163 - (إلا من هو صال الجحيم) في علم الله تعالى
حدثني محمد بن سعد، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله "ما أنتم عليه بفاتنين *إلا من هو صال الجحيم" يقول : ما أنتم بفاتنين على أوثانكم أحداً، إلا من قد سبق له أنه صال الجحيم.
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا ابن علية، عن خالد، قال : قلت للحسن ، قوله "ما أنتم عليه بفاتنين * إلا من هو صال الجحيم" إلا من أوجب الله عليه أن يصلى الجحيم.
حدثنا علي بن سهل ، قال : ثنا زيد بن أبي الزرقاء، عن حماد بن سلمة، عن حميد، قال : سألت الحسن ، عن قول الله "ما أنتم عليه بفاتنين * إلا من هو صال الجحيم" قال : ما أنتم عليه بمضلين إلامن كان في علم الله أنه سيصلى الجحيم.
حدثنا ابن بشار، قال ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن منصور، عن إبراهيم "ما أنتم عليه بفاتنين *إلا من هو صال الجحيم": إلا من قدر عليه أنه يصلى الجحيم.
حدثنا ابن حميد، قال : ثنا يعقوب ، عن جعفر، عن العشرة الذين دخلوا على عمر بن عبد العزيز، وكانوا متكلمين كلهم ، فتكلموا، ثم إن عمر بن عبد العزيز تكلم بشيء ، فظننا أنه تكلم بشيء رد به ما كان في أيدينا، فقال لنا : هل تعرفون تفسير هذه الآية "فإنكم وما تعبدون * ما أنتم عليه بفاتنين * إلا من هو صال الجحيم" وقال : إنكم والآلهة التي تعبدونها لستم بالذين تفتنون عليها إلا من قضيت عليه أنه يصلى الجحيم.
حدثنا ابن حميد، قال : ثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم "إلا من هو صال الجحيم" قال : ما أنتم بمضلين إلا من كتب عليه أنه يصلى الجحيم.
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة "فإنكم وما تعبدون" حتى بلغ "صال الجحيم" يقول : ما أنتم بمضلين أحداً من عبادي بباطلكم هذا ، إلا من تولاكم بعمل النار.
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن المفضل ، قال : ثنا أسباط عن السدي "ما أنتم عليه بفاتنين" بمضلين "إلا من هو صال الجحيم" إلا من كتب الله أنه يصلى الجحيم.
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله "ما أنتم عليه بفاتنين * إلا من هو صال الجحيم" يقول : لا تضلون بآلهتكم أحداً إلا من سبقت له الشقاوة، ومن هو صال الجحيم.
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد، في قوله "فإنكم وما تعبدون * ما أنتم عليه بفاتنين* إلا من هو صال الجحيم" يقول : لا تفتنون به أحداً، ولا تضلونه ، إلا من قضى الله أنه صال الجحيم ، إلا من قد قضى أنه من أهل النار.
وقيل "بفاتنين" من فتنت أفتن ، وذلك لغة أهل الحجاز، وأما أهل نجد فإنهم يقولون : أفتنته فأنا أفتنه . وقد ذكر عن الحسن أنه قرأ إلا من هو صال الجحيم برفع اللام من صال، فإن كان أراد بذلك الجمع كما قال الشاعر:
إذا ما حاتم وجد ابن عمي مجدنا من تكلم أجمعينا
فقال : أجمعينا، ولم يقل : تكلموا، وكما يقال في. الرجال : من هو إخوانك ، يذهب بهو إلى الاسم المجهول ويخرج فعله على الجمع ، فذلك وجه وإن كان غيره أفصح منه ، وإن كان أراد بذلك واحداً فهو عند أهل العربية لحن ، لأنه لحن عندهم أن يقال : هذا رام وقاض ، إلا أن يكون سمع في ذلك من العرب لغة مقلوبة، مثل قولهم : شاك السلاح ، وشاكي السلاح ، وعاث وعثاً وعاق وعقاً، فيكون لغة، ولم أسمع أحد يذكر سماع ذلك من العرب.
الثالثة - روي عن الحسن أنه قرأ : < إلا من هو صال الجحيم > بضم اللام . النحاس : وجماعة أهل التفسير يقولون إنه لحن ، لأنه لا يجوز هذا قاض المدينة . ومن أحسن ما قيل فيه ما سمعت علي بن سليمان يقوله ، قال : وهو محمول على المعنى ، لأن معنى < من > جماعة ، فالتقدير صالون ، وحذفت النون للإضافة وحذفت الواو لالتقاء الساكنين . وقيل : أصله فاعل إلا أنه قلب من صال إلى صايل وحذفت الياء وبقيت اللام مضمومة فهو مثل < شفا جرف هار > [ التوبة : 109 ] ووجه ثالث أن تحذف لام < صال > تخفيفاً وتجري الإعراب على عينه كما حذف في قولهم : ما باليت به بالة . وأصلها بالية من بالي كعافية من عافى ، ونظيره قراءة من قرأ ، < وجنى الجنتين دان > < وله الجوار المنشأت > أجرى الإعراب على العين . والأصل في قراءة الجماعة صالي بالياء فحذفها الكاتب من الخط لسقوطها في اللفظ .
يقول تعالى مخاطباً للمشركين: " فإنكم وما تعبدون * ما أنتم عليه بفاتنين * إلا من هو صال الجحيم " أي إنما ينقاد لمقالتكم وما أنتم عليه من الضلالة والعبادة الباطلة من هو أضل منكم ممن ذرىء للنار " لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون " فهذا الضرب من الناس هو الذي ينقاد لدين الشرك والكفر والضلالة كما قال تبارك وتعالى: " إنكم لفي قول مختلف * يؤفك عنه من أفك " أي إنما يضل به من هو مأفوك ومبطل, ثم قال تبارك وتعالى منزهاً للملائكة مما نسبوا إليهم من الكفر بهم والكذب عليهم أنهم بنات الله "وما منا إلا له مقام معلوم" أي له موضع مخصوص في السموات ومقامات العبادات لا يتجاوزه ولا يتعداه. وقال ابن عساكر في ترجمته لمحمد بن خالد بسنده إلى عبد الرحمن بن العلاء بن سعد عن أبيه وكان بايع يوم الفتح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوماً لجلسائه: "أطت السماء وحق لها أن تئط ليس فيها موضع قدم إلا عليه ملك راكع أو ساجد" ثم قرأ صلى الله عليه وسلم "وما منا إلا له مقام معلوم * وإنا لنحن الصافون * وإنا لنحن المسبحون" وقال الضحاك في تفسيره "وما منا إلا له مقام معلوم" قال كان مسروق يروي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من السماء الدنيا موضع إلا عليه ملك ساجد أو قائم" فذلك قوله تعالى: "وما منا إلا له مقام معلوم".
وقال الأعمش عن أبي إسحاق عن مسروق عن ابن عباس رضي الله عنه قال: إن في السموات لسماء ما فيها موضع شبر إلا عليه جبهة ملك أو قدماه ثم قرأ عبد الله رضي الله عنه "وما منا إلا له مقام معلوم" وكذا قال سعيد بن جبير وقال قتادة كانوا يصلون الرجال والنساء جميعاً حتى نزلت "وما منا إلا له مقام معلوم" فتقدم الرجال وتأخر النساء "وإنا لنحن الصافون" أي نقف صفوفاً في الطاعة كما تقدم عند قوله تبارك وتعالى: "والصافات صفاً" قال ابن جريج عن الوليد بن عبد الله بن أبي مغيث قال كانوا لا يصفون في الصلاة حتى نزل "وإنا لنحن الصافون" فصفوا وقال أبو نضرة كان عمر رضي الله عنه إذا أقيمت الصلاة استقبل الناس بوجهه ثم قال: أقيموا صفوفكم استووا قياماً يريد الله تعالى بكم هدي الملائكة ثم يقول "وإنا لنحن الصافون" تأخر يا فلان تقدم يا فلان ثم يتقدم فيكبر. رواه ابن أبي حاتم وابن جرير, وفي صحيح مسلم عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فضلنا على الناس بثلاث: جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة, وجعلت لنا الأرض مسجداً, وتربتها طهوراً" الحديث "وإنا لنحن المسبحون" أي نصطف فنسبح الرب ونمجده ونقدسه وننزهه عن النقائص فنحن عبيد له فقراء إليه خاضعون لديه. وقال ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد "وما منا إلا له مقام معلوم" الملائكة "وإنا لنحن الصافون" الملائكة "وإنا لنحن المسبحون" الملائكة تسبح الله عز وجل. وقال قتادة "وإنا لنحن المسبحون" يعني المصلون يثبتون بمكانهم من العبادة كما قال تبارك وتعالى: "وقالوا اتخذ الرحمن ولداً سبحانه بل عباد مكرمون * لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون * يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون * ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين" وقوله جل وعلا: " وإن كانوا ليقولون * لو أن عندنا ذكرا من الأولين * لكنا عباد الله المخلصين " أي قد كانوا يتمنون قبل أن تأتيهم يا محمد لو كان عندهم من يذكرهم بأمر الله وما كان من أمر القرون الأولى ويأتيهم بكتاب الله كما قال جل جلاله "وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفوراً" وقال تعالى: "أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين * أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون" ولهذا قال تعالى هاهنا: "فكفروا به فسوف يعلمون" وعيد أكيد وتهديد شديد على كفرهم بربهم عز وجل وتكذيبهم رسوله صلى الله عليه وسلم.
163- "إلا من هو صال الجحيم" قرأ الجمهور صال بكسر اللام لأنه منقوص مضاف حذفت الياء لالتقاء الساكنين وحمل على لفظ من، وأفرد كما أفرد هو. وقرأ الحسن وابن أبي عبلة بضم اللام مع واو بعدها، وروي عنهما أنهما قرآ بضم اللام بدون واو. فأما مع الواو فعلى أنه جمع سلامة بالواو حملاً على معنى من، وحذفت نون الجمع للإضافة، وأما بدون الواو فيحتمل أن يكون جمعاً، وإنما حذفت الواو خطاً كما حذفت لفظاً، ويحتمل أن يكون مفرداً، وحقه على هذا كسر اللام. قال النحاس: وجماعة أهل التفسير يقولون: إنه لحن لأنه لا يجوز هذا قاض المدينة، والمعنى: أن الكفار وما يعبدونه لا يقدرون على إضلال أحد من عباد الله إلا من هو من أهل انار وهم المصرون على الكفر، وإنما يصير على الكفر من سبق القضاء عليه بالشقاوة، وإنه ممن يصلى النار: أي يدخلها. ثم قال الملائكة مخبرين للنبي صلى الله عليه وسلم كما حكاه الله سبحانه عنهم.
163. " إلا من هو صال الجحيم "، إلا من قدر الله أنه سيدخل النار، أي: سبق له في علم الله الشقاوة.
163-" إلا من هو صال الجحيم " إلا من سبق في علمه أنه من أهل النار ويصلاها لا محالة . " وأنتم " ضمير لهم ولآلهتهم غلب فيه المخاطب على الغائب ، ويجوز أن يكون " وما تعبدون " لما فيه من معنى المقارنة ساداً مسد الخبر أي إنكم وآلهتكم قرناء لا تزالون تعبدونها ، ما أنتم على ما تعبدونه بفاتنين بباعثين على طريق الفتنة إلا ضالاً مستوجباً للنار مثلكم ، وقرئ " صال " بالضم على أنه جمع محمول على معنى من ساقط واوه لالتقاء الساكنين ، أو تخفيف صائل على القلب كشاك في شائك ، أو المحذوف منه كالمنسي كما في قولهم : ما باليت به بالة ، فإن أصلها بالية كعافية .
163. Save him who is to burn in hell.
163 - Except such as are (themselves) going to the blazing Fire.