17 - (وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا) جعل له شبها بنسبة البنات إليه لأن الولد يشبه الولد المعنى إذا اخبر أحدهم بالبنت تولد له (ظل) صار (وجهه مسودا) متغير تغير مغتم (وهو كظيم) ممتلئ غما فكيف ينسب البنات إليه تعالى عن ذلك
" وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا " يقول تعالى ذكره : وإذا بشر أحد هؤلاء المشركين الجاعلين لله من عباده جزءاً بما ضرب للرحمن مثلاً : يقول : بما مثل لله ، فشبهه شبهاً ، وذلك ما وصفه به من أن له بنات .
كما حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : " بما ضرب للرحمن مثلا " قال : ولداً .
وحدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " بما ضرب للرحمن مثلا " بما جعل لله .
وقوله : " ظل وجهه مسودا " يقول تعالى ذكره : ظل وجه هذا الذي بشر بما ضرب للرحمن مثلاً من البنات مسوداً من سوء ما بشر به " وهو كظيم " يقول : وهو حزين .
كما حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " وهو كظيم " : أي حزين .
قوله تعالى : " وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا " أي بأنه ولدت له بنت " ظل وجهه " أي صار وجهه " مسودا " قيل ببطلان مثله الذي ضربه ، وقيل : بما بشر به من الأنثى ، دليله في سورة النحل : " وإذا بشر أحدهم بالأنثى " [ النحل : 58 ] ، ومن حالهم أن أحدهم إذا قيل له قد ولدت له أنثى اغتم واربد وجهه غيظاً وتأسفاً وهو مملوء من الكرب ، وعن بعض العرب أن امرأته وضعت أنثى فهجر البيت الذي فيه المرأة فقالت :
ما لأبي حمزة لا يأتينا يظل في البيت الذي يلينا
غضبان ألا نلد البنينا وإنما نأخذ ما أعطينا
وقرئ (( مسود ، ومسواد )) وعلى قراءة الجماعة يكون وجهه اسم (( ظل )) و (( مسوداً )) خبر (( ظل )) ، ويجوز أن يكون في (( ظل )) ضمير عائد على أحد وهو اسمها ، و(( وجهه )) بدل من الضمير ، و(( مسوداً )) خبر (( ظل )) ، ويجوز أن يكون رفع (( وجهه )) بالابتداء ، ويرفع (( مسوداً )) على أنه خبره ، وفي (( ظل )) اسمها والجملة خبرها ، " وهو كظيم " أي حزين ، قاله قتادة ، وقيل مكروب ، قاله عكرمة ، وقيل ساكت ، قاله ابن أبي حاتم ، وذلك لفساد مثله وبطلان حجته ، ومن أجاز أن تكون الملائكة بنات الله فقد جعل الملائكة شبهاً لله ، لأن الولد من جنس الوالد وشبهه ، ومن اسود وجهه بما يضاف إليه مما لا يرضى ، أولى من أن يسود وجهه بإضافة مثل ذلك إلى من هو أجل منه ، فكيف إلى الله عز وجل ! وقد مضى في (( النحل )) في معنى هذا الآية ما فيه كفاية .
يقول تعالى مخبراً عن المشركين فيما افتروه وكذبوه في جعلهم بعض الأنعام لطواغيتهم وبعضها لله تعالى, كما ذكر الله عز وجل عنهم في سورة الأنعام في قوله تبارك وتعالى: "وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيباً فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون" وكذلك جعلوا له في قسمي البنات والبنين أخسهما وأردأهما وهو البنات, كما قال تعالى: "ألكم الذكر وله الأنثى * تلك إذاً قسمة ضيزى" وقال جل وعلا ههنا: "وجعلوا له من عباده جزءاً إن الإنسان لكفور مبين" ثم قال جل وعلا: " أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين " وهذا إنكار عليهم غاية الإنكار. ثم ذكر تمام الإنكار, فقال جلت عظمته "وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلاً ظل وجهه مسوداً وهو كظيم" أي إذا بشر أحد هؤلاء بما جعلوه لله من البنات يأنف من ذلك غاية الأنفة, وتعلوه كآبة من سوء ما بشر به, ويتوارى من القوم من خجله من ذلك, يقول تبارك وتعالى: فكيف تأنفون من ذلك وتنسبونه إلى الله عز وجل, ثم قال سبحانه وتعالى: " أو من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين " أي المرأة ناقصة يكمل نقصها بلبس الحلي منذ تكون طفلة وإذا خاصمت فلا عبارة لها, بل هي عاجزة عيية أومن يكون هكذا ينسب إلى جناب الله العظيم, فالأنثى ناقصة الظاهر والباطن في الصورة والمعنى, فيكمل نقص ظاهرها وصورتها بلبس الحلي وما في معناه ليجبر ما فيها من نقص كما قال بعض شعراء العرب:
وما الحلي إلا زينة من نقيصة يتمم من حسن إذا الحسن قصرا
وأما إذا كان الجمال موفــــــراً كحسنك لم يحتج إلى أن يزورا
وأما نقص معناها فإنها ضعيفة عاجزة عن الانتصار عند الانتصار لا عبارة لها ولا همة, كما قال بعض العرب وقد بشر ببنت: ما هي بنعم الولد نصرها بكاء, وبرها سرقة, وقوله تبارك وتعالى: "وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً" أي اعتقدوا فيهم ذلك, فأنكر عليهم تعالى قولهم ذلك فقال: "أشهدوا خلقهم" أي شاهدوه وقد خلقهم الله إناثاً "ستكتب شهادتهم" أي بذلك "ويسألون" عن ذلك يوم القيامة وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد "وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم" أي لو أراد الله لحال بيننا وبين عبادة هذه الأصنام التي هي على صور الملائكة التي هي بنات الله, فإنه عالم بذلك وهو يقرنا عليه, فجمعوا بين أنواع كثيرة من الخطأ:
(أحدها) جعلهم لله تعالى ولداً, تعالى وتقدس وتنزه عن ذلك علواً كبيراً.
(الثاني) دعواهم أنه اصطفى البنات على البنين فجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً.
(الثالث) عبادتهم لهم مع ذلك كله بلا دليل ولا برهان ولا إذن من الله عز وجل, بل بمجرد الاراء والأهواء والتقليد للأسلاف والكبراء والاباء والخبط في الجاهلية الجهلاء.
(الرابع) احتجاجهم بتقديرهم على ذلك قدراً, وقد جهلوا في هذا الإحتجاج جهلاً كبيراً, فإنه تعالى قد أنكر ذلك عليهم أشد الإنكار فإنه منذ بعث الرسل وأنزل الكتب يأمر بعبادته وحده لا شريك له, وينهى عن عبادة ما سواه قال تعالى: "ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين" وقال عز وجل: "واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون" وقال جل وعلا في هذه الاية بعد أن ذكر حجتهم هذه: "ما لهم بذلك من علم" أي بصحة ما قالوه واحتجوا به "إن هم إلا يخرصون" أي يكذبون ويتقولون. وقال مجاهد في قوله تعالى:"ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون" يعني ما يعلمون قدرة الله تبارك وتعالى على ذلك.
ثم زاد في تقريعهم وتوبيخهم فقال: 17- "وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلاً" أي بما جعله للرحمن سبحانه من كونه جعل لنفسه البنات، والمعنى: أنه إذا بشر أحدهم بأنها ولدت له بنت اغتم لذلك وظهر عليه أثره، وهو معنى قوله: "ظل وجهه مسوداً" أي صار وجهه مسوداً بسبب حدوث الأنثى له حيث لم يكن الحادث له ذكراً مكانها "وهو كظيم" أي شديد الحزن كثير الكرب مملوء منه. قال قتادة: حزين. وقال عكرمة: مكروب، وقيل ساكت، وجملة "وهو كظيم" في محل نصب على الحال.
17. " وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلاً "، بما جعل لله شبهاً، وذلك أن ولد كل شيء يشبهه، يعني إذا بشر أحدهم بالبنات كما ذكر في سورة النحل: " وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم " (النحل-58) من الحزن والغيظ.
17-" وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلاً " بالجنس الذي جعله له مثلاً إذ الولد لا بد وأن يماثل الوالد . " ظل وجهه مسوداً " صار وجهه أسود في الغاية لما يعتريه من الكآبة . " وهو كظيم " مملوء قلبه من الكرب ، وفي ذلك دلالات على فساد ما قالوه ، وتعريف البنين بما مر في الذكور ، وقرئ مسود و مسواد على أن في " ظل " ضمير المبشر و وجهه مسود جملة وقعت خبراً .
17. And if one of them hath tidings of that which he likeneth to the Beneficent One, his countenance becometh black and he is full of inward rage.
17 - When news is brought to one of them of (the birth of) what he sets up as a likeness to (God) Most Gracious, his face darkens, and he is filled with inward grief!