198 - (وإن تدعوهم) أي الأصنام (إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم) أي الأصنام يا محمد (ينظرون إليك) أي يقابلونك كالناظر (وهم لا يبصرون)
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل للمشركين: وإن تدعوا، أيها المشركون، آلهتكم إلى الهدى - وهو الاستقامة إلى السداد -، " لا يسمعوا "، يقول: لا يسمعوا دعاءكم، " وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون ".
وهذا خطاب من الله نبيه صلى الله عليه وسلم. يقول: وترى، يا محمد، آلهتهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون، ولذلك وحد. ولو كان أمر النبي صلى الله عليه وسلم بخطاب المشركين، لقال: ((وترونهم ينظرون إليكم)).
وقد روى السدي في ذلك ما:
حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي : " وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون "، قال: هؤلاء المشركون.
وقد يحتمل قول السدي هذا أن يكون أراد بقوله: ((هؤلاء المشركون))، قول الله: " وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا ".
وقد كان مجاهد يقول في ذلك، ما:
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد : " وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون "، ما تدعوهم إلى الهدى. وكأن مجاهداً وجه معنى الكلام إلى أن معناه: وترى المشركين ينظرون إليك وهم لا يبصرون، فهو وجه، ولكن الكلام في سياق الخبر عن الآلهة، فهو بوصفها أشبه.
قال أبو جعفر: فإن قال قائل: فما معنى قوله: " وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون "؟ وهل يجوز شيء ينظر إلى شيء ولا يراه؟
قيل: إن العرب تقول للشيء إذا قابل شيئاً أو حاذاه: ((هو ينظر إلى كذا))، ويقال: ((منزل فلان ينظر إلى منزلي))، إذا قابله. وحكي عنها: ((إذا أتيت موضع كذا وكذا فنظر إليك الجبل، فخذ يميناً أو شمالاً))، وحدثت عن أبي عبيد قال: قال الكسائي : ((الحائط ينظر إليك))، إذا كان قريباً منك حيث تراه، ومنه قول الشاعر:
إذا نظرت بلاد بني تميم بعين أو بلاد بني صباح
يريد: تقابل نبتها وعشبها وتحاذى.
قال أبو جعفر: فمعنى الكلام: وترى، يا محمد، آلهة هؤلاء المشركين من عبدة الأوثان، يقابلونك ويحاذونك، وهم لا يبصرونك، لأنه لا أبصار لهم.
وقيل: " وتراهم "، ولم يقل: ((وتراها))، لأنها صور مصورة على صور بني آدم عليه السلام.
"وإن تدعوهم إلى الهدى" شرط، والجواب "لا يسمعوا". "وتراهم" مستأنف. "ينظرون إليك" في موضع الحال. يعني الأصنام. ومعنى النظر فتح العينين إلى المنظور إليه، أي وتراهم كالناظرين إليك. وخبر عنهم بالواو وهي جماد لا تبصر، لأن الخبر جرى على فعل من يعقل. وقيل: كانت لهم أعين من جواهر مصنوعة فلذلك قال "وتراهم ينظرون". وقيل: المراد بذلك المشركون، أخبر عنهم بأنهم لا يبصرون حين لم ينتفعوا بأبصارهم.
هذا إنكار من الله على المشركين الذين عبدوا مع الله غيره من الأنداد والأصنام والأوثان, وهي مخلوقة لله مربوبة مصنوعة, لا تملك شيئاً من الأمر ولا تضر ولا تنفع, ولا تبصر ولا تنتصر لعابديها, بل هي جماد لا تتحرك ولا تسمع ولا تبصر, وعابدوها أكمل منها بسمعهم وبصرهم وبطشهم, ولهذا قال: "أيشركون ما لا يخلق شيئاً وهم يخلقون" أي أتشركون به من المعبودات ما لا يخلق شيئاً ولا يستطيع ذلك, كقوله تعالى: "يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب * ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز" أخبر تعالى أن آلهتهم لو اجتمعوا كلهم ما استطاعوا خلق ذبابة بل لو سلبتهم الذبابة شيئاً من حقير المطاعم وطارت, لما استطاعوا إنقاذه منها, فمن هذه صفته وحاله كيف يعبد ليرزق ويستنصر ؟ ولهذا قال تعالى: "لا يخلق شيئاً وهم يخلقون" أي بل هم مخلوقون مصنوعون كما قال الخليل "أتعبدون ما تنحتون" الاية.
ثم قال تعالى: " ولا يستطيعون لهم نصرا " أي لعابديهم "ولا أنفسهم ينصرون" يعني ولا لأنفسهم ينصرون ممن أرادهم بسوء, كما كان الخليل عليه الصلاة والسلام يكسر أصنام قومه ويهينها غاية الإهانة كما أخبر تعالى عنه في قوله: "فراغ عليهم ضرباً باليمين" وقال تعالى: "فجعلهم جذاذاً إلا كبيراً لهم لعلهم إليه يرجعون" وكما كان معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما, وكانا شابين قد أسلما لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة, فكانا يعدوان في الليل على أصنام المشركين يكسرانها ويتلفانها ويتخذانها حطباً للأرامل ليعتبر قومهما بذلك ويرتؤوا لأنفسهم, فكان لعمرو بن الجموح وكان سيداً في قومه صنم يعبده ويطيبه, فكانا يجيئان في الليل فينكسانه على رأسه ويلطخانه بالعذرة, فيجيء عمرو بن الجموح فيرى ما صنع به, فيغسله ويطيبه ويضع عنده سيفاً ويقول له: انتصر, ثم يعودان لمثل ذلك, ويعود إلى صنيعه أيضاً, حتى أخذاه مرة فقرناه مع كلب ميت, ودلياه في حبل في بئر هناك, فلما جاء عمرو بن الجموح ورأى ذلك نظر فعلم أن ما كان عليه من الدين باطل, وقال:
تالله لو كنت إلهاً مستدن لم تك والكلب جميعاً في قرن
ثم أسلم فحسن إسلامه, وقتل يوم أحد شهيداً رضي الله عنه وأرضاه وجعل جنة الفردوس مأواه, وقوله "وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم" الاية, يعني أن هذه الأصنام لا تسمع دعاء من دعاها, وسواء لديها من دعاها ومن دحاها, كما قال إبراهيم "يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً" ثم ذكر تعالى أنها عبيد مثل عابديها أي مخلوقات مثلهم, بل الأناس أكمل منها لأنها تسمع وتبصر وتبطش, وتلك لا تفعل شيئاً من ذلك, وقوله "قل ادعوا شركاءكم" الاية, أي استنصروا بها علي فلا تؤخروني طرفة عين, واجهدوا جهدكم "إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين" أي الله حسبي وكافي, وهو نصيري وعليه متكلي وإليه ألجأ, وهو وليي في الدنيا والاخرة وهو ولي كل صالح بعدي وهذا كما قال هود عليه السلام لما قال له قومه " إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون * من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون * إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم " وكقول الخليل " أفرأيتم ما كنتم تعبدون * أنتم وآباؤكم الأقدمون * فإنهم عدو لي إلا رب العالمين * الذي خلقني فهو يهدين " الايات, وكقوله لأبيه وقومه " إنني براء مما تعبدون * إلا الذي فطرني فإنه سيهدين* وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون ".
وقوله "والذين تدعون من دونه" إلى آخر الاية, مؤكد لما تقدم إلا أنه بصيغة الخطاب وذلك بصيغة الغيبة, ولهذا قال "لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون", وقوله "وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون" كقوله تعالى: "إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم" الاية. وقوله "وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون" إنما قال "ينظرون إليك" أي يقابلونك بعيون مصورة كأنها ناظرة وهي جماد, ولهذا عاملهم معاملة من يعقل لأنها على صورة مصورة كالإنسان وتراهم ينظرون إليك, فعبر عنها بضمير من يعقل, وقال السدي: المراد بهذا المشركون, وروي عن مجاهد نحوه, والأول أولى, وهو اختيار ابن جرير, وقاله قتادة.
198- "وتراهم ينظرون إليك" جملة مبتدأة لبيان عجزهم، أو حالية: أي والحال أنك تراهم ينظرون إليك حال كونهم لا يبصرون، والمراد: الأصنام إنهم يشبهون الناظرين، ولا أعين لهم يبصرون بها، قيل: كانوا يجعلون للأصنام أعيناً من جواهر مصنوعة، فكانوا بذلك في هيئة الناظرين ولا يبصرون، وقيل المراد بذلك المشركون، أخبر الله عنهم بأنهم لا يبصرون حين لم ينتفعوا بأبصارهم، وإن أبصروا بها غير ما فيه نفعهم.
وقد أخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير قال: يجاء بالشمس والقمر حتى يلقيا بين يدي الله تعالى، ويجاء بمن كان يعبدهما، فيقال: "ادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين". وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله: "وتراهم ينظرون إليك" قال: هؤلاء المشركون. وأخرج هؤلاء أيضاً عن مجاهد في قوله: "وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون" ما يدعوهم إليه من الهدى.
198 - " وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا " ، يعني الأصنام ، " وتراهم " يا محمد " ينظرون إليك " ، يعني الأصنام ، " وهم لا يبصرون " ، وليس المراد من النظر حقيقة النظر ، إنما المراد منه : المقابلة ، تقول العرب : داري تنظر إلى دارك ، أي : تقابلها ، وقيل : وتراهم ينظرون إليك أي : كأنهم ينظرون إليك ، كقوله تعالى : " وترى الناس سكارى " ( الحج - 2 ) ، أي : كأنهم سكارى هذا قول { أكثر } المفسرين . وقال الحسن : " وإن تدعوهم إلى الهدى" يعني : المشركين لا يسمعوا ولا يفعلون ذلك بقلوبهم ، وتراهم ينظرون إليك بأعينهم وهم لا يبصرون بقلوبهم .
198. " وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون " يشبهون الناظرين إليك لأنهم صوروا بصورة من ينظر إليك إلى من يواجهه.
198. And if ye (Muslims) call them to the Guidance they hear not; and thou (Muhammad) seest them looking toward thee, but they see not.
198 - If thou callest them to guidance, they hear not. thou wilt see them looking at the but the see not.