18 - (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب) حافظ (عتيد) حاضرر وكل منهما بمعنى المثنى
وقوله " ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد " يقول تعالى ذكره : ما يلفظ الإنسان من قول فيتكلم به ، إلا عندما يلفظ به من قول رقيب عتيد ، يعني حفظ يحفظه ، عتيد معد .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار قال : ثنا عبد الرحمن قال : ثنا سفيان عن منصور عن مجاهد " عن اليمين وعن الشمال قعيد " قال : عن اليمين الذي يكتب الحسنات ، وعن الشمال الذي يكتب السيئات .
حدثنا ابن بشار قال : ثنا عبد الرحمن قال : ثنا سفيان عن الأعمش عن إبراهيم التيمي في قوله " إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد " قال : صاحب اليمين أمير أو أمين على صاحب الشمال ، فإذا عمل العبد سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال : أمسك ! لعله يتوب .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا حكام قال : ثنا عمرو عن منصور عن مجاهد " إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد " قال : ملك عن يمينه ، وآخر عن يساره ، فأما الذي عن يمينه فيكتب الخير ، وأما الذي عن شماله فيكتب الشر .
قال : ثنا جرير عن منصور عن مجاهد قال : مع كل إنسان ملكان : ملك عن يمينه ، وملك عن يساره ، قال : فأما الذي عن يمينه ، فيكتب الخير ، وأما الذي عن يساره فيكتب الشر .
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي عن أبيه ، عن ابن عباس قوله " ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه " ... إلى " عتيد " قال : جعل الله على ابن آدم حافظين في الليل ، وحافظين في النهار ، يحفظان عليه عمله ، ويكتبان أثره .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة قوله : " إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد " حتى بلغ " عتيد " قال الحسن و قتادة " ما يلفظ من قول " أي ما يتكلم به من شيء إلا كتب عليه . وكان عكرمة يقول : إنما ذلك في الخير والشر يكتبان عليه .
حدثنا ابن عبد الاعلى قال : ثنا ابن ثور عن معمر عن قتادة قال : تلا الحسن " عن اليمين وعن الشمال قعيد " قال : فقال : يا ابن آدم بسطت لك صحيفة ، ووكل بك ملكان كريمان ، أحدهما عن يمينك ، والآخر عن شمالك ، فأما الذي عن يمينك فيحفظ حسناتك ، وأما الذي عن شمالك فيحفظ سيئاتك ، فاعمل بما شئت أقلل أو أكثر ، حتى إذا مت طويت صحيفتك ، فجعلت في عنقك معك في قبرك ، حتى تخرج يوم القيامة ، فعند ذلك يقول : ( وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ) ... حتى بلغ ( حسيبا ) عدل والله عليك من جعلك حسيب نفسك .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران عن سفيان عن منصور عن مجاهد " عن اليمين وعن الشمال قعيد " قال : كاتب الحسنات عن يمينه ، وكاتب السيئات عن شماله .
قال : ثنا مهران عن سفيان قال : بلغني أن كاتب الحسنات أمير على كاتب السيئات ، فإذا أذنب قال له : لا تعجل ! لعله يستغفر .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله " ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد" قال : جعل معه من يكتب كل ما لفظ به ، وهو معه رقيب .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرني عمرو بن الحارث عن هشام الحمصي ، أنه بلغه أن الرجل إذا عمل سيئة قال كاتب اليمين لصاحب الشمال : اكتب ، فيقول : لا بل أنت اكتب ، فيمتنعان ، فينادي مناد : يا صاحب الشمال اكتب ما ترك صاحب اليمين .
قوله تعالى" ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد " أي ما يتكلم بشيء إلا كتب عليه مأخوذ من لفظ الطعام وهو إخراجه من الفم . وفي الرقيب ثلاثة أوجه : أحدها أنه المتبع للأمور . الثاني أنه الحافظ ، قاله السدي الثالث أنه الشاهد قاله الضحاك وفي العتيد وجهان : أحدهما أنه الحاضر الذي لا يغيب الثاني أنه الحافظ المعد إما للحفظ وإما للشهادة قال الجوهري العتيد الشيء الحاضر المهيأ وقد عتده تعتيدا وأعتده إعتادا أي أعده ليوم ومنه قوله تعالى " و أعتدت لهن متكئا " وفرس عتد وعتد بفتح التاء وكسرها المعد للجري .
قلت وكله يرجع إلى معنى الحضور ومنه قول الشاعر :
لئن كنت مني في العيان مغيبا فذكرك عندي في الفؤاد عتيد
قال أبو الجوزاء ومجاهد يكتب على الإنسان كل شيء حتى الأنين في مرضه . وقال عكرمةلا يكتب إلا ما يؤجر به أو يؤزر عليه . وقيل : يكتب عليه كل ما يتكلم به فإذا كان آخر النهار محي عنه ما كان مباحا نحو انطلق اقعد كل مما لا يتعلق به أجر ولا وزر والله أعلم و"روي عن أبي هريرة وأنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من حافظين يرفعان إلى الله ما حفظا فيرى الله في أول الصحيفة خيرا وفي آخرها خيرا إلا قال الله تعالى لملائكته : اشهدوا أني قد غفرت لعبدي ما بين طرفي الصحيفة " وقال علي رضي الله عنه إن لله ملائكة معهم صحف بيض فأملوا في أولها وفي آخرها خيرا يغفر لكم ما بين ذلك . و"أخرج أبو نعيم الحافظ قال حدثنا أبو طاهر محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق بن خزيمة قال حدثنا جدي محمد بن إسحاق قال حدثنا محمد بن موسى الحرشي قال حدثنا سهيل بن عبد الله قال سمعت الأعمش يحدث عن زيد بن وهب عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الحافظين إذا نزلا على العبد أو الأمة معهما كتاب مختوم فيكتبان ما يلفظ به العبد أو الأمة فإذا أرادا أن ينهضا قال أحدهما للآخر فك الكتاب المختوم الذي معك فيفكه له فإذا فيه ما كتب سواء فذلك قوله تعالى " ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد " "غريب من حديث الأعمش عن زيد لم يروه عنه إلا سهيل . و"روي من حديث أنس أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله وكل بعبده ملكين يكتبان عمله فإذا مات قالا ربنا قد مات فلان فأذن لنا أن نصعد إلى السماء فيقول الله تعالى إن سماواتي مملوءة من ملائكتي يسبحونني فيقولان ربنا نقيم في الأرض فيقول الله تعالى إن أرضي مملوءة من خلقي يسبحونني فيقولان يا رب فأين نكون فيقول الله تعالى كونا على قبر عبدي فكبراني وهللاني وسبحاني واكتبا ذلك لعبدي إلى يوم القيامة "
يخبر تعالى عن قدرته على الإنسان بأنه خالقه وعلمه محيط بجميع أموره, حتى إنه تعالى يعلم ما توسوس به نفوس بني آدم من الخير والشر. وقد ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "إن الله تعالى تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تقل أو تعمل" وقوله عز وجل: "ونحن أقرب إليه من حبل الوريد" يعني ملائكته تعالى أقرب إلى الإنسان من حبل وريده إليه, ومن تأوله على العلم فإنما فر لئلا يلزم حلول أو اتحاد وهما منفيان بالإجماع, تعالى الله وتقدس, ولكن اللفظ لا يقتضيه فإنه لم يقل: وأنا أقرب إليه من حبل الوريد وإنما قال: "ونحن أقرب إليه من حبل الوريد" كما قال في المحتضر "ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون" يعني ملائكته وكما قال تبارك وتعالى: "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" فالملائكة نزلت بالذكر وهو القرآن بإذن الله عز وجل, وكذلك الملائكة أقرب إلى الإنسان من حبل وريده إليه بإقدار الله جل وعلا لهم على ذلك. فللملك لمة من الإنسان كما أن للشيطان لمة, وكذلك الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم, كما أخبر بذلك الصادق المصدوق ولهذا قال تعالى ههنا: "إذ يتلقى المتلقيان" يعني الملكين الذين يكتبان عمل الإنسان.
"عن اليمين وعن الشمال قعيد" أي مترصد "ما يلفظ" أي ابن آدم "من قول" أي ما يتكلم بكلمة "إلا لديه رقيب عتيد" أي إلا ولها من يرقبها معد لذلك يكتبها لا يترك كلمة ولا حركة كما قال تعالى: "وإن عليكم لحافظين * كراماً كاتبين * يعلمون ما تفعلون" وقد اختلف العلماء هل يكتب الملك كل شيء من الكلام. وهو قول الحسن وقتادة, أو إنما يكتب ما فيه ثواب وعقاب كما هو قول ابن عباس رضي الله عنهما, فعلى قولين وظاهر الاية الأول لعموم قوله تبارك وتعالى: "ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد". وقد قال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية, حدثنا محمد بن عمرو بن علقمة الليثي عن أبيه عن جده علقمة عن بلال بن الحارث المزني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان صلى الله عليه وسلم تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله عز وجل له بها رضوانه إلى يوم يلقاه, وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت, يكتب الله تعالى عليه بها سخطه إلى يوم يلقاه" فكان علقمة يقول: كم من كلام قد منعنيه حديث بلال بن الحارث, ورواه الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث محمد بن عمرو به, وقال الترمذي: حسن صحيح وله شاهد في الصحيح.
وقال الأحنف بن قيس: صاحب اليمين يكتب الخير وهو أمير على صاحب الشمال فإن أصاب العبد خطيئة قال له أمسك, فإن استغفر الله تعالى نهاه أن يكتبها وإن أبى كتبها, رواه ابن أبي حاتم, وقال الحسن البصري وتلا هذه الاية "عن اليمين وعن الشمال قعيد" يا ابن آدم بسطت لك صحيفة ووكل بك ملكان كريمان أحدهما عن يمينك والاخر عن شمالك, فأما الذي عن يمينك فيحفظ حسناتك, وأما الذي عن يسارك فيحفظ سيئاتك, فاعمل ما شئت أقلل أو أكثر حتى إذا مت طويت صحيفتك وجعلت في عنقك معك في قبرك حتى يخرج يوم القيامة فعند ذلك يقول تعالى: "وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً * اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً" ثم يقول: عدل والله فيك من جعلك حسيب نفسك.
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما "ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد" قال: يكتب كل ما تكلم به من خير أو شر حتى أنه ليكتب قوله أكلت شربت ذهبت جئت رأيت, حتى إذا كان يوم الخميس عرض قوله وعمله فأقر منه ما كان فيه من خير أو شر وألقي سائره, وذلك قوله تعالى: "يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب" وذكر عن الإمام أحمد أنه كان يئن في مرضه فبلغه عن طاوس أنه قال يكتب الملك كل شيء حتى الأنين فلم يئن أحمد حتى مات رحمه الله. وقوله تبارك وتعالى: "وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد" يقول عز وجل: وجاءت أيها الإنسان سكرة الموت بالحق أي كشفت لك عن اليقين الذي كنت تمتري فيه "ذلك ما كنت منه تحيد" أي هذا هو الذي كنت تفر منه قد جاءك فلا محيد ولا مناص ولا فكاك ولا خلاص,
وقد اختلف المفسرون في المخاطب بقوله: "وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد" فالصحيح أن المخاطب بذلك الإنسان من حيث هو, وقيل الكافر, وقيل غير ذلك, وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا إبراهيم بن زياد سبلان, أخبرنا عباد بن عباد عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبيه, عن جده علقمة بن وقاص قال: إن عائشة رضي الله عنها قالت: حضرت أبي رضي الله عنه وهو يموت, وأنا جالسة عند رأسه فأخذته غشية, فتمثلت ببيت من الشعر:
من لا يزال دمعه مقنعاً فإنه لا بد مرة مدفوق
قالت: فرفع رضي الله عنه رأسه فقال: يا بنية ليس كذلك ولكن كما قال تعالى: "وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد" وحدثنا خلف بن هشام, حدثنا أبو شهاب الخياط عن إسماعيل بن أبي خالد عن البهي قال: لما أن ثقل أبو بكر رضي الله عنه جاءت عائشة رضي الله عنها فتمثلت بهذا البيت:
لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر
فكشف عن وجهه وقال رضي الله عنه: ليس كذلك, ولكن قولي "وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد" وقد أوردت لهذا الأثر طرقاً كثيرة في سيرة الصديق رضي الله عنه عند ذكر وفاته, وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما تغشاه الموت جعل يمسح العرق عن وجهه ويقول: "سبحان الله إن للموت لسكرات" وفي قوله: "ذلك ما كنت منه تحيد" قولان: (أحدهما) أن ما ههنا موصولة أي الذي كنت منه تحيد بمعنى تبتعد وتتناءى وتفر قد حل بك ونزل بساحتك (والقول الثاني) أن نافية بمعنى ذلك ما كنت تقدر على الفرار منه ولا الحيد عنه وقد قال الطبراني في المعجم الكبير: حدثنا مؤمل بن علي الصائغ المكي, حدثنا حفص عن ابن عمر الحدي, حدثنا معاذ بن محمد الهذلي عن يونس بن عبيد عن الحسن عن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل الذي يفر من الموت مثل الثعلب تطلبه الأرض بدين, فجاء يسعى حتى إذا أعيى وأسهد دخل حجره وقالت له الأرض يا ثعلب ديني, فخرج وله حصاص فلم يزل كذلك حتى تقطعت عنقه ومات" ومضمون هذا المثل كما لا انفكاك له ولا محيد عن الأرض, كذلك الإنسان لا محيد له عن الموت.
وقوله تبارك وتعالى: "ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد" قد تقدم الكلام على حديث النفخ في الصور والفزع والصعق والبعث, وذلك يوم القيامة. وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنى جبهته وانتظر أن يؤذن له" قالوا: يا رسول الله كيف نقول ؟ قال صلى الله عليه وسلم: "قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل" فقال القوم: حسبنا الله ونعم الوكيل "وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد" أي ملك يسوقه إلى المحشر وملك يشهد عليه بأعماله هذا هو الظاهر من الاية الكريمة, وهو اختيار ابن جرير ثم روي من حديث إسماعيل بن أبي خالد عن يحيى بن رافع مولى لثقيف قال: سمعت عثمان بن عفان رضي الله عنه يخطب فقرأ هذه الاية "وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد" فقال سائق يسوقها إلى الله تعالى وشاهد يشهد عليها بما عملت, وكذا قال مجاهد وقتادة وابن زيد. وقال مطرف عن أبي جعفر مولى أشجع عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: السائق الملك والشهيد العمل, وكذلك قال الضحاك والسدي, وقال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما: السائق من الملائكة والشهيد الإنسان نفسه, يشهد على نفسه, وبه قال الضحاك بن مزاحم أيضاً.
وحكى ابن جرير ثلاثة أقوال في المراد بهذا الخطاب في قوله تعالى: "لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد" (أحدها) أن المراد بذلك الكافر, رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما, وبه يقول الضحاك بن مزاحم وصالح بن كيسان. (والثاني) أن المراد بذلك كل أحد من بر وفاجر لأن الاخرة بالنسبة إلى الدنيا كاليقظة, والدنيا كالمنام, وهذا اختيار ابن جرير, ونقله عن حسين بن عبد الله بن عبيد الله عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما. (والثالث) أن المخاطب بذلك النبي صلى الله عليه وسلم وبه يقول زيد بن أسلم وابنه, والمعنى على قولهما: لقد كنت في غفلة من هذا القرآن قبل أن يوحى إليك, فكشفنا عنك غطاءك بإنزاله إليك فبصرك اليوم حديد, والظاهر من السياق خلاف هذا بل الخطاب مع الإنسان من حيث هو, والمراد بقوله تعالى: "لقد كنت في غفلة من هذا" يعني من هذا اليوم "فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد" أي قوي لأن كل أحد يوم القيامة يكون مستبصراً حتى الكفار في الدنيا, يكونون يوم القيامة على الاستقامة, لكن لا ينفعهم ذلك, قال الله تعالى: "أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا". وقال عز وجل: " ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون ".
18- "ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد" أي ما يتكلم من كلام، فيلفظه ويرميه من فيه إلا لديه: أي أن ذلك اللافظ رقيب: أي ملك يرقب قوله ويكتبه، والرقيب: الحافظ المتتبع لأمور الإنسان الذي يكتب ما يقوله من خير وشر. فكاتب الخير هو ملك اليمين، وكاتب الشر ملك الشمال. والعتيد: الحاضر المهيأ. قال الجوهري: العتيد الحاضر المهيأ، يقال عتده تعتيداً وأعتده اعتداداً: أي أعده، ومنه " وأعتدت لهن متكئا " والمراد هنا أنه معد للكتابة مهيؤ لها.
18. " ما يلفظ من قول "، ما يتكلم من كلام فيلفظه أي: يرميه من فيه، " إلا لديه رقيب "، حافظ، " عتيد "، حاضر أينما كان. قال الحسن : إن الملائكة يجتنبون الإنسان على حالين: عند غائطه، وعند جماعه.
وقال مجاهد يكتبان عليه حتى أنينه في مرضه. وقال عكرمة : لا يكتبان إلا ما يؤجر عليه أو يؤزر فيه.
وقال الضحاك : مجلسهما تحت الضرس على الحنك، ومثله عن الحسن ، وكان الحسن يعجبه أن ينظف عنفقته.
أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي ، أخبرنا الحسين بن محمد الدينوري ، حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ، حدثنا الفضل بن العباس بن مهران ، حدثنا طالوت حدثنا حماد بن سلمة أخبرنا جعفر بن الزبير عن القاسم بن محمد عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كاتب الحسنات على يمين الرجل، وكاتب السيئات على يسار الرجل، وكاتب الحسنات أمير على كاتب السيئات، فإذا عمل حسنة كتبها صاحب اليمين عشراً، وإذا عمل سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال: دعه سبع ساعات لعله يسبح أو يستغفر ".
18-" ما يلفظ من قول " ما يرمي به من فيه ." إلا لديه رقيب " ملك يرقب عمله ." عتيد " معد حاضر ، ولعله يكتب عليه ما فيه ثواب أو عقاب وفي الحديث " كاتب الحسنات أمين على كاتب السيئات فإذا عمل حسنة كتبها ملك اليمين عشراً ، وإذا عمل سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال دعه سبع ساعات لعله يسبح أو يستغفر " .
18. He uttereth no word but there is with him an observer ready.
18 - Not a word does he utter but there is a sentinel by him, ready (to note it).