18 - (إن هذا) إفلاح من تزكى وكون الآخرة خير (لفي الصحف الأولى) المنزلة قبل القرآن
وقوله : " إن هذا لفي الصحف الأولى " اختلف أهل التأويل في الذي أشير إليه بقوله هذا ، فقال بعضهم : أشير به إلى الآيات التي في ( سبح اسم ربك الأعلى ) .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن أبيه ، عن عكرمة " إن هذا لفي الصحف الأولى * صحف إبراهيم وموسى " يقول : الآيات التي في سبح اسم ربك الأعلى .
وقال آخرون : قصة هذه السورة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية " إن هذا لفي الصحف الأولى * صحف إبراهيم وموسى " قال : قصة هذه السورة لفي الصحف الأولى .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : إن هذا الذي قص الله تعالى في هذه السورة " لفي الصحف الأولى " .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله " إن هذا لفي الصحف الأولى " قال : إن هذا الذي قص الله في هذا السورة ، لفي الصحف الأولى " صحف إبراهيم وموسى " .
وقال آخرون : بل عني بذلك أن قوله " والآخرة خير وأبقى " في الصحف الأولى .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " إن هذا لفي الصحف الأولى " قال : تتابعت كتب الله كما تسمعون ، أن الآخرة خير وأبقى .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " إن هذا لفي الصحف الأولى * صحف إبراهيم وموسى " قال : في الصحف التي أنزلها الله على إبراهيم وموسى : أن الآخرة خير من الأولى .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ، قول من قال : إن قوله " قد أفلح من تزكى * وذكر اسم ربه فصلى * بل تؤثرون الحياة الدنيا * والآخرة خير وأبقى " : لفي الصحف الأولى ، صحف إبراهيم خليل الرحمن ، وصحف موسى بن عمران .
وإنما قلت : ذلك أولى بالصحة من غيره ، لأن هذا إشارة إلى حاضر ، فلأن يكون إشارة إلى ما قرب منها ، أولى من أن يكون إشارة إلى غيره ، وأما الصحف : فإنها جمع صحيفة ، وإنما عني بها : كتب إبراهيم وموسى .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، عن أبي الخلد ، قال : نزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان ، وأنزلت التوراة لست ليال خلون من رمضان ، وأنزل الزبور لاثنتي عشرة ليلة ، وأنزل الإنجيل لثماني عشرة ، وأنزل الفرقان لأربع وعشرين .
قوله تعالى:" إن هذا لفي الصحف الأولى" قال قتادة وابن زيد: يريد قوله: " والآخرة خير وأبقى". وقالا: تتابعت كتب الله جل ثناؤه- كما تسمعون- أن الآخرة خير وأبقى من الدنيا. وقال الحسن: (إن هذا لفي الصحف الأولى)قال: كتب الله جل ثناؤه كلها. الكلبي: " إن هذا لفي الصحف الأولى" من قوله :(قد أفلح)إلى آخر السورة، لحديث أبي ذر على ما يأتي. وروى عكرمة عن ابن عباس: (إن هذا لفي الصحف الأولى) قال: هذه السورة. وقال والضحاك: إن هذا القرآن لفي الصحف الأولى، أي الكتب الأولى.
يقول تعالى: "قد أفلح من تزكى" أي طهر نفسه من الأخلاق الرذيلة وتابع ما أنزل الله على الرسول صلوات الله وسلامه عليه "وذكر اسم ربه فصلى" أي أقام الصلاة في أوقاتها ابتغاء رضوان الله وطاعة لأمر الله وامتثالاً لشرع الله. وقد قال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا عباد بن أحمد العزرمي , حدثنا عمي محمد بن عبد الرحمن عن أبيه عن عطاء بن السائب , عن عبد الرحمن بن سابط عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قد أفلح من تزكى" قال: "من شهد أن لا إله إلا الله وخلع الأنداد وشهد أني رسول الله" "وذكر اسم ربه فصلى" قال: "هي الصلوات الخمس والمحافظة عليها والاهتمام بها" ثم قال: لا يروى عن جابر إلا من هذا الوجه, وكذا قال ابن عباس : إن المراد بذلك الصلوات الخمس, واختاره ابن جرير .
وقال ابن جرير : حدثني عمرو بن عبد الحميد الاملي , حدثنا مروان بن معاوية عن أبي خلدة قال: دخلت على أبي العالية فقال لي: إذا غدوت غداً إلى العيد فمر بي, قال: فمررت به فقال: هل طعمت شيئاً ؟ قلت: نعم. قال: أفضت على نفسك من الماء ؟ قلت: نعم. قال: فأخبرني ما فعلت زكاتك! قلت: قد وجهتها قال: إنما أردتك لهذا ثم قرأ "قد أفلح من تزكى * وذكر اسم ربه فصلى" وقال: إن أهل المدينة لا يرون صدقة أفضل منها ومن سقاية الماء (قلت): وقد روينا عن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز أنه كان يأمر الناس بإخراج صدقة الفطر ويتلو هذه الاية "قد أفلح من تزكى * وذكر اسم ربه فصلى" وقال أبو الأحوص : إذا أتى أحدكم سائل وهو يريد الصلاة فليقدم بين يدي صلاته فإن الله تعالى يقول: "قد أفلح من تزكى * وذكر اسم ربه فصلى" وقال قتادة في هذه الاية "قد أفلح من تزكى * وذكر اسم ربه فصلى" زكى ماله وأرضى خالقه.
ثم قال تعالى: "بل تؤثرون الحياة الدنيا" أي تقدمونها على أمر الاخرة وتبدونها على ما فيه نفعكم وصلاحكم في معاشكم ومعادكم " والآخرة خير وأبقى " أي ثواب الله في الدار الاخرة خير من الدنيا وأبقى, فإن الدنيا دنية فانية والاخرة شريفة باقية, فكيف يؤثر عاقل ما يفنى على ما يبقى ويهتم بما يزول عنه قريباً ويترك الاهتمام بدار البقاء والخلد. قال الإمام أحمد : حدثنا حسين بن محمد , حدثنا ذويد عن أبي إسحاق عن عروة عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدنيا دار من لا دار له, ومال من لا مال له, ولها يجمع من لا عقل له" وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد , حدثنا يحيى بن واضح , حدثنا أبو حمزة عن عطاء عن عرفجة الثقفي قال استقرأت ابن مسعود " سبح اسم ربك الأعلى * الذي خلق فسوى * والذي قدر فهدى * والذي أخرج المرعى * فجعله غثاء أحوى " إلى قوله " بل تؤثرون الحياة الدنيا " ترك القراءة وأقبل على أصحابه وقال: آثرنا الدنيا على الاخرة, فسكت القوم فقال: آثرنا الدنيا لأنا رأينا زينتها ونساءها وطعامها وشرابها, وزويت عنا الاخرة فاخترنا هذا العاجل وتركنا الاجل, وهذا منه على وجه التواضع والهضم أو هو إخبار عن الجنس من حيث هو والله أعلم.
وقد قال الإمام أحمد : حدثنا سليمان بن داود الهاشمي , حدثنا إسماعيل بن جعفر , أخبرني عمرو بن أبي عمرو عن المطلب بن عبد الله عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أحب دنياه أضر بآخرته, ومن أحب آخرته أضر بدنياه فآثروا ما يبقى على ما يفنى" تفرد به أحمد , وقد رواه أيضاً عن أبي سلمة الخزاعي عن الدراوردي عن عمرو بن أبي عمرو به مثله سواء, وقوله تعالى: "إن هذا لفي الصحف الأولى * صحف إبراهيم وموسى" قال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا نصر بن علي , حدثنا معتمر بن سليمان عن أبيه عن عطاء بن السائب عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما نزلت "إن هذا لفي الصحف الأولى * صحف إبراهيم وموسى" قال النبي صلى الله عليه وسلم: "كان كل هذا ـ أو كان هذا ـ في صحف إبراهيم وموسى" ثم قال: لا نعلم أسند الثقات عن عطاء بن السائب عن عكرمة عن ابن عباس غير هذا, وحديثاً آخر رواه مثل هذا.
وقال النسائي أخبرنا زكريا بن يحيى , أخبرنا نصر بن علي , حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه , عن عطاء بن السائب عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما نزلت "سبح اسم ربك الأعلى" قال: كلها في صحف إبراهيم وموسى, ولما نزلت "وإبراهيم الذي وفى" قال: وفى إبراهيم " ألا تزر وازرة وزر أخرى " يعني أن هذه الاية كقوله تعالى في سورة النجم " أم لم ينبأ بما في صحف موسى * وإبراهيم الذي وفى * ألا تزر وازرة وزر أخرى * وأن ليس للإنسان إلا ما سعى * وأن سعيه سوف يرى * ثم يجزاه الجزاء الأوفى * وأن إلى ربك المنتهى " الايات إلى آخرهن, وهكذا قال عكرمة فيما رواه ابن جرير عن ابن حميد عن مهران عن سفيان الثوري عن أبيه عن عكرمة في قوله تعالى: "إن هذا لفي الصحف الأولى * صحف إبراهيم وموسى" يقول: الايات التي في سبح اسم ربك الأعلى, وقال أبو العالية : قصة هذه السورة في الصحف الأولى, واختار ابن جرير أن المراد بقوله: إن هذا إشارة إلى قوله: " قد أفلح من تزكى * وذكر اسم ربه فصلى * بل تؤثرون الحياة الدنيا * والآخرة خير وأبقى " ثم قال تعالى: "إن هذا" أي مضمون هذا الكلام "لفي الصحف الأولى * صحف إبراهيم وموسى" وهذا الذي اختاره حسن قوي, وقد روي عن قتادة وابن زيد نحوه, والله أعلم, آخر تفسير سورة سبح, ولله الحمد والمنة وبه التوفيق والعصمة.
والإشارة بقوله: 18- "إن هذا" إلى ما تقدم من فلاح مت تزكى وما بعده، وقيل إنه إشارة إلى جميع السورة، ومعنى "لفي الصحف الأولى" أي ثابت فيها.
18- "إن هذا"، يعني ما ذكر من قوله: "قد أفلح من تزكى" إلى تمام أربع آيات، "لفي الصحف الأولى"، أي في الكتب الأولى التي أنزلت من قبل القرآن، ذكر فيها فلاح المتزكي والمصلي، وإيثار الخلق الحياة الدنيا على الآخرة، وأن الآخرة خير وأبقى.
18-" إن هذا لفي الصحف الأولى " الإشارة إلى ما سبق من " قد أفلح " فإنه جامع أمر الديانة وخلاصة الكتب المنزلة .
18. Lo! This is in the former scrolls,
18 - And this is in the Books of the earliest (Revelations),