18 - (وقالت اليهود والنصارى) أي كل منهما (نحن أبناء الله) أي كأبنائه في القرب والمنزلة وهو كأبينا في الرحمة والشفقة (وأحباؤه قل) لهم يا محمد (فلم يعذبكم بذنوبكم) إن صدقتم في ذلك ولا يعذب الأب ولده ولا الحبيب حبيبه وقد عذبكم فأنتم كاذبون (بل أنتم بشر ممن) من جملة من (خلق) من البشر لكم ما لهم وعليكم ما عليهم (يغفر لمن يشاء) المغفرة له (ويعذب من يشاء) تعذيبه لا اعتراض عليه (ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما وإليه المصير) المرجع
قوله تعالى وقالت اليهود الآيات روى ابن إسحق عن ابن عباس قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نعمان بن قصي وبحر بن عمر وشاش ابن عدي فكلموه وكلمهم ودعاهم إلى الله وحذرهم نقمته فقالوا ما تخوفنا يا محمد نحن والله أبناء الله وأحباؤه كقول النصارى فأنزل الله فيهم وقالت اليهود والنصارى الآية
وروى عنه قال دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود إلى الإسلام ورغبهم فيه فأبوا عليه فقال لهم معاذ بن جبل وسعد بن عبادة يا معشر يهود اتقوا الله فوالله إنكم لتعلمون أنه رسول الله لقد كنتم تذكرونه لنا قبل مبعثه وتصفونه لنا بصفته فقال رافع ابن حريملة ووهب بن يهوذا ما قلنا لكم هذا وما أنزل الله من كتاب من بعد موسى ولا أرسل بشيرا ولا نذيرا بعده فأنزل الله يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبن لكم الآية
قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله جل وعز عن قوم من اليهود والنصارى أنهم قالوا هذا القول.
وقد ذكر عن ابن عباس تسمية الذين قالوا ذلك من اليهود.
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا يونس بن بكير، عن محمد بن إسحق قال ، حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال ، حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس قال: "أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نعمان بن أضاء، وبحري بن عمرو، وشاس بن عدي ، فكلموه ، فكلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعاهم إلى الله وحذرهم نقمته ، فقالوا: ما تخوفنا، يا محمد!! نحن والله أبناء الله وأحباؤه!! كقول النصارى، فأنزل الله جل وعز فيهم: "وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه""، إلى آخر الآية.
وكان السدي يقول في ذلك بما:
حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط، عن السدي: "وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه"، أما "أبناء الله"، فإنهم قالوا : إن الله أوحى إلى إسرائيل أن ولداً من ولدك ، أدخلهم النار، فيكونون فيها أربعين يوماً حتى تطهرهم وتأكل خطاياهم ، ثم ينادي مناد: أن أخرجوا كل مختون من ولد إسرائيل، فأخرجهم. فذلك قوله : "لن تمسنا النار إلا أياما معدودات" [آل عمران: 24]. وأما النصارى، فإن فريقاً منهم قال للمسيح: ابن الله.
والعرب قد تخرج الخبر، إذا افتخرت ، مخرج الخبر عن الجماعة، وإن كان ما افتخرت به من فعل واحد منهم ، فتقول: (نحن الأجواد الكرام)، وإنما الجواد فيهم واحد منهم ، وغير المتكلم الفاعل ذلك، كما قال جرير:
ندسنا أبا مندوسة القين بالقنا ومار دم من جار بيبة ناقع
فقال: (ندسنا)، وإنما النادس رجل من قوم جرير غيره، فأخرج الخبر مخرج الخبر عن جماعة هو أحدهم. فكذا أخبر الله عز ذكره عن النصارى أنها قالت ذلك ، على هذا الوجه إن شاء الله.
وقوله: "وأحباؤه"، وهو جمع (حبيب).
يقول الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: "قل" لهؤلاء الكذبة المفترين على ربهم "فلم يعذبكم" ربكم ، يقول : فلأي شيء يعذبكم ربكم بذنوبكم ، إن كان الأمر كما زعمتم أنكم أبناؤه وأحباؤه ، فإن الحبيب لا يعذب حبيبه، وأنتم مقرون أنه معذبكم؟ وذلك أن اليهود قالت: إن الله معذبنا أربعين يوماً عدد الأيام التي عبدنا فيها العجل، ثم يخرجنا جميعاً منها، فقال الله لمحمد صلى الله عليه وسلم: قل لهم: إن كنتم، كما تقولون ، أبناء الله وأحباؤه ، فلم يعذبكم بذنوبكم؟ يعلمهم عز ذكره أنهم أهل فرية وكذب على الله جل وعز.
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، قل لهم: ليس الأمر كما زعمتم أنكم أبناء الله وأحباؤه ، "بل أنتم بشر ممن خلق"، يقول : خلق من بني آدم ، خلقكم الله مثل سائر بني آدم ، إن أحسنتم جوزيتم بإحسانكم ، كما سائر بني آدم مجزيون بإحسانهم، وإن أسأتم جوزيتم بإساءتكم ، كما غيركم مجزي بها، ليس لكم عند الله إلا ما لغيركم من خلقه ، فإنه يغفر لمن يشاء من أهل الإيمان به ذنوبه ، فيصفح عنه بفضله ، ويسترها عليه برحمته ، فلا يعاقبه بها.
وقد بينا معنى (المغفرة)، في موضع غير هذا بشواهده، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع.
"ويعذب من يشاء"، يقول : ويعدل على من يشاء من خلقه فيعاقبه على ذنوبه، ويفضحه بها على رؤوس الأشهاد فلا يسترها عليه.
وإنما هذا من الله عز وجل وعيد لهؤلاء اليهود والنصارى المتكلين على منازل سلفهم الخيار عند الله، الذين فضلهم الله جل وعز بطاعتهم إياه، واجتباهم لمسارعتهم إلى رضاه، واصطبارهم على ما نابهم فيه . يقول لهم : لا تغتروا بمكان أولئك مني ومنازلهم عندي ، فإنهم إنما نالوا ما نالوا مني بالطاعة لي ، وإيثار رضاي على محابهم ، لا بالأماني ، فجدوا في طاعتي ، وانتهوا إلى أمري ، وانزجروا عما نهيتهم عنه ، فإني إنما أغفر ذنوب من أشاء أن أغفر ذنوبه من أهل طاعتي ، وأعذب من أشاء تعذيبه من أهل معصيتي ، لا لمن قربت زلفة آبائه مني ، وهو لي عدو، ولأمري ونهيي مخالف.
وكان السدي يقول في ذلك بما:
حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط، عن السدي قوله: "يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء"، يقول: يهدي منكم من يشاء في الدنيا فيغفر له، ويميت من يشاء منكم على كفره فيعذبه.
قال أبو جعفر: يقول: لله تدبير ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وتصريفه، وبيده أمره ، وله ملكه، يصرفه كيف يشاء، ويدبره كيف أحب ، لا شريك له في شيء منه ، ولا لأحد معه فيه ملك. فاعلموا أيها القائلون: "نحن أبناء الله وأحباؤه"، أنه إن عذبكم بذنوبكم ، لم يكن لكم منه مانع ، ولا لكم عنه دافع ، لأنه لا نسب بين أحد وبينه فيحابيه لسبب ذلك، ولا لأحد في شيء دونه ملك، فيحول بينه وبينه إن أراد تعذيبه بذنوبه ، وإليه مصير كل شيء ومرجعه. فاتقوا، أيها المفترون ، عقابه إياكم على ذنوبكم بعد مرجعكم إليه، ولا تغتروا بالأماني وفضائل الآباء والأسلاف.
قوله تعالى :" وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه " قال ابن عباس: خوف رسو الله صلى الله عليه وسلم قوماً من اليهود العقاب فقالوا:لا نخاف فإنا أبناء الله وأحباؤه فنزلت الآية قال ابن إسحاق: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نعمان بن أضاء وبحري بن عمرو وشأس بن عدي فكلموه وكلهم ودعاهم إلى الله عز وجل وحذرهم نقمته فقالوا: ما تخوفنا يا محمد ؟ نحن أبناء الله وأحباؤه كقول النصارى فأنزل الله عز وجل فيهم " وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم " إلى آخر الآية قال لهم معاذ بن جبل وسعد بن عبادة وعقبة بن وهب:يا معشر يهود اتقوا له فوالله إنكم لتعملون أنه رسول الله وقد كنتم تذكرونه لنا قبل مبعثه وتصونه لنا بصفته فقال رافع بن حريملة ووهب بن يهوذا ما قلنا هذا لكم ولا أنزل الله من كتاب بعد موسى ولا أرسل بشيراً ولا نذيراً من بعده فأنزل الله عز وجل : " يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل" إلى قوله " والله على كل شيء قدير " السدي: زعمت اليهود أن الله عز وجل أوحى إلى إسرائيل عليه السلام أن ولدك بكري من الولد قال غيره : والنصارى قالت نحن أبناء الله لأن في الإنجيل حكاية عن عيسى أذهب إلى أبي وأبيكم وقيل المعنى: نحن أبناء رسول الله فهو على حذف مضاف وبالجملة فإنهم رأوا لأنفسهم فضلاً فرد عليهم قولهم فقال : " فلم يعذبكم بذنوبكم " فلم يكونوا يخلون من أحد وجهين إما أن يقولوا هو يعذبنا فيقال لهم : فلستم إذا أبناءه وأحباءه فإن الحبيب لا يعذر حبيبه وأنتم تقرون بعذابه فلذلك دليل على كذبكم - وهذا هو المسمى عند الجدليين ببرهان الخلف- أو يقولوا: لا يعذبنا فيكذبوا ما في كتبهم وما جاءت به رسلهم، ويبيحوا المعاصي وهم معترفون بعذاب العصاة منهم ولهذا يلتزمون أحكام كتبهم وقيل: معنى " يعذبكم" عذبكم : فهو بمعنى المضي أي فلم مسخكم قردة وخنازير ولم يعذب من قبلكم من اليهود والنصارى بأنواع العذاب وهم أمثالكم لأن الله سبحانه لا يحتج عليهم بشيء لم يكن بعد لأنهم ربما يقولون لا نعذب غداً بل يحتج عله بما عرفوه ثم قال :" بل أنتم بشر ممن خلق " أي كسائر خلقه يحاسبكم على الطاعة والمعصية ويجازي كلا بما عمل " يغفر لمن يشاء " أي لمن تاب من اليهود " ويعذب من يشاء " من ما عليها ." ولله ملك السماوات والأرض " فلا شريك له يعارضه " وإليه المصير " أي يئول أمر العباد إليه في الآخرة .
يقول تعالى مخبراً وحاكياً بكفر النصارى في ادعائهم في المسيح ابن مريم, وهو عبد من عباد الله, وخلق من خلقه أنه هو الله, تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً, ثم قال مخبراً عن قدرته على الأشياء وكونها تحت قهره وسلطانه "قل فمن يملك من الله شيئاً إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعاً" أي لو أراد ذلك, فمن ذا الذي كان يمنعه منه أو من ذا الذي يقدر على صرفه عن ذلك, ثم قال "ولله ملك السموات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء" أي جميع الموجودات ملكه وخلقه, وهو القادر على ما يشاء, لا يسأل عما يفعل بقدرته وسلطانه وعدله وعظمته , وهذا رد على النصارى عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة .
ثم قال تعالى راداً على اليهود والنصارى في كذبهم وافترائهم "وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه" أي نحن منتسبون إلى أنبيائه وهم بنوه, وله بهم عناية, وهو يحبنا, ونقلوا عن كتابهم أن الله تعالى قال لعبده إسرائيل: أنت ابني بكري, فحملوا هذا على غير تأويله وحرفوه, وقد رد عليهم غير واحد ممن أسلم من عقلائهم وقالوا: هذا يطلق عندهم على التشريف والإكرام, كما نقل النصارى عن كتابهم أن عيسى قال لهم: إني ذاهب إلى أبي وأبيكم, يعني ربي وربكم, ومعلوم أنهم لم يدعوا لأنفسهم من النبوة ما ادعوها في عيسى عليه السلام وإنما أرادوا من ذلك معزتهم لديه وحظوتهم عنده, ولهذا قالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه, قال الله تعالى راداً عليهم "قل فلم يعذبكم بذنوبكم" أي لو كنتم كما تدعون أبناءه وأحباءه, فلم أعد لكم نار جهنم على كفركم وكذبكم وافترائكم ؟
وقد قال بعض شيوخ الصوفية لبعض الفقهاء: أين تجد في القرآن أن الحبيب لا يعذب حبيبه, فلم يرد عليه, فتلا عليه الصوفي هذه الآية "قل فلم يعذبكم بذنوبكم" وهذا الذي قاله حسن, وله شاهد في المسند للإمام أحمد حيث قال: حدثنا ابن أبي عدي عن حميد, عن أنس, قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه, وصبي في الطريق, فلما رأت أمه القوم خشيت على ولدها أن يوطأ, فأقبلت تسعى وتقول: ابني ابني, وسعت فأخذته فقال القوم: يا رسول الله, ما كانت هذه لتلقي ولدها في النار. قال: فحفظهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال "لا والله ما يلقي حبيبه في النار" تفرد به أحمد, "بل أنتم بشر ممن خلق" أي لكم أسوة أمثالكم من بني آدم, وهو سبحانه الحاكم في جميع عباده "يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء" أي هو فعال لما يريد, لا معقب لحكمه, وهو سريع الحساب, "ولله ملك السموات والأرض وما بينهما" أي الجميع ملكه وتحت قهره وسلطانه, "وإليه المصير" أي المرجع والمآب إليه, فيحكم في عباده بما يشاء, وهو العادل الذي لا يجور .
وروى محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير, عن ابن عباس قال: وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نعمان بن آصا وبحري بن عمرو وشاس بن عدي فكلموه, وكلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاهم إلى الله, وحذرهم نقمته, فقالوا: ما تخوفنا يا محمد, نحن والله أبناء الله وأحباؤه, كقول النصارى, فأنزل الله فيهم "وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه" إلى آخر الآية, رواه ابن أبي حاتم وابن جرير, ورويا أيضاً من طريق أسباط عن السدي في قول الله "وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه" أما قولهم: "نحن أبناء الله",. فإنهم قالوا: إن الله أوحى إلى إسرائيل أن ولدك بكري من الولد, فيدخلهم النار, فيكونون فيها أربعين ليلة حتى تطهرهم وتأكل خطاياهم, ثم ينادي مناد: أن أخرجوا كل مختون من ولد إسرائيل, فأخرجوهم فذلك قولهم لن تمسنا النار إلا أياماً معدودات .
قوله: 18- "وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه" أثبتت اليهود لأنفسها ما أثبتته لعزير حيث قالوا: "عزير ابن الله" وأثبتت النصارى لأنفسها ما أثبتته للمسيح حيث قالوا: "المسيح ابن الله" وقيل هو على حذف مضاف: أي نحن أتباع أبناء الله، وهكذا أثبتوا لأنفسهم أنهم أحباء الله بمجرد الدعوى الباطلة والأماني العاطلة، فأمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم أن يرد عليهم، فقال: "قل فلم يعذبكم بذنوبكم" أي إن كنتم كما تزعمون، فما باله يعذبكم بما تقترفونه من الذنوب بالقتل والمسخ وبالنار في يوم القيامة كما تعترفون بذلك لقولكم: "لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة" فإن الابن من جنس أبيه لا يصدر عنه ما يستحيل على الأب وأنتم تذنبون، والحبيب لا يعذب حبيبه وأنتم تعذبون، فهذا يدل على أنكم كاذبون في هذه الدعوى. وهذا البرهان هو المسمى عند الجدليين ببرهان الخلف. قوله: "بل أنتم بشر ممن خلق" عطف على مقدر يدل عليه الكلام: أي فلستم حينئذ كذلك "بل أنتم بشر ممن خلق" أي من جنس من خلقه الله تعالى يحاسبهم على الخير والشر، ويجازي كل عامل بعمله "يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولله ملك السموات والأرض وما بينهما" من الموجودات "وإليه المصير" أي تصيرون إليه عند انتقالكم من دار الدنيا إلى دار الآخرة.
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نعمان بن أضاء وبحري بن عمرو وشاس بن عدي فكلموه وكلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاهم إلى الله وحذرهم نقمته، فقالوا: ما تخوفنا يا محمد "نحن أبناء الله وأحباؤه" كقول النصارى فأنزل الله فيهم: "وقالت اليهود والنصارى" إلى آخر الآية. وأخرج أحمد في مسنده عن أنس قال: " مر النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه وصبي في الطريق، فلما رأت أمه القوم خشيت على ولدها أن يوطأ، فأقبلت تسعى وتقول: ابني ابني، فسعت فأخذته، فقال القوم: يا رسول الله ما كانت هذه لتلقي ابنها في النار؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ولا، والله لا يلقي حبيبه في النار". وإسناده في المسند هكذا: حدثنا ابن أبي عدي عن حميد عن أنس فذكره. ومعنى الآية يشير إلى معنى هذا الحديث، ولهذا قال بعض مشايخ الصوفية لبعض الفقهاء: أين تجد في القرآن أن الحبيب لا يعذب حبيبه؟ فلم يرد عليه، فتلا الصوفي هذه الآية. وأخرج أحمد في الزهد عن الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا والله لا يعذب الله حبيبه، ولكن قد يبتليه في الدنيا". وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله: "يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء" يقول: يهدي منكم من يشاء في الدنيا فيغفر له، ويميت من يشاء منكم على كفره فيعذبه.
18-قوله عز وجل : " و قالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه "، قيل:أرادوا أن الله تعالى لنا كالأب في الحنو والعطف، ونحن كالأبناء له في القرب والمنزلة ، وقال إبراهيم النخعي : إن اليهود وجدوا في التوراة يا أبناء أحباري، فبدلوا يا أبناء أبكاري، فمن ذلك قالوا :نحن أبناء الله ، وقيل: معناه نحن أبناء رسل الله.
قوله تعالى: " قل فلم يعذبكم بذنوبكم " ، يريد إن كان الأمر كما زعمتم أنكم أبناؤه وأحباؤه فإن الأب لا يعذب ولده ، والحبيب لا يعذب حبيبه، وأنتم مقرون أنه معذبكم؟ وقيل : فلم يعذبكم أي : لم عذب من قبلكم بذنوبهم فمسخهم قردة وخنازير ؟ " بل أنتم بشر ممن خلق "، كسائر بني آدم مجزيون بالإساءة و الإحسان، " يغفر لمن يشاء " فضلاً، " ويعذب من يشاء "، عدلاً، " ولله ملك السموات والأرض وما بينهما وإليه المصير ".
18" وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه " أشياع ابنيه عزيراً والمسيح كما قيل لأشياع ابن الزبير الحبيبون أو المقربون عنده قرب الأولاد من والدهم وقد سبق لنحو ذلك مزيد بيان في سورة آل عمران. " قل فلم يعذبكم بذنوبكم " أي فإن صح ما زعمتم فلم يعذبكم بذنوبكم فإن من كان بهذا المنصب لا يفعل ما يوجب تعذيبه، وقد عذبكم في الدنيا بالقتل والأسر والمسخ واعترفتم بأنه سيعذبكم بالنار أياماً معدودات. " بل أنتم بشر ممن خلق " ممن خلقه الله تعالى. " يغفر لمن يشاء " وهم من آمن به وبرسله. " ويعذب من يشاء " وهم من كفر، والمعنى أنه يعاملكم معاملة سائر الناس لا مزية لكم عنده " ولله ملك السموات والأرض وما بينهما " كلها سواء في كونها خلقاً وملكاً له. " وإليه المصير " فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته.
18. The Jews and Christians say: We are sons of Allah and His loved ones. Say; Why then doth He chastise you for your sins? Nay, ye are but mortals of His creating. He forgiveth whom He will, and chastiseth whom He will. Allah's is the Sovereignty of the heavens and the earth and all that is between them, and unto Him is the journeying.
18 - (both) the Jews and the Christians say: we are sons of God, and his beloved. say: why then doth he punish you for your sins? nay, ye are but men, of the men he created: he forgiveth whom he pleaseth, and he punisheth whom he pleaseth,: and to god belongeth the dominion of the heavens and the earth, and all that is between: and unto him is the final goal (of all)