178 - (من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: الهداية والإضلال بيد الله، و " المهتدي " - وهو السالك سبيل الحق، الراكب قصد المحجة - في دينه، من هداه الله لذلك فوفقه لأصابته، والضال من خذله الله فلم يوفقه لطاعته. ومن فعل الله ذلك به فهو ((الخاسر))، يعني الهالك.
وقد بينا معنى: ((الخسارة)) و((الهداية))، و((الضلالة))، في غير موضع من كتابنا هذا، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
تقدم معناه في غير موضع. وهذه الآية ترد على القدرية كما سبق، وترد على من قال إن الله تعالى هدى جميع المكلفين ولا يجوز أن يضل أحداً.
يقول تعالى من هداه الله فإنه لا مضل له ومن أضله فقد خاب وخسر وضل لا محالة, فإنه تعالى ما شاء كان ومالم يشأ لم يكن, ولهذا جاء في حديث ابن مسعود "إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل الله فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله" الحديث بتمامه رواه الإمام أحمد وأهل السنن وغيرهم.
178- "من يهد الله فهو المهتدي" لما أمر به وشرعه لعباده "ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون" الكاملون في الخسران، من هداه فلا مضل له، ومن أضله فلا هادي له: ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن.
وقد أخرج الفريابي وعبد الرزاق وعبد بن حميد والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن مسعود في قوله: "واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا" قال: هو رجل من بني إسرائيل يقال له: بلعم بن آبز. وأخرج ابن حميد وابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه من طرق عن ابن عباس قال: هو بلعم بن باعوراء، وفي لفظ: بلعام بن باعر الذي أوتي الاسم كان في بني إسرائيل. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا" قال: هو رجل من مدينة الجبارين يقال له: بلعم، تعلم اسم الله الأكبر، فلما نزل بهم موسى أتاه بنو عمه وقومه فقالوا: إن موسى رجل حديد ومعه جنود كثيرة، وإنه إن يظهر علينا يهلكنا، فادع الله أن يرد عنا موسى ومن معه، قال: إني إن دعوت الله أن يرد موسى ومن معه مضت دنياي وآخرتي، فلم يزالوا به حتى دعا الله فسلخ ما كان فيه. وفي قوله: "إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث" قال: إن حمل الحكمة لم يحملها، وإن ترك لم يهت لخير كالكلب إن كان رابضاً لهث وإن يطرد لهث. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه في الآية قال: هو رجل أعطي ثلاث دعوات يستجاب له فيهن، وكانت له امرأة له منها ولد، فقالت: اجعل لي منها واحدة، قال: فلك واحدة فما الذي تريدين؟ قالت: ادع الله أن يجعلني أجمل امرأة في بني إسرائيل، فدعا الله فجعلها أجمل امرأة في بني إسرائيل، فلما علمت أن ليس فيهم مثلها رغبت عنه وأرادت شيئاً آخر، فدعا الله أن يجعلها كلبة فصارت كلبة، فذهبت دعوتان، فجاء بنوها فقالوا: ليس بنا على هذا قرار قد صارت أمنا كلبة يعيرنا الناس بها، فادع الله أن يردها إلى الحال التي كانت عليه فدعا الله فعادت كما كانت فذهبت الدعوات الثلاث وسميت البسوس. وأخرج عبد بن حميد والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن عبد الله بن عمرو في الآية قال: هو أمية بن أبي الصلت الثقفي، وفي لفظ: نزلت في صاحبكم أمية بن أبي الصلت. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عنه نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن الشعبي في هذه الآية قال: قال ابن عباس: هو رجل من بني إسرائيل يقال له بلعام بن باعوراء، وكانت الأنصار تقول: هو ابن الراهب الذي بنى له مسجد الشقاق، وكانت ثقيف تقول: هو أمية بن أبي الصلت. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: هو صيفي بن الراهب. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه في قوله: "فانسلخ منها" قال: نزع منه العلم. وفي قوله: "ولو شئنا لرفعناه بها" قال: رفعه الله بعلمه. وأخرج مسلم والنسائي وابن ماجه وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن جابر بن عبد الله قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته يحمد الله ويثني عليه بما هو أهله، ثم يقول:من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدث بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار" ثم يقول: "بعثت أنا والساعة كهاتين".
178 - " من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون " .
178. " من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون " تصريح بأن الهدى والضلال من الله ، و أن هداية الله تختص ببعض دون بعض ، وأنها مستلزمة للاهتداء والإفراد في الأول والجمع في الثاني باعتبار اللفظ ، والمعنى تنبيه على أن المهتدين كواحد لاتحاد طريقهم بخلاف الضالين ، والاقتصار في الإخبار عمن هداه الله بالمهتدي تعظيم لشأن الاهتداء ،وتنبيه على أنه في نفسه كمال جسيم ونفع عظيم لو لم يحصل له فيره لكفاه وأنه المستلزم للفوز بالنعم الآجلة والعنوان لها .
178. He who Allah leadeth, he indeed is led aright, while he whom Allah sendeth astray they indeed are losers.
178 - Whom God doth guide, he is on the right path: whom he rejects from his guidance, such are the persons who perish.