد ، في قوله " وأنت حل بهذا البلد " قال : لم يكن بها أحد حلا غير البي صلى الله عليه وسلم ، كل من كان بها حراماً ، لم يحل لهم أن يقاتلوا فيها ، ولا يستحلوا حرمه ، فأحله الله لرسوله ، فقاتل المشركين فيه .
حدثنا سوار بن عبد الله ،قال : ثنا يحيى بن سعيد ، عن عبد الملك ، عن عطاء " وأنت حل بهذا البلد " قال : إن الله حرم مكة ، لم تحل لنبي إلا نبيكم ساعة من نهار .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله " وأنت حل بهذا البلد " يعني محمداً ، يقول : أنت حل بالحرم ، فاقتل إن شئت ، أو دع .
قوله تعالى:" وأنت حل بهذا البلد" يعني في المستقبل، مثل قوله تعالى:" إنك ميت وإنهم ميتون" [ الرمز:30] ومثله واسع في كلام العرب. تقول لمن تعده الإكرام والحباء: أنت مكرم محبو. وهو في كلام الله واسع، لأن الأحوال المستقبلة عنده كالحاضرة المشاهدة، وكفاك دليلاً قاطعا على أنه للاستقبال، وأن تفسيره بالحال محال: أن السورة باتفاق مكية قبل الفتح. فروى منصور عن مجاهد :(وأنت حل)قال: ما صنعت فيه من شيء فأنت في حل. وكذا قال ابن عباس: أحل له يوم مكة أن يقتل من شاء، فقتل ابن خطل ومقيس بن صبابة وغيرهما. ولم يحل لأحد من الناس أن يقتل بها أحداً بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروي السدي قال: أنت في حل ممن قاتللك أن تقتله. وروى أبو صالح عن ابن عباس قال: أحلت له ساعة من نهار، ثم أطبقت وحرمت إلى يوم القيامة، وذلك يوم فتح مكة. و" ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض، فهي حرام إلى أن تقوم الساعة، فلم تحل لأحد قبلي، ولا تحل لأحد بعدي، ولم تحل لي إلا ساعة من نهار)" الحديث. وقد تقدم في سورة (المائدة). ابن زيد: لم يكن بها أحد حلالاً غير النبي صلى الله عليه وسلم. وقيل: وأنت مقيم فيه وهو محلك. وقيل: وأنت فيه محسن، وأنا عنك فيه راض، وذكر أهل اللغة أنه يقال: رجل حل وحلال ومحل، ورجل حرام ومحل، ورجل حرام ومحرم. وقال قتادة : أنت حل به: لست بآثم. وقيل : هو ثناء على النبي صلى الله عليه وسلم، أي إنك غير مرتكب في هذا البلد ما يحرم عليك ارتكابه، معرفة منك بحق هذا البيت، لا كالمشركين الذين يرتكبون الكفر بالله فيه. أي أقسم بهذا البيت المعظم الذي قد عرفت حرمته، فأنت مقيم فيه معظم له، غير مرتكب فيه ما يحرم عليك. وقال شرحبيل بن سعد: (وأنت حل بهذا البلد)أي هم يحرمون مكة أن يقتلوا بها صيداً او يعضدوا بها شجرة، ثم هم مع هذا يستحلون إخراجك وقتلك.
هذا قسم من الله تبارك وتعالى بمكة أم القرى في حال كون الساكن فيها حالاً لينبه على عظمة قدرها في حال إحرام أهلها, قال خصيف عن مجاهد "لا أقسم بهذا البلد" لا رد عليهم. أقسم بهذا البلد. وقال شبيب بن بشر عن عكرمة عن ابن عباس "لا أقسم بهذا البلد" يعني مكة "وأنت حل بهذا البلد" قال أنت با محمد يحل لك أن تقابل به, وكذا روي عن سعيد بن جبير وأبي صالح وعطية والضحاك وقتادة والسدي وابن زيد , وقال مجاهد ما أصبت فيه فهو حلال لك, وقال قتادة : "وأنت حل بهذا البلد" قال: أنت به من غير حرج ولا إثم, وقال الحسن البصري أحلها الله له ساعة من نهار, وهذا المعنى الذي قالوه ورد به الحديث المتفق على صحته. "إن هذا البلد حرم الله يوم خلق السموات والأرض, فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة لا يعضد شجره ولا يختلى خلاه, وإنما أحلت لي ساعة من نهار وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس, ألا فليبلغ الشاهد الغائب" وفي لفظ آخر: "فإن أحد ترخص بقتال رسول الله فقولوا إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم".
وقوله تعالى: "ووالد وما ولد" قال ابن جرير : حدثنا أبو كريب , حدثنا ابن عطية عن شريك عن خصيف عن عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى: "ووالد وما ولد" الوالد الذي يلد وما ولد العاقر الذي لا يولد له, ورواه ابن أبي حاتم من حديث شريك وهو ابن عبد الله القاضي به, وقال عكرمة الوالد العاقر وما ولد الذي يلد رواه ابن أبي حاتم . وقال مجاهد وأبو صالح وقتادة والضحاك وسفيان الثوري وسعيد بن حبير والسدي والحسن البصري وخصيف وشرحبيل بن سعد وغيرهم: يعني بالوالد آدم وما ولد ولده, وهذا الذي ذهب إليه مجاهد وأصحابه حسن قوي, لأنه تعالى لما أقسم بأم القرى وهي أم المساكن أقسم بعده بالساكن وهو آدم أبو البشر وولده, وقال أبو عمران الجوني : هو إبراهيم وذريته, رواه ابن جرير وابن أبي حاتم , واختار ابن جرير أنه عام في كل والد وولده وهو محتمل أيضاً.
وقوله تعالى: "لقد خلقنا الإنسان في كبد" روي عن ابن مسعود وابن عباس وعكرمة ومجاهد وإبراهيم النخعي وخيثمة والضحاك وغيرهم يعني منتصباً, زاد ابن عباس في رواية عنه منتصباً في بطن أمه, والكبد الاستواء والاستقامة, ومعنى هذا القول لقد خلقناه سوياً مستقيماً كقوله تعالى: " يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم * الذي خلقك فسواك فعدلك * في أي صورة ما شاء ركبك " وكقوله تعالى: "لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم" وقال ابن ابي نجيح وجريج وعطاء عن ابن عباس : في كبد قال في شدة خلق ألم تر إليه وذكر مولده ونبات أسنانه, وقال مجاهد "في كبد" نطفة ثم علقة ثم مضغة يتكبد في الخلق, قال مجاهد : وهو كقوله تعالى: "حملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً" وأرضعته كرهاً ومعيشته كره فهو يكابد ذلك, وقال سعيد بن جبير "لقد خلقنا الإنسان في كبد" في شدة وطلب معيشه, وقال عكرمة : في شدة وطول, وقال قتادة : في مشقة. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن عصام حدثنا أبو عاصم أخبرنا عبد الحميد بن جعفر سمعت محمد بن علي أبا جعفر الباقر سأل رجلاً من الأنصار عن قول الله تعالى: "لقد خلقنا الإنسان في كبد" قال: في قيامه واعتداله فلم ينكر عليه أبو جعفر , وروي من طريق أبي مودود سمعت الحسن قرأ هذه الاية "لقد خلقنا الإنسان في كبد" قال: يكابد أمراً من أمر الدنيا وأمراً من أمر الاخرة, وفي رواية: يكابد مضايق الدنيا وشدائد الاخرة, وقال ابن زيد : "لقد خلقنا الإنسان في كبد" قال: آدم خلق في السماء فسمي ذلك الكبد, واختار ابن جرير أن المراد بذلك مكابدة الأمور ومشاقها.
وقوله تعالى: "أيحسب أن لن يقدر عليه أحد" قال الحسن البصري : يعني "أيحسب أن لن يقدر عليه أحد" يأخذ ماله. وقال قتادة "أيحسب أن لن يقدر عليه أحد" قال: ابن آدم يظن أن لن يسأل عن هذا المال من أين اكتسبه, وأين أنفقه, وقال السدي "أيحسب أن لن يقدر عليه أحد" قال الله عز وجل, وقوله تعالى: "يقول أهلكت مالاً لبداً" أي يقول ابن آدم أنفقت مالاً لبداً أي كثيراً قاله مجاهد والحسن وقتادة والسدي وغيرهم "أيحسب أن لم يره أحد" قال مجاهد أي أيحسب أن لم يره الله عز وجل وكذا قال غيره من السلف: وقوله تعالى: "ألم نجعل له عينين" أي يبصر بهما "ولساناً" أي ينطق به فيعبر عما في ضميره "وشفتين" يستعين بهما على الكلام وأكل الطعام وجمالاً لوجهه وفمه.
وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة أبي الربيع الدمشقي عن مكحول قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يقول الله تعالى يا ابن آدم قد أنعمت عليك نعماً عظاماً لا تحصي عددها ولا تطيق شكرها, وإن مما أنعمت عليك أن جعلت لك عينين تنظر بهما وجعلت لهما غطاء, فانظر بعينيك إلى ما أحللت لك, وإن رأيت ما حرمت عليك فأطبق عليهما غطاءهما, وجعلت لك لساناً وجعلت له غلافاً فانطق بماأمرتك وأحللت لك, فإن عرض عليك ما حرمت عليك فأغلق عليك لسانك. وجعلت لك فرجاً وجعلت لك ستراً, فأصب بفرجك ما أحللت لك, فإن عرض عليك ماحرمت عليك فأرخ عليك سترك, ابن آدم إنك لا تحمل سخطي ولا تطيق انتقامي". "وهديناه النجدين" الطريقين قال سفيان الثوري عن عاصم عن زر عن عبد الله هو ابن مسعود "وهديناه النجدين" قال: الخير والشر, وكذا روي عن علي وابن عباس ومجاهد وعكرمة وأبي وائل وأبي صالح ومحمد بن كعب والضحاك وعطاء الخراساني في آخرين,وقال عبد الله بن وهب : أخبرني ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن سنان بن سعد عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هما نجدان فما جعل نجد الشر أحب إليكم من نجد الخير" تفرد به سنان بن سعد , ويقال سعد بن سنان , وقد وثقه ابن معين , وقال الإمام أحمد والنسائي والجوزجاني منكر الحديث,وقال أحمد : تركت حديثه لاضطرابه , وروى خمسة عشر حديثاً منكرة كلها ما أعرف منها حديثاً واحداً يشبه حديثه حديث الحسن ـ يعني البصري ـ لا يشبه حديث أنس . وقال ابن جرير : حدثني يعقوب حدثنا ابن علية عن أبي رجاء قال: سمعت الحسن يقول "وهديناه النجدين" قال: ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "يا أيها الناس إنهما النجدان نجد الخير ونجد الشر, فما جعل نجد الشر أحب إليكم من نجد الخير" وكذا رواه حبيب بن الشهيد ومعمر ويونس بن عبيد وأبو وهب عن الحسن مرسلاً, وهكذا أرسله قتادة وقال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن عصام الأنصاري حدثنا أبو أحمد الزبيري حدثنا عيسى بن عفان عن أبيه عن ابن عباس في قوله تعالى: "وهديناه النجدين" قال الثديين, وروي عن الربيع بن خثيم وقتادة وأبي حازم مثل ذلك, ورواه ابن جرير عن أبي كريب عن وكيع عن عيسى بن عقال به ثم قال: والصواب القول الأول, ونظير هذه الاية قوله تعالى: "إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً * إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً".
وجملة قوله: 2- "وأنت حل بهذا البلد" معترضة، والمعنى: أقسم بهذا البلد.
2- "وأنت حل"، أي حلال، "بهذا البلد"، تصنع فيه ما تريد من القتل والأسر ليس عليك ما على الناس فيه من الإثم، أحل الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح، حتى قاتل وقتل وأمر بقتل ابن خطل، وهو متعلق بأستار الكعبة، ومقيس بن صبابة وغيرهما، فأحل دماء قوم وحرم دماء قوم، فقال: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ثم قال: إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض، ولم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي، وإنما أحلت لي ساعة من نهار، فهي حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة.
والمعنى: أن الله تعالى لما أقسم بمكة دل ذلك على عظيم قدرها مع حرمتها، فوعد نبيه صلى الله عليه وسلم أنه يحلها له حتى يقاتل فيها، وأن يفتحها على يده، فهذا وعد من الله عز وجل بأن يحلها له.
قال شرحبيل بن سعد: ومعنى قوله: "وأنت حل بهذا البلد" قال: يحرمون أن يقتلوا بها صيداً ويستحلون إخراجك وقتلك؟
2-" وأنت حل بهذا البلد " أقسم سبحانه بالبلد الحرام وقيده بحلول الرسول عليه الصلاة والسلام فيه إظهاراً لمزيد فضله ،وإشعاراً بان شرف المكان بشرف أهله ، وقيل " حل " مستحل تعرضك فيه كما يستحل تعرض الصيد في غيره ، أو حلال لك أن تفعل فيه ما تريد ساعة من النهار فهو وعد بما أحل له عام الفتح .
2. And thou art an indweller of this city
2 - And thou art a freeman of this City;