- (إنا أنزلنا إليك) يا محمد (الكتاب بالحق) متعلق بأنزل (فاعبد الله مخلصا له الدين) من الشرك أي موحدا له
وقوله "إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق" يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: إنا أنزلنا إليك يا محمد الكتاب ، يعني بالكتاب : القرآن، بالحق ، يعني بالعدل . يقول : أنزلنا إليك هذا القرآن يأمر بالحق والعدل ، ومن ذلك الحق والعدل أن تعبد الله مخلصاً له الدين ، لأن الدين له ،لا للأوثان التي لا تملك ضراً ولا نفعاً.
وبنحو الذي قلنا في معنى قوله "الكتاب" قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة "إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق" يعني : القرآن.
وقوله "فاعبد الله مخلصا له الدين" يقول تعالى ذكره : فاخشع لله يا محمد بالطاعة، وأخلص له الألوهة ، وأفرده بالعبادة ، ولا تجعل له في عبادتك إياه شريكاً ، كما فعلت عبدة الأوثان.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال : ثنا يعقوب ، عن حفص ، عن شمر، قال : يؤتى بالرجل يوم القيامة للحساب وفي صحيفته أمثال الجبال من الحسنات ، فيقول رب العزة جل وعز: صليت يوم كذا وفى ليقال صلى فلان ، أنا الله لا إله إلا أنا، لي الدين الخالص. صت يوم كذا وكذا ليقال صام فلان ، أنا الله لا إله إلا أنا لي الدين الخالص ، تصدقت يوم كذا وكذا ليقال تصدق فلان ، أنا الله لا إله إلا أنا لي الدين الخالص ، فما يزال يمحو شيئا بعد شيء حتى تبقى صحيفته ما فيها شيء ، فيقول ملكاه : يا فلان ، ألغير الله كنت تعمل؟.
حدثنا محمد، قال : ثنا أحمد، قال : ثنا أسباط ، عن السدي ، أما قوله "مخلصا له الدين" فالتوحيد، والدين منصوب بوقوع مخلصاً عليه.
قوله تعالى : " إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق " أي هذا تنزيل الكتاب من الله وقد أنزلناه بالحق : أي بالصدق وليس بباطل وهزل . " فاعبد الله مخلصا " فيه مسألتان :
الأولى : ( مخلصاً ) نصب على الحال أي موحداً لا تشرك به شيئاً " له الدين " أي الطاعة . وقيل : العبادة وهو مفعول به .
يخبر تعالى أن تنزيل هذا الكتاب وهو القرآن العظيم من عنده تبارك وتعالى فهو الحق الذي لا مرية فيه ولا شك كما قال عز وجل: "وإنه لتنزيل رب العالمين * نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين * بلسان عربي مبين" وقال تبارك وتعالى: "وإنه لكتاب عزيز * لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد" وقال جل وعلا ها هنا: "تنزيل الكتاب من الله العزيز" أي المنيع الجناب "الحكيم" أي في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره "إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصاً له الدين" أي فاعبد الله وحده لا شريك له وادع الخلق إلى ذلك وأعلمهم أنه لا تصلح العبادة إلا له وحده وأنه ليس له شريك ولا عديل ولا نديد ولهذا قال تعالى: "ألا لله الدين الخالص" أي لا يقبل من العمل إلا ما أخلص فيه العامل لله وحده لا شريك له.
وقال قتادة في قوله تبارك وتعالى: "ألا لله الدين الخالص" شهادة أن لا إله إلا الله ثم أخبر عز وجل عن عباد الأصنام من المشركين أنهم يقولون "ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى" أي إنما يحملهم على عبادتهم لهم أنهم عمدوا إلى أصنام اتخذوها على صور الملائكة المقربين في زعمهم فعبدوا تلك الصور تنزيلاً لذلك منزلة عبادتهم الملائكة ليشفعوا لهم عند الله تعالى في نصرهم ورزقهم وما ينوبهم من أمور الدنيا فأما المعاد فكانوا جاحدين له كافرين به. قال قتادة والسدي ومالك عن زيد بن أسلم وابن زيد: "إلا ليقربونا إلى الله زلفى" أي ليشفعوا لنا ويقربونا عنده منزلة ولهذا كانوا يقولون في تلبيتهم إذا حجوا في جاهليتهم لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك. وهذه الشبهة هي التي اعتمدها المشركون قديم الدهر وحديثه وجاءتهم الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين بردها والنهي عنها والدعوة إلى إفراد العبادة لله وحده لا شريك له وأن هذا شيء اخترعه المشركون من عند أنفسهم لم يأذن الله فيه ولا رضي به بل أبغضه ونهى عنه "ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت" "وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون" وأخبر أن الملائكة التي في السموات من الملائكة المقربين وغيرهم كلهم عبيد خاضعون لله لا يشفعون عنده إلا بإذنه لمن ارتضى وليسوا عنده كالأمراء عند ملوكهم يشفعون عندهم بغير إذنهم فيما أحبه الملوك وأبوه "فلا تضربوا لله الأمثال" تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
وقوله عز وجل: "إن الله يحكم بينهم" أي يوم القيامة " في ما هم فيه يختلفون " أي سيفصل بين الخلائق يوم معادهم ويجزي كل عامل بعمله " ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون * قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون " وقوله عز وجل: "إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار" أي لا يرشد إلى الهداية من قصده الكذب والافتراء على الله تعالى وقلبه كافر بآياته وحججه وبراهينه, ثم بين تعالى أنه لا ولد له كما يزعمه جهلة المشركين في الملائكة والمعاندون من اليهود والنصارى في العزير وعيسى فقال تبارك وتعالى: "لو أراد الله أن يتخذ ولداً لاصطفى مما يخلق ما يشاء" أي لكان الأمر على خلاف ما يزعمون وهذا شرط لا يلزم وقوعه ولا جوازه بل هو محال وإنما قصد تجهيلهم فيما ادعوه وزعموه كما قال عز وجل: "لو أردنا أن نتخذ لهواً لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين" "قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين" كل هذا من باب الشرط ويجوز تعليق الشرط على المستحيل لمقصد المتكلم.
وقوله تعالى: "سبحانه هو الله الواحد القهار" أي تعالى وتنزه وتقدس عن أن يكون له ولد, فإنه الواحد الأحد الفرد الصمد, الذي كل شيء عبد لديه فقير إليه وهو الغني عما سواه الذي قد قهر الأشياء فدانت وذلت وخضعت تبارك وتعالى عما يقول الظالمون والجاحدون علواً كبيراً.
2- "إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق" الباء سببية متعلقة بالإنزال: أي أنزلناه بسبب الحق، ويجوز أن تتعلق بمحذوف هو حال من الفاعل: أي متلبسين بالحق، أو من المفعول: أي متلبساً بالحق، والمراد كل ما فيه من إثبات التوحيد والنبوة والمعاد وأنواع التكاليف. قال مقاتل: يقول لم ننزله باطلاً لغير شيء.
2. " إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق "، قال مقاتل : لم ننزله باطلاً لغير شيء، " فاعبد الله مخلصاً له الدين "، الطاعة.
2-" إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق " ملتبساً بالحق أو بسبب إثبات الحق وإظهاره وتفصيله . " فاعبد الله مخلصاً له الدين " ممحصاً له الدين من الشرك والرياء ، وقرئ برفع الدين عن الاستئناف لتعليل الأمر وتقديم الخبر لتأكيد الاختصاص المستفاد من اللام كما صرح به مؤكداً وإجراؤه مجرى المعلوم المقرر لكثرة حججه وظهور براهينه فقال :
2. Lo! We have revealed the Scripture unto thee (Muhammad) with truth; so worship Allah, making religion pure for Him (only).
2 - Verily it is We Who have revealed the Book to thee in Truth: so serve God, offering Him sincere devotion.