18 - (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك) بالحديبية (تحت الشجرة) هي سمرة وهم ألف وثلثمائة وأكثر ثم بايعهم على أن يناجزوا قريشا وأن لا يفروا من الموت (فعلم) الله (ما في قلوبهم) من الصدق والوفاء (فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا) هو فتح خيبر بعد انصرافهم من الحديبية
ك وأخرج ابن أبي حاتم عن سلمة بن الأكوع قال بينما نحن قائلون إذا نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم أيها الناس البيعة البيعة نزل روح القدس فسرنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو تحت شجرة سمرة فبايعناه فأنزل الله لقد رضى الله عن المؤمنين الآية
يقول تعالى ذكره : لقد رضي الله يا محمد عن المؤمنين " إذ يبايعونك تحت الشجرة " يعني بيعة أصحاب رسول الله صلىالله عليه وسلم رسول الله بالحديبية حين بايعوه على مناجزة قريش الحرب ، وعلى أن لا يفروا ولا يولوهم الدبر تحت الشجرة ، وكانت بيعتهم إياه هنالك فيما ذكر تحت شجرة .
وكان سبب هذه البيعة ما قيل : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أرسل عثمان بن عفان رضي الله عنه برسالته إلى الملإ من قريش ، فأبطأ عثمان عليه بعض الإبطاء ، فظن أنه قد قتل ، فدعا أصحابه إلى تجديد البيعة على حربهم على ما وصفت ، فبايعوه على ذلك . وهذه البيعة التي تسمى بيعة الرضوان ، وكان الذين بايعوه هذا البيعة فيما ذكر في قول بعضهم : ألفا وأربع مئة ، وفي قول بعضهم : ألفا وخمس مئة ، وفي قول بعضهم : ألفا وثلاث مئة.
ذكر الرواية بما وصفنا من سبب هذه البيعة :
حدثنا ابن حميد قال : ثنا سلمة عن محمد بن إسحاق قال : " ثني بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا خراش بن أمية الخزاعي ، فبعثه إلى قريش بمكة ، وحمله على جمل له يقال له الثعلب ، ليبلغ أشرافهم عنه ما جاء له ، وذلك حين نزل الحديبية ، فعقروا به جمل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأرادوا قتله ، فمنعنه الأحابيش فخلوا سبيل ، حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
قال : ثنا سلمة عن ابن إسحاق قال : فحدثني من لا أتهم ، عن عكرمة مولى ابن عباس : " إن رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم دعا عمر بن الخطاب ليبعثه إلى مكة ، فيبلغ عنه أشراف قريش ما جاء له ، فقال : يا رسول الله إني أخاف قريشا على نفسي، وليس بمكة من بني عدي بن كعب أحد يمنعني ، وقد عرفت قريش عدائي إياها وغلظتي عليهم ، ولكني أدلك على رجل هو أعز بها مني عثمان بن عفان . فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان ، فبعثه إلى أبي سفيان وأشراف قريش يخبرهم أنه لم يأت لحرب ، وإنما جاء زائرا لهذا البيت ، معظما لحرمته ، فخرج عثمان إلى مكة ، فلقيه أبان بن سعيد بن العاص حين دخل مكة أو قبل أن يدخلها فنزل عن دابته ، فحمله بين يديه ، ثم ردفه وأجاره حتى بلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فانطلق عثمان حتى أتى أبا سفيان وعظماء قريش ، فبلغهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أرسله به ، فقالوا لعثمان حين فرغ من رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن شئت أن تطوف بالبيت فطف به ، قال : ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحتسبته قريش عندها ، فبلغ رسول الله صلى عليه وسلم والمسلمين أن عثمان قد قتل " .
قال : ثنا سلمة عن محمد بن إسحاق قال : فحدثني عبد الله بن بكر " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه أن عثمان قد قتل ، قال : لا نبرح حتى نناجز القوم ، ودعا الناس إلى البيعة ، فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة ، فكان الناس يقولون : بايعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الموت فكان جابر بن عبد الله يقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبايعنا على الموت لكنه بايعنا على أن لا نفر . فبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس ، ولم يتخلف عنه أحد من المسلمين حضرها إلا الجد بن قيس أخو بن سلمة ، كان جابر بن عبد الله يقول : : لكأني أنظر إليه لاصقا بإبط ناقته ، قد اختبأ إليها ، يستتر بها من الناس . ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الذي ذكر من أمر عثمان باطل "
حدثنا محمد بن عمارة الأسدي قال : ثنا عبيد الله بن موسى قال : أخبرنا موسى بن عبيدة عن إياس بن سلمة قال : : قال سلمة " بينما نحن قائلون زمن الحديبية ، نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيها الناس البيعة البيعة ، نزل روح القدس صلوات الله عليه قال : فثرنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو تحت شجرة سمرة ، قال : فبايعناه ، وذلك قول الله " لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة " .
حدثنا عبد الحميد بن بيان اليشكري قال : ثنا محمد بن يزيد عن إسماعيل عن عامر قال : كان أول من بايع بيعة الرضوان رجل من بني أسد يقال له أبو سنان بن وهب .
حدثنا ابن المثنى قال : ثنا يحيى بن حماد قال : ثنا همام عن قتادة عن سعيد بن المسيب قال : : كان جدي يقال له حزن ، وكان ممن بايع تحت الشجرة ، فأتيناها من قابل ، فعميت علينا .
حدثني ابن المثنى قال : ثنا يحيى بن حماد قال : ثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرني عمرو بن الحارث عن بكير بن الأشج "أنه بلغه الناس بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الموت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : على ما استطعتم . والشجرة التي بويع تحتها بفج نحو مكة ، وزعموا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر بذلك المكان بعد أن ذهبت الشجرة ، فقال : أين كانت ؟ فجعل بعضهم يقول هنا ، وبعضهم يقول : هاهنا ، فلما كثر اختلافهم قال : سيروا هذا التكلف . فذهبت الشجرة وكانت سمرة إما ذهب بها سيل ، وإما شيء سوى ذلك .
ذكر عدد الذين بايعوا هذه البيعة .
وقد ذكرنا اختلاف المختلفين في عددهم ، ونذكر الروايات عن قائلي المقلات التي ذكرناها إن شاء الله تعالى .
ذكر من قال : عددهم ألف وأربع مئة .
حدثني يحيى بن أبراهيم المسعودي قال : ثنا أبي عن أبيه عن جده عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال : " كنا يوم الحديبية ألفا وأربع مئة ، فبايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا نفر ، ولم نبايعه على الموت ، قال : فبايعناه كلنا إلا الجد بن قيس اختبأ تحت إبط ناقته " .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد أخبرني القاسم بن عبد الله بن عمرو عن محمد بن المنذدر عن جابر بن عبد الله " انهم كانوا يوم الحديبية أربع عشرة مئة فبايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر آخذه بيده تحت الشجرة وهي سمرة ، فبايعنا غير الجد بن قيس الأنصاري ، اختبأ تحت إبط بعيره . قال جابر : بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا نفر ولم نبايعه الموت " .
حدثنا يوسف بن موسى القطان قال : ثنا هشام بن عبد الملك و سعيد نن شرحبيل المصري قالا : ثنا ليث بن سعد المصري قال : ثنا أبو الزبير عن جابر قال : " كنا يوم الحديبية ألفا وأربع مئة ، فبايعناه وعمر آخذ بيده تحت الشجرة وهي سمرة ، فبايعناه على أن لا نفر ، ولن نبايعه على الموت ، يعني النبي صلى الله عليه وسلم " .
حدثنا ابن بشار و ابن المثنى ، قال : ثنا ابن أبي عدي عن سعيد عن قتادة عن سعيد بن المسيب انه قيل له : أن جابر بن عبد الله يقول : إن أصحاب الشجرة كانوا ألفا وخمس مئة قال : سعيد : نسي جابر هو قال لي كان ألفا وأربع مئة .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا سلمة قال : ثني محمد بن إسحاق عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال : كنا أصحاب الحديبية أربع عشرة مئة .
ذكر من قال : كان عدتهم ألفا وخمس مئة وخمسة وعشرين .
حدثنا محمد بن سعد قال ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس " لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة " قال : كان أهل البيعة تحت الشجرة ألفا وخمس مئة وخمسة وعشرين .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة قال : : الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة فجعلت لهم مغانم خيبر ، كانوا يومئذ خمس عشرة مئة ، وبايعوا على أن لا يفروا عنه .
ذكر من قال : كانوا ألفا وثلاث مئة .
حدثنا ابن المثنى قال : ثنا أبو داود قال : ثنا شعبة عن عمرو بن مرة قال : سمع عبد الله بن أبي أوفى يقول : كانوا يوم الشجرة ألفا وثلاث مئة ، وكانت أسلم يومئذ من المهاجرين .
وقوله " فعلم ما في قلوبهم " يقول تعالى ذكره : فعلم ربك يا محمد ما في قلوب المؤمنين من أصحابك إذ يبايعونك تحت الشجرة ، من صدق النية ، والوفاء بما يبايعونك عليه ، والصبر معك " فأنزل السكينة عليهم " يقول : فأنزل الطمأنينة ، والثبات على ما هم من دينهم وحسن بصيرتهم بالحق الذي هداهم الله له .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة قوله " فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم" : أي الصبر والوقار .
وقوله " وأثابهم فتحا قريبا " يقول : وعوضهم في العاجل مما رجوا الظفر به من غنائم أهل مكة بقتالهم أهله فتحا قريبا .وذلك فيما قيل : فتح خيبر .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن المثنى قال : ثنا محمد بن جعفر قال : ثنا شعبة عن الحكم عن ابن أبي ليلى " وأثابهم فتحا قريبا " قال : خيبر .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة " وأثابهم فتحا قريبا " وهي خيبر .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور عن معمر عن قتادة قوله " وأثابهم فتحا قريبا " قال : بلغني أنها خيبر .
وقوله " مغانم كثيرة يأخذونها " يقول تعالى ذكره : وأثاب الله هؤلاء الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة ، مع ما أكرمهم به من رضاه عنهم ، وإنزاله السكينة عليهم ، وإثباته إياهم فتحا قريبا ، معه مغانم كثيرة يأخذونها من أموال يهود خيبر ، فإن الله جعل ذلك خاصة لأهل بيعة الرضوان دون غيرهم .
وقوله " وكان الله عزيزا حكيما " يقول : وكان الله ذا عزة في انتقامه ممن انتقم من أعدائه حكيما في تدبيره خلقه وتصريفه إياهم فيما شاء من قضائه .
قوله تعالى : " لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة " ههذ بيعة الرضوان ، وكانت الحديبية ، وهذا خبر الحديبية على اختصار : وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام منصرفه من غزوة بني المصطلق في شوال ، وخرج في ذي القعدة معتمراً ، واستنفر الأعراب الذين حول المدينة فأبطأ عنه أكثرهم ، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم بمن معه من المهاجرين والأنصار ومن اتبعه من العرب ، وجميعهم نحو ألف وأربعمائة ، وقيل : ألف وخمسمائة وقيل غير هذا ، على ما يأتي .
وساق معي الهدي ، فأحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعلم الناس أنه لم يخرج لحرب ، فلما بلغ خروجه قريشاً خرج جمعهم صادين لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن المسجد الحرام ودخول مكة ، وإنه إن قاتلهم قاتلوه دون ذلك ، وقدموا خالد بن الوليد في خيل إلى ( كرع الغميم ) فورد الخبر بذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ( بعسفان ) وكان المخبر له بشر بن سفيان الكعببي ، فسلك طريقاً يخرج به في ظهورهم ، وخرج إلى الحديبية من أسفل مكة ، وكان دليله فيهم رجل من أسلم ، فلما بلغ ذلك خيل قريش التي مع خالد جرت إلى قريش تعلمهم بذلك ، فلما وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحديبية بركت ناقته صلى الله عليه وسلم فقال الناس : خلات ! خلات ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ما خلات وما هو لها بخلق ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة ، لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألوني فيها صلة رحم إلا أعطيتم إياها ، ثم نزل صلى الله عليه وسلم هناك ، فقيل : يا رسول الله ، ليس بهذا الوادي ماء ! فأخرج عليه الصلاة والسلام سهماً من كنانته فأعطاه رجلاً من أصحابه ، فنزل في قليب من تلك القلب فغرزه في جوفه فجاش بالماء الرواء حتى كفى جميع الجيش ، وقيل : إن الذي نزل بالسهم في القليب ناجية بن جندب بن عمير الأسلمي وهو سائق بدن النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ وقيل : نزل بالسهم في القليب البراء بن عازب ثم جرت السفراء بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين كفار قريش وطال التراجع والتنازع إلى أن جاء سهيل بن عمرو العامري ، فقاضاه على أن ينصرف عليه الصلاة والسلام عامة ذلك ، فإذا كان من قابل أتى معتمراً ودخل هو وأصحابه مكة بغير سلاح ، حاشا السيوف في قربها فيقيم بها ثلاثاً ويخرج ، وعلى أن يكون بينه وبينهم صلح عشرة أعوام ، يتداخل فيها الناس ويأمن بعضهم بعضاً ، وعلى أن من جاء من الكفار إلى المسلمين مسلماً من رجل أو امرأة رد إلى الكافر ، ومن جاء من المسلمين إلى الكفار مرتداً لم يردوه إلى المسلمين ، فعظم ذلك على المسلمين حتى كان لبعضهم فيه كلام ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بما علمه الله من أنه سيجعل للمسلمين فرجاً ، فقال لأصحابه : اصبروا فإن الله يجعل هذا الصلح سبباً إلى ظهور دينه ، فأنس الناس غلى قول هذا بعد نفار منهم ، وأبي سهيل ين عمرو أن يكتب في صدر صحيفة الصلح : من محمد رسول الله ، وقالوا له : لو صدقناك بذلك ما دفعناك عما تريد ! فلا بد أن تكتب بأسمك اللهم ، فقال لعلي وكان يكتب صحيفة الصلح : امح يا علي ، واكتب باسمك اللهم ، فأبى علي أن يمحو بيده محمد رسول الله ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرضه علي فأشار إليه فمحاه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ، وأمره أن يكتب من محمد بن عبد الله وأتى أبو جندل بن سهيل يومئذ بأثر كتاب الصلح وهو يرسف في قيوده ، فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبيه ، فعظم ذلك على المسلمين ، فأخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبر أبا جندل أن الله سيجعل له فرجاً ومخرجاً ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الصلح قد بعث عثمان بن عفان إلى مكة رسولاً ، فجاء خبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن أهل مكة قتلوه ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذ إلى المبايعة له على الحرب والقتال لأهل مكة ، فروي أنه بايعهم على الموت ، وروي أنه بايعهم على ألا يفروا ، وهي بيعة الرضوان تحت الشجرة ، التي أخبر الله تعالى أنه رضي عن المبايعن لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحتها ، وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا يدخلون النار ، وضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيمينه على شماله لعثمان ، فهو كمن شهدها ، وذكر وكيع عن إسماعيل بن ابي خالد عن الشعبي قال : أول من بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية أبو سفيان الأسدي : وفي صحيح مسلم عن أبي الزبير عن جابر قال : كنا يوم الحديبية وأربعمائة ، فبايعناه وعمر آخذ بيده تحت الشجرة وهي سمرة ، وقال : بايعناه على ألا نفر ولم نبايعه على الموت وعنه أنه سمع جاراً يسأل : كم كانوا يوم الحديبية ؟ قال : كنا أربع عشرة مائة ، فبايعناه وعمر آخذ بيده تحت الشجرة وهي سمرة فبايعناه ، غير جد بن قيس الأنصاري اختبأ تحت بطن بعيره ، وعن سالم بن أبي الجعد قال : سألت جابر بن عبد الله عن أصحاب الشجرة ، فقال : لو كنا مائة ألف لكفانا ، كنا ألفاً وخمسمائة ، وفي رواية كنا خمس عشرة مائة ، وعن عبد الله بن أبي أوفى قال : كان أصحاب الشجرة ألفاً وثلثمائة ، وكانت أسلم ثمن المهاجرين ، وعن يزيد بن أبي عبيد قال : قلت لسلمة : على أي شيء بايعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية ؟ قال : على الموت ، وعن البراء بن عازب قال : كتب علي رضي الله عنه الصلح بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين المشركين يوم الحديبية فكتب : هذا ما كاتب عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : لا تكتب رسول الله فلو نعم أنك رسول الله لم نقاتلك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي : امحه فقال : ما أنا بالذي أمحاه ، فمحاه النبي صلى الله عليه وسلم بيده ، وكان فيما اشترطوا : أن يدخلوا مكة فيقيموا فيها ثلاثاً ، ولا يدخلها بسلاح إلا جلبان السلاح قلت لأبي إسحاق : وما جلبان السلاح ؟ قال : القراب وما فيه ، وعن أنس : أن قريشاً صالحوا النبي صلى الله عليه وسلم فيهم سهيل بن عمرو ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي : اكتب بسم الله الرحمن الرحيم ، فقال سهيل بن عمرو : أما باسم الله ، فما ندري ما بسم الله الرحمن الرحيم ! ولكن اكتب ما نعرف : باسمك اللهم ، فقال : اكتب من محمد رسول الله قالوا : لو علمنا أنك رسوله لاتبعناك ! ولكن اكتب اسمك واسم أبيك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اكتب من محمد بن عبد الله فاشترطوا على النبي صلى الله عليه وسلم : أن من جاء منكم لم نرده عليكم ، ومن جاءكم منا رددتموه علينا ، فقالوا : يا رسول الله ، أنكتب هذا ! قال : نعم إنه من ذهب منا إليهم فأبعده الله ومن جاءنا منهم فسيجعل الله له فرجاً ومخرجاً ، وعن أبي وائل قال : قال سهل بن حنيف يوم صفين فقال يا أيها الناس ، اتهموا أنفسكم لقد كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين المشركين ، فجاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، ألسنا على حق وهم على باطل ؟ قال ( بلى ) قال : أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار ؟ قال ( بلى ) قال ففيم نعطي الدنية في ديننا ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم ؟ فقال يا بن الخطاب إني رسول الله ولن يضيعني الله أبداً ، قال فانطلق عمر ، فلم يصبر متغيظاً فأتى أبا بكر فقال : يا أبا بكر ، ألسنا على حق وهم على باطل ؟ قال بلى ، قال : أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار ؟ قال بلى ، قال : فعلام نعطي الدنية في ديننا ونرجع ولما يحكم الله بينا وبينهم ؟ فقال : يا بن الخطاب ، إنه رسول الله ولن يضيعه الله أبداً ، قال : فنزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفتح ، فأرسل إلى عمر فأقرأه إياه ، فقال : يا رسول الله ، أوفتح هو ؟ قال نعم ، فطابت نفسه ورجع . قوله تعالى : " فعلم ما في قلوبهم " من الصدق والوفاء ، قاله الفراء : وقال ابن جريج و قتادة : من الرضا بأمر البيعة على ألا يفروا ، وقال مقاتل : من كراهة البيعة على أن يقاتلوا معه على الموت " فأنزل السكينة عليهم " حتى بايعوا ، وقيل : ( فعلم ما في قلوبهم ) من الكآبة بصد المشركين إياهم وتخلف رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم عنهم ، إذا رأى أنه يدخل الكعبة ، حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما ذلك رؤيا منام ، وقال الصديق : لم يكن فيها الدخول في هذا العام ، والسكينة : الطمأنينة وسكون النفس إلى صدق الوعد ، وقيل الصبر : " وأثابهم فتحا قريبا " قال قتادة و ابن أبي ليلى : فتح خيبر ، وقيل فتح مكة ، وقرئ ( وآتاهم ) .
يخبر تعالى عن رضاه عن المؤمنين الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة, وقد تقدم ذكر عدتهم وأنهم كانوا ألفاً وأربعمائة, وأن الشجرة كانت سمرة بأرض الحديبية, قال البخاري: حدثنا محمود, حدثنا عبيد الله عن إسرائيل عن طارق أن عبد الرحمن رضي الله عنه قال: انطلقت حاجاً فمررت بقوم يصلون فقلت: ما هذا المسجد ؟ قالوا هذه الشجرة حيث بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان, فأتيت سعيد بن المسيب فأخبرته فقال سعيد: حدثني أبي أنه كان فيمن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة, قال: فلما خرجنا من العام المقبل نسيناها فلم نقدر عليها, فقال سعيد: إن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لم يعلموها وعلمتموها أنتم, فأنتم أعلم.
وقوله تعالى: "فعلم ما في قلوبهم" أي من الصدق والوفاء والسمع والطاعة "فأنزل السكينة" وهي الطمأنينة "عليهم وأثابهم فتحاً قريباً" وهو ما أجرى الله عز وجل على أيديهم من الصلح بينهم وبين أعدائهم, وما حصل بذلك من الخير العام المستمر المتصل بفتح خيبر وفتح مكة, ثم سائر البلاد والأقاليم عليهم وما حصل لهم من العز والنصر والرفعة في الدنيا والاخرة, ولهذا قال تعالى: "ومغانم كثيرة يأخذونها وكان الله عزيزاً حكيماً".
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القطان, حدثنا عبيد الله بن موسى أخبرنا موسى يعني ابن عبيدة, حدثني إياس بن سلمة عن أبيه قال: بينما نحن قائلون إذ نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيها الناس, البيعة البيعة نزل روح القدس, قال: فثرنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو تحت شجرة سمرة فبايعناه, فذلك قول الله تعالى: "لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة" قال: فبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان رضي الله عنه بإحدى يديه على الأخرى فقال الناس: هنيئاً لابن عفان يطوف بالبيت ونحن ههنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو مكث كذا وكذا سنة ما طاف حتى أطوف".
ثم ذكر سبحانه الذين أخلصوا نياتهم وشهدوا بيعة الرضوان، فقال: 18- "لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة" أي رضي الله عنهم وقت تلك البيعة، وهي بيعة الرضوان، وكانت بالحديبية، والعامل فيها، "تحت" إما يبايعونك، أو محذوف على أنه حال من المفعول، وهذه الشجرة المذكورة هي شجرة كانت بالحديبية وقيل سدرة، وكانت البيعة على أن يقاتلوا قريشاً ولا يفروا. وروي أنه بايعهم على الموت، وقد تقدم ذكر عدد أهل هذه البيعة قريباً، والقصة مبسوطة في كتب الحديث والسير "فعلم ما في قلوبهم" معطوف على يبايعونك. قال الفراء: أي علم ما في قلوبهم من الصدق والوفاء. وقال قتادة وابن جريح: من الرضى بأمر البيعة على أن لا يفروا. وقال مقاتل: من كراهة البيعة على الموت "فأنزل السكينة عليهم" معطوف على رضى، والسكينة: الطمأنينة وسكون النفس كما تقدم، وقيل الصبر "وأثابهم فتحاً قريباً" هو فتح خيبر عند انصرافهم من الحديبية. قاله قتادة وابن أبي ليلى وغيرهما، وقيل فتح مكة، والأول أولى.
18. " لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك "، بالحديبية على أن يناجزوا قريشاً ولا يفروا، " تحت الشجرة "، وكانت سمرة، قال سعيد بن المسيب : حدثني أبي أنه كان فيمن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة، قال: فلما خرجنا من العام المقبل نسيناها فلم نقدر عليها.
وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر بذلك المكان بعد أن ذهبت الشجرة، فقال: أين كانت؟ فجعل بعضهم يقول: ها هنا وبعضهم: ها هنا، فلما كثر اختلافهم قال: سيروا، قد ذهبت الشجرة.
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا سفيان قال عمرو: سمعت جابر بن عبد الله قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية: أنتم خير أهل الأرض ، وكنا ألفاً وأربع مائة، ولو كنت أبصر اليوم لأريتكم مكان الشجرة.
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أخبرنا عبد الغافر بن محمد ، أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي ، حدثنا إبراهيم بن سفيان ، عن مسلم بن الحجاج، حدثنا محمد بن حاتم ، حدثنا حجاج ، عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابراً يسأل: كم كانوا يوم الحديبية؟ قال: كنا أربع عشرة مائة فبايعناه، وعمر آخذ بيده تحت الشجرة، وهي سمرة، فبايعناه غير جد بن قيس الأنصاري اختبأ تحت بطن بعيره.
وروى سالم عن جابر قال: كنا خمس عشرة مائة.
وقال عبد الله بن أبي أوفى: كان أصحاب الشجرة ألفاً وثلثمائة، وكانت أسلم ثمن المهاجرين.
وكان سبب هذه البيعة -على ما ذكره محمد بن إسحاق عن أهل العلم- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا خراش بن أبي أمية الخزاعي حين نزل فبعثه إلى قريش بمكة وحمله على جمل له، يقال له الثعلب ليبلغ أشرافهم عنه ما جاء له، فعقروا به جمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرادوا قتله فمنعته الأحابيش، فخلوا سبيله حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب ليبعثه إلى مكة، فقال: يا رسول الله إني أخاف قريشاً على نفسي، وليس بمكة من بني عدي بن كعب أحد يمنعني، وقد عرفت قريش عداوتي إياها وغلظتي عليها، ولكن أدلك على رجل هو أعز بها مني: عثمان بن عفان، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان، فبعثه إلى أبي سفيان وأشراف قريش يخبرهم أنه لم يأت لحرب، وإنما جاء زائراً لهذا البيت معظماً لحرمته، فخرج عثمان إلى مكة، فلقيه أبان بن سعيد بن العاص حين دخل مكة، أو قبل أن يدخلها، فنزل عن دابته وحمله بين يديه، ثم أردفه وأجاره حتى بلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عظماء قريش لعثمان حين فرغ من رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن شئت أن تطوف بالبيت فطف به، قال: ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاحتسبته قريش عندها، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين أن عثمان قد قتل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا نبرح حتى نناجز القوم، ودعا الناس إلى البيعة، فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة.
وكان الناس يقولون: بايعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الموت، قال بكر بن الأشج : بايعوه على الموت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل على ما استطعتم.
وقال جابر بن عبد الله ومعقل بن يسار: لم نبايعه على الموت ولكن بايعناه على أن لا نفر، فكان أول من بايع بيعة الرضوان من بني أسد يقال له أبو سنان بن وهب، ولم يتخلف عنه أحد من المسلمين حضرها إلا جد بن قيس أخو بني سلمة، قال جابر: لكأني أنظر إليه لاصقاً بإبط ناقته مستتراً بها من الناس، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الذي ذكر من أمر عثمان باطل.
أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي ، أخبرني الحسين بن محمد بن فنجويه ، حدثنا علي بن أحمد بن نضرويه ، حدثنا أبو عمران موسى بن سهل بن عبد الحميد الجوني ، حدثنا محمد بن رمح، حدثنا الليث بن سعد، عن أبي الزبير، عن جابر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة ".
قوله عوز وجل: " فعلم ما في قلوبهم "، من الصدق والوفاء، " فأنزل السكينة "، الطمأنينة والرضا، " عليهم وأثابهم فتحاً قريباً "، يعني فتح خيبر.
18-" لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة " روي : " أنه صلى الله عليه وسلم لما نزل الحديبية بعث جواس بن أمية الخزاعي إلى أهل مكة ، فهموا به فمنعه الأحابيش فرجع ، فبعث عثمان بن عفان رضي الله عنه فحبسوه فأرجف بقتله ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه وكانوا ألفاً وثلثمائة أو أربعمائة أو خمسمائة ، وبايعهم على أن يقاتلوا قريشاً ولا يفروا عنهم وكان جالساً تحت سمرة أو سدرة ". " فعلم ما في قلوبهم " من الإخلاص " فأنزل السكينة عليهم " الطمأنينة وسكون النفس بالتشجيع أو الصلح " وأثابهم فتحاً قريباً " فتح خيبر غب انصرافهم ، وقيل مكة أو هجر .
18. Allah was well pleased with the believers when they swore allegiance unto thee beneath the tree, and He knew what was in their hearts, and He sent down peace of reassurance on them, and hath rewarded them with a near victory;
18 - God's Good Pleasure was on the Believers when they swore Fealty to thee under the Tree: He knew what was in their hearts, and He sent down Tranquillity to them; and He rewarded them with a speedy Victory;