(إن الذين كفروا) بالله (وظلموا) نبيه بكتمان نعته (لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا) من الطرق
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه : إن الذين جحدوا رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، فكفروا بالله بجحود ذلك ، وظلموا بمقامهم على الكفر على علم منهم ، بظلمهم عباد الله ، وحسداً للعرب ، وبغياً على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، "لم يكن الله ليغفر لهم"، يعني : لم يكن الله ليعفو عن ذنوبهم بتركه عقوبتهم عليها، ولكنه يفضحهم بها بعقوبته إياهم عليها، "ولا ليهديهم طريقا"، يقول : ولم يكن الله تعالى ذكره ليهدي هؤلاء الذين كفروا وظلموا، الذين وصفنا صفتهم ، فيوفقهم لطريق من الطرق التي ينالون بها ثواب الله ، ويصلون بلزومهم إياه إلى الجنة، ولكنه يخذلهم عن ذلك ، حتى يسلكوا طريق جهنم.
قوله تعالى :" إن الذين كفروا وظلموا " يعني اليهود أي ظلموا محمداً بكتمان نعته وأنفسهم إذ كفروا، والناس إذ كتموهم " لم يكن الله ليغفر لهم " هذا فيمن يموت على كفره ولم يتب .
لما تضمن قوله تعالى: " إنا أوحينا إليك " إلى آخر السياق, إثبات نبوته صلى الله عليه وسلم والرد على من أنكر نبوته من المشركين وأهل الكتاب, قال الله تعالى: "لكن الله يشهد بما أنزل إليك" أي وإن كفر به من كفر به ممن كذبك وخالفك, فالله يشهد لك بأنك رسوله الذي أنزل عليه الكتاب وهو القرآن العظيم الذي "لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد", ولهذا قال: "أنزله بعلمه" أي في علمه الذي أراد أن يطلع العباد عليه من البينات والهدى والفرقان, وما يحبه الله ويرضاه, وما يكرهه ويأباه, وما فيه من العلم بالغيوب من الماضي والمستقبل, وما فيه من ذكر صفاته تعالى المقدسة التي لايعلمها نبي مرسل ولا ملك مقرب إلا أن يعلمه الله به, كما قال تعالى: " ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء " وقال: "ولا يحيطون به علماً".
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين, حدثنا الحسن بن سهل الجعفري وخزز بن المبارك, قالا: حدثنا عمران بن عيينة, حدثنا عطاء بن السائب, قال: أقرأني أبو عبد الرحمن السلمي القرآن, وكان إذا قرأ عليه أحدنا القرآن قال: قد أخذت علم الله, فليس أحد اليوم أفضل منك إلا بعمل, ثم يقرأ قوله: "أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيداً", قوله: "والملائكة يشهدون" أي بصدق ما جاءك وأوحى اليك وأنزل عليك مع شهادة الله تعالى بذلك "وكفى بالله شهيداً" قال محمد بن إسحاق, عن محمد بن أبي محمد, عن عكرمة أو سعيد بن جبير, عن ابن عباس, قال: دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من اليهود, فقال لهم: "إني لأعلم والله إنكم لتعلمون أني رسول الله" فقالوا: ما نعلم ذلك. فأنزل الله عز وجل "لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه" الاية.
وقوله: "إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله قد ضلوا ضلالاً بعيداً" أي كفروا في أنفسهم, فلم يتبعوا الحق, وسعوا في صد الناس عن اتباعه والاقتداء به, قد خرجوا عن الحق وضلوا عنه, وبعدوا منه بعداً عظيماً شاسعاً, ثم أخبر تعالى عن حكمه في الكافرين بآياته وكتابه ورسوله, الظالمين لأنفسهم بذلك وبالصد عن سبيله وارتكاب مآثمه وانتهاك محارمه بأنه لا يغفر لهم " ولا ليهديهم طريقا " أي سبيلاً إلى الخير "إلا طريق جهنم" وهذا استثناء منقطع "خالدين فيها أبداً" الايه, ثم قال تعالى: "يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيراً لكم" أي قد جاءكم محمد صلوات الله وسلامه عليه بالهدى ودين الحق والبيان الشافي من الله عز وجل, فآمنوا بما جاءكم به واتبعوه, يكن خيراً لكم. ثم قال: "وإن تكفروا فإن لله ما في السموات والأرض" أي فهو غني عنكم وعن إيمانكم, ولا يتضرر بكفرانكم, كما قال تعالى: "وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعاً فإن الله لغني حميد" وقال ههنا: "وكان الله عليماً" أي بمن يستحق منكم الهداية فيهدية, وبمن يستحق الغواية فيغويه, "حكيماً" أي في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره.
168- "إن الذين كفروا" بجحدهم "وظلموا" غيرهم بصدهم عن السبيل أو ظلموا محمداً بكتمانهم نبوته أو ظلموا أنفسهم بكفرهم، ويجوز الحمل على جميع هذه المعاني "لم يكن الله ليغفر لهم" إذا استمروا على كفرهم وماتوا كافرين " ولا ليهديهم طريقا * إلا طريق جهنم " لكونهم اقترفوا ما يوجب لهم ذلك بسوء اختيارهم وفرط شقائهم وجحدوا الواضح وعاندوا البين.
168-"إن الذين كفروا وظلموا"قيل: إنما قالظلموا -مع أن ظلمهم بكفرهم- تأكيداً ، وقيل: معناه كفروا بالله وظلموا محمداً صلى الله عليه وسلم بكتمان نعته،" لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا "، يعني: دين الإسلام.
168" إن الذين كفروا وظلموا " محمداً عليه الصلاة والسلام بإنكار نبوته، أو الناس بصدهم عما فيه صلاحهم وخلاصهم أو بأعم من ذلك. والآية تدل على أن الكفار مخاطبون بالفروع إذ المراد بهم الجامعون بين الكفر والظلم. " لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا ".
168. Lo! those who disbelieve and deal in wrong, Allah will never forgive them, neither will He guide them unto a road.
168 - Those who reject faith and do wrong, God will not forgive them nor guide them to any way