166 - (وإنا لنحن المسبحون) المنزهون الله عما لا يليق به
يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل ملائكته : "وإنا لنحن الصافون" لله لعبادته "وإنا لنحن المسبحون" له ، يعني بذلك المصلون له.
وبنحو الذي قلنا في ذلك جاء الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال به أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن علي بن الحسن بن شفيق المروزي ، قال : ثنا أبو معاذ الفضل بن خالد، قال : ثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك بن مزاحم يقول قوله : "وإنا لنحن الصافون * وإنا لنحن المسبحون" كان مسروق بن الأجدع ، يروي عن عائشة أنها قالت : قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: ما في السماء الدنيا موضع قدم إلا عليه ملك ساجد أو قائم ، فذلك قول الله "وما منا إلا له مقام معلوم * وإنا لنحن الصافون * وإنا لنحن المسبحون".
حدثني أبو السائب ، قال : ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مسلم ، عن مسروق ، قال : قال عبد الله. إن من السماوات لسماء ما فيها موضع شبر إلا وعليه جبهة ملك أو قدمه قائماً، قال : ثم قرأ: "وإنا لنحن الصافون * وإنا لنحن المسبحون".
حدثنا ابن بشار، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن الأعمس ، عن أبي الضحى عن مسروق عن عبد الله ، قال : إن من السماوات سماء ما فيها موضع إلا فيه ملك ساجد، أو قدماه قائم ، ثم قرأ : "وإنا لنحن الصافون * وإنا لنحن المسبحون".
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا ابن علية، قال : أخيرنا الجريري ، عن أبى نضرة، قال . كان عمر إذا أقيمت الصلاة أقبل على الناس بوجهه ، فقال : يا أيها الناس استووا ، إن الله إنما يريد بكم هدي الملائكة "وإنا لنحن الصافون * وإنا لنحن المسبحون" استووا ، تقدم أنت يا فلان ، تأخر أنت أي هذا ، فإذا استووا تقدم فكبر.
حدثني موسى بن عبد الرحمن ، قال : ثني أبو أسامة، قال : ثني الجريري سعيد بن إياس أبو مسعود، قال : ثني أبو نضرة : كان عمر إذا أقيمت الصلاة استقبل الناس بوجهه ، ثم قال : أقيموا صفوفكم واستووا فإنما يريد الله بكم هدي الملائكة، يقول : "وإنا لنحن الصافون * وإنا لنحن المسبحون" ثم ذكر نحوه.
حدثني محمد بن سعد، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله "وإنا لنحن الصافون" قال : يعني الملائكة "وإنا لنحن المسبحون" قال : الملائكة صافون تسبح لله عز وجل.
حدثني محمد بن عمرو، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد، "وإنا لنحن الصافون" قال : ا لملائكة.
حدثنا بشار، قال : ثنا سليمان ، قال : ثنا أبو هلال ، عن قتادة "وإنا لنحن الصافون" قال : الملائكة.
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة، قوله "وإنا لنحن الصافون" قال : صفوف في السماء "وإنا لنحن المسبحون": أي المصلون ، هذا قول الملائكة يثنون بمكانهم من العبادة.
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن المفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي ، في قول : "وإنا لنحن الصافون" قال : للصلاة.
حدثنا محمد، قال : ثنا أحمد، قال : ثنا أسباط ، عن السدي ، قال : وذكر السدي ، عن عبد الله قال : ما في السماء موضع شبر إلا عليه جبهة ملك أو قدماه ، ساجداً أو قائماً أو راكعاً، ثم قرأ هذه الآية "وإنا لنحن الصافون * وإنا لنحن المسبحون".
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد، في قوله "وإنا لنحن الصافون" قال : الملائكة ، هذا كله لهم.
" وإنا لنحن المسبحون " أي المصلون ، قاله قتادة وقيل : أي المنزهون الله عما أضافه إليه المشركون . والمراد أنهم يخبرون أنهم يعبدون الله بالتسبيح والصلاة وليسوا معبودين ولا بنات الله . وقيل : < وما منا إلا له مقام معلوم > من قول الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين للمشركين ، أي لكل واحد منا ومنكم في الآخرة مقام معلوم وهو مقام الحساب وقيل : إي منا من له مقام الخوف ، ومنا من له مقام الرجاء ، ومنا من له مقام الإخلاص ، ومنا من له مقام الشكر إلى غيرها من المقامات .
قلت : والأظهر أن ذلك راجع إلى قول الملائكة < وما منا إلا له مقام معلوم > والله أعلم .
يقول تعالى مخاطباً للمشركين: " فإنكم وما تعبدون * ما أنتم عليه بفاتنين * إلا من هو صال الجحيم " أي إنما ينقاد لمقالتكم وما أنتم عليه من الضلالة والعبادة الباطلة من هو أضل منكم ممن ذرىء للنار " لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون " فهذا الضرب من الناس هو الذي ينقاد لدين الشرك والكفر والضلالة كما قال تبارك وتعالى: " إنكم لفي قول مختلف * يؤفك عنه من أفك " أي إنما يضل به من هو مأفوك ومبطل, ثم قال تبارك وتعالى منزهاً للملائكة مما نسبوا إليهم من الكفر بهم والكذب عليهم أنهم بنات الله "وما منا إلا له مقام معلوم" أي له موضع مخصوص في السموات ومقامات العبادات لا يتجاوزه ولا يتعداه. وقال ابن عساكر في ترجمته لمحمد بن خالد بسنده إلى عبد الرحمن بن العلاء بن سعد عن أبيه وكان بايع يوم الفتح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوماً لجلسائه: "أطت السماء وحق لها أن تئط ليس فيها موضع قدم إلا عليه ملك راكع أو ساجد" ثم قرأ صلى الله عليه وسلم "وما منا إلا له مقام معلوم * وإنا لنحن الصافون * وإنا لنحن المسبحون" وقال الضحاك في تفسيره "وما منا إلا له مقام معلوم" قال كان مسروق يروي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من السماء الدنيا موضع إلا عليه ملك ساجد أو قائم" فذلك قوله تعالى: "وما منا إلا له مقام معلوم".
وقال الأعمش عن أبي إسحاق عن مسروق عن ابن عباس رضي الله عنه قال: إن في السموات لسماء ما فيها موضع شبر إلا عليه جبهة ملك أو قدماه ثم قرأ عبد الله رضي الله عنه "وما منا إلا له مقام معلوم" وكذا قال سعيد بن جبير وقال قتادة كانوا يصلون الرجال والنساء جميعاً حتى نزلت "وما منا إلا له مقام معلوم" فتقدم الرجال وتأخر النساء "وإنا لنحن الصافون" أي نقف صفوفاً في الطاعة كما تقدم عند قوله تبارك وتعالى: "والصافات صفاً" قال ابن جريج عن الوليد بن عبد الله بن أبي مغيث قال كانوا لا يصفون في الصلاة حتى نزل "وإنا لنحن الصافون" فصفوا وقال أبو نضرة كان عمر رضي الله عنه إذا أقيمت الصلاة استقبل الناس بوجهه ثم قال: أقيموا صفوفكم استووا قياماً يريد الله تعالى بكم هدي الملائكة ثم يقول "وإنا لنحن الصافون" تأخر يا فلان تقدم يا فلان ثم يتقدم فيكبر. رواه ابن أبي حاتم وابن جرير, وفي صحيح مسلم عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فضلنا على الناس بثلاث: جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة, وجعلت لنا الأرض مسجداً, وتربتها طهوراً" الحديث "وإنا لنحن المسبحون" أي نصطف فنسبح الرب ونمجده ونقدسه وننزهه عن النقائص فنحن عبيد له فقراء إليه خاضعون لديه. وقال ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد "وما منا إلا له مقام معلوم" الملائكة "وإنا لنحن الصافون" الملائكة "وإنا لنحن المسبحون" الملائكة تسبح الله عز وجل. وقال قتادة "وإنا لنحن المسبحون" يعني المصلون يثبتون بمكانهم من العبادة كما قال تبارك وتعالى: "وقالوا اتخذ الرحمن ولداً سبحانه بل عباد مكرمون * لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون * يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون * ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين" وقوله جل وعلا: " وإن كانوا ليقولون * لو أن عندنا ذكرا من الأولين * لكنا عباد الله المخلصين " أي قد كانوا يتمنون قبل أن تأتيهم يا محمد لو كان عندهم من يذكرهم بأمر الله وما كان من أمر القرون الأولى ويأتيهم بكتاب الله كما قال جل جلاله "وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفوراً" وقال تعالى: "أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين * أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون" ولهذا قال تعالى هاهنا: "فكفروا به فسوف يعلمون" وعيد أكيد وتهديد شديد على كفرهم بربهم عز وجل وتكذيبهم رسوله صلى الله عليه وسلم.
166- "وإنا لنحن المسبحون" أي المنزهون لله المقدسون له عما أضافه إليه المشركون، وقيل المصلون، وقيل المراد بقولهم المسبحون مجموع التسبيح باللسان وبالصلاة، والمقصود أن هذه الصفات هي صفات الملائكة، وليسوا كما وصفهم به الكفار من أنهم بنات الله.
166. " وإنا لنحن المسبحون "، أي: المصلون المنزهزن الله عن السوء، يخبر جبريل عليه السلام [النبي صلى الله عليه وسلم] أنهم يعبدون الله بالصلاة والتسبيح، وأنهم ليسوا بمعبودين، كما زعمت الكفار، ثم أعاد الكلام إلى الإخبار عن المشركين
166-" وإنا لنحن المسبحون " المنزهون الله عما لا يليق به ، ولعل الأول إشارة إلى درجاتهم في الطاعة وهذا في المعارف ، وما في أن واللام وتوسيط الفصل من التأكيد والاختصاص لأنهم المواظبون على ذلك دائماً من غير فترة دون غيرهم . وقيل هو من كلام النبي عليه الصلاة والسلام والمؤمنين والمعنى : وما منا إلا له مقام معلوم في الجنة أو بين يدي الله يوم القيامة ، " وإنا لنحن الصافون " له في الصلاة والمنزهون له عن السوء .
166. Lo! We, even We are they who hymn His praise
166 - And we are verily those who declare (God's) glory