17 - (وأما ثمود فهديناهم) بينا لهم طريق الهدى (فاستحبوا العمى) اختاروا الكفر (على الهدى فأخذتهم صاعقة العذاب الهون) المهين (بما كانوا يكسبون)
يقول تعالى ذكره : فبينا لهم سبيل الحق وطريق الرشد .
كما حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : " وأما ثمود فهديناهم " : أي بينا لهم .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " وأما ثمود فهديناهم " بينا لهم سبيل الخير والشر .
حدثنا محمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي " وأما ثمود فهديناهم " بينا لهم .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : " وأما ثمود فهديناهم " قال : أعلمناهم الهدى والضلالة ، ونهيناهم أن يتبعوا الضلالة ، وأمرناهم أن يتبعوا الهدى .
وقد اختلف القراء في قراءة قوله : " ثمود " فقرأته عامة القراء من الأمصار غير الأعمش و عبد الله بن أبي إسحاق برفع ثمود ، وترك إجرائها على أنها اسم للأمة التي تعرف بذلك . وأما الأعمش فإنه ذكر عنه أنه كان يجري ذلك في القرآن كله إلا في قوله : " وآتينا ثمود الناقة مبصرة " [ الإسراء : 59 ] فإنه كان لا يجريه في هذا الموضع خاصة من أجل أنه في خط المصحف في هذا الموضع بغير ألف ، وكان يوجه ثمود إلى أنه اسم رجل بعينه معروف أو اسم جبل معروف . وأما ابن إسحاق فإنه كان يقرؤه نصباً .وأما ثمود بغير إجراء ، وذلك وإن كان له في العربية وجه معروف ، فإن أفصح منه وأصح في الإعراب عند أهل العربية الرفع لطلب أما الأسماء وأن الأفعال لا تليها ، وإنما تعمل العرب الأفعال التي بعد الأسماء فيها إذا حسن تقديمها قبلها والفعل في أما لا يحسن تقديمه قبل الإسم ، ألا ترى أنه لا يقال : وأما هدينا فثمود ، كما يقال : " وأما ثمود فهديناهم " .
والصواب من القراءة في ذلك عندنا وترك الإجراء ، أما الرفع فلما وصفت ، وأما ترك الإجراء فلأنه اسم للأمة .
وقوله : " فاستحبوا العمى على الهدى " يقول : فاختاروا العمى على البيان الذي بينت لهم ، والهدى الذي عرفتهم ، بأخذهم طريق الضلال على الهدى ، يعني على البيان الذي بينته لهم من توحيد الله .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي " فاستحبوا العمى على الهدى " قال : اختاروا الضلالة والعمى على الهدى .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : " وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى " قال : أرسل الله إليهم الرسل بالهدى فاستحبوا العمى على الهدى .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة " فاستحبوا العمى " يقول : بينا لهم ، فاستحبوا العمى على الهدى .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : " فاستحبوا العمى على الهدى " قال : استحبوا الضلالة على الهدى ، وقرأ : " كذلك زينا لكل أمة عملهم " [ الأنعام : 108 ] .... إلى آخر الآية ، قال : فزين لثمود عملها القبيح ، وقرأ : " أفمن زين له سوء عمله فرآه حسناً فإن الله يضل من يشاء " [ فاطر : 8 ] .... إلى آخر الآية .
وقوله : " فأخذتهم صاعقة العذاب الهون بما كانوا يكسبون " يقول : فأهلكتهم من العذاب المذل المهين لهم مهلكه أذلتهم وأخزتهم . والهون : هو الهوان .
كما حدثنا محمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي " العذاب الهون " قال : الهوان .
وقوله : " بما كانوا يكسبون " من الآثام بكفرهم بالله قبل ذلك ، وخلافهم إياه ، وتكذيبهم رسله .
قوله تعالى : " وأما ثمود فهديناهم " أي بينا لهم الهدى والضلال ، عن ابن عباس وغيره . وقرأ الحسن و ابن أبي إسحاق وغيرهما ( وأما ثمود ) بالنصب وقد مضى الكلام فيه في (الأعراف ) " فاستحبوا العمى على الهدى " أي اختاروا الكفر على الإيمان . وقال أبو العالية : اختاروا العمى على البيان . السدي : اختاروا المعصيرة على الطاعة . " فأخذتهم صاعقة العذاب الهون " ( الهون ) بالضم الهوان . وهون بن حزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر أخو كنانة وأسد . أهانه : استخف به . والاسم الهوان والمهانة . وأضيف الصاعقة إلى العذاب ، لأن الصاعقة اسم للمبيد المهلك ، فكأنه قال مهلك العذاب ، أي العذاب المهلك . والهون وإن كان مصدراً فمعناه الإهانة والإهانة عذاب ، فجاز أن يجعل أحدهما وصفاً للآخر ، فكأنه قال : صاعقة الهون . وهو كقولك : عندي علم اليقين ، وعندي العلم اليقين ويجوز أن يكون الهون اسماً مثل الدوران ، يقال ، عذاب هون أي مهين ، كما قال : " ما لبثوا في العذاب المهين " [ سبأ : 14] وقيل : أي صاعقة العذاب ذي الهون . " بما كانوا يكسبون " من تكذيبهم صالحاً وعقرهم الناقة ، على ما تقدم .
يقول تعالى قل يا محمد لهؤلاء المشركين المكذبين بما جئتهم به من الحق إن أعرضتم عما جئتكم به من عند الله تعالى فإني أنذركم حلول نقمة الله بكم كما حلت بالأمم الماضين من المكذبين بالمرسلين "صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود" أي ومن شاكلهما ممن فعل كفعلهما " إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم " كقوله تعالى: "واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه" أي في القرى المجاورة لبلادهم بعث الله إليهم الرسل يأمرون بعبادة الله وحده لا شريك له ومبشرين ومنذرين, ورأوا ما أحل الله بأعدائه من النقم, وما ألبس أولياءه من النعم, ومع هذا ما آمنوا ولا صدقوا بل كذبوا وجحدوا وقالوا: "لو شاء ربنا لأنزل ملائكة" أي لو أرسل الله رسلاً لكانوا ملائكة من عنده "فإنا بما أرسلتم به" أي أيها البشر "كافرون" أي لا نتبعكم وأنتم بشر مثلنا قال الله تعالى: "فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق" أي بغوا وعتوا وعصوا "وقالوا من أشد منا قوة ؟" أي منوا بشدة تركيبهم وقواهم واعتقدوا أنهم يمتنعون بها من بأس الله " أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة " أي أفما يتفكرون فيمن يبارزون بالعداوة فإنه العظيم الذي خلق الأشياء وركب فيها قواها الحاملة لها وأن بطشه شديد كما قال عز وجل: "والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون" فبارزوا الجبار بالعداوة وجحدوا بآياته وعصوا رسله فلهذا قال: "فأرسلنا عليهم ريحاً صرصراً" قال بعضهم وهي شديدة الهبوب, وقيل الباردة. وقيل هي التي لها صوت والحق أنها متصفة بجميع ذلك فإنها كانت ريحاً شديدة قوية لتكون عقوبتهم من جنس ما اغتروا به من قواهم وكانت باردة شديدة البرد جداً كقوله تعالى: "بريح صرصر عاتية" أي باردة شديدة وكانت ذات صوت مزعج, ومنه سمي النهر المشهور ببلاد المشرق صرصراً لقوة صوت جريه. وقوله تعالى: "في أيام نحسات" أي متتابعات "سبع ليال وثمانية أيام حسوماً" وكقوله: "في يوم نحس مستمر" أي ابتدأوا العذاب في يوم نحس عليهم واستمر بهم هذا النحس "سبع ليال وثمانية أيام حسوماً" حتى أبادهم عن آخرهم واتصل بهم خزي الدنيا بعذاب الاخرة ولهذا قال: " لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى " أي أشد خزياً لهم "وهم لا ينصرون" أي في الاخرة كما لم ينصروا في الدنيا وما كان لهم من الله من واق يقيهم العذاب ويدرأ عنهم النكال, وقوله عز وجل: "وأما ثمود فهديناهم" قال ابن عباس رضي الله عنهما وأبو العالية وسعيد بن جبير وقتادة والسدي وابن زيد: بينا لهم, وقال الثوري دعوناهم "فاستحبوا العمى على الهدى" أي بصرناهم وبينا لهم ووضحنا لهم الحق على لسان نبيهم صالح عليه الصلاة والسلام فخالفوه وكذبوه وعقروا ناقة الله تعالى التي جعلها آية وعلامة على صدق نبيهم "فأخذتهم صاعقة العذاب الهون" أي بعث الله عليهم صيحة ورجفة وذلاً وهواناً وعذاباً ونكالاً "بما كانوا يكسبون" أي من التكذيب والجحود "ونجينا الذين آمنوا" أي من بين أظهرهم لم يمسهم سوء ولا نالهم من ذلك ضرر بل نجاهم الله تعالى مع نبيهم صالح عليه الصلاة والسلام بتقواهم لله عز وجل.
ثم ذكر حال الطائفة الأخرى فقال: 17- "وأما ثمود فهديناهم" أي بينا له سبيل النجاة ودللناهم على طريق الحق بإرسال الرسل إليهم، ونصب الدلالات لهم من مخلوقات الله، فإنها توجب على كل عاقل أن يؤمن بالله ويصدق رسله. قال الفراء: معنى الآية دللناهم على مذهب الخير بإرسال الرسل. قرأ الجمهور "وأما ثمود" بالرفع ومنع الصرف. وقرأ الأعمش وابن وثاب بالرفع والصرف وقرأ ابن عباس وابن أبي إسحاق وعاصم في رواية بالنصب والصرف وقرأ الحسن وابن هرمز وعاصم في رواية بالنصب والمنع، فأما الرفع فعلى الابتداء والجملة بعده الخبر، وأما النصب فعلى الاشتغال وأما الصرف فعلى تفسير الاسم بالأب أو الحي، وأما المنع فعلى تأويله بالقبيلة "فاستحبوا العمى على الهدى" أي اختاروا الكفر على الإيمان وقال أبو العالية اختاروا العمى على البيان وقال السدي: اختاروا المعصية على الطاعة "فأخذتهم صاعقة العذاب الهون" قد تقدم أن الصاعقة اسم للشيء المهلك لأي شيء كان، والهون الهوان والإهانة فكأنه قال أصابهم مهلك العذاب ذي الهوان أو الإهانة، ويقال عذاب هون: أي مهين كقوله: "ما لبثوا في العذاب المهين" والباء في "بما كانوا يكسبون" للسببية أي بسبب الذي كانوا يكسبونه، أو بسبب كسبهم.
17. " وأما ثمود فهديناهم "، دعوناهم، قال مجاهد ، وقال ابن عباس: بينا لهم سبيل الهدى. وقيل: دللناهم على الخير والشر، كقوله: " هديناه السبيل " (الإنسان-3)، " فاستحبوا العمى على الهدى "، فاختاروا الكفر على الإيمان، " فأخذتهم صاعقة العذاب "، [أي: هلكة العذاب]، " الهون "، أي: ذي الهون، أي: الهوان، وهو الذي يهينهم ويخزيهم، " بما كانوا يكسبون ".
17-" وأما ثمود فهديناهم " فدللناهم على الحق بنصب الحجج وإرسال الرسل ، وقرئ " ثمود " بالنصب بفعل مضمر يفسره ما بعده ومنوناً في الحالتين وبضم الثاء . " فاستحبوا العمى على الهدى " فاختاروا الضلالة على الهدى . " فأخذتهم صاعقة العذاب الهون " صاعقة من السماء فأهلكتهم ، وإضافتها إلى " العذاب " ووصفه بـ" الهون " للمبالغة . " بما كانوا يكسبون " من اختيار الضلالة .
17. And as for Thamud, We gave them guidance, but they preferred blindness to the guidance, so the bolt of the doom of humiliation overtook them because of what they used to earn.
17 - As to the Thamud, we gave them guidance, but they preferred blindness (of heart) to Guidance: So the stunning Punishment of humiliation seized them, because of what they had earned.