18 - (إنا سخرنا الجبال معه يسبحن) بتسبيحه (بالعشي) وقت صلاة العشاء (والإشراق) وقت صلاة الضحى وهو أن تشرق الشمس ويتناهى ضوؤها
وقوله "إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق" يقول تعالى ذكره : إنا سخرنا الجبال يسبحن مع داود بالعشي ، وذلك من وقت العصر إلى الليل ، والإشراق ، وذلك بالغداة وقت الضحى .
ذكر أن داود كان إذا سبح سبحت معه الجبال .
كما حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة "إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق" يسبحن مع داود إذا سبح بالعشي والإشراق.
حدثني يونس، قال : أخبرنا ابن وهب، قال : قال ابن زيد، فى قوله "بالعشي والإشراق" قال : حين تشرق الشمس وتضحى.
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا محمد بن بشر، عن مسعر بن عبد الكريم ، عن موسى بن أبي كثير، عن ابن عباس أنه بلغه أن أم هانئ ذكرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة، صلى الضحى ثمان ركعات ، فقال ابن عباس : قد ظننت أن لهذه الساعة صلاة، يقول الله "يسبحن بالعشي والإشراق".
حدثنا ابن عبد الرحيم البرقي ، قال : ثنا عمرو بن أبي سلمة، قال : ثنا صدقة، قال : ثني سعيد بن أبي عروبة، عن أبي المتوكل ، عن أيوب بن صفوان ، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل أن ابن عباس كان لا يصلي الضحى، قال : فأدخلته على أم هانىء، فقلت : أخبري هذا بما أخبرتني به ، فقالت أم هانئ: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح في بيتي ، فأمر بماء فصب في قصعة، ثم أمر بثوب فأخذ بيني وبينه ، فاغتسل ، ثم رش ناحية البيت فصلى ثمان ركعات ، وذلك من الضحى قيامهن وركوعهن وسجودهن وجلوسهن سواء، قريب بعضهن من بعض . فخرج ابن عباس ، وهو يقول : لقد قرأت ما بين اللوحين ، ما عرفت صلاة الضحى إلا الآن "يسبحن بالعشي والإشراق" وكنت أقول : أين صلاة الإشراق؟ ثم قال : بعدهن صلاة الإشراق.
حدثنا عمرو بن علي ، قال : ثنا عبد الأعلى، قال : ثنا سعيد بن أبي عروبة، عن متوكل ، عن أيوب ين صفوان ، مولى عبد الله بن الحارث ، عن عبد الله بن الحارث ، أن أم هانئ ابنة أبي طالب ، حدثت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح دخل عليها ثم ذكر نحوه.
وعن ابن عباس في قوله "يسبحن بالعشي" مثل ذلك.
قوله تعالى : " إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق "
فيه أربع مسائل :
الأولى - قوله تعالى : " إنا سخرنا الجبال معه يسبحن " < يسبحن > في موضع نصب على الحال ، ذكر تعالى ما آتاه من البرهان والمعجزة وهو تسبيح الجبال معه .قال مقاتل : كان داود إذا ذكر الله جل وعز ذكرت الجبال معه ، وكان يفقه تسبيح الجبال . وقال ابن عباس : < يسبحن > يصلين . وإنما يكون هذا معجزة إذا رآه الناس وعرفوه . وقال محمد بن إسحاق : أوتي داود من حسن الصوت ما يكون له في الجبال دوي حسن ، وما تصغي لحسنه الطير وتصوت معه ، فهذا تسبيح الجبال والطير . وقيل : وسخرها الله عز وجل لتسير معه فذلك تسبيحاً ، لأنها دالة على تنزيه الله عن شبه المخلوقين . وقد مضى القول في هذا في < سبأ > وفي < سبحان > عند قوله تعالى : " وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم " [ الإسراء : 44 ] وإن ذلك تسبيح مقال على الصحيح من الأقوال .والله أعلم . < بالعشي والإشراق > الإشراق أيضاً ابيضاض الشمس بعد طلوعها . يقال : شرقت الشمس إذا طلعت ، وأشرقت إذا أضاءت . فكان داود يسبح إثر صلاته عند طلوع الشمس وعند غروبها .
الثانية - " روي عن ابن عباس أنه قال : كنت أمر بهذه الآية " بالعشي والإشراق " ولا أدري ما هي ، حتى حدثتني أم هانىء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها ، فدعا بوضوء فتوضأ ، ثم صلى صلاة الضحى ، وقال : يا أم هانىء هذه صلاة الإشراق " وقال عكرمة قال ابن عباس : كان في نفسي شيء من صلاة الضحى حتى وجدتها في القرآن " يسبحن بالعشي والإشراق " . قال عكرمة : وكان ابن عباس لا يصلي صلاة الضحى ثم صلاها بعد . وروي أن كعب الأحبار قال لابن عباس : إني أجد في كتب الله صلاة بعد طلوع الشمس هي صلاة الأوابين . فقال ابن عباس : وأنا أوجدك في القرآن ، ذلك في قصة داود < يسبحن بالعشي والإشراق > .
الثالثة - صلاة الضحى نافلة مستحبة ، وهي في الغداة بإزاء العصر في العشي ، لا ينبغي أن تصلى حتى تبيض الشمس طالعة ، ويرتفع كدرها ، وتشرق بنورها ، كما لا تصلي العصر إذا اصفرت الشمس . وفي صحيح مسلم " عن زيد بن أرقم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : صلاة الأوابين حين ترمض الفصال " الفصال والفصلان جمع فصيل ، وهو الذي يفطم من الرضاعة من الإبل . والرمضاء شدة الحر في الأرض . وخص الفصال هنا بالذكر ، لأنها هي التي ترمض قبل انتهاء شدة الحر التي ترمض بها إمهاتها لقلة جلدها ، وذلك يكون في الضحى أو بعده بقليل ، وهو الوقت المتوسط بين طلوع الشمس وزوالها ، قاله القاضي أبو بكر بن العربي . ومن الناس من يبادر بها قبل ذلك استعجالاً ، لأجل شغله فيخسر عمله ، لأنه يصليها في الوقت المنهى عنه ويأتي بعمل هو عليه لا له .
الرابعة - " روى الترمذي من حديث أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من صلى الضحى ثنتي عشرة ركعة بنى الله له قصراً من ذهب في الجنة " قال حديث غريب . وفي صحيح مسلم " عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة فكل تسبيحة صدقة وكل تهليلة صدقة وكل تكبيرة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن المنكر صدقة ويجزي من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى " وفي الترمذي " عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من حافظ على شفعة الضحى غفرت له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر " وروى " البخاري و مسلم عن أبي هريرة قال : أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهن حتى أموت صوم ثلاثة أيام من كل شهر وصلاة الضحى ونوم على وتر " لفظ البخاري . وقال مسلم < وركعتي الضحى > وخرجه من حديث أبي الدرداء كما خرجه البخاري من حديث أبي هريرة . وهذا كله يدل على أن أقل الضحى ركعتان وأكثره ثنتا عشرة . والله أعلم . وأصل السلامي < بضم السين > عظام الأصابع والأكف والأرجل ، ثم استعمل في سائر عظام الجسد ومفاصله . " وروي من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إنه خلق كل إنسان من بني آدم على ستين وثلثمائة مفصل فمن كبر الله وحمد الله وهلل الله وسبح الله واستغفر الله وعزل حجراً عن طريق الناس أو شوكة أو عظماً عن طريق الناس وأمر بمعروف أو نهى عن منكر عدد تلك الستين وثلثمائة سلامى فإنه يمشي يومئذ وقد زحزج نفسه عن النار " قال أبو توبة : وربما قال < يمسي > كذا خرجه مسلم . وقوله :< ويجزي عن ذلك ركعتان > أي يكفي من هذه الصدقات عن هذه الأعضاء ركعتان . وذلك أن الصلاة عمل بجميع أعضاء الجسد ، فإذا صلى فقد قام كل عضو بوظيفته التي عليه في الأصل . والله أعلم .
يذكر تعالى عن عبده ورسوله داود عليه الصلاة والسلام أنه كان ذا أيد والأيد القوة في العلم والعمل. قال ابن عباس رضي الله عنهما والسدي وابن زيد, الأيد القوة, وقرأ ابن زيد "والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون" وقال مجاهد الأيد القوة في الطاعة. وقال قتادة أعطي داود عليه الصلاة والسلام قوة في العبادة وفقهاً في الإسلام, وقد ذكر لنا أنه عليه الصلاة والسلام كان يقوم ثلث الليل ويصوم نصف الدهر, وهذا ثابت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "أحب الصلاة إلى الله تعالى صلاة داود, وأحب الصيام إلى الله عز وجل صيام داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه, وكان يصوم يوماً ويفطر يوماً ولا يفر إذا لاقى وأنه كان أواباً" وهو الرجاع إلى الله عز وجل في جميع أموره وشؤونه.
وقوله تعالى: "إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق" أي أنه تعالى سخر الجبال تسبح معه عند إشراق الشمس وآخر النهار كما قال عز وجل: "يا جبال أوبي معه والطير" وكذلك كانت الطير تسبح بتسبيحه وترجع بترجيعه إذا مر الطير وهو سابح في الهواء فسمعه وهو يترنم بقراءة الزبور لا يستطيع الذهاب بل يقف في الهواء ويسبح معه وتجيبه الجبال الشامخات ترجع معه وتسبح تبعاً له. قال ابن جرير حدثنا أبو كريب حدثنا محمد بن بشر عن مسعر عن عبد الكريم عن موسى بن أبي كثير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه بلغه أن أم هانىء رضي الله عنها ذكرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة صلى الضحى ثمان ركعات فقال ابن عباس رضي الله عنهما قد ظننت أن لهذه الساعة صلاة يقول عز وجل: " يسبحن بالعشي والإشراق " ثم رواه من حديث سعيد بن أبي عروبة عن أبي المتوكل عن أيوب بن صفوان عن مولاه عبد الله بن الحارث بن نوفل أن ابن عباس رضي الله عنهما كان لا يصلي الضحى فأدخلته على أم هانىء رضي الله عنها فقلت أخبري هذا ما أخبرتني به فقالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح في بيتي ثم أمر بماء صب في قصعة ثم أمر بثوب فأخذ بيني وبينه فاغتسل ثم رش ناحية البيت فصلى ثمان ركعات وذلك من الضحى قيامهن وركوعهن وسجودهن وجلوسهن سواء قريب بعضهن من بعض فخرج ابن عباس رضي الله عنهما وهو يقول: لقد قرأت ما بين اللوحين ما عرفت صلاة الضحى إلا الان "يسبحن بالعشي والإشراق" وكنت أقول أين صلاة الإشراق وكان بعد يقول صلاة الإشراق ولهذا قال عز وجل: "والطير محشورة" أي محبوسة في الهواء "كل له أواب" أي مطيع يسبح تبعاً له, وقال سعيد بن جبير وقتادة ومالك عن زيد بن أسلم وابن زيد "كل له أواب" أي مطيع.
وقوله تعالى: "وشددنا ملكه" أي جعلنا له ملكاً كاملاً من جميع ما يحتاج إليه الملوك, قال ابن أبي نجي عن مجاهد كان أشد أهل الدنيا سلطاناً, وقال السدي كان يحرسه كل يوم أربعة آلاف, وقال بعض السلف بلغني أنه كان يحرسه في كل ليلة ثلاثة وثلاثون ألفاً لا تدور عليهم النوبة إلى مثلها من العام القابل, وقال غيره أربعون ألفاً مشتملون بالسلاح, وقد ذكر ابن جرير وابن أبي حاتم من رواية علباء بن أحمر عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن نفرين من بني إسرائيل استعدى أحدهما على الاخر إلى داود عليه الصلاة والسلام أنه اغتصبه بقراً فأنكر الاخر ولم يكن للمدعي بينة فأرجأ أمرهما فلما كان الليل أمر داود عليه الصلاة والسلام في المنام بقتل المدعي, فلما كان النهار طلبهما وأمر بقتل المدعي فقال يا نبي الله علام تقتلني وقد اغتصبني هذا بقري ؟ فقال له إن الله تعالى أمرني بقتلك فأنا قاتلك لا محالة, فقال والله إن الله لم يأمر بقتلي لأجل هذا الذي ادعيت عليه وإني لصادق فيما ادعيت ولكني كنت قد اغتلت أباه وقتلته ولم يشعر بذلك أحد فأمر به داود عليه السلام فقتل, قال ابن عباس رضي الله عنهما: فاشتدت هيبته في بني إسرائيل وهو الذي يقول الله عز وجل "وشددنا ملكه".
وقوله عز وعلا: "وآتيناه الحكمة" قال مجاهد يعني الفهم والعقل والفطنة, وقال مرة: الحكمة والعدل, وقال مرة: الصواب, وقال قتادة كتاب الله واتباع ما فيه, فقال السدي "الحكمة" النبوة وقوله جل جلاله "وفصل الخطاب" قال شريح القاضي والشعبي: فصل الخطاب الشهود والأيمان وقال قتادة شاهدان على المدعي أو يمين المدعى عليه هو فصل الخطاب الذي فصل به الأنبياء والرسل أو قال المؤمنون والصالحون وهو قضاء هذه الأمة إلى يوم القيامة, وكذا قال أبو عبد الرحمن السلمي وقال مجاهد والسدي هو إصابة القضاء وفهم ذلك وقال مجاهد أيضاً هو الفصل في الكلام وفي الحكم وهذا يشمل هذا كله وهو المراد واختاره ابن جرير وقال ابن أبي حاتم حدثنا عمر بن شيبة النميري حدثنا إبراهيم بن المنذر حدثني عبد العزيز بن أبي ثابت عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن بلال بن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى رضي الله عنه قال: أول من قال: أما بعد داود عليه السلام وهو فصل الخطاب, وكذا قال الشعبي فصل الخطاب: أما بعد.
18- "إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق" أي يقدسن الله سبحانه وينزهنه عما لا يليق به. وجملة يسبحن في محل نصب على الحال، وفي هذا بيان ما أعطاه الله من البرهان والمعجزة، وهو تسبيح الجبال معه. قال مقاتل: كان داود إذا ذكر الله ذكرت الجبال معه، وكان يفقه تسبيح الجبال. وقال محمد بن إسحاق: أوتي داود من حسن الصوت ما يكون له في الجبال دوي حسن، فهذا معنى تسبيح الجبال، والأول أولى. وقيل معنى يسبحن يصلين، و معه متعلق بسخرنا. ومعنى بالعشي والإشراق قال الكلبي: غدوة وعشية، يقال أشرقت الشمس: إذا أضاءت، وذكل وقت الضحى. وأما شروقها فطلوعها. قال الزجاج: شرقت الشمس: إذا طلعت، وأشرقت: إذا أضاءت.
18. " إنا سخرنا الجبال معه "، كما قال: " وسخرنا مع داود الجبال " (الأنبياء-79). " يسبحن "، بتسبيحه، " بالعشي والإشراق "، قال الكلبي : غدوة وعشية. والإشراق: هو أن تشرق الشمس ويتناهى ضوؤها. وفسره ابن عباس: بصلاة الضحى.
أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي ، أخبرني ابن فنجويه ، حدثنا ابن أبي شيبة ، حدثنا أبو أمية محمد بن إبراهيم ، حدثنا الحجاج بن نضير ، أخبرنا أبو بكر الهذلي ، عن عطاء بن أبي رباح ، "عن ابن عباس في قوله: " بالعشي والإشراق" ، قال: كنت أمر بهذه الآية لا أدري ما هي حتى حدثتني أم هانئ بنت أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها فدعا بوضوء فتوضأ، ثم صلى الضحى، فقال: يا أم هانئ هذه صلاة الإشراق ".
18-" إنا سخرنا الجبال معه يسبحن " قد مر تفسيره ، و " يسبحن " حال وضع موضع مسبحات لاستحضار الحال الماضية والدلالة على تجدد التسبيح حالاً بعد حال . " بالعشي والإشراق " ووقت الإشراق وهو حين تشرق الشمس أي تضيء ويصفو شعاعها وهو وقت الضحى ، وأما شروقها فطلوعها يقال شرقت الشمس ولما تشرق .وعن أم هانئ رضي الله تعالى عنها : " أنه عليه الصلاة والسلام صلى صلاة الضحى وقال هذه صلاة الإشراق " . وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : ما عرفت صلاة الضحى إلا بهذه الآية .
18. Lo! We subdued the hills to hymn the praises (of their Lord) with him at nightfall and sunrise,
18 - It was We that made the hills declare, in unison with him, our Praises, at eventide and a break of day,