19 - (إن هذه) الآيات المخوفة (تذكرة) عظة للخلق (فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا) طريقا بالإيمان والطاعة
يعني تعالى ذكره بقوله : إن هذه الآيات التي ذكر فيها أمر القيامة وأهوالها ، وما هو فاعل فيها بأهل الكفر تذكرة : يقول : عبرة وعظة لمن اعتبر بها واتعظ " فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا " يقول : فمن شاء من الخلق اتخذ إلى ربه طريقاً بالإيمان به ، والعمل بطاعته .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " إن هذه تذكرة " يعني القرآن " فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا " بطاعة الله .
قوله تعالى :" إن هذه تذكرة " يريد هذه السورة او الآيات عظة. وقيل : آيات القرآن، اذ هو كالسورة الواحدة. " فمن شاء اتخذ إلى ربه" أي من ارد أن يؤمن ويتخذ بذلك الى ربه " سبيلا" أي طريقا الى رضاه ورحمته فليرغب، فقد امكن له، لأنه اظهر له الحجج والدلائل . ثم قيل: نسخت بآية السيف، وكذلك قوله تعالى : " فمن شاء ذكره" [ عبس : 12] قال الثعلبي : والأشبه انه غير منسوخ.
يقول تعالى: "إن هذه" أي السورة "تذكرة" أي يتذكر بها أولو الألباب, ولهذا قال تعالى: "فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلاً" أي ممن شاء الله تعالى هدايته كما قيده في السورة الأخرى " وما تشاؤون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما " ثم قال تعالى: "إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك" أي تارة هكذا وتارة هكذا وذلك كله من غير قصد منكم ولكن لا تقدرون على المواظبة على ما أمركم به من قيام الليل لأنه يشق عليكم, ولهذا قال: " والله يقدر الليل والنهار " أي تارة يعتدلان وتارة يأخذ هذا من هذا وهذا من هذا "علم أن لن تحصوه" أي الفرض الذي أوجبه عليكم " فاقرؤوا ما تيسر من القرآن " أي من غير تحديد بوقت أي ولكن قوموا من الليل ما تيسر, وعبر عن الصلاة بالقراءة كما قال في سورة سبحان "ولا تجهر بصلاتك" أي بقراءتك "ولا تخافت بها" وقد استدل أصحاب الإمام أبي حنيفة رحمه الله بهذه الاية وهي قوله: " فاقرؤوا ما تيسر من القرآن " على أنه لا يجب تعين قراءة الفاتحة في الصلاة بل لو قرأ بها أو بغيرها من القرآن ولو بآية, أجزأه واعتضدوا بحديث المسيء صلاته الذي في الصحيحين "ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن" وقد أجابهم الجمهور بحديث عبادة بن الصامت وهو في الصحيحين أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب", وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كل صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج فهي خداج فهي خداج غير تمام" وفي صحيح ابن خزيمة عن أبي هريرة مرفوعاً "لا تجزىء صلاة من لم يقرأ بأم القرآن".
وقوله تعالى: "علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله" أي علم أن سيكون من هذه الأمة ذوو أعذار في ترك قيام الليل من مرضى لا يستطيعون ذلك, ومسافرين في الأرض يبتغون من فضل الله في المكاسب والمتاجر, وآخرين مشغولين بما هو الأهم في حقهم من الغزو في سبيل الله, وهذه الاية بل السورة كلها مكية ولم يكن القتال شرع بعد, فهي من أكبر دلائل النبوة لأنه من باب الإخبار بالمغيبات المستقبلة, ولهذا قال تعالى: " فاقرؤوا ما تيسر منه " أي قوموا بما تيسر عليكم منه. قال ابن جرير : حدثنا يعقوب , حدثنا ابن علية عن أبي رجاء محمد , قال: قلت للحسن : يا أبا سعيد ما تقول في رجل قد استظهر القرآن كله عن ظهر قلبه ولا يقوم به إنما يصلي المكتوبة, قال يتوسد القرآن لعن الله ذاك, قال الله تعالى للعبد الصالح "وإنه لذو علم لما علمناه" "وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم" قلت: يا أبا سعيد , قال الله تعالى: " فاقرؤوا ما تيسر من القرآن " قال نعم ولو خمس آيات, وهذا ظاهر من مذهب الحسن البصري أنه كان يرى حقاً واجباً على حملة القرآن أن يقوموا ولو بشيء منه في الليل, ولهذا جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن رجل نام حتى أصبح, فقال: "ذاك رجل بال الشيطان في أذنه" فقيل معناه نام عن المكتوبة, وقيل عن قيام الليل: وفي السنن "أوتروا يا أهل القرآن" وفي الحديث الاخر "من لم يوتر فليس منا" وأغرب من هذا ما حكي عن أبي بكر بن عبد العزيز من الحنابلة من إيجابه قيام شهر رمضان, فالله أعلم.
وقال الطبراني : حدثنا أحمد بن سعيد فرقد الحدرد حدثنا أبو محمد بن يوسف الزبيدي , حدثنا عبد الرحمن عن محمد بن عبد الله بن طاوس من ولد طاوس , عن أبيه عن طاوس , عن ابن عباس , عن النبي صلى الله عليه وسلم " فاقرؤوا ما تيسر منه " قال: "مائة آية" وهذا حديث غريب جداً لم أره إلا في معجم الطبراني رحمه الله تعالى. وقوله تعالى: "وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة" أي أقيموا صلاتكم الواجبة عليكم وآتوا الزكاة المفروضة, وهذا يدل لمن قال إن فرض الزكاة نزل بمكة لكن مقادير النصب والمخرج لم تبين إلا بالمدينة والله أعلم. وقد قال ابن عباس وعكرمة ومجاهد والحسن وقتادة وغير واحد من السلف: إن هذه الاية نسخت الذي كان الله قد أوجبه على المسلمين أولاً من قيام الليل, واختلفوا في المدة التي بينهما على أقوال كما تقدم, وقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لذلك الرجل: "خمس صلوات في اليوم والليلة" قال: هل علي غيرها ؟ قال: "لا إلا أن تطوع".
وقوله تعالى: "وأقرضوا الله قرضاً حسناً" يعني من الصدقات, فإن الله يجازي على ذلك أحسن الجزاء وأوفره, كما قال تعالى: "من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة" وقوله تعالى: "وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيراً وأعظم أجراً" أي جميع ما تقدموه بين أيديكم فهو لكم حاصل وهو خير مما أبقيتموه لأنفسكم في الدنيا. وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا أبو خيثمة حدثنا جرير عن الأعمش عن إبراهيم عن الحارث بن سويد قال: قال عبد الله : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيكم ماله أحب إليه من مال وارثه ؟ قالوا: يا رسول الله ما منا من أحد إلا ماله أحب إليه من مال وارثه قال: اعلموا ما تقولون قالوا: ما نعلم إلا ذلك يا رسول الله ؟ قال: إنما مال أحدكم ما قدم ومال وارثه ما أخر" ورواه البخاري من حديث حفص بن غياث والنسائي من طريق أبي معاوية كلاهما عن الأعمش به, ثم قال تعالى: "واستغفروا الله إن الله غفور رحيم" أي أكثروا من ذكره واستغفاره في أموركم كلها فإنه غفور رحيم لمن استغفره, آخر تفسير سورة المزمل, ولله الحمد والمنة.
الإشارة بقوله: 19- "إن هذه" إلى ما تقدم من الآيات، والتذكرة الموعظة، والإشارة إلى جميع آيات القرآن، إلى ما في هذه السورة فقط "فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلاً" أي اتخذ بالطاعة التي أهم أنواعها التوحيد إلى ربه طريقاً توصله إلى الجنة.
19- "إن هذه"، أي: آيات القرآن "تذكرة"، تذكير وموعظة، "فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلاً"، بالإيمان والطاعة.
19-" إن هذه " أي الآيات الموعدة ." تذكرةً " عظة ." فمن شاء " أن يتعظ . " اتخذ إلى ربه سبيلاً " أي يتقرب إليه بسلوك التقوى .
19. Lo! This is a Reminder. Let him who will, then, choose a way unto his Lord.
19 - Verily this is an Admonition: therefore, who so will, let him take a (straight) path to his Lord!