(إنما التوبة على الله) أي التي كتب على نفسه قبولها بفضله (للذين يعملون السوء) المعصية (بجهالة) حال أي جاهلين إذ عصوا ربهم (ثم يتوبون من) زمن (قريب) قبل أن يغرغروا (فأولئك يتوب الله عليهم) يقبل توبتهم (وكان الله عليماً) بخلقه (حكيماً) في صنعه بهم
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه : "إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة"، ما التوبة على الله لأحد من خلقه ، إلا للذين يعملون السوء من المؤمنين بجهالة، "ثم يتوبون من قريب"، يقول : ما الله براجع لأحد من خلقه إلى ما يحبه من العفو عنه والصفح عن ذنوبه التي سلفت منه ، إلا للذين يأتون ما يأتونه من ذنوبهم جهالة منهم وهم بربهم مؤمنون ، ثم يراجعون طاعة الله ويتوبون منه إلى ما أمرهم الله به من الندم عليه والاستغفار وترك العود إلى مثله من قبل نزول الموت بهم. وذلك هو القريب الذي ذكره الله تعالى ذكره فقال : "ثم يتوبون من قريب".
وبنحو ما قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل.
غير أنهم اختلفوا في معنى قوله : "بجهالة".
فقال بعضهم في ذلك بنحو ما قلنا فيه ، وذهب إلى أن عمله السوء، هو الجهالة التي عناها.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أبي العالية: أنه كان يحدث : أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون: كل ذنب أصابه عبد فهو بجهالة.
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر، عن قتادة قوله: "للذين يعملون السوء بجهالة"، قال: اجتمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأوا أن كل شيء عصي به فهو جهالة، عمداً كان أو غيره.
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله: "للذين يعملون السوء بجهالة"، قال : كل من عصى ربه فهو جاهل حتى ينزع عن معصيته.
حدثنا المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله : "إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة"، قال : كل من عمل بمعصية الله ، فذاك منه بجهل حتى يرجع عنه.
حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط، عن السدي: "إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة"، ما دام يعصي الله فهو جاهل.
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا محمد بن فضيل بن غزوان ، عن أبي النضر، عن أبي صالح، عن ابن عباس : "إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة"، قال: من عمل السوء فهو جاهل، من جهالته عمل السوء.
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج، عن مجاهد قال: من عصى الله فهو جاهل حتى ينزع عن معصيته ، قال ابن جريج: وأخبرني عبد الله بن كثير، عن مجاهد قال : كل عامل بمعصية فهو جاهل حين عمل بها، قال ابن جريج : وقال لي عطاء بن أبي رباح نحوه.
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قول الله: "إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب"، قال: الجهالة، كل امرئ عمل شيئاً من معاصي الله فهو جاهل أبداً حتى ينزع عنها، وقرأ: "هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون" [يوسف: 89]، وقرأ: "وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين" [يوسف: 33]. قال : من عصى الله فهو جاهل حتى ينزع عن معصيته.
وقال آخرون: معنى قوله : "للذين يعملون السوء بجهالة"، يعملون ذلك على عمد منهم له.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا الثوري، عن مجاهد: "يعملون السوء بجهالة"، قال : الجهالة : العمد.
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان، عن رجل ، عن مجاهد مثله.
حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحق قال حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك: "إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة"، قال : الجهالة : العمد.
وقال آخرون: معنى ذلك : إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء في الدنيا.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا معتمر بن سليمان، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة قوله : "إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة"، قال: الدنيا كلها جهالة.
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية، قول من قال : تأويلها : إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء، وعملهم السوء هو الجهالة التي جهلوها، عامدين كانوا للإثم ، أو جاهلين بما أعد الله لأهلها.
وذلك أنه غير موجود في كلام العرب تسمية العامد للشيء : الجاهل به، إلا أن يكون معنياً به أنه جاهل بقدر منفعته ومضرته، فيقال: هو به جاهل، على معنى جهله بمعنى نفعه وضره . فأما إذا كان عالماً بقدر مبلغ نفعه وضره ، قاصداً إليه ، فغير جائز من أجل قصده إليه أن يقال : هو به جاهل، لأن الجاهل بالشيء، هو الذي لا يعلمه ولا يعرفه عند التقدم عليه ، أو [الذي] يعلمه ، فيشبه فاعله ، إذ كان خطأ ما فعله ، بالجاهل الذي يأتي الأمر وهو به جاهل ، فيخطئ موضع الإصابة منه ، فيقال : إنه لجاهل به، وإن كان به عالماً، لإتيانه الأمر الذي لا يأتي مثله إلا أهل الجهل به.
وكذلك معنى قوله : "يعملون السوء بجهالة"، قيل فيهم: "يعملون السوء بجهالة"، وإن أتوه على علم منهم بمبلغ عقاب الله أهله ، عامدين إتيانه ، مع معرفتهم بأنه عليهم حرام، لأن فعلهم ذلك كان من الأفعال التي لا يأتي مثله إلا من جهل عظيم عقاب الله عليه أهله في عاجل الدنيا وآجل الآخرة، فقيل لمن أتاه وهو به عالم : أتاه بجهالة، بمعنى أنه فعل فعل الجهال به ، لا أنه كان جاهلاً.
وقد زعم بعض أهل العربية أن معناه : أنهم جهلوا كنه ما فيه من العقاب ، فلم يعلموه كعلم العالم ، وإن علموه ذنباً، فلذلك قيل: "يعملون السوء بجهالة".
قال أبو جعفر: ولو كان الأمر على ما قال صاحب هذا القول ، لوجب أن لا تكون توبة لمن علم كنه ما فيه. وذلك أنه جل ثناؤه قال : "إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب" دون غيرهم . فالواجب على صاحب هذا القول أن لا يكون للعالم الذي عمل سوءاً على علم منه بكنه ما فيه ، ثم تاب من قريب ، توبة، وذلك خلاف الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أن كل تائب عسى الله أن يتوب عليه ، وقوله : "باب التوبة مفتوح ما لم تطلع الشمس من مغربها"، وخلاف قول الله عز وجل: "إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا" [الفرقان: 70].
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في معنى : القريب في هذا الموضع.
فقال بعضهم : معنى ذلك: ثم يتوبون في صحتهم قبل مرضهم وقبل موتهم.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط، عن السدي: "ثم يتوبون من قريب"، والقريب قبل الموت ما دام في صحته.
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا محمد بن فضيل، عن أبي النضر، عن أبي صالح، عن ابن عباس : "ثم يتوبون من قريب"، قال : في الحياة والصحة.
وقال آخرون: بل معنى ذلك : ثم يتوبون من قبل معاينة ملك الموت.
ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو صالح قال ، حدثنا معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس : "ثم يتوبون من قريب"، والقريب فيما بينه وبين أن ينظر إلى ملك الموت.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا المعتمر بن سليمان قال ، سمعت عمران بن حدير قال ، قال أبو مجلز: لا يزال الرجل في توبة حتى يعاين الملائكة.
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن أبي معشر، عن محمد بن قيس قال : القريب ، ما لم تنزل به آية من آيات الله تعالى، وينزل به الموت.
حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحق قال، حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك: "إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب"، وله التوبة ما بينه وبين أن يعاين ملك الموت ، فإذا تاب حين ينظر إلى ملك الموت ، فليس له ذاك.
وقال آخرون : بل معنى ذلك : ثم يتوبون من قبل الموت.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا الثوري ، عن رجل ، عن الضحاك ، "ثم يتوبون من قريب"، قال : كل شيء قبل الموت فهو قريب.
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا معتمر بن سليمان ، عن الحكم بن أبان ، عن عكرمة: "ثم يتوبون من قريب"، قال : الدنيا كلها قريب.
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : "ثم يتوبون من قريب"، قبل الموت.
حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا معاذ بن هشام قال ، حدثني أبي ، عن قتادة، عن أبي قلابة قال: ذكر لنا أن إبليس لما لعن وأنظر، قال: وعزتك لا أخرج من قلب ابن آدم ما دام فيه الروح. فقال تبارك وتعالى : وعزتي لا أمنعه التوبة ما دام فيه الروح.
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا أبو داود قال ، حدثنا عمران ، عن قتادة قال : كنا عند أنس بن مالك وثم أبو قلابة، فحدث أبو قلابة قال : إن الله تبارك وتعالى لما لعن إبليس سأله النظرة، فقال : وعزتك لا أخرج من قلب ابن آدم! فقال الله تبارك وتعالى : وعزتي لا أمنعه التوبة ما دام فيه الروح.
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الوهاب قال ، حدثنا أيوب ، عن أبي قلابة قال: إن الله تبارك وتعالى لما لعن إبليس سأله النظرة، فأنظره إلى يوم الدين ، فقال : وعزتك لا أخرج من قلب ابن آدم ما دام فيه الروح! قال : وعزتي لا أحجب عنه التوبة ما دام فيه الروح.
حدثني ابن بشار قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا عوف ، عن الحسن قال : بلغني "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن إبليس لما رأى آدم أجوف قال : وعزتك لا أخرج من جوفه ما دام فيه الروح! فقال الله تبارك وتعالى : وعزتي لا أحول بينه وبين التوبة ما دام فيه الروح".
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا معاذ بن هشام قال ، حدثني أبي ، عن قتادة، عن العلاء بن زياد، عن أبي أيوب بشير بن كعب: "أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر".
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الأعلى قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن عبادة بن الصامت: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، فذكر مثله.
حدثنا ابن يشار قال، حدثنا ابن أبي عدي ، عن عوف ، عن الحسن قال: بلغني "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تبارك وتعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر".
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ، قول من قال: تأويله: ثم يتوبون قبل مماتهم ، في الحال التي يفهمون فيها أمر الله تبارك وتعالى ونهيه ، وقبل أن يغلبوا على أنفسهم وعقولهم ، وقبل حال اشتغالهم بكرب الحشرجة وغم الغرغرة، فلا يعرفوا أمر الله ونهيه ، ولا يعقلوا التوبة، لأن التوبة لا تكون توبة إلا من ندم على ما سلف منه ، وعزم منه على ترك المعاودة، وهو يعقل الندم ، ويختار ترك المعاودة، فأما إذا كان بكرب الموت مشغولاً، وبغم الحشرجة مغموراً، فلا إخاله إلا عن الندم على ذنوبه مغلوباً. ولذلك قال من قال : إن التوبة مقبولة، ما لم يغرغر العبد بنفسه، فإن كان المرء في تلك الحال يعقل عقل الصحيح ، ويفهم فهم العاقل الأريب، فأحدث إنابة من ذنوبه ، ورجعة من شروده عن ربه إلى طاعته ، كان إن شاء الله ممن دخل في وعد الله الذي وعد التائبين إليه من إجرامهم من قريب بقوله: "إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب".
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه : "فأولئك"، فهؤلاء الذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب ، "يتوب الله عليهم"، دون من لم يتب حتى غلب على عقله ، وغمرته حشرجة ميتته ، فقال وهو لا يفقه ما يقول : "إني تبت الآن"، خداعاً لربه ، ونفاقاً في دينه.
ومعنى قوله: "يتوب الله عليهم"، يرزقهم إنابة إلى طاعته ، ويتقبل منهم أوبتهم إليه وتوبتهم التي أحدثوها من ذنوبهم.
وأما قوله : "وكان الله عليما حكيما"، فإنه يعني : ولم يزل الله جل ثناؤه ، "عليما" بالناس من عباده المنيبين إليه بالطاعة، بعد إدبارهم عنه ، المقبلين إليه بعد التولية، وبغير ذلك من أمور خلقه ، "حكيما"، في توبته على من تاب منهم من معصيته ، وفي غير ذلك من تدبيره وتقديره ، ولا يدخل أفعاله خلل ، ولا يخالطه خطأ ولا زلل.
فيهما أربع مسائل
الأولى- قوله تعالى :" إنما التوبة على الله " قيل: هذه الآية عامة لكل من عمل ذنباً. وقيل:لمن جهل فقط، والتوبة لكل من عمل ذنباً في موضع آخر. واتفقت الأمة على أن التوبة فرض على المؤمنين لقوله تعالى:" وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون" وتصح من ذنب مع الإقامة على غيره من غير نوعه- خلافاً للمعتزلة في قولهم. لا يكون تائباً من أقام على ذنب ولا فرق بين معصية ومعصية- هذا مذهب أهل السنة وإذا تاب العبد فالله سبحانه بالخيار إن شاء قبلها، وإن شاء لم يقبلها وليس قبول التوبة واجباً على الله من طريق العقل كما قال المخالف، لأن من شرط الواجب أن يكون أعلى رتبة من الموجب عليه، والحق سبحانه خالق الخلق ومالكهم، والمكلف لهم، فلا يصح أن يوصف بوجوب شيء عليه، تعالى عن ذلك غير أنه قد أخبر سبحانه وهو الصادق في وعده بأنه يقبل التوبة عن العاصين من عبادة بقوله تعالى :" وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات" [الشورى:25]
وقوله :" ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده" [التوبة:104] وقوله : " وإني لغفار لمن تاب " [طه :82] فإخباره سبحانه تعالى عن أشياء أوجبها على نفسه يقتضي وجوب تلك الأشياء. والعقيدة أنه لا يجب عليه شي عقلاً فأما السمع فظاهره قبول توبة التائب. قال أبو المعالي وغيره: وهذه الظواهر إنما تعطي غلبة ظن لا قطعاً على الله تعالى بقبول التوبة قال ابن عطية: وقد خولف أبو المعالي وغيره في هذا المعنى فإذا فرضنا رجلاً قد تاب توبة نصوحاً تامة الشروط فقال أبو المعالي: يغلب على الظن قبول توبته وقال غيره: يقطع على الله تعالى بقبول توبته كما أخبر عن نفسه جل وعز قال ابن عطية: وكان أبي رحمه الله يميل إلى هذا القول ويرجحه وبه أقول والله تعالى أرحم بعباده من أن ينخرم في هذا التائب المفروض معنى قوله :" وهو الذي يقبل التوبة عن عباده" وقوله تعالى :" وإني لغفار" وإذا تقرر هذا فاعلم أن في قوله على الله حذفاً وليس على ظاهره، وإنما المعنى على فضل اله ورحمته بعباده. وهذا نحو "قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ:
أتدري ما حق العباد على الله ؟ قال : الله ورسوله أعلم قال: أن يدخلهم الجنة" فهذا كله معناه : على فضله ورحمته بوعده الحق وقوله الصدق. دليله قوله تعالى :" كتب على نفسه الرحمة" [الأنعام:12] أي وعد بها وقيل: على ها هنا معناها عند والمعنى واحد، التقدير عند الله أي إنه وعد ولا خلف في وعده أنه يقبل التوبة إذا كانت بشروطها المصححة لها، ويه أربعة الندم بالقلب وترك المعصية في الحال والعزم على ألا يعود إلى مثلها، وأن يكون ذلك حياء من الله تعالى لا من غيره فإذا اختل شرط من هذه الشروط لم تصح التوبة، وقد قيل من شروطها: الاعتراف بالذنب وكثرة الاستغفار، وقد تقدم في آل عمران كثير من معاني التوبة وأحكامها ولا خلاف فيما أعلمه أن التوبة لا تسقط حداً، ولهذا قال علماؤنا: إن السارق والسارقة والقاذف متى تابوا وقامت الشهادة عليهم أقيمت عليهم الحدود. وقيل: على بمعنى من أي إنما التوبة من الله للذين، قاله أبو وبكر بن عبدوس، والله أعلم. وسيأتي في التحريم الكلام في التوبة النصوح والأشياء التي يتاب منها.
الثانية- قوله تعالى :" للذين يعملون السوء بجهالة" السوء في هذه الآية والأنعام " أنه من عمل منكم سوءا بجهالة " [الأنعام :54] يعم الكفر والمعاصي فكل من عصى ربه فهو جاهل حتى ينزع عن معصيته قال قتادة: أجمع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على أن كل معصية فهي بجهالة عمداً كانت أو جهلاً وقاله ابن عباس وقتادة والضحاك ومجاهد والسدي وروي عن الضحاك ومجاهد أنهما قالا: الجهالة هنا العمد. وقال عكرمة : أمور الدنيا كلها جهالة يريد الخاصة به الخارجة عن طاعة الله وهذا القول جار مع قوله تعالى :" إنما الحياة الدنيا لعب ولهو" [محمد:36] وقال الزجاج: يعني قوله بجهالةً اختيارهم اللذة الفانية على اللذة الباقية وقيل: بجهالة أي لا يعلمون كنه العقوبة ذكره ابن فورك قال ابن عطية وضعف قوله هذا ورد عليه.
الثالثة- قوله تعالى:" ثم يتوبون من قريب" قال ابن عباس والسدي: معناه قبل المرض والموت وروى عن الضحاك أنه قال : كل ما كان قبل الموت فهو قريب ن وقال أبو مجلز والضحاك أيضاً وعكرمة وابن زيد وغيرهم: قبل المعاينة للملائكة والسوق، وأن يغلب المرء على نفسه ولقد أحسن محمد الوراق حيث قال:
قدم لنفسك توبة مرجوة قبل الممات وقبل حبس الألسن
بادر بها غلق النفوس فإنها ذخر وغنم للمنيب المحسن
قال علماؤنا رحمهم الله : وإنما صحت التوبة نه في هذا الوقت، لأن الرجاء باق ويصح منه الندم والعزم على ترك الفعل وقد روى الترمذي "عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر" قال هذا حديث حسن غريب . ومعنى ما لم يغرغر. ما لم يبلغ روحه حلقومه فيكون بمنزلة الشيء الذي يتغرغر به قاله الهروي.
وقيل: المعنى يتوبون على قرب عهد من الذنب من غير إصرار. والمبادر في الصحة أفضل وألحق لأمله من العمل الصالح. والبعد كل البعد الموت، كما قال .
وأين مكان البعد إلا مكانيا
وروى صالح المري عن الحسن قال، من عير أخاه بذنب قد تاب إلى الله منه ابتلاه الله به وقال الحسن أيضاً:
إن إبليس لما هبط قال: بعزتك لا أفارق بان آدم ما دام الروح في جسده قال الله تعالى فبعزتي إلا أحجب التوبة عن ابن آدم ما لم يتغرغر نفسه .
يقول سبحانه وتعالى: إنما يتقبل الله التوبة ممن عمل السوء بجهالة ثم يتوب ولو قبل معاينة الملك روحه قبل الغرغرة. قال مجاهد وغير واحد: كل من عصى الله خطأ أو عمداً, فهو جاهل حتى ينزع عن الذنب, وقال قتادة عن أبي العالية أنه كان يحدث أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون: كل ذنب أصابه عبد فهو جهالة, رواه ابن جرير. وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن قتادة, قال: اجتمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأوا أن كل شيء عصي الله به, فهو جهالة عمداً كان أو غيره. وقال ابن جريج: أخبرني عبد الله بن كثير عن مجاهد, قال: كل عامل بمعصية الله فهو جاهل حين عملها قال ابن جريج: وقال لي عطاء بن أبي رباح, نحوه. وقال أبو صالح عن ابن عباس: من جهالته عمل السوء, وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "ثم يتوبون من قريب" قال: ما بينه وبين أن ينظر إلى ملك الموت. وقال الضحاك: ما كان دون الموت فهو قريب. وقال قتادة والسدي: ما دام في صحته, وهو مروي عن ابن عباس. وقال الحسن البصري "ثم يتوبون من قريب", مالم يغرغر. وقال عكرمة: الدنيا كلها قريب.
ذكر الأحاديث في ذلك
قال الإمام أحمد: حدثنا علي بن عياش, وعصام بن خالد, قالا: حدثنا ابن ثوبان عن أبيه, عن مكحول, عن جبير بن نفير, عن ابن عمر, عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال "إن الله يقبل توبة العبد مالم يغرغر" رواه الترمذي وابن ماجه من حديث عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان به, وقال الترمذي: حسن غريب. ووقع في سنن ابن ماجه, عن عبد الله بن عمرو وهو وهم إنما هو عبد الله بن عمر بن الخطاب.
(حديث آخر) عن ابن عمر قال ابن مردويه: حدثنا محمد بن معمر, حدثنا عبدالله بن الحسن الخراساني, حدثنا يحيى بن عبد الله البابلتي, حدثنا أيوب بن نهيك الحلبي, سمعت عطاء بن أبي رباح, قال: سمعت عبد الله بن عمر, سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "ما من عبد مؤمن يتوب قبل الموت بشهر إلا قبل الله منه وأدنى من ذلك, وقبل موته بيوم وساعة يعلم الله منه التوبة والإخلاص إليه إلا قبل منه".
(حديث آخر) قال أبو داود الطيالسي: حدثنا شعبة عن إبراهيم بن ميمونة, أخبرني رجل من ملحان يقال له أيوب قال: سمعت عبد الله بن عمر يقول: من تاب قبل موته بعام تيب عليه, ومن تاب قبل موته بشهر تيب عليه, ومن تاب قبل موته بجمعة تيب عليه, ومن تاب قبل موته بيوم تيب عليه, ومن تاب قبل موته بساعة تيب عليه, فقلت له: إنما قال الله "إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب" فقال: إنما أحدثك ما سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهكذا رواه أبو داود الطيالسي وأبو عمر الحوضي وأبو عامر العقدي عن شعبة.
(حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا حسين بن محمد حدثنا محمد بن مطرف, عن زيد بن اسلم, عن عبد الرحمن بن البيلماني, قال: اجتمع أربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم, فقال: أحدهم: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "إن الله يقبل توبة العبد قبل أن يموت بيوم", فقال الاخر: أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: نعم. قال: وأنا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "إن الله يقبل توبة العبد قبل أن يموت بنصف يوم", فقال الثالث: أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: نعم. قال: وأنا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "إن الله يقبل توبة العبد قبل أن يموت بضحوة", قال الرابع: أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: نعم. قال: وأنا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "إن الله يقبل توبة العبد مالم يغرغر بنفسه"، وقد رواه سعيد بن منصور عن الدراوردي, عن زيد بن أسلم, عن عبد الرحمن بن البيلماني, فذكر قريباً منه.
(حديث آخر) قال أبو بكر بن مردويه: حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن زيد, حدثنا عمران بن عبد الرحيم, حدثنا عثمان بن الهيثم, حدثنا عوف عن محمد بن سيرين, عن أبي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله يقبل توبة عبده مالم يغرغر".
أحاديث في ذلك مرسلة
قال ابن جرير: حدثنا ابن بشار, حدثنا ابن أبي عدي عن عوف, عن الحسن, قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إن الله يقبل توبة العبد مالم يغرغر", هذا مرسل حسن عن الحسن البصري رحمه الله. وقد قال ابن جرير أيضاً رحمه الله: حدثنا ابن بشار, حدثنا معاذ بن هشام, حدثني أبي عن قتادة, عن العلاء بن زياد, عن أبي أيوب بشير بن كعب أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال "إن الله يقبل توبة العبد مالم يغرغر", وحدثنا ابن بشار, حدثنا عبد الأعلى عن سعيد, عن قتادة, عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال, فذكر مثله.
(أثر آخر) قال ابن جرير: حدثنا ابن بشار, حدثنا أبو داود, حدثنا عمران عن قتادة, قال: كنا عند أنس بن مالك وثم أبو قلابة, فحدث أبو قلابة فقال: إن الله تعالى لما لعن إبليس سأله النظرة, فقال: وعزتك وجلالك لا أخرج من قلب ابن آدم ما دام فيه الروح, فقال الله عز وجل: وعزتي لا أمنعه التوبة ما دام فيه الروح. وقد ورد هذا في حديث مرفوع رواه الإمام أحمد في مسنده من طريق عمرو بن أبي عمرو وأبي الهيثم العتواري, كلاهما عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال "قال إبليس: وعزتك لا أزال أغويهم ما دامت أرواحهم في أجسادهم, فقال الله عز وجل: وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني" فقد دلت هذه الأحاديث على أن من تاب إلى الله عز وجل وهو يرجو الحياة, فإن توبته مقبولة, ولهذا قال تعالى "فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليماً حكيماً" وأما متى وقع الإياس من الحياة, وعاين الملك, وحشرجت الروح في الحلق وضاق بها الصدر, وبلغت الحلقوم, وغرغرت النفس صاعدة في الغلاصم, فلا توبة مقبولة حينئذ, ولات حين مناص, ولهذا قال " وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن " وهذا كما قال تعالى: "فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده" الايتين, وكما حكم تعالى بعدم توبة أهل الأرض إذا عاينوا الشمس طالعة من مغربها في قوله تعالى: " يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا " الاية, وقوله "ولا الذين يموتون وهم كفار" يعني أن الكافر إذا مات على كفره وشركه لا ينفعه ندمه ولا توبته, ولا يقبل منه فدية ولو بملء الأرض. قال ابن عباس وأبو العالية والربيع بن أنس "ولا الذين يموتون وهم كفار" قالوا: نزلت في أهل الشرك. وقال الإمام أحمد: حدثنا سليمان بن داود, قال: حدثنا عبدالرحمن بن ثابت بن ثوبان, قال: حدثني أبي عن مكحول أن عمر بن نعيم حدثه عن أسامة بن سلمان أن أبا ذر حدثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال "إن الله يقبل توبة عبده أو يغفر لعبده مالم يقع الحجاب". قيل: وما وقوع الحجاب ؟ قال "أن تخرج النفس وهي مشركة", ولهذا قال الله تعالى: "أولئك أعتدنا لهم عذاباً أليماً" أي موجعاً شديداً مقيماً.
قوله 17- "إنما التوبة على الله" استئناف لبيان أن التوبة ليست بمقبولة على الإطلاق كما ينبئ عنه قوله "توابا رحيماً" بل إنما تقبل من البعض دون البعض كما بينه النظم القرآني ها هنا، فقوله "إنما التوبة" مبتدأ خبره قوله "للذين يعملون السوء بجهالة". وقوله "على الله" متعلق بما تعلق به الخبر من الاستقرار، أو متعلق بمحذوف وقع حالاً عند من يجوز تقديم الحال التي هي ظرف على عاملها المعنوي، وقيل المعنى: إنما التوبة على فضل الله ورحمته بعباده، وقيل المعنى: إنما التوبة واجبة على الله، وهذا على مذهب المعتزلة لأنهم يوجبون على الله عز وجل واجبات من جملتها قبول توبة التائبين، وقيل: على هنا بمعنى عند، وقيل: بمعنى من.
وقد اتفقت الأمة على أن التوبة فرض على المؤمنين لقوله تعالى " وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون " وذهب الجمهور إلى أنها تصح من ذنب دون ذنب خلافاً للمعتزلة، وقيل إن قوله "على الله" هو الخبر. وقوله "للذين يعملون" متعلق بما تعلق به الخبر أو بمحذوف وقع حالاً. والسوء هنا: العمل السيء. وقوله "بجهالة" متعلق بمحذوف وقع صفة أو حالاً: أي يعملونها متصفين بالجهالة أو جاهلين. وقد حكى القرطبي عن قتادة أنه قال: أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن كل معصية فهي بجهالة عمداً كانت أو جهلاً. وحكي عن الضحاك ومجاهد أن الجهالة هنا العمد وقال عكرمة: أمور الدنيا كلها جهالة، ومنه قوله تعالى "إنما الحياة الدنيا لعب ولهو" وقال الزجاج: معناه بجهالة اختيارهم اللذة الفانية على اللذة الباقية، وقيل معناه: أنهم لا يعلمون كنه العقوبة، ذكره ابن فورك وضعفه ابن عطية. قوله "ثم يتوبون من قريب" معناه: قبل أن يحضرهم الموت كما يدل عليه قوله "حتى إذا حضر أحدهم الموت" وبه قال أبو مجلز والضحاك وعكرمة وغيرهم، والمراد قبل المعاينة للملائكة وغلبة المرء على نفسه، ومن في قوله: "من قريب" للتبعيض: أي يتوبون بعض زمان قريب، وهو ما عدا وقت حضور الموت، وقيل معناه قبل المرض، وهو ضعيف، بل باطل لما قدمنا، ولما أخرجه أحمد والترمذي وحسنه وابن ماجه والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر" وقيل معناه: يتوبون على قرب عهد من الذنب من غير إصرار. قوله: "فأولئك يتوب الله عليهم" هو وعد منه سبحانه بأنه يتوب عليهم بعد بيانه أن التوبة لهم مقصورة عليهم.
17-قوله تعالى:"إنما التوبة على الله"قال الحسن: يعني التوبة التي يقبلها ، فيكون على بمعنى عند، وقيل: من الله،"للذين يعملون السوء بجهالة"،قالقتادة:أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن كل ما عصي به الله فهو جهالة عمداً كان او لم يكن وكل من عصى الله فهو جاهل .وقالمجاهد : المراد من الآية :العمد ،قالالكلبي : لم يجهل أنه ذنب /لكنه جهل عقوبته،وقيل : معنى الجهالة : اختيارهم اللذة الفانية على اللذة الباقية.
"ثم يتوبون من قريب"، قيل: معناه قبل أن يحيط السوء بحسناته فيحبطها،وقالالسديوالكلبي: القريب: أن يتوب في صحته قبل مرض موته ،وقالعكرمة : قبل الموت، وقال الضحاك : قبل معاينة ملك الموت.
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحيأناعبد الرحمن بن أبي شريحأناأبو القاسم عبد الله بن محمد ابن عبد العزيم البغويأناعلي بن الجعد أناابن ثوبان وهو عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان عن أبيه عن مكحول عنجبير بن نفير عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن الله تعالى يقبل توبة العبد مالم يغرغر ".
وأخبرناعبد الواحد بن احمد المليحيأناأبو منصور محمد بن محمد بن سمعاناناأبو جعفر محمد ابن احمد بن عبد الجبار الريانيأناحميد بن زنجويه أناأبو الأسودأناابن لهيعة عندراجعنأبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن الشيطان قال: وعزتك يا رب لا أبرح أغوي عبادك مادامت أرواحهم في أجسادهم، فقال الرب : وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني لا أزال أغفر لهم ما استغفروني".
قوله تعالى:"فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليماً حكيماً".
17" إنما التوبة على الله " أي إن قبول التوبة كالمحتوم على الله بمقتضى وعده من تاب عليه إذا قبل توبته. " للذين يعملون السوء بجهالة " متلبسين بها سفهاً فإن ارتكاب الذنب سفهاً وتجاهل، ولذلك قيل من عصى الله فهو جاهل حتى ينزع عن جهالته. " ثم يتوبون من قريب " من زمان قريب، أي قبل حضور الموت لقوله تعالى: " حتى إذا حضر أحدهم الموت " وقوله عليه الصلاة والسلام: "إن الله يقبل توبة عبده ما لم يغرغر" وسماه قريباً لأن أمد الحياة قريب لقوله تعالى: " قل متاع الدنيا قليل ". أو قبل أن يشرب في قلوبهم حبة فيطبع عليها فيتعذر عليهم الرجوع، و" من " للتبعيض أي يتوبون في أي جزء من الزمان القريب الذي هو ما قبل أن ينزل بهم سلطان الموت، أو يزين السوء. " فأولئك يتوب الله عليهم " وعد بالفاء بما أوعد به وكتب على نفسه بقوله: " إنما التوبة على الله " " وكان الله عليما " فهو يعلم بإخلاصهم في التوبة " حكيما " والحكيم لا يعاقب التائب.
17. Forgiveness is only incumbent on Allah toward those who do evil in ignorance (and) then turn quickly (in repentance) to Allah. These are they toward whom Allah relenteth. Allah is ever Knower, Wise.
17 - God accepts the repentance of those who do evil in ignorance and repent soon afterwards; to them will God turn in mercy: for God is full of knowledge and wisdom.