19 - (فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول) خطابا لجماعته لما سر به (هاؤم) خذوا (اقرؤوا كتابيه) تنازع فيه هاؤم اقرؤوا
يقول تعالى ذكره : فأما من أعطي كتاب أعماله بيمينه ، فيقول تعالى " اقرؤوا كتابيه " .
كما حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله " هاؤم اقرؤوا كتابيه " قال : تعالوا .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : كان بعض أهل العلم يقول : وجدت أكيس الناس من قال : " هاؤم اقرؤوا كتابيه " .
قوله تعالى:" فأما من أوتي كتابه بيمينه" إعطاء الكتاب باليمين دليل على النجاة. وقال ابن عباس: أول من يعطي كتابه بيمينه من هذه الأمة عمر بن الخطاب، وله شعاع كشعاع الشمس. قيل له: فأين أبو بكر ؟ فقال هيهات هيهات !! زفته الملائكة إلى الجنة. ذكره الثعلبي. وقد ذكرناه مرفوعاً من حيث زيد بن ثابت بلفظه ومعناه في كتاب التذكرة. والحمد لله. " فيقول هاؤم اقرؤوا كتابيه " أي يقول ذلك ثقة بالإسلام وسروراً بنجاته، لأن اليمين عند العرب من دلائل الفرح، والشمال من دلائل الغم. قال الشاعر:
أبينـي أفـي يديدك جعلتنـي فأفـرح أم صيرتنـي فـي شمـالك
ومعنى: هأؤم تعالوا، قاله ابن زيد. وقال مقاتل: هلم. وقيل: أي خذوا، ومنه الخبر في الربا إلا هاء وهاء أي يقول كل واحد لصاحبه: خذ. قال ابن السكيت والكسائي: العرب تقول هاء يا رجل اقرأ، وللاثنين هاؤما يا رجلان، وهاؤم يا رجال، وللمرأة هاء بكسر الهمزة وهاؤما وهاؤمن. والأصل هاكم فأبدت الهمزة من الكاف، قاله القتيبي. وقيل: إن هاؤم كلمة وضعت لإجابة الداعي عند النشاط والفرح. روي: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ناداه أعرابي بصوت عال فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم هاؤم يطول صوته". وكتابيه منصوب بـ هاؤم عند الكوفيين. وعند البصريين بـ قرءوا لأنه أقرب العاملين. والأصل كتابي فأدخلت الهاء لتبين فتحة الياء، وكان الهاء للوقف، وكذلك في أخواته: حسابيه، وماليه، وسلطانيه وفي القارعة ماهيه. وقراءة العامة بالهاء فيهن في الوقف والوصل معاً، لأنهن وقعن في المصحف بالهاء فلا تترك. واختاء أبو عبيد أن بتعمد الوقف عليها ليوافق اللغة في إلحاق الهاء في السكت ويوافق الخط. وقرأ ابن محيصن ومجاهد وحميد ويعقوب بحذف الهاء في الوصل وإثباتها في الوقف فيهن جمع. ووافقهم حمزة في ماليه وسلطانيه، وماهيه في القارعة. وجملة هذه الحروف سبعة. واختار أبو حاتم قراءة يعقوب ومن معه اتباعاً للغة. ومن قرأهن في الوصل بالهاء على نية الوقف.
يخبر تعالى عن سعادة من يؤتى كتابه يوم القيامة بيمينه وفرحه بذلك, وأنه من شدة فرحه يقول لكل من لقيه " هاؤم اقرؤوا كتابيه " أي خذوا اقرءا كتابيه لأنه يعلم أن الذي فيه خير وحسنات محضة, لأنه ممن بدل الله سيئاته حسنات. قال عبد الرحمن بن زيد : معنى " هاؤم اقرؤوا كتابيه " أي هااقرءوا كتابيه وؤم زائدة كذا قال, والظاهر أنها بمعنى هاكم.
وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا بشر بن مطر الواسطي , حدثنا يزيد بن هارون , أخبرنا عاصم الأحول عن أبي عثمان قال: المؤمن يعطى كتابه بيمينه في ستر من الله فيقرأ سيئاته, فكلما قرأ سيئة تغير لونه حتى يمر بحسناته فيقرؤها فيرجع إليه لونه, ثم ينظر فإذا سيئاته قد بدلت حسنات, قال: فعند ذلك يقول: هاؤم اقرءوا كتابيه. وحدثنا أبي , حدثنا إبراهيم بن الوليد بن سلمة , حدثنا روح بن عبادة , حدثنا موسى بن عبيدة , أخبرني عبد الله بن عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة قال: إن الله يوقف عبده يوم القيامة فيبدي أي يظهر سيئاته في ظهر صحيفته فيقول له أنت عملت هذا, فيقول نعم أي رب, فيقول له إني لم أفضحك به وإني قد غفرت لك فيقول عند ذلك هاؤم اقرءوا كتابيه "إني ظننت أني ملاق حسابيه" حين نجا من فضيحته يوم القيامة.
وقد تقدم في الصحيح حديث ابن عمر حين سئل عن النجوى فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يدني الله العبد يوم القيامة فيقرره بذنوبه كلها حتى إذا رأى أنه قد هلك قال الله تعالى إني سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم, ثم يعطى كتاب حسناته بيمينه, وأما الكافر والمنافق فيقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين" وقوله تعالى: "إني ظننت أني ملاق حسابيه" أي قد كنت موقناً في الدنيا أن هذا اليوم كائن لا محالة كما قال تعالى: " الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم " قال الله تعالى: "فهو في عيشة راضية" أي مرضية "في جنة عالية" أي رفيعة قصورها, حسان حورها, نعيمة دورها, دائم حبورها.
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا أبو عتبة الحسن بن علي بن مسلم السكوني , حدثنا إسماعيل بن عياش عن سعيد بن يوسف عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلام الأسود قال: سمعت أبا أمامة قال: " سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل يتزاور أهل الجنة ؟ قال : نعم إنه ليهبط أهل الدرجة العليا إلى أهل الدرجة السفلى فيحيونهم ويسلمون عليهم, ولا يستطيع أهل الدرجة السفلى يصعدون إلى الأعلين تقصر بهم أعمالهم". وقد ثبت في الصحيح "إن الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض". وقوله تعالى: "قطوفها دانية" قال البراء بن عازب : أي قريبة يتناولها أحدهم وهو نائم على سريره, وكذا قال غير واحد.
قال الطبراني عن عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن عطاء بن يسار عن سلمان الفارسي قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يدخل أحد الجنة إلا بجواز: بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من الله لفلان بن فلان أدخلوه جنة عالية قطوفها دانية" وكذا رواه الضياء في صفة الجنة من طريق سعدان بن سعيد عن سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي , عن سلمان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يعطى المؤمن جوازاً على الصراط: بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من الله العزيز الحكيم لفلان أدخلوه جنة عالية قطوفها دانية" وقوله تعالى: "كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية" أي يقال لهم ذلك تفضلاً عليهم وامتناناً وإنعاماً وإحساناً, وإلا فقد ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اعملوا وسددوا وقاربوا واعلموا أن أحداً منكم لن يدخله عمله الجنة قالوا: ولا أنت يا رسول الله ؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل".
لما ذكر سبحانه العرض ذكر ما يكون فيه، فقال: 19- "فأما من أوتي كتابه بيمينه" أي أعطي كتابه الذي كتبته الحفظة عليه من أعماله " فيقول هاؤم اقرؤوا كتابيه " يقول ذلك سروراً وابتهاجاً. قال ابن السكيت والكسائي: العرب تقول: ها يا رجل، وللاثنين هاؤما يا رجلان، وللجمع هاؤم يا رجال، قيل والأصل هاؤكم، فأبدلت الهمزة من الكاف، قال ابن زيد: ومعنى هاؤم تعالوا. وقال مقاتل: هلم، وقيل خذوا، فهي اسم فعل، وقد يكون فعلاً صريحاً لاتصال الضمائر البارزة المرفوعة بها، وفيها ثلاث لغات كما هو معروف في علم الإعراب، وقوله: كتابيه معمول لقوله: اقرأوا لأنه أقرب الفعلين، ومعمول هاؤم محذوف يدل عليه معمول اقرأوا والتقدير: هاؤم كتابيه اقرأوا كتابيه، والهاء في كتابيه وحسابيه وسلطانيه وماليه هي هاء السكت. قرأ الجمهور في هذه بإثبات الهاء وقفاً ووصلاً مطابقة لرسم المصحف، ولولا ذلك لحذفت في الوصل كما هو شأن هاء السكت، واختار أبو عبيد أن يتعمد الوقف عليها ليوافق اللغة في إلحاق الهاء في السكت ويوافق الخط، يعني خط المصحف. وقرأ ابن محيصن وابن أبي إسحاق وحميد ومجاهد والأعمش ويعقوب بحذفها وصلاً وإثباتاً وقفاً في جميع هذه الألفاظ. ورويت هذه القراءة عن حمزة، واختار أبو حاتم هذه القراءة اتباعاً للغة. وروي عن ابن محيصن أنه قرأ بحذفها وصلاً ووقفاً.
وذلك قوله عز وجل: 19- " فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرؤوا كتابيه "، تعالوا اقرؤوا كتابيه، الهاء في كتابيه هاء الوقف.
19-" فأما من أوتي كتابه بيمينه " تفصيل للعرض . " فيقول " تبجحاً . " هاؤم اقرؤوا كتابيه " هاء اسم لخذ ، وفيه لغات أجودها هاء يا رجل وهاء يا امرأة وهاؤما يا رجلان أو امرأتان ،وقاؤم يا رجال وهاؤن يا نسوة ومفعوله محذوف و " كتابه " مفعول " اقرؤوا " لأنه أقرب العاملين ،ولأنه لو كان مفعول " هاؤم " لقيل اقرؤوه إذ الأولى اضماره حيث أمكن ، والهاء فيه وفي " حسابيه " و " ماليه " و " سلطانيه " للسكت تثبيت في الوقف وتسقط في الوصل و استحب الوقف لثباتها في الإمام ولذلك قرئ بإثباتها في الوصل .
19. Then, as for him who is given his record in his right hand, he will say: Take, read my book!
19 - Then he that will be given his Record in his right hand will say: Ah here! Read ye my Record!