(لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم) حيث جعلوه إلهاً وهم اليعقوبية فرقة من النصارى (قل فمن يملك) أي يدفع (من) عذاب (الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا) أي لا أحد يملك ذلك ولو كان المسيح إلهاً لقدر عليه (ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء والله على كل شيء) شاءه (قدير)
قال أبو جعفر: هذا ذم من الله عز ذكره للنصارى والنصرانية، الذين ضلوا عن سبل السلام، واحتجاج منه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم في فريتهم عليه بادعائهم له ولداً.
يقول جل ثناؤه : أقسم ، لقد كفر الذين قالوا : إن الله هو المسيح ابن مريم، و (كفرهم) في ذلك ، تغطيتهم الحق في تركهم نفي الولد عن الله جل وعز، وادعائهم أن المسيح هو الله، فرية وكذباً عليه.
وقد بينا معنى: "المسيح" فيما مضى، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه، لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد، للنصارى الذين افتروا علي، وضلوا عن سواء السبيل بقيلهم: إن الله هو المسيح ابن مريم: "من يملك من الله شيئا"، يقول: من الذي يطيق أن يدفع من أمر الله جل وعز شيئاً، فيرده إذا قضاه.
من قول القائل: (ملكت على فلان أمره)، إذا صار لا يقدر أن ينفذ أمراً إلا به.
وقوله: "إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا"، يقول: من ذا الذي يقدر أن يرد من أمر الله شيئاً، إن شاء أن يهلك المسيح ابن مريم ، بإعدامه من الأرض وإعدام أمه مريم، وإعدام جميع من في الأرض من الخلق جميعاً.
يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل لهؤلاء الجهلة من النصارى : لو كان المسيح كما تزعمون -أنه هو الله، وليس كذلك- لقدر أن يرد أمر الله إذا جاءه بإهلاكه وإهلاك أمه. وقد أهلك أمه فلم يقدر على دفع أمره فيها إذ نزل ذلك . ففي ذلك لكم معتبر إن اعتبرتم ، وحجة عليكم إن عقلتم : في أن المسيح ، بشر كسائر بني آدم، وأن الله عز وجل هو الذي لا يغلب ولا يقهر ولا يرد له أمر، بل هو الحي الدائم القيوم الذي يحيي ويميت ، وينشئ ويفني ، وهو حي لا يموت.
قال أبو جعفر: يعني تبارك وتعالى بذلك: والله له تصريف ما في السموات والأرض وما بينهما -يعني: وما بين السماء والأرض- يهلك من يشاء من ذلك ويبقي ما يشاء منه ، ويوجد ما أراد ويعدم ما أحب، لا يمنعه من شيء أراد من ذلك مانع ، ولا يدفعه عنه دافع ، ينفذ فيهم حكمه ، ويمضي فيهم قضاءه -لا المسيح الذي إن أراد إهلاكه ربه وإهلاك أمه ، لم يملك دفع ما أراد به ربه من ذلك.
يقول جل وعز: كيف يكون إلهاً يعبد من كان عاجزاً عن دفع ما أراد به غيره من السوء، وغير قادر على صرف ما نزل به من الهلاك؟ بل الإله المعبود، الذي له ملك كل شيء ، وبيده تصريف كل من في السماء والأرض وما بينهما.
فقال جل ثناؤه: "وما بينهما"، وقد ذكر "السماوات" بلفظ الجمع، ولم يقل: (وما بينهن)، لأن المعنى : وما بين هذين النوعين من الأشياء، كما قال الراعي:
طرقا، فتلك هماهمي، أقريهما قلصاً لواقح كالقسي وحولا
فقال: (طرقا)، مخبراً عن شيئين ، ثم قال: (فتلك هماهمي)، فرجع إلى معنى الكلام.
وقوله: "يخلق ما يشاء"، يقول جل ثناؤه : وينشئ ما يشاء ويوجده ، ويخرجه من حال العدم إلى حال الوجود، ولن يقدر على ذلك غير الله الواحد القهار. وإنما يعني بذلك ، أن له تدبير السموات والأرض وما بينهما وتصريفه ، وإفناءه وإعدامه ، وإيجاد ما يشاء مما هو غير موجود ولا منشأ. يقول: فليس ذلك لأحد سواي، فكيف زعمتم، أيها الكذبة، أن المسيح إله، وهو لا يطيق شيئاً من ذلك ، بل لا يقدر على دفع الضرر عن نفسه ولا عن أمه، ولا اجتلاب نفع إليها إلا بإذني؟
قال أبو جعفر: يقول عز ذكره: الله المعبود، هو القادر على كل شيء، والمالك كل شيء، الذي لا يعجزه شيء أراده ، ولا يغلبه شيء طلبه ، المقتدر على هلاك المسيح وأمه ومن في الأرض جميعاً، لا العاجز الذي لا يقدر على منع نفسه من ضر نزل به من الله، ولا منع أمه من الهلاك.
قوله تعالى :" لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم" تقدم في آخر النساء بيانه والقول فيه وكفر النصارى في دلالة هذا الكلام إنما كان بقولهم : إن الله هو المسيح ابن مريم على جهة الدنيونة به لأنهم لو قالوه على جهة الحكاية منكرين له لم يكفروا " قل فمن يملك من الله شيئا" أي من أمر الله ويملك بمعنى يقدر من قولهم ملكت على فلان أمره أي اقتدرت عليه أي فمن يقدر أن يمنع من ذلك شيئاً فأعلم الله تعالى أن المسيح لو كان إلهاً لقدر على دفع ما ينزل به أو بغيره وقد أمات أمه ولم يتمكن من دفع الموت عنها فلو أهلكه هو أيضاً فمن يدفعه عن ذلك أو يرده " ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما " والمسيح وأمه بينهم مخلوقان محدودان محصوران وما أحاط به الحد والنهاية لا يصلح للإليهة وقال : "وما بينهما" ولم يقل وما بينهن، لأنه أراد النوعين والنصفين كما قال الراعي :
طرقا فتلك هماهمي أفقريهما قلصا لواقح كالقسي وحولا
فقال : طرقا ثم قال : فتلك هماهمي " يخلق ما يشاء " عيسى من أم بلا أب آية لعبادة.
يقول تعالى مخبراً وحاكياً بكفر النصارى في ادعائهم في المسيح ابن مريم, وهو عبد من عباد الله, وخلق من خلقه أنه هو الله, تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً, ثم قال مخبراً عن قدرته على الأشياء وكونها تحت قهره وسلطانه "قل فمن يملك من الله شيئاً إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعاً" أي لو أراد ذلك, فمن ذا الذي كان يمنعه منه أو من ذا الذي يقدر على صرفه عن ذلك, ثم قال "ولله ملك السموات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء" أي جميع الموجودات ملكه وخلقه, وهو القادر على ما يشاء, لا يسأل عما يفعل بقدرته وسلطانه وعدله وعظمته , وهذا رد على النصارى عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة .
ثم قال تعالى راداً على اليهود والنصارى في كذبهم وافترائهم "وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه" أي نحن منتسبون إلى أنبيائه وهم بنوه, وله بهم عناية, وهو يحبنا, ونقلوا عن كتابهم أن الله تعالى قال لعبده إسرائيل: أنت ابني بكري, فحملوا هذا على غير تأويله وحرفوه, وقد رد عليهم غير واحد ممن أسلم من عقلائهم وقالوا: هذا يطلق عندهم على التشريف والإكرام, كما نقل النصارى عن كتابهم أن عيسى قال لهم: إني ذاهب إلى أبي وأبيكم, يعني ربي وربكم, ومعلوم أنهم لم يدعوا لأنفسهم من النبوة ما ادعوها في عيسى عليه السلام وإنما أرادوا من ذلك معزتهم لديه وحظوتهم عنده, ولهذا قالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه, قال الله تعالى راداً عليهم "قل فلم يعذبكم بذنوبكم" أي لو كنتم كما تدعون أبناءه وأحباءه, فلم أعد لكم نار جهنم على كفركم وكذبكم وافترائكم ؟
وقد قال بعض شيوخ الصوفية لبعض الفقهاء: أين تجد في القرآن أن الحبيب لا يعذب حبيبه, فلم يرد عليه, فتلا عليه الصوفي هذه الآية "قل فلم يعذبكم بذنوبكم" وهذا الذي قاله حسن, وله شاهد في المسند للإمام أحمد حيث قال: حدثنا ابن أبي عدي عن حميد, عن أنس, قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه, وصبي في الطريق, فلما رأت أمه القوم خشيت على ولدها أن يوطأ, فأقبلت تسعى وتقول: ابني ابني, وسعت فأخذته فقال القوم: يا رسول الله, ما كانت هذه لتلقي ولدها في النار. قال: فحفظهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال "لا والله ما يلقي حبيبه في النار" تفرد به أحمد, "بل أنتم بشر ممن خلق" أي لكم أسوة أمثالكم من بني آدم, وهو سبحانه الحاكم في جميع عباده "يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء" أي هو فعال لما يريد, لا معقب لحكمه, وهو سريع الحساب, "ولله ملك السموات والأرض وما بينهما" أي الجميع ملكه وتحت قهره وسلطانه, "وإليه المصير" أي المرجع والمآب إليه, فيحكم في عباده بما يشاء, وهو العادل الذي لا يجور .
وروى محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير, عن ابن عباس قال: وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نعمان بن آصا وبحري بن عمرو وشاس بن عدي فكلموه, وكلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاهم إلى الله, وحذرهم نقمته, فقالوا: ما تخوفنا يا محمد, نحن والله أبناء الله وأحباؤه, كقول النصارى, فأنزل الله فيهم "وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه" إلى آخر الآية, رواه ابن أبي حاتم وابن جرير, ورويا أيضاً من طريق أسباط عن السدي في قول الله "وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه" أما قولهم: "نحن أبناء الله",. فإنهم قالوا: إن الله أوحى إلى إسرائيل أن ولدك بكري من الولد, فيدخلهم النار, فيكونون فيها أربعين ليلة حتى تطهرهم وتأكل خطاياهم, ثم ينادي مناد: أن أخرجوا كل مختون من ولد إسرائيل, فأخرجوهم فذلك قولهم لن تمسنا النار إلا أياماً معدودات .
ضمير الفصل في قوله: 17- "هو المسيح" يفيد الحصر، قيل وقد قال بذلك بعض طوائف النصارى، وقيل لم يقبل به أحد منهم، ولكن استلزم قولهم: "إن الله هو المسيح" لا غيره، وقد تقدم في آخر سورة النساء ما يكفي ويغني عن التكرار. قوله: "قل فمن يملك من الله شيئاً" الاستفهام للتوبيخ والتقريع، والملك، والملك: الضبط والحفظ والقدرة، من قولهم ملكت على فلان أمره: أي قدرت عليه: أي فمن يقدر أن يمنع "إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعاً" وإذا لم يقدر أحد أن يمنع من ذلك فلا إله إلا الله ولا رب غيره ولا معبود بحق سواه، ولو كان المسيح إلهاً كما تزعم النصارى لكان له من الأمر شيء، ولقدر على أن يدفع عن نفسه أقل حال ولم يقدر على أن يدفع عن أمه الموت عند نزوله بها، وتخصيصها بالذكر مع دخولها في عموم من في الأرض لكون الدفع منه عنها أولى وأحق من غيرها، فهو إذا لم يقدر على الدفع عنها أعجز عن أن يدفع عن غيرها، وذكر من في الأرض للدلالة على شمول قدرته، وأنه إذا أراد شيئاً كان لا معارض له في أمره ولا مشارك له في قضائه "ولله ملك السموات والأرض وما بينهما" أي ما بين النوعين من المخلوقات. قوله: "يخلق ما يشاء" جملة مستأنفة مسوقة لبيان أنه سبحانه خالق الخلق بحسب مشيئته، وأنه يقدر على كل شيء لا يستصعب عليه شيء.
17-قوله عز وجل : " لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم "، و هم اليعقوبية من النصارى يقولون المسيح هو الله تعالى، " قل فمن يملك من الله شيئاً "، أي: من يقدر أن يدفع من أمر الله شيئاً إذا قضاه؟ " إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعاً ولله ملك السماوات والأرض و ما بينهما يخلق ما يشاء و الله على كل شيء قدير ".
17" لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم " هم الذين قالوا بالاتحاد منهم، وقيل لم يصرح به أحد منهم ولكن لما زعموا أن فيه لاهوتاً وقالوا لا إله إلا الله واحد لزمهم أن يكون هو المسيح فنسب إليهم لازم قولهم توضيحاً لجهلهم وتفضيحاً لمعتقدهم. " قل فمن يملك من الله شيئا " فمن يمنع من قدرته وإرادته شيئاً. " إن أراد أن يهلك المسيح " عيسى. " ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا " احتج بذلك على فساد عقولهم وتقريره: أن المسيح مقدور مقهور قابل للفناء كسائر الممكنات ومن كان كذلك فهو بمعزل عن الألوهية. " ولله ملك السموات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء والله على كل شيء قدير " إزاحة لما عرض لهم من الشبه في أمره، والمعنى أنه سبحانه وتعالى قادر على الإطلاق يخلق من غير أصل كما خلق السموات والأرض، ومن أصل كخلق ما بينهما فينشئ من أصل ليس من جنسه كآدم وكثير من الحيوانات، ومن أصل يجانسه إما من ذكر وحده كما خلق حواء أو من أنثى وحدها كعيسى، أو منهم كسائر الناس.
17. They indeed have disbelieved who say: Lo! Allah is the Messiah, son of Mary. Say : Who then can do aught against Allah, if He had willed to destroy the Messiah son of Mary, and his mother and everyone on earth? Allah's is the Sovereignty of the heavens and the earth and all that is between them. He createth what He will. And Allah is Able to do all things.
17 - In blasphemy indeed are those that say that God is Christ the son of Mary. say: who then hath the least power against God, if his will were to destroy Christ the son of Mary, his mother, and all every one that is on the earth? for to God belongeth the dominion of the heavens and the earth, and all that is between. he createth what he pleaseth. for God hath power over all things.