2 - (بل الذين كفروا) من أهل مكة (في عزة) حمية وتكبر عن الإيمان (وشقاق) خلاف وعداوة للنبي صلى الله عليه وسلم
وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : معناه : ذي التذكير لكم ، لأن الله أتبع ذلك قوله : "بل الذين كفروا في عزة وشقاق" فكان معلوماً بذلك أنه إنما أخبر عن القرآن أنه أنزله ذكراً لعباده ذكرهم به ، وأن الكفار من الإيمان به في عزة وشقاق.
وأختلف في الذي وقع عليه اسم القسم ، فقال بعضهم : وقع القسم على قوله "بل الذين كفروا في عزة وشقاق".
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة "بل الذين كفروا في عزة" قال : هاهنا وقع القسم.
وكان بعض أهل العربية يقول : بل دليل على تكذيبهم ، فاكتفي ببل من جواب القسم ، وكأنه قيل ص ، ما الأمر كما قلتم ، بل أنتم في عزة وشقاق. وكان بعض نحويي الكوفة يقول : زعموا أن موضع القسم في قوله "إن كل إلا كذب الرسل" [ص: 14]. وقال بعض نحويي الكوفة : قد زعم أن جواب "والقرآن " قوله "إن ذلك لحق تخاصم أهل النار" [ص : 64 ]قال : وذلك كلام قد تأخر عن قوله "والقرآن" تأخراً شديداً، وجرت بينهما قصص مختلفة، فلا نجد ذلك مستقيماً في العربية، والله أعلم.
قال : ويقال : إن قوله "والقرآن" يمين اعترض كلام دون موقع جوابها ، فصار جوابها لله للمعترض ولليمين ، فكأنه أراد : والقرآن ذي الذكر، لكم أهلكنا، فلما اعترض قوله "بل الذين كفروا في عزة" صارت كم جواباً للعزة واليمين. قال : ومثله قوله : "والشمس وضحاها"[الشمس : 11] اعترض دون الجواب قوله "ونفس وما سواها * فألهمها" [الشمس : 7، 8] فصارت قد أفلح تابعة لقوله : فألهمها، وكفى من جواب القسم ، فكأنه قال : والشمس وضحاها لقد أفلح. والصواب من القول في ذلك عندي ، القول الذي قاله قتادة، وأن قوله "بل" لما دلت على التكذيب وحلت محل الجواب استغني بها من الجواب ، إذ عرف المعنى، فمعنى الكلام إذ كان ذلك كذلك "ص والقرآن ذي الذكر" ما الأمر كما يقول هؤلاء الكافرون : بل هم في عزة وشقاق.
وقوله "بل الذين كفروا في عزة وشقاق" يقول تعالى ذكره : بل الذين كفروا بالله من مشركي قريش في حمية ومشاقة، وفراق لمحمد وعداوة، وما بهم أن لا يكونوا أهل علم بأنه ليس بساحر ولا كذاب.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال : ثنا أبو عاصم، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ئنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد، في قوله "في عزة وشقاق" قال : معازين.
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة "في عزة وشقاق": أي في حمية وفراق.
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد، في قوله "بل الذين كفروا في عزة وشقاق" قال : يعادون أمر الله ورسوله وكتابه ، ويشاقون ، ذلك عزة وشقاق. فقلت له : الشقاق : الخلاف؟ فقال نعم.
فكأنه قال : " والقرآن ذي الذكر * بل الذين كفروا في عزة وشقاق " عن قبول الحق وعداوة لمحمد صلى الله عليه وسلم . أو < والقرآن ذي الذكر > ما الأمر كما يقولون من أنك ساحر كذاب ، لأنهم يعرفونك بالصدق والأمانة بل هم في تكبر عن قبول الحق . وهو كقوله : " ق والقرآن المجيد * بل عجبوا " [ ق : 1 - 2 ] وقيل : الجواب < كم أهلكنا > كأنه قال : والقرآن لكم أهلكنا ، فلما تأخرت < كم > حذفت اللام منها ، كقوله تعالى : " والشمس وضحاها " [ الشمس : 1 ] ثم قال : < قد أفلح > أي لقد أفلح . قال المهدوي : وهذا مذهب الفراء . ابن الأنباري : فمن هذا الوجه لا يتم الوقف على قوله : < في عزة وشقاق > . وقال الأخفش : جواب القسم " إن كل إلا كذب الرسل فحق عقاب " [ ص : 14 ] ونحو منه قوله تعالى : " تالله إن كنا لفي ضلال مبين " [ الشعراء : 97 ] وقوله : " والسماء والطارق " " إن كل نفس " . ابن الأنباري : وهذا قبيح ، لأن الكلام قد طال فيما بينهما وكثرت الآيات والقصص . وقال الكسائي : جواب القسم قوله : " إن ذلك لحق تخاصم أهل النار " [ ص : 64 ] ابن الأنباري : وهذا أقبح من الأول ، لأن الكلام أشد طولاً فيما بين القسم الجواب محذوف تقديره < والقرآن ذي الذكر > لتبعثن ونحوه .
قوله تعالى : " بل الذين كفروا في عزة " أي في تكبر وامتناع من قبول الحق ، كما قال جل وعز : " وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم " [ البقرة : 206 ] والعزة عند العرب : الغلبة والقهر . يقال :من عز بز ، يعني من غلب سلب . ومنه : < وعزني في الخطاب > أراد غلبني . وقال جرير :
يعر على الطريق بمنكبيه كما ابترك الخليع على القداح
أراد يغلب . " وشقاق " أي في إظهار خلاف ومباينة . وهو من الشق كأن هذا في شق وذلك في شق . وقد مضى في < البقرة > مستوفى .
أما الكلام على الحروف المقطعة فقد تقدم في أول سورة البقرة بما أغنى عن إعادته ههنا. وقوله تعالى: "والقرآن ذي الذكر" أي والقرآن المشتمل على ما فيه ذكر للعباد ونفع لهم في المعاش والمعاد قال الضحاك في قوله تعالى: "ذي الذكر" كقوله تعالى: "لقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم" أي تذكيركم وكذا قال قتادة واختاره ابن جرير. وقال ابن عباس رضي الله عنهما وسعيد بن جبير وإسماعيل بن أبي خالد وابن عيينة وأبو حصين وأبو صالح والسدي "ذي الذكر" ذي الشرف أي ذي الشأن والمكانة, ولا منافاة بين القولين فإنه كتاب شريف مشتمل على التذكير والإعذار والإنذار واختلفوا في جواب هذا القسم فقال بعضهم هو قوله تعالى: "إن كل إلا كذب الرسل فحق عقاب" وقيل قوله تعالى: "إن ذلك لحق تخاصم أهل النار" حكاهما ابن جرير وهذا الثاني فيه بعد كبير وضعفه ابن جرير, وقال قتادة جوابه "بل الذين كفروا في عزة وشقاق" واختاره ابن جرير ثم حكى ابن جرير عن بعض أهل العربية أنه قال جوابه "ص" بمعنى صدق حق "والقرآن ذي الذكر" وقيل جوابه ما تضمنه سياق السورة بكمالها والله أعلم, وقوله تبارك وتعالى: "بل الذين كفروا في عزة وشقاق" أي استكبار عنه وحمية "وشقاق" أي ومخالفة له ومعاندة ومفارقة, ثم خوفهم ما أهلك به الأمم المكذبة قبلهم بسبب مخالفتهم للرسل وتكذيبهم الكتب المنزلة من السماء, فقال تعالى: "كم أهلكنا من قبلهم من قرن" أي من أمة مكذبة "فنادوا" أي حين جاءهم العذاب استغاثوا وجأروا إلى الله تعالى وليس ذلك بمجد عنهم شيئاً كما قال عز وجل: "فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون" أي يهربون "لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون" قال أبو داود الطيالسي حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن التميمي قال: سألت ابن عباس رضي الله عنهما عن قول الله تبارك وتعالى: "فنادوا ولات حين مناص" قال ليس بحين نداء ولا نزو ولا فرار. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما ليس بحين مغاث وقال شبيب بن بشر عن عكرمة عن ابن عباس نادوا النداء حين لا ينفعهم وأنشد: ـ تذكر ليلى لات حين تذكر ـ وقال محمد بن كعب في قوله تعالى: "فنادوا ولات حين مناص" يقول نادوا بالتوحيد حين تولت الدنيا عنهم, واستناصوا للتوبة حين تولت الدنيا عنهم, وقال قتادة لما رأوا العذاب أرادوا التوبة في غير حين النداء, وقال مجاهد "فنادوا ولات حين مناص" ليس بحين فرار ولا إجابة وقد روي نحو هذا عن عكرمة وسعيد بن جبير وأبي مالك والضحاك وزيد بن أسلم والحسن وقتادة, وعن مالك عن زيد بن أسلم "ولات حين مناص" ولا نداء في غير حين النداء, وهذه الكلمة وهي لات هي لا التي للنفي زيدت معها التاء كما تزاد في ثم فيقولون ثمت ورب فيقولون ربت وهي مفصولة والوقف عليها, ومنهم من حكى عن المصحف الإمام فيما ذكره ابن جرير أنها متصلة بحين ولا تحين مناص والمشهور الأول ثم قرأ الجمهور بنصب حين تقديره وليس الحين حين مناص ومنهم من جوز النصب بها, وأنشد:
تذكر حب ليلى لات حينا وأضحى الشيب قد قطع القرينا
ومنهم من جوز الجر بها وأنشد:
طلبوا صلحنا ولات أوان فأجبنا أن ليس حين بقاء
وأنشد بعضهم أيضاً:
ولات ساعة مندم
بخفض الساعة وأهل اللغة يقولون النوص التأخر والبوص التقدم, ولهذا قال تبارك وتعالى: "ولات حين مناص" أي ليس الحين حين فرار ولا ذهاب والله سبحانه وتعالى الموفق للصواب.
قال سبحانه: 2- "بل الذين كفروا في عزة وشقاق" فأضرب عن ذلك وكأنه قال لا ريب فيه قطعاً، ولم يكن عدم قبول المشركين له لريب فيه. بل هم في عزة عن قبول الحق: أي تكبر وتجبر. وشقاق: أي وامتناع عن قبول الحق، والعزة عند العرب: الغلبة والقهر، يقال: من عز بز أي من غلب سلب، ومنه و "عزني في الخطاب" أي غلبني، ومنه قول الشاعر:
يعز على الطريق بمنكبيه كما انترك الخليع على القداح
والشقاق: مأخوذ من الشق وقد تقدم بيانه.
2. قوله تعالى: " بل الذين كفروا ".
قال قتادة : موضع القسم قوله: " بل الذين كفروا "، كما قال: " والقرآن المجيد * بل عجبوا " (ق-2).
وقيل: فيه تقديم وتأخير، تقديره: بل الذين كفروا، " في عزة وشقاق "، والقرآن ذي الذكر.
وقال الأخفش : جوابه قوله [تعالى: " إن كل إلا كذب الرسل " (ص-14)، كقوله: " تالله إن كنا " (الشعراء-97) وقوله: " والسماء والطارق " - " إن كل نفس " (الطارق-1-3).قيل:] جوابه قوله: " إن هذا لرزقنا " (ص-54).
وقال الكسائي : قوله: " إن ذلك لحق تخاصم أهل النار " (ص-64)، وهذا ضعيف لأنه تخلل بين هذا القسم وبين الجواب أقاصيص وأخبار كثيرة.
وقال القتيبي : بل لتدارك كلام ونفي آخر، ومجاز الآية: إن الله أقسم بـ ص والقرآن ذي الذكر أن الذين كفروا من أهل مكة في عزة حمية جاهلية وتكبر عن الحق وشقاق وخلاف وعداوة لمحمد صلى الله عليه وسلم.
وقال مجاهد : (( في عزة )) معازين.
2-" بل الذين كفروا " أي ما كفر به من كفر لخلل وجده فيه " بل الذين كفروا " به . " في عزة " أي استكبار عن الحق . " وشقاق " خلاف لله ورسوله ولذلك كفروا به ، وعلى الأولين الإضراب أيضاً من الجواب المقدر ولكن من حيث إشعاره بذلك والمراد بالذكر العظة أو الشرف والشهوة ، أو ذكر ما يحتاج إليه في الدين من العقائد والشرائع والمواعيد ، والتنكير في " عزة وشقاق " للدلالة على شدتهما ،وقرئ في غرة أي غفلة عما يجب علهم النظر فيه .
2. Nay, but those who disbelieve are in false pride and schism.
2 - But the unbelievers (are steeped) in Self glory and separatism.