2 - (فالموريات) الخيل توري النار (قدحا) بحوافرها إذا سارت في الأرض ذات الحجارة بالليل
وقوله " فالموريات قدحا " اختلف أهل التأويل في ذلك ، فقال بعضهم : هي الخيل توري النار بحوافرها .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب بن إبراهيم ،قال : ثنا ابن علية ، قال : ثنا أبو رجاء ، قال : سئل عكرمة عن قوله " فالموريات قدحا "قال : أورت وقدحت .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة " فالموريات قدحا "قال : هي الخيل ، وقال الكلبي : تقدح بحوافرها حتى يخرج منها النار .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن واصل ، عن عطاء " فالموريات قدحا "قال : أورت النار بحوافرها .
حدثت عن الحسن ، قال : سمعت أبا معاذ ، يقول : ثنا عبيد ، قال : سعت الضحاك يقول في قوله " فالموريات قدحا "توري الحجارة بحوافرها .
وقال آخرون : بل معنى ذلك أن الخيل هجن الحرب بين أصحابهن وركبانهن .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " فالموريات قدحا "قال : هجن الحرب بينهم وبين عدوهم .
حدثنا ابن حميد ، قال :ثنا مهران ، عن سعيد ، عن قتادة " فالموريات قدحا "قال : هجن الحرب بينهم وبين عدوهم .
وقال آخرون : بل عني بذلك : الذين يورون النار بعد انصرافهم من الحرب .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال أخبرني أبو صخر ، عن أبي معاوية البجلي ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : سألني علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، عن "والعاديات ضبحا* فالموريات قدحا " فقلت له : الخيل تغير في سبيل الله ، ثم تأوي إلى الليل ، فيصنعون طعامهم ويورون نارهم .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : مكر الرجال .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني ابي ، عن أبيه ، عن ابن عباس " فالموريات قدحا " قال : المكر .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله الله " فالموريات قدحا " قال : مكر الرجال .
وقال آخرون : هي الألسنة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسن بن عرفة ، قال : ثنا يونس بن محمد ، قال : ثنا حماد بن سلمة ، عن سماك بن حرب ، عن عكرمة قال : يقال في هذه الآية " فالموريات قدحا " قال : هي الألسنة .
وقال آخرون : هي الإبل حين تسير تنسف بمناسمها الحصى .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن مغيرة ، عن إبراهم ، عن عبد الله " فالموريات قدحا " قال :إذا نسفت الحصى بمناسمها ، فضرب الحصى بعضه بعضاً ، فيخرج منه النار .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ، أن يقال : إن الله تعالى ذكره أقسم بالموريات التي توري النيران قدحاً ، فالخيل توري بحوافرها ، والناس يورونها بالزند ، واللسان مثلاً يوري بالمنطق ، والرجال يورون بالمكر مثلاً ، وكذلك الخيل تهيج بين أهلها إذا التقت في الحرب . ولم يضع الله دلالة على أن المراد من ذلك بعض دون بعض ، فكل ما أورت النار قدحاً ، فداخلة فيما أقسم به ، لعموم ذلك بالظاهر .
قوله تعالى:" فالموريات قدحا" قال عكرمة وعطاء والضحاك: هي الخيل حين توري النار بحوافرها، وهي سنابكها، وروي عن ابن عباس. وعنه أيضاً: أورت بحوافرها غباراً. وهذا يخالف سائر ما روي عنه في قدح النار، وإنما هذا في الإبل. وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد " والعاديات ضبحا * فالموريات قدحا" قال : قال ابن عباس: هو في القتال وهو في الحج. ابن مسعود: هي الإبل تطأ الحصى، فتخرج منها النار. وأصل القدح الاستخراج، ومنه قدحت العين: إذا أخرجت منها الماء الفاسد. واقتدحت بالزند. واقتدحت المرق: غرفته. وركي قدوح: تغترق باليد. والقديح: ما يبقى في أسفل القدر، فيغرق بجهد. والمقدحة: ما تقدح به النار. والقداحة والقداح: الحجر الذي يوري النار. يقال: ورى الزند (بالفتح) يري ورياً: إذا خرجت ناره. وفيه لغة أخرى: وري الزند (بالكسر) يري وقيل: هذه الآيات في الخيل، ولكن إيراءها: أن تهيج الحرب بين أصحابها وبين عدوهم. ومنه يقال للحرب إذا التحمت: حمي الوطيس. ومنه قوله تعالى
" كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله" [المائدة:64] وروي معناه عن ابن عباس أيضاً، وقاله قتادة. وعن ابن عباس أيضاً: أن المراد بالموريات قدحاً: مكر الرجال في الحرب، وقاله مجاهد وزيد بن أسلم. والعرب تقول إذا أراد الرجل أن يمكر بصاحبه: والله لأمكرن بك، ثم لأورين لك. وعن ابن عباس أيضاً: هم الذين يغزو فيورون نيرانهم بالليل، لحاجتهم وطعامهم، وعنه أيضاً: أنها نيران المجاهدين إذا كثرت نارها إرهاباً. وكل ما قرب من العدو يوقد نيراناً كثيرة ليظنهم العدو كثيراً. فهذا إقسام بذلك. قال محمد بن كعب: هي النار تجمع. وقيل: هي أفكار الرجال توري نار المكر والخديعة. وقال عكرمة: هي ألسنة الرجال توري النار من عظيم ما تتكلم به ويظهر بها، من إقامة الحجج، وإقامة الدلائل، وإيضاح الحق، وإبطال الباطل. وروى ابن جريج عن بعضهم قال: فالمنجحات أمراً وعملاً، كنجاح الزند إذا أوري.
قلت: هذه الأقوال مجاز، ومنه قولهم: فلان يوري زناد الضلالة. الأول: الحقيقة، وأن الخيل من شدة عدوها تقدح النار بحوافرها. قال مقاتل: العرب تسمي تلك النار نار أبي حباحب، وكان أبو حباحب شيخاً من مضر في الجاهلية، من أبخل الناس، وكان لا يوقد ناراً لخبز ولا غيره حتى تنام العيون، فيوقد نويرة تقد مرة وتخمد أخرى، فإن استيقظ لها أحد أطفأها، كراهية أن ينتفع بها أحد. فشبهت العرب هذه النار بناره، لأنه لا ينتفع بها. وكذلك إذا وقع السيف على البيضة فاقتدحت ناراً، فكذلك يسمونها. قال النابغة:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب
تقد السلوقي المضاعف نسجه وتوقد بالصفاح نار الحباحب
يقسم تعالى بالخيل إذا أجريت في سبيله فعدت وضبحت وهو الصوت الذي يسمع من الفرس حين تعدو "فالموريات قدحاً" يعني اصطكاك نعالها للصخر فتقدح منه النار "فالمغيرات صبحاً" يعني الإغارة وقت الصباح كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغير صباحاً ويستمع الأذان فإن سمع أذاناً وإلا أغار. وقوله تعالى: "فأثرن به نقعاً" يعني غباراً في مكان معترك الخيول "فوسطن به جمعاً" أي توسطن ذلك المكان كلهن جمع. قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج , حدثنا عبدة عن الأعمش , عن إبراهيم عن عبد الله "والعاديات ضبحاً" قال: الإبل, وقال علي : هي الإبل. وقال ابن عباس : هي الخيل, فبلغ علياً قول ابن عباس فقال: ما كانت لنا خيل يوم بدر. قال ابن عباس : إنما كان ذلك في سرية بعثت.
قال ابن أبي حاتم وابن جرير : وحدثنا يونس , أخبرنا ابن وهب , أخبرني أبو صخر عن أبي معاوية البجلي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس حدثه قال: بينا أنا في الحجر جالساً جاءني رجل فسألني عن "العاديات ضبحاً" فقلت له: الخيل حين تغير في سبيل الله, ثم تأوي إلى الليل فيصنعون طعامهم ويورون نارهم فانفتل عني فذهب إلى علي رضي الله عنه وهو عند سقاية زمزم فسأله عن "العاديات ضبحاً" فقال: سألت عنها أحداً قبلي ؟ قال: نعم, سألت ابن عباس فقال الخيل حين تغير في سبيل الله, قال: اذهب فادعه لي, فلما وقف على رأسه قال: أتفتي الناس بما لا علم لك, والله لئن كان أول غزوة في الإسلام بدر وما كان معنا إلا فرسان فرس للزبير وفرس للمقداد , فكيف تكون العاديات ضبحاً ؟ إنما العاديات ضبحاً من عرفة إلى المزدلفة ومن المزدلفة إلى منى, قال ابن عباس : فنزعت عن قولي ورجعت إلى الذي قال علي رضي الله عنه, وبهذا الإسناد عن ابن عباس قال: قال علي : إنما العاديات ضبحاً من عرفة إلى المزدلفة فإذا أووا إلى المزدلفة أوروا النيران, وقال العوفي وغيره عن ابن عباس : هي الخيل.
وقد قال بقول علي إنها الإبل جماعة منهم إبراهيم وعبيد بن عمير , وقال بقول ابن عباس آخرون منهم مجاهد وعكرمة وعطاء وقتادة والضحاك واختاره ابن جرير , وقال ابن عباس وعطاء : ما ضبحت دابة قط إلا فرس أو كلب. وقال ابن جريج عن عطاء : سمعت ابن عباس يصف الضبح أح أح, وقال أكثر هؤلاء في قوله: "فالموريات قدحاً" يعني بحوافرها, وقيل أسعرن الحرب بين ركبانهن, قاله قتادة وعن ابن عباس ومجاهد "فالموريات قدحاً" يعني مكر الرجال وقيل هو إيقاد النار إذا رجعوا إلى منازلهم من الليل, وقيل المراد بذلك نيران القبائل, وقال: من فسرها بالخيل هو إيقاد النار بالمزدلفة. قال ابن جرير : والصواب الأول أنها الخيل حين تقدح بحوافرها.
وقوله تعالى: "فالمغيرات صبحاً" قال ابن عباس ومجاهد وقتادة : يعني إغارة الخيل صبحاً في سبيل الله, وقال من فسرها بالإبل هو الدفع صبحاً من المزدلفة إلى منى. وقالوا كلهم في قوله: "فأثرن به نقعاً" هو المكان الذي حلت فيه, أثارت به الغبار إما في حج أو غزو وقوله تعالى: "فوسطن به جمعاً" قال العوفي عن ابن عباس وعطاء وعكرمة وقتادة والضحاك : يعني جمع الكفار من العدو, ويحتمل أن يكون فوسطن بذلك المكان جميعهن ويكون جمعاً منصوباً على الحال المؤكدة, وقد روى أبو بكر البزار ههنا حديثاً غريباً جداً, فقال: حدثنا أحمد بن عبدة , حدثنا حفص بن جميع , حدثنا سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلاً فأشهرت شهراً لا يأتيه منها خبر, فنزلت "والعاديات ضبحاً" ضبحت بأرجلها "فالموريات قدحاً" قدحت بحوافرها الحجارة فأورت ناراً "فالمغيرات صبحاً" صبحت القوم بغارة "فأثرن به نقعاً" أثارت بحوافرها التراب "فوسطن به جمعاً" قال: صبحت القوم جميعاً. وقوله تعالى: "إن الإنسان لربه لكنود" هذا هو المقسم عليه بمعنى إنه بنعم ربه لكفور جحود قال ابن عباس ومجاهد وإبراهيم النخعي وأبو الجوزاء وأبو العالية وأبو الضحى وسعيد بن جبير ومحمد بن قيس, والضحاك والحسن وقتادة والربيع بن أنس وابن زيد : الكنود الكفور, قال الحسن : الكنود هو الذي يعد المصائب وينسى نعم الله عليه.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو كريب , حدثنا عبيد الله عن إسرائيل عن جعفر بن الزبير عن القاسم عن أبي أمامة قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الإنسان لربه لكنود" ـ قال ـ الكنود الذي يأكل وحده ويضرب عبده ويمنع رفده" رواه ابن أبي حاتم من طريق جعفر بن الزبير , وهو متروك فهذا إسناد ضعيف, وقد رواه ابن جرير أيضاً من حديث حريز بن عثمان عن حمزة بن هانى عن أبي أمامة موقوفاً. وقوله تعالى: "وإنه على ذلك لشهيد" قال قتادة وسفيان الثوري : وإن الله على ذلك لشهيد ويحتمل أن يعود الضمير على الإنسان, قاله محمد بن كعب القرظي فيكون تقديره وإن الإنسان على كونه كنوداً لشهيد أي بلسان حاله أي ظاهر ذلك عليه في أقواله وأفعاله كما قال تعالى: "ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر".
قوله تعالى: "وإنه لحب الخير لشديد" أي وإنه لحب الخير وهو المال لشديد, وفيه مذهبان (أحدهما) أن المعنى وإنه لشديد المحبة للمال (والثاني) وإنه لحريص بخيل من محبة المال وكلاهما صحيح. ثم قال تبارك وتعالى مزهداً في الدنيا ومرغباً في الاخرة ومنبهاً على ما هو كائن بعد هذه الحال وما يستقبله الإنسان من الأهوال: " أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور " أي أخرج ما فيها من الأموات "وحصل ما في الصدور" قال ابن عباس وغيره: يعني أبرز وأظهر ما كانوا يسرون في نفوسهم "إن ربهم بهم يومئذ لخبير" أي لعالم بجميع ما كانوا يصنعون ويعملون ومجازيهم عليه أوفر الجزاء ولا يظلم مثقال ذرة.
2- "فالموريات قدحا" هي الخيل حين توري النار بسنابكها، والإيراء إخراج النار، والقد الصك، فجعل ضرب الخيل بحوافرها كالقدح بالزناد. قال الزجاج: إذا عدلت الخيل بالليل أصاب حوافرها الحجارة انقدح منها النيران والكلام في انتصاب قدحاً كالكلام في انتصاب ضبحاً، والخلاف في كونها الخيل أو الإبل كالخلاف الذي تقدم في العاديات. والراجح أنها الخيل كما ذهب إليه الجمهور، وكما هو الظاهر من هذه الأوصاف ما في ذلك من الخلاف بين الصحابة.
2- "فالموريات قدحاً"، قال عكرمة، وعطاء، والضحاك، ومقاتل، والكلبي،: هي الخيل توري النار بحوافرها إذا سارت في الحجارة. يعني: والقادحات قدحاً يقدحن بحوافرهن.
وقال قتادة: هي الخيل تهيج الحرب ونار العداوة بين فرسانها.
وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس: هي الخيل تغزو في سبيل الله ثم تأوي بالليل إلى مأواها فيورون نارهم، ويصنعون طعامهم.
وقال مجاهد، وزيد بن أسلم: هي مكر الرجال، يعني رجال الحرب والعرب تقول إذا أراد الرجل أن يمكر بصاحبه: أما والله لأقدحن لك ثم لأورين لك.
وقال محمد بن كعب: هي النيران تجتمع.
2-" فالموريات قدحاً " فالتي توري النار ، والإبراء إخراج النار يقال قدح الزند فأورى .
2. Striking sparks of fire
2 - And strike sparks of fire,