17 - (رب المشرقين) مشرق الشتاء ومشرق الصيف (ورب المغربين) كذلك
يقول تعالى ذكره : ذلكم أيها الثقلان " رب المشرقين " يعني بالمشرقين : مشرق الشمس في الشتاء ومشرقها في الصيف .
وقوله " ورب المغربين " يعني : ورب مغرب الشمس في الشتاء ومغربها في الصيف .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد قال : ثنا يعقوب القمي عن جعفر عن
ابن أبزى قوله " رب المشرقين ورب المغربين " قال : مشارق الصيف ومغارب الصيف مشرقان تجري فيهما الشمس ستون وثرث مئة في ستين وثلاث مئة برج لكل برج مطلع لا تطلع يومين من مكان واحد وفي المغرب ستون وثلاث مئة برج لكل برج مغيب لا تغيب يومين في برج .
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعاً عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله " رب المشرقين ورب المغربين " قال : مشرق الشتاء ومغربه ومشرق الصيف ومغربه .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة قوله " رب المشرقين ورب المغربين " فمشرقها الشتاء ومشرقها في الصيف .
حدثنا ابن بشار قال : ثنا محمد بن مروان قال : ثنا أبو العوام عن قتادة قوله " رب المشرقين ورب المغربين " قال : مشرق الشتاء ومغربه ومشرق الصيف ومغربه .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله " رب المشرقين ورب المغربين " قال : أقصر مشرق في السنة وأطول مشرق في السنة وأقصر مغرب في السنة وأطول مغرب في السنة .
قوله تعالى " رب المشرقين ورب المغربين " أي هو رب المشرقين . وفي الصافات "ورب المشارق " وقد مضى الكلام في ذلك هنالك .
يذكر تعالى خلقه الإنسان من صلصال كالفخار, وخلقه الجان من مارج من نار, وهو طرف لهبها, قاله الضحاك عن ابن عباس, وبه يقول عكرمة ومجاهد والحسن وابن زيد, وقال العوفي عن ابن عباس: من مارج من نار من لهب النار من أحسنها, وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: من مارج من نار من خالص النار, وكذلك قال عكرمة ومجاهد والضحاك وغيرهم. وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق, حدثنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة, قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خلقت الملائكة من نور, وخلق الجان من مارج من نار, وخلق آدم مما وصف لكم" ورواه مسلم عن محمد بن رافع وعبد بن حميد, كلاهما عن عبد الرزاق به.
وقوله تعالى: " فبأي آلاء ربكما تكذبان " تقدم تفسيره "رب المشرقين ورب المغربين" يعني مشرقي الصيف والشتاء ومغربي الصيف والشتاء, وقال في الاية الأخرى: "فلا أقسم برب المشارق والمغارب" وذلك باختلاف مطالع الشمس وتنقلها في كل يوم وبروزها منه إلى الناس. وقال في الاية الأخرى: "رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلاً" وهذا المراد منه جنس المشارق والمغارب, ولما كان في اختلاف هذه المشارق والمغارب مصالح للخلق من الجن والإنس قال: " فبأي آلاء ربكما تكذبان " وقوله تعالى: "مرج البحرين يلتقيان" قال ابن عباس: أي أرسلهما. وقوله: "يلتقيان" قال ابن زيد: أي منعهما أن يلتقيا بما جعل بينهما من البرزخ الحاجز الفاصل بينهما, والمراد بقوله البحرين: الملح والحلو, فالحلو هذه الأنهار السارحة بين الناس, وقد قدمنا الكلام على ذلك في سورة الفرقان عند قوله تعالى: " وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا " وقد اختار ابن جرير ههنا أن المراد بالبحرين: بحر السماء وبحر الأرض, وهو مروي عن مجاهد وسعيد بن جبير وعطية وابن أبزى, قال ابن جرير: لأن اللؤلؤ يتولد من ماء السماء وأصداف بحر الأرض وهذا وإن كان هكذا لكن ليس المراد بذلك ما ذهب إليه, فإنه لا يساعده اللفظ فإنه تعالى قد قال: "بينهما برزخ لا يبغيان" أي وجعل بينهما برزخاً, وهو الحاجز من الأرض لئلا يبغي هذا على هذا, وهذا على هذا, فيفسد كل واحد منهما الاخر ويزيله عن صفته التي هي مقصودة منه, وما بين السماء والأرض لا يسمى برزخاً وحجراً محجوراً.
وقوله تعالى: "يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان" أي من مجموعهما, فإذا وجد ذلك من أحدهما كفى كما قال تعالى:"يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم ؟" والرسل إنما كانوا في الإنس خاصة دون الجن وقد صح هذا الإطلاق. واللؤلؤ معروف, وأما المرجان فقيل هو صغار اللؤلؤ, قاله مجاهد وقتادة وأبو رزين والضحاك وروي عن علي, وقيل كباره وجيده, حكاه ابن جرير عن بعض السلف ورواه ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس, وحكاه السدي عمن حدثه عن ابن عباس, وروي مثله عن علي ومجاهد أيضاً ومرة الهمداني, وقيل: هو نوع من الجواهر أحمر اللون, قال السدي عن أبي مالك عن مسروق عن عبد الله قال: المرجان الخرز الأحمر, قال السدي: وهو الكسد بالفارسية, وأما قوله: "ومن كل تأكلون لحماً طرياً وتستخرجون حلية تلبسونها" فاللحم من كل من الأجاج والعذب والحلية إنما هي من المالح دون العذب. قال ابن عباس: ما سقطت قط قطرة من السماء في البحر فوقعت في صدفة إلا صار منها اللؤلؤ, وكذا قال عكرمة, وزاد: فإذا لم تقع في صدفة نبتت بها عنبرة, وروي من غير وجه عن ابن عباس نحوه.
وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان, حدثنا عبد الرحمن بن مهدي, حدثنا سفيان عن الأعمش عن عبد الله بن عبد الله, عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: إذا أمطرت السماء فتحت الأصداف في البحر أفواهها فما وقع فيها, يعني من قطر فهو اللؤلؤ. إسناده صحيح, ولما كان اتخاذ هذه الحلية نعمة على أهل الأرض, امتن بها عليهم فقال: "فبأي آلاء ربكما تكذبان".
وقوله تعالى: "وله الجوار المنشآت" يعني السفن التي تجري "في البحر" قال مجاهد: ما رفع قلعه من السفن فهي منشآت وما لم يرفع قلعه فليس بمنشآت, وقال قتادة: المنشآت يعني المخلوقات, وقال غيره, المنشآت بكسر الشين يعني البادئات "كالأعلام" أي كالجبال في كبرها وما فيها من المتاجر والمكاسب المنقولة من قطر إلى قطر وإقليم إلى إقليم, مما فيه صلاح الناس في جلب ما يحتاجون إليه من سائر أنواع البضائع, ولهذا قال: "فبأي آلاء ربكما تكذبان" وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا موسى بن إسماعيل, حدثنا حماد بن سلمة, حدثنا العرار بن سويد عن عميرة بن سعد قال: كنت مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه على شاطىء الفرات إذ أقبلت سفينة مرفوع شراعها فبسط علي يديه ثم قال: يقول الله عز وجل: "وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام" والذي أنشأها تجري في بحوره ما قتلت عثمان ولا مالأت على قتله.
17- "رب المشرقين ورب المغربين" قرأ الجمهور رب بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف: أي هو رب المشرقين والمغربين، وقيل مبتدأ وخبره "مرج البحرين" وما بينهما اعتراض، والأول أولى، والمراد بالمشرقين مشرقا الشتاء والصيف، وبالمغربين مغرباهما.
17. " رب المشرقين "، مشرق الصيف ومشرق الشتاء. " ورب المغربين "، مغرب الصيف ومغرب الشتاء.
17-" رب المشرقين ورب المغربين " مشرقي الشتاء والصيف ومغربيهما .
17. Lord of the two Easts, and Lord of the two Wests!
17 - (He is) Lord of the two Easts and Lord of the two Wests: