19 - (الذين يصدون عن سبيل الله) دين الإسلام (ويبغونها) يطلبون السبيل (عوجاً) معوجة (وهم بالآخرة هم) تأكيد (كافرون)
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : ألا لعنة الله على الظالمين الذين يصدون الناس عن الإيمان به ، والإقرار له بالعبودة ، وإخلاص العبادة له دون الآلهة والأنداد ، من مشركي قريش ، وهم الذين كانوا يفتنون عن الإسلام من دخل فيه ، "ويبغونها عوجا" ، يقول : ويلتمسون سبيل الله ، وهو الإسلام الذي دعا الناس إليه محمد ، يقول : زيغاً وميلاً عن الاستقامة ، "وهم بالآخرة هم كافرون" ، يقول : وهم بالبعث بعد الممات ، مع صدهم عن سبيل الله ، وبغيهم إياها عوجاً ، "كافرون" ، يقول : هم جاحدون ذلك منكرون .
قوله تعالى: " الذين يصدون عن سبيل الله " يجوز أن تكون ( الذين) في موضع خفض نعتاً للظالمين، ويجوز أن تكون في موضع رفع، أي هم الذين. وقيل: هو ابتداء خطاب من الله تعالى، أي هم الذين يصدقون أنفسهم وغيرهم عن الإيمان والطاعة. " ويبغونها عوجا " أي يعدلون بالناس عنها إلى المعاصي والشرك. " وهم بالآخرة هم كافرون " أعاد لفظ ( هم) تأكيداً.
يبين تعالى حال المفترين عليه وفضيحتهم في الدار الاخرة على رؤوس الخلائق من الملائكة والرسل والأنبياء وسائر البشر والجان كما قال الإمام أحمد حدثنا بهز وعفان أخبرنا همام حدثنا قتادة عن صفوان بن محرز قال: كنت آخذاً بيد ابن عمر إذ عرض له رجل قال: كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى يوم القيامة ؟ قال: سمعته يقول: "إن الله عز وجل يدني المؤمن فيضع عليه كنفه ويستره من الناس ويقرره بذنوبه ويقول له: أتعرف ذنب كذا ؟ أتعرف ذنب كذا ؟ أتعرف ذنب كذا ؟ حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنه قد هلك قال: فإني قد سترتها عليك في الدنيا وإني أغفرها لك اليوم" ثم يعطى كتاب حسناته, وأما الكفار والمنافقون فيقول: "الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين" الاية أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث قتادة به وقوله: "الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً" أي يردون الناس عن اتباع الحق وسلوك طريق الهدى الموصلة إلى الله عز وجل ويجنبونهم الجنة "ويبغونها عوجاً" أي ويريدون أن يكون طريقهم عوجاً غير معتدلة " وهم بالآخرة هم كافرون " أي جاحدون بها مكذبون بوقوعها وكونها "أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض وما كان لهم من دون الله من أولياء" أي بل كانوا تحت قهره وغلبته وفي قبضته وسلطانه وهو قادر على الانتقام منهم في الدار الدنيا قبل الاخرة "إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار".
وفي الصحيحين "إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته" ولهذا قال تعالى: "يضاعف لهم العذاب" الاية أي يضاعف عليهم العذاب, وذلك أن الله تعالى جعل لهم سمعاً وأبصاراً وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم بل كانوا صماً عن سماع الحق عمياً عن اتباعه كما أخبر تعالى عنهم حين دخولهم النار كقوله: "وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير" وقال تعالى: "الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذاباً فوق العذاب" الاية, ولهذا يعذبون على كل أمر تركوه وعلى كل نهي ارتكبوه ولهذا كان أصح الأقوال أنهم مكلفون بفروع الشرائع أمرها ونهيها بالنسبة إلى الدار الاخرة وقوله: "أولئك الذين خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون" أي خسروا أنفسهم لأنهم أدخلوا ناراً حامية فهم معذبون فيها لا يفتر عنهم من عذابها طرفة عين كما قال تعالى: "كلما خبت زدناهم سعيراً" " وضل عنهم " أي ذهب عنهم "ما كانوا يفترون" من دون الله من الأنداد والأصنام فلم تجد عنهم شيئاً بل ضرتهم كل الضرر كما قال تعالى: "وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين".
وقال تعالى: " واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا * كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا " وقال الخليل لقومه "إنما اتخذتم من دون الله أوثاناً مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضاً ومأواكم النار وما لكم من ناصرين" وقوله: "إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب" إلى غير ذلك من الايات الدالة على خسرهم ودمارهم ولهذا قال: " لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون " يخبر تعالى عن مآلهم أنهم أخسر الناس صفقة في الدار الاخرة لأنهم استبدلوا الدركات عن الدرجات, واعتاضوا عن نعيم الجنان بحميم آن وعن شرب الرحيق المختوم بسموم وحميم وظل من يحموم وعن الحور العين بطعام من غسلين وعن القصور العالية بالهاوية, وعن قرب الرحمن, ورؤيته بغضب الديان وعقوبته, فلا جرم أنهم في الاخرة هم الأخسرون.
ثم وصف هؤلاء الظالمين الذين لعنوا بأنهم 19- "الذين يصدون عن سبيل" أي يمنعون من قدروا على منعه عن دين الله والدخول فيه "ويبغونها عوجاً" أي يصفونها بالاعوجاج تنفيراً للناس عنها، أو يبغون أهلها أن يكونوا معوجين بالخروج عنها إلى الكفر، يقال بغيتك شراً: أي طلبته لك "و" الحال أنـ " وهم بالآخرة هم كافرون " أي يصفونها بالمعوج، والحال أنهم بالآخرة غير مصدقين فكيف يصدون الناس عن طريق الحق وهم على الباطل البحت؟ وتكرير الضمير لتأكيد كفرهم واختصاصهم به، حتى كأن كفر غيرهم غير معتد به بالنسبة إلى عظيم كفرهم.
19-"الذين يصدون عن سبيل الله"، يمنعون عن دين الله، "ويبغونها عوجاً وهم بالآخرة هم كافرون".
19."الذين يصدون عن سبيل الله "عن دينه."ويبغونها عوجاً"يصفونها بالانحراف عن الحق والصواب أو يبغون أهلها أن يعوجوا بالردة ."وهم بالآخرة هم كافرون" والحال أنهم كافرون بالآخرة وتكريرهم لتأكيد كفرهم واختصاصهم به.
19. Who debar (men) from the way of Allah and would have it crooked, and who are disbelievers in the Hereafter.
19 - Those who would hinder (men) from the path of God and would seek in it something crooked: these were they who denied the hereafter