170 - (والذين يمسِّكون) بالتشديد والتخفيف (بالكتاب) منهم (وأقاموا الصلاة) كعبد الله بن سلام وأصحابه (إنا لا نضيع أجر المصلحين) الجملة خبر الذين ، وفيه وضع الظاهر موضع المضمر أي أجرهم
قال أبو جعفر: واختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فقرأ بعضهم: ((يمسكون)) بتخفيف الميم وتسكينها، من ((أمسك يمسك)).
وقرأه آخرون: " يمسكون "، بفتح الميم وتشديد السين، من ((مسك يمسك)).
قال أبو جعفر: ويعني بذلك: والذي يعملون بما في كتاب الله، " وأقاموا الصلاة "، بحدودها، ولم يضيعوا أوقاتها، " إنا لا نضيع أجر المصلحين "، يقول تعالى ذكره: فمن فعل ذلك من خلقي، فإني لا أضيع أجر عمله الصالح، كما:
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: " والذين يمسكون بالكتاب "، قال: كتاب الله الذي جاء به موسى عليه السلام.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج عن ابن جريج قال، قال مجاهد قوله: " والذين يمسكون بالكتاب "، من يهود أو نصارى، " إنا لا نضيع أجر المصلحين ".
قوله تعالى: "والذين يمسكون بالكتاب" أي بالتوراة، أي بالعمل بها، يقال: مسك به وتمسك به أي استمسك به. وقرأ أبو العالية وعاصم في رواية أبي بكر يمسكون بالتخفيف من أمسك يمسك. والقراءة الأولى أولى، لأن فيها معنى التكرير والتكثير للتمسك بكتاب الله تعالى وبدينه فبذلك يمدحون. فالتمسك بكتاب الله والدين يحتاج إلى الملازمة والتكرير لفعل ذلك. وقال كعب بن زهير:
فما تمسك بالعهد الذي زعمت إلا كما تمسك الماء الغرابيل
فجاء به على طبعه يذم بكثرة نقض العهد.
يذكر تعالى أنه فرقهم في الأرض أمماً أي طوائف وفرقاً كما قال " وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا " "منهم الصالحون ومنهم دون ذلك" أي فيهم الصالح وغير ذلك كقول الجن "وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق قدداً" "وبلوناهم" أي اختبرناهم "بالحسنات والسيئات" أي بالرخاء والشدة والرغبة والرهبة والعافية والبلاء "لعلهم يرجعون" ثم قال تعالى "فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى" الاية يقول تعالى: فخلف من بعد ذلك الجيل الذين فيهم الصالح والطالح خلف آخر لا خير فيهم وقد ورثوا دراسة الكتاب وهو التوراة وقال مجاهد: هم النصارى وقد يكون أعم من ذلك "يأخذون عرض هذا الأدنى" أي يعتاضون عن بذل الحق ونشره بعرض الحياة الدنيا ويسوفون أنفسهم ويعدونها بالتوبة وكلما لاح لهم مثل الأول وقعوا فيه, ولهذا قال "وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه" وكما قال سعيد بن جبير يعملون الذنب ثم يستغفرون الله منه ويعترفون لله فإن عرض ذلك الذنب أخذوه وقال مجاهد في قوله تعالى: "يأخذون عرض هذا الأدنى" قال لا يشرف لهم شيء من الدنيا إلا أخذوه حلالاً كان أو حراماً ويتمنون المغفرة "ويقولون سيغفر لنا وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه", وقال قتادة في الاية إي والله لخلف سوء "ورثوا الكتاب" بعد أنبيائهم ورسلهم أورثهم الله وعهد إليهم, وقال الله تعالى في آية أخرى "فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة" الاية قال "يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا" تمنوا على الله أماني وغرة يغترون بها "وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه" لا يشغلهم شيء ولا ينهاهم شيء عن ذلك كلما هف لهم شيء من الدنيا أكلوه لا يبالون حلالاً كان أو حراماً, وقال السدي: قوله "فخلف من بعدهم خلف" إلى قوله "ودرسوا ما فيه" قال: كانت بنو إسرائيل لا يستقضون قاضياً إلا ارتشى في الحكم وإن خيارهم اجتمعوا فأخذ بعضهم على بعض العهود أن لا يفعلوا ولا يرتشوا فجعل الرجل منهم إذا استقضى ارتشى فيقال له ما شأنك ترتشي في الحكم ؟ فيقول سيغفر لي, فتطعن عليه البقية الاخرون من بني إسرائيل فيما صنع فإذا مات أو نزع وجعل مكانه رجل ممن كان يطعن عليه فيرتشي, يقول وإن يأت الاخرين عرض الدنيا يأخذوه قال الله تعالى: "ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق" الاية يقول تعالى منكراً عليهم في صنيعهم هذا مع ما أخذ عليهم من الميثاق ليبينن الحق للناس ولا يكتمونه كقوله "وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون" وقال ابن جريج قال ابن عباس "ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق" قال فيما يتمنون على الله من غفران ذنوبهم التي لا يزالون يعودون فيها ولا يتوبون منها, وقوله تعالى " والدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون " يرغبهم في جزيل ثوابه ويحذرهم من وبيل عقابه, أي وثوابي وما عندي خير لمن اتقى المحارم وترك هوى نفسه وأقبل على طاعة ربه "أفلا تعقلون" يقول أفليس لهؤلاء الذين اعتاضوا بعرض الدنيا عما عندي عقل يردعهم عما هم فيه من السفه والتبذير, ثم أثنى تعالى على من تمسك بكتابه الذي يقوده إلى اتباع رسوله محمد صلى الله عليه وسلم كما هو مكتوب فيه فقال تعالى: "والذين يمسكون بالكتاب" أي اعتصموا به واقتدوا بأوامره, وتركوا زواجره "وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المصلحين".
قوله: 170- "والذين يمسكون بالكتاب" قرأ الجمهور يمسكون بالتشديد من مسك وتمسك: أي استمسك بالكتاب وهو التوراة. وقرأ أبو العالية وعاصم في رواية أبي بكر بالتخفيف من أمسك يمسك. وروي عن أبي بن كعب أنه قرأ مسكوا والمعنى: أن طائفة من أهل الكتاب لا يتمسكون بالكتاب ولا يعملون بما فيه مع كونهم قد درسوه وعرفوه وهم من تقدم ذكره، وطائفة يتمسكون بالكتاب: أي التوراة ويعملون بما فيه ويرجعون إليه في أمر دينهم فهم المحسنون الذين لا يضيع أجرهم عند الله، والموصول مبتدأ، و "إنا لا نضيع أجر المصلحين" خبره: أي لا نضيع أجر المصلحين منهم، وإنما وقع التنصيص على الصلاة مع كونها داخلة في سائر العبادات التي يفعلها المتمسكون بالتوراة لأنها رأس العبادات وأعظمها، فكان ذلك وجهاً لتخصيصها بالذكر، وقيل: لأنها تقام في أوقات مخصوصة، والتمسك بالكتاب مستمر فذكرت لهذا، وفيه نظر. فإن كل عبادة في الغالب تختص بوقت معين، ويجوز أن يكون الموصول معطوفاً على الموصول الذي قبله وهو للذين يتقون، ولكون "أفلا تعقلون" جملة معترضة.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: "يسومهم سوء العذاب" قال: محمد وأمته إلى يوم القيامة، وسوء العذاب: الجزية. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه قال: "سوء العذاب" الخراج، وفي قوله: "وقطعناهم" قال: هم اليهود بسطهم الله في الأرض فليس منها بقعة إلا وفيها عصابة منهم وطائفة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في قوله: "ليبعثن عليهم" قال: على اليهود والنصارى "إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب" فبعث الله عليهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم يأخذون منهم الجزية وهم صاغرون "وقطعناهم في الأرض أمماً" قال: يهود "منهم الصالحون" وهم مسلمة أهل الكتاب "ومنهم دون ذلك" قال: اليهود "وبلوناهم بالحسنات" قال: الرخاء والعافية "والسيئات" قال: البلاء والعقوبة. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس "وبلوناهم بالحسنات والسيئات" بالخصب والجدب. وأخرج أبو الشيخ عنه أنه سئل عن هذه الآية "فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى" قال: أقوام يقبلون على الدنيا فيأكلونها ويتبعون رخص القرآن "ويقولون سيغفر لنا" ولا يعرض لهم شيء من الدنيا إلا أخذوه. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: "فخلف من بعدهم خلف" قال: النصارى "يأخذون عرض هذا الأدنى" قال: ما أشرف لهم من شيء من الدنيا حلالاً أو حراماً يشتهونه أخذوه ويتمنون المغفرة، وإن يجدوا الغد مثله يأخذوه. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس "فخلف من بعدهم خلف" الآية يقول: يأخذون ما أصابوا ويتركون ما شاءوا من حلال أو حرام "ويقولون سيغفر لنا". وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: "ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق" فيما يوجبون على الله من غفران ذنوبهم التي لا يزالون يعودون إليها ولا يتوبون منها. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي زيد في قوله: "ودرسوا ما فيه" قال: علموا ما في الكتاب لم يأتوه بجهالة. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن في قوله: "والذين يمسكون بالكتاب" قال: هي لأهل الإيمان منهم. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: "والذين يمسكون بالكتاب" قال: من اليهود والنصارى.
170- " والذين يمسكون بالكتاب " ، قرأ أبو بكر عن عاصم : ( يمسكون ) بالتخفيف ، وقراءة العامة بالتشديد ، لأنه يقال : مسكت بالشيء ، ولا يقال أمسكت بالشيء ، إنما يقال : أمسكته ، وقرأ أبي بن كعب : ( والذين تمسكوا بالكتاب ) ، على الماضي وهو جيد لقوله تعالى : " وأقاموا الصلاة " إذ قل ما يعطف ماض على مستقبل إلا في المعنى ، { وأراد} الذين يعملون بما في الكتاب، قال مجاهد : هم المؤمنون من أهل الكتاب ، عبدالله بن سلام وأصحابه ، تمسكوا بالكتاب الذي جاء به موسى فلم يحرفوه ولم يكتموه ولم يتخذوه مأكلةً . وقال عطاء : هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم . " وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المصلحين " .
170. " والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة" عطف على الذين " يتقون " وقوله : " أفلا تعقلون " اعترض أو مبتدأ خبره : " إنا لا نضيع أجر المصلحين " على تقدير منهم ، أو وضع الظاهر موضع المضمر تنبيها على أن الإصلاح كالمانع من التضييع . وقرأ أبو بكر " يمسكون " بالتخفيف وإفراد الإقامة لإنافتها على سائر أنواع التمسكات .
170. And as for those who make (men) keep the Scripture, and establish worship lo! We squander not the wages of reformers.
170 - As to those who hold fast by the book and establish regular prayer, never shall we suffer the reward of the righteous to perish.