17 - (إنا بلوناهم) امتحنا أهل مكة بالقحط والجوع (كما بلونا أصحاب الجنة) البستان (إذ أقسموا ليصرمنها) يقطعون ثمرتها (مصبحين) وقت الصباح كي لا يشعر بهم المساكين فلا يعطون منها ما كان أبوهم يتصدق به عليهم منها
ك وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن جريج ان أبا جهل قال يوم بدر خذوهم أخذا فاربطوهم في الحبال ولا تقتلوا منهم أحدا فنزلت إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة يقول في قدرتهم عليهم كما اقتدر أصحاب الجنة على الجنة
يعني تعالى ذكره بقوله " إنا بلوناهم " : أي بلونا مشركي قريش ، يقول : امتحناهم فاختبرناهم ، " كما بلونا أصحاب الجنة " يقول : كما امتحنا أصحاب البستان " إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين " يقول : إذ حلفوا ليصرمن من ثمرها إذا أصبحوا .
الأولى: قوله تعالى: "إنا بلوناهم" يريد أهل مكة. والابتلاء الاختبار. والمعنى أعطيناهم أموالاً ليشكروا لا ليبطروا، فلما بطروا وعادوا محمداً صلى الله عليه وسلم ابتليناهم بالجوع والقحط كما بلونا أهل الجنة المعروف خبرها عندهم. وذلك أنها كانت بأرض اليمن بالقرب منهم على فراسخ من صنعاء - ويقال بفرسخين - وكانت لرجل يؤدي حق الله تعالى منها، فلما مات صار إلى ولده، فمنعوا الناس خيرها وبخلوا بحق الله فيها، فأهلكها الله من حيث لم يمكنهم دفع ما حل بها. وقال الكلبي: كان بينهم وبين صنعاء فرسخان، ابتلاهم الله بأن أحرق جنتهم. وقيل: هي جنة بضوران، وضوران على فرسخ من صنعاء، وكان أصحاب هذه الجنة بعد رفع عيسى عليه السلام بيسير - وكانوا بخلاء - فكانوا يجدون التمر ليلاً من أجل المساكين، وكانوا أرادوا حصاد زرعها وقالوا: لا يدخلها اليوم عليكم مسكين، فغدوا عليها فإذا هي قد اقتلعت من أصلها فأصبحت كالصريم، أي كالليل. ويقال أيضاً للنهار صريم. فإن كان أراد الليل فلا سوداد موضعها. وكأنهم وجدوا موضعها حمأة. وإن كان الصريم النهار فلذهاب الشجر والزرع ونقاء الأرض منه. وكان الطائف الذي طاف عليها جبريل عليه السلام فاقتلعها. فيقال: إنه طاف بها حول البيت ثم وضعها حيث مدينة الطائف اليوم، ولذلك سميت الطائف. وليس في أرض الحجاز بلدة فيها الشجر والأعناب والماء غيرها. وقال البكري في المعجم: سميت الطائف لأن رجلاً من الصدف يقال له الدمون، بنى حائطاً وقال: قد بنيت لكم طائفاً حول بلدكم، فسميت الطائف. والله أعلم.
الثانية: قال بعض العلماء: على من حصد زرعاً أوجد ثمرة أن يواسي منها من حضره، وذلك معنى قوله: "وآتوا حقه يوم حصاده" الأنعام:141 بيانه. وقال بعضهم: وعليه ترك ما أخأه الحصادون. وكان بعض العباد يتحرون أقواتهم من هذا. وروي أنه نهي عن الحصاد بالليل. فقيل: إنه لما ينقطع عن المساكين في ذلك من الرفق. وتأول من قال هذا الآية التي في سورة ن والقلم. وقيل: إنما نهى عن ذلك خشية الحيات وهوام الأرض.
قلت: الأول أصح، والثاني حسن. وإنما قلنا الأول أصح لأن العقوبة كانت بسبب ما أرادوه من منع المساكين كما ذكر الله تعالى. روى أسباط عن السدي قال: كان قوم باليمن وكان أبوهم رجلاً صالحاً، وكان إذا بلغ ثماره أتاه المساكين فلم يمنعهم من دخولها وأن يأكلوا منها ويتزودوا، فلما مات قال بنوه بعضهم لبعض: علام نعطي أموالنا هؤلاء المساكين! تعالوا فلندلج فنصر منها قبل أن يعلم المساكين، ولم يسثنوا، فانطلقوا وبعضهم يقول لبعض خفتاً: لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين، فذلك قوله تعالى: "إذ أقسموا" يعنى حلفوا فيما بينهم "ليصرمنها مصبحين" يعني لنجذبها وقت الصبح قبل أن تخرج المساكين، ولا يستثنون، يعنى لم يقولوا إن شاء الله. وقالابن عباس: كانت تلك الجنة دون صنعاء بفرسخين، غرسها رجل من أهل الصلاح وكان له ثلاثة بنين، وكان للمساكين كل ما تعداه المنجل فلم يجذه من الكرم، فإذا طرح على البساط فكل شئ سقط عن البساط فهو أيضاً للمساكين، فإذا حصدوا زرعهم فكل شئ تعداه المنجل فهو للمساكين، فإذا درسوا كان لهم كل شئ انتثر، فكان أبوهم يتصدق منها على المساكين وكان يعيش في ذلك في حياة أبيهم اليتامى والأرامل والمساكين، فلما مات أبوهم فعلوا ما ذكر الله عنهم. فقالوا: قل المال وكثر العيال، فتخالفوا بينهم ليغدون غدوة قبل خروج الناس ثم ليصر منها ولا تعرف المساكين. وقوله: "إذ أقسموا" أي حلفوا "ليصرمنها" ليقطعن ثم نخيلهم إذا أصبحوا بسدفة من الليل لئلا ينتبه المساكين لهم. والصرم القطع. يقال: صرم الغدق عن النخلة. وأصرم النخل أي حان وقت صرامه. مثل أركب المهر وأحصد الزرع، أي حان ركوبه وحصاده
هذا مثل ضربه الله تعالى لكفار قريش فيما أهدى إليهم من الرحمة العظيمة وأعطاهم من النعمة الجسيمة, وهو بعثة محمد صلى الله عليه وسلم إليهم فقابلوه بالتكذيب والرد والمحاربة, ولهذا قال تعالى: "إنا بلوناهم" أي اختبرناهم "كما بلونا أصحاب الجنة" وهي البستان المشتمل على أنواع الثمار والفواكه "إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين" أي حلفوا فيما بينهم ليجذن ثمرها ليلاً لئلا يعلم بهم فقير ولا سائل ليتوفر ثمرها عليهم ولا يتصدقوا منه بشيء "ولا يستثنون" أي فيما حلفوا به, ولهذا حنثهم الله في أيمانهم فقال تعالى: "فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون" أي أصابتها آفة سماوية "فأصبحت كالصريم" قال ابن عباس كالليل الأسود وقال الثوري والسدي مثل الزرع إذا حصد أي هشيماً يبساً. وقال ابن أبي حاتم : ذكر عن أحمد بن الصباح أنبأنا بشير بن زاذان عن عمر بن صبح عن ليث بن أبي سليم , عن عبد الرحمن بن سابط عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إياكم والمعاصي إن العبد ليذنب الذنب فيحرم به رزقاً قد كان هيىء له" ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم "فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون فأصبحت كالصريم" قد حرموا خير جنتهم بذنبهم.
"فتنادوا مصبحين" أي لما كان وقت الصبح نادى بعضهم بعضاً ليذهبوا إلى الجذاذ أي القطع "أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين" أي تريدون الصرام قال مجاهد : كان حرثهم عنباً "فانطلقوا وهم يتخافتون" أي يتناجون فيما بينهم بحيث لا يسمعون أحداً كلامهم. ثم فسر الله سبحانه وتعالى عالم السر والنجوى ما كانوا يتخافتون به فقال تعالى: " فانطلقوا وهم يتخافتون * أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين " أي يقول بعضهم لبعض لا تمكنوا اليوم فقيراً يدخلها عليكم, قال الله تعالى: "وغدوا على حرد" أي قوة وشدة.
وقال مجاهد "وغدوا على حرد" أي جد, وقال عكرمة : على غيظ, وقال الشعبي "على حرد" على المساكين, وقال السدي "على حرد" أي كان اسم قريتهم حرد فأبعد السدي في قوله هذا "قادرين" أي عليها فيما يزعمون ويرومون "فلما رأوها قالوا إنا لضالون" أي فلما وصلوا إليها وأشرفوا عليها وهي على الحالة التي قال الله عز وجل قد استحالت عن تلك النضارة والزهرة وكثرة الثمار إلى أن صارت سوداء مدلهمة لا ينتفع بشيء منها فاعتقدوا أنهم قد أخطأوا الطريق ولهذا قالوا "إنا لضالون" أي قد سلكنا إليها غير الطريق فتهنا عنها قاله ابن عباس وغيره, ثم رجعوا عما كانوا فيه وتيقنوا أنها هي فقالوا "بل نحن محرومون" أي بل هي هذه ولكن نحن لا حظ لنا ولا نصيب.
"قال أوسطهم" قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة ومحمد بن كعب والربيع بن أنس والضحاك وقتادة : أي أعدلهم وخيرهم " ألم أقل لكم لولا تسبحون " قال مجاهد والسدي وابن جريج "لولا تسبحون" أي لولا تستثنون قال السدي : وكان استثناؤهم في ذلك الزمان تسبيحاً وقال ابن جرير : هو قول القائل إن شاء الله, وقيل معناه قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون أي هلا تسبحون الله وتشكرونه على ما أعطاكم وأنعم به عليكم "قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين" أتوا بالطاعة حيث لا تنفع وندموا واعترفوا حيث لا ينجع, ولهذا قالوا "إنا كنا ظالمين * فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون" أي يلوم بعضهم بعضاً على ما كانوا أصروا عليه من منع المساكين من حق الجذاذ, فما كان جواب بعضهم لبعض إلا الاعتراف بالخطيئة والذنب "قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين" أي اعتدينا وبغينا وطغينا وجاوزنا الحد حتى أصابنا ما أصابنا.
"عسى ربنا أن يبدلنا خيراً منها إنا إلى ربنا راغبون" قيل: رغبوا في بذلها لهم في الدنيا وقيل احتسبوا ثوابها في الدار الاخرة والله أعلم. ثم قد ذكر بعض السلف أن هؤلاء قد كانوا من أهل اليمن, قال سعيد بن جبير : كانوا من قرية يقال لها ضروان على ستة أميال من صنعاء. وقيل: كانوا من أهل الحبشة, وكان أبوهم قد خلف لهم هذه الجنة وكانوا من أهل الكتاب. وقد كان أبوهم يسير فيها سيرة حسنة فكان ما يستغل منها يرد فيها ما تحتاج إليه ويدخر لعياله قوت سنتهم ويتصدق بالفاضل, فلما مات وورثه بنوه قالوا: لقد كان أبونا أحمق إذ كان يصرف من هذه شيئاً للفقراء, ولو أنا منعناهم لتوفر ذلك علينا فلما عزموا على ذلك عوقبوا بنقيض قصدهم, فأذهب الله ما بأيديهم بالكلية رأس المال والربح والصدقة فلم يبق لهم شيء. قال الله تعالى: "كذلك العذاب" أي هكذا عذاب من خالف أمر الله وبخل بما آتاه الله وأنعم به عليه ومنع حق المسكين والفقير وذوي الحاجات وبدل نعمة الله كفراً " ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون " أي هذه عقوبة الدنيا كما سمعتم وعذاب الاخرة أشق, وقد ورد في حديث رواه الحافظ البيهقي من طريق جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الجذاذ بالليل والحصاد بالليل.
قوله: 17- "إنا بلوناهم" يعني كفار مكة، فإن الله ابتلاهم بالجوع والقحط بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم والابتلاء الاختبار، والمعنى: أعطيناهم الأموال ليشكروا لا ليبطروا، فلما بطروا ابتليناهم بالجوع والقحط "كما بلونا أصحاب الجنة" المعروف خبرهم عندهم، وذلك أنها كانت بأرض اليمن على فرسخين من صنعاء لرجل يؤدي حق الله منها، فمات وصارت إلى أولاده، فمنعوا الناس خيرها، وبخلوا بحق الله فيها. قال الواحدي: هم قوم من ثقيف كانوا باليمن مسلمين ورثوا من أبيهم ضيعة فيها جنات وزرع ونخيل وكان أبوهم يجعل مما فيها من كل شيء حظاً للمساكين عند الحصاد والصرام، فقالت بنوه: المال القليل، والعيال كثير، وال يسعنا أن نفعل كما كان يفعل أبونا، وعزموا على حرمان المساكين، فصارت عاقبتهم إلى ما قص الله في كتابه. قال الكلبي: كان بينهم وبين صنعاء فرسخان [ابتلاهم] الله بأن حرق جنتهم. وقيل هي جنة كانت بصوران، وصوران على فراسخ من صنعاء، وكان أصحاب هذه الجنة بعد رفع عيسى بيسير " إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين " أي حلفوا ليقطعنها داخلين في وقت الصباح، والصرم القطع للثمر والزرع، وانتصاب مصبحين على الحال من فاعل ليصر منها، والكاف في كما بلونا نعت مصدر محذوف: أي بلوناهم ابتلاء كما بلونا، وما مصدرية، أو بمعنى الذي، وإذا ظرف لبلونا منتصب به، وليصر منها جواب القسم.
17- "إنا بلوناهم"، يعني اختبرنا أهل مكة بالقحط والجوع، "كما بلونا"، ابتلينا، "أصحاب الجنة"، روى محمد بن مروان، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس: في قوله عز وجل: "إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة"، قال: كان بستان باليمن يقال له الضروان، دون صنعاء بفرسخين، يطؤه أهل الطريق، كان غرسه قوم من أهل الصلاة، وكان لرجل فمات فورثه ثلاثة بنين له، وكان يكون للمساكين إذا صرموا نخلهم كل شيء تعداه المنجل فلم يجزه وإذا طرح من فوق النخل إلى البساط فكل شيء يسقط على البساط فهو أيضاً للمساكين، وإذا حصدوا زرعهم فكل شيء تعداه المنجل فهو للمساكين وإذا داسوه كان لهم كل شيء ينتثر أيضاً، فلما مات الأب وورثه هؤلاء الإخوة عن أبيهم، فقالوا: والله إن المال لقليل، وإن العيال لكثير، وإنما كان هذا الأمر يفعل إذ كان المال كثيراً والعيال قليلاً، فأما إذا قل المال وكثر العيال فإنا لا نستطيع أن نفعل هذا، فتحالفوا بينهم يوماً ليغدون غدوة قبل خروج الناس فليصرمن نخلهم ولم يستثنوا، يقول: لم يقولوا إن شاء الله، فغدا القوم بسدفة من الليل إلى جنتهم ليصرمها قبل أن يخرج المساكين، فرأوها مسودة، وقد طاف عليها من الليل طائف من العذاب فأحرقها، فأصبحت كالصريم، فذلك قوله عز وجل: "إذ أقسموا"، حلفوا، "ليصرمنها مصبحين"، ليجذنها وليقطعن ثمرها إذا أصبحوا قبل أن يعلم المساكين.
17-" إنا بلوناهم " بلونا أهل مكة شرفها الله تعالى ، بالقحط . " كما بلونا أصحاب الجنة " يريد البستان الذي كان دون صنعاء بفرسخين ، وكان لرجل صالح وكان ينادي الفقراء وقت الصرام ويترك لهم ما أخطأه المنجل وألقته الريح ، أو بعد البساط الذي يبسط تحت النخلة فيجتمع لهم شيء كثير ، فلما مات قال بنوه إن فعلنا ما كان يفعله أبونا ضاق علينا الأمر ، فحلفوا " ليصرمنها " وقت الصباح خفية عن المساكين كما قال : " إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين " ليقطعنها داخلين في الصباح .
17. Lo! we have tried them as We tried the owners of the garden when they vowed they would pluck its fruit next morning.
17 - Verily We have tried them as We tried the People of the Garden, when they resolved to gather the fruits of the (garden) in the morning,