16 - (أو مسكينا ذا متربة) لصوق بالتراب لفقره وفي قراءة بدل الفعلين مصدران مرفوعان مضاف الأول لرقبة وينون الثاني فيقدر قبل العقبة اقتحام والقراءة المذكورة بيانه
وقوله : " أو مسكينا ذا متربة " اختلف أهل التأويل في تأويل قوله " ذا متربة " فقال بعضهم : عني بذلك : ذو اللصوق بالتراب .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا ابن أبي عدي ، عن شعبة ، قال : أخبرني المغيرة ، عن مجاهد ، عن ابن عباس " أو مسكينا ذا متربة " قال : الذي ليس له مأوى إلا التراب .
حدثنا مطرف بن محمد الضبي ،قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا شعبة ، عن المغيرة عن مجاهد ، عن ابن عباس ، مثله .
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا ابن أبي عدي ، عن شعبة ، عن حصين ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، في قوله " أو مسكينا ذا متربة " قال : الذي لا يواريه إلا التراب .
حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة ، قال : ثنا أبو عاصم ، عن شعبة ، عن المغيرة ، عن مجاهد ، عن ابن عباس " ذا متربة " قال : الذي ليس له مأولى إلا التراب .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثني جرير ، عن مغيرة ، عن مجاهد ، عن ابن عباس " مسكينا ذا متربة " قال : الذي ليس له مأوى إلا التراب .
قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، في قوله " أو مسكينا ذا متربة " قال المسكين : المطروح في التراب .
حدثني أبو حصين ، قال ثنا عبد الله بن أحمد بن يونس قال : ثنا عبثر ، عن حصين عن مجاهد ، عن ابن عباس ، قوله " أو مسكينا ذا متربة " قال : الذي لا يقيه من التراب شيء .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا هشيم ، قال : ثنا حصين و المغيرة كلاهما ، عن مجاهد ، عن ابن عباس أنه قال في قوله " أو مسكينا ذا متربة " قال : هو اللازق بالتراب من شدة الفقر .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، عن عمرو بن أبي قيس ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن ابن عباس "أو مسكينا ذا متربة" قال التراب الملقى على الطريق على الكناسة .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا طلق بن غنام ، عن زائدة ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن ابن عباس " أو مسكينا ذا متربة " قال : هو المسكين الملقى بالطريق بالتراب .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان عن الحصين ، عن مجاهد " أو مسكينا ذا متربة " قال : المطروح في الأرض ، الذي لا يقيه شيء دون التراب .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان عن حصين ، عن مجاهد ، عن ابن عباس " أو مسكينا ذا متربة " قال : هو الملزق بالأرض ، لا يقيه شيء من التراب .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال :ثنا سفيان ، عن حصين و عثمان بن المغيرة ، عن مجاهد عن ابن عباس " أو مسكينا ذا متربة " قال : الذي ليس له شيء يقيه من التراب .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن ابي نجيح ، عن مجاهد ، قوله " ذا متربة " قال : ساقط في التراب .
حدثنا ابو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن جعفر بن برقان ، قال : سمع عكرمة " أو مسكينا ذا متربة " قال : الملتزق بالأرض من الحاجة .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن عكرمة ، في قوله :" أو مسكينا ذا متربة " قال : التراب اللاصق بالأرض .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن عثمان بن المغيرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : الملقى في الطريق الذي ليس له بيت إلا التراب .
وقال آخرون : بل هو المحتاج ، كان لاصقاً بالتراب ، أو غير لاصق ، وقالوا إنما هو من قولهم : ترب الرجل : إذا افتقر .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، في قوله " أو مسكينا ذا متربة " يقول : شديد الحاجة .
حدثنا هناد بن السري ، قال : ثنا أبو الأحوص ، عن حصين ، عن عكرمة ، في قوله " أو مسكينا ذا متربة " قال : هو المحارف الذي لا مال له .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد ، في قوله " أو مسكينا ذا متربة " قال : ذا حاجة ، الترب : المحتاج .
وقال آخرون : بل هو ذو العيال الكثير الذين قد لصقوا بالتراب من الضر وشدة الحاجة .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس " أو مسكينا ذا متربة " يقول : مسكين ذو بنين وعيال ، ليس بينك وبينه قرابة .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن يمان ، عن أشعث عن جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جبير ، في قوله : " أو مسكينا ذا متربة " قال : ذا عيال .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " أو مسكينا ذا متربة " كنا نحدث أن الترب هو ذو العيال الذي لا شيء له .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله " أو مسكينا ذا متربة " ذا عيال لاصقين بالأرض ، من المسكنة والجهد .
وأولى الأقوال في ذلك بالصحة : قول من قال : عني به : أو مسكيناً قد لقص بالتراب من الفقير والحاجة ، لأن ذلك هو الظاهر من معانية . وأن قوله " متربة " إنما هي ( مفعلة ) من ترب الرجل : إذا أصابه التراب .
قوله تعالى:" أو مسكينا ذا متربة" أي لاشيء له، حتى كأنه قد لصق بالتراب من الفقر، ليس له مأوى إلا التراب. قال ابن عباس: هو المطروح على الطريق، الذي لا بيت له. مجاهد : هو الذي لايقيه من التراب لباس ولا غيره. وقال قتادة : إنه ذو العيال. عكرمة: المديون. أبو سنان: ذو الزمانة. ابن جبير: الذي ليس له أحد. وروى عكرمة عن ابن عباس: ذو المتربة البعيد التربة، يعني الغريب البعيد عن وطنه. وقال أبو حامد الخارزنجي : المتربة هنا: من التريب، وهي شدة الحال. يقال ترب: إذا افتقر. قال الهدلي:
وكنا إذا ما الضيف حل بأرضنا سفكنا دماء البدن في تربة الحال
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي : (فك)بفتح الكاف، على الفعل الماضي. (رقبة) نصباً لكونها مفعولاً (أو أطعم) بفتح الهمزة ونصب الميم، من غير ألف، على الفعل الماضي أيضاً، لقوله: " ثم كان من الذين آمنوا" فهذا أشكل بـ(ـفك وأطعم). وقرأ الباقون: (فك) رفعاً، على أنه مصدر فككت. (رقبة) خفض بالإضافة. (أو إطعام)بكسر الهمزة وألف ورفع الميم وتنوينها على المصدر أيضاً. واختاره أبو عبيد وأبو حاتم، لأنه تفسير لقوله تعالى:" وما أدراك ما العقبة"؟ ثم أخبره فقال: " فك رقبة * أو إطعام" المعنى: اقتحام العقبة: فك رقبة أو إطعام. ومن قرأ بالنصب فهو محمول على المعنى، أي ولا فك رقبة، ولا أطعم في يوم ذا مسبغة، فكيف يجاوز العقبة. وقرأ الحسن وأبو رجاء: (ذا مسبغة) فهو صفة لـ(ـيوم). ويجوز أن يكون قراءة النصب صفة لموضع الجار والمجرور، لأن قوله:(في يوم) ظرف منصوب الموضع، فيكون وصفاً له على المعنى دون اللفظ.
قال ابن جرير : حدثني عمر بن إسماعيل بن مجالد , حدثنا عبد الله بن إدريس عن أبيه عن أبي عطية عن ابن عمر في قوله تعالى: "فلا اقتحم" أي دخل "العقبة" قال: جبل في جهنم. وقال كعب الأحبار : "فلا اقتحم العقبة" هو سبعون درجة في جهنم وقال الحسن البصري : "فلا اقتحم العقبة" قال عقبة في جهنم, وقال قتادة : إنها عقبة قحمة شديدة فاقتحموها بطاعة الله تعالى. وقال قتادة : " وما أدراك ما العقبة " ثم أخبر تعالى عن اقتحامها فقال " فك رقبة * أو إطعام " وقال ابن زيد "فلا اقتحم العقبة" أي أفلا سلك الطريق التي فيها النجاة والخير ثم بينهما فقال تعالى: " وما أدراك ما العقبة * فك رقبة * أو إطعام " قرىء فك رقبة بالإضافة, وقرىء على أنه فعل وفيه ضمير الفاعل والرقبة مفعوله, وكلتا القراءتين معناهما متقارب. قال الإمام أحمد : حدثنا علي بن إبراهيم , حدثنا عبد الله يعني ابن سعيد بن أبي هند عن إسماعيل بن أبي حكيم , مولى آل الزبير عن سعيد بن مرجانة أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل إرب ـ أي عضو ـ منها إرباً منه من النار حتى إنه ليعتق باليد اليد وبالرجل الرجل وبالفرج الفرج".
فقال علي بن الحسين : أنت سمعت هذا من أبي هريرة ؟ فقال سعيد : نعم. فقال علي بن الحسين لغلام له أفره غلمانه: ادع مطرفاً, فلما قام بين يديه قال: اذهب فأنت حر لوجه الله, وقد رواه البخاري , و مسلم والترمذي والنسائي من طرق عن سعيد بن مرجانة به, وعند مسلم أن هذا الغلام الذي أعتقه علي بن الحسين زين العابدين كان قد أعطي فيه عشرة آلاف درهم, وقال قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة عن أبي نجيح قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " أيما مسلم أعتق رجلاً مسلماً فإن الله جاعل وفاء كل عظم من عظامه عظماً من عظامه محرراً من النار, وأيما امرأة أعتقت امرأة مسلمة فإن الله جاعل وفاء كل عظم من عظامها عظماً من عظامها من النار" رواه ابن جرير هكذا و أبو نجيح هذا هو عمر بن عبسة السلمي رضي الله عنه.
قال الإمام أحمد : حدثنا حيوة بن شريح , حدثنا بقيه حدثني بجير بن سعد عن خالد بن معدان عن كثير بن مرة عن عمرو بن عبسة أنه حدثهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من بنى مسجداً ليذكر الله فيه بنى الله له بيتاً في الجنة. ومن أعتق نفساً مسلمة كانت فديته من جهنم, ومن شاب شيبة في الإسلام كانت له نوراً يوم القيامة".
(طريق أخرى) قال أحمد : حدثنا الحكم بن نافع , حدثنا جرير عن سليم بن عامر أن شرحبيل بن السمط قال لعمرو بن عبسة : حدثنا حديثاً ليس فيه تزيد ولا نسيان. قال عمرو : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أعتق رقبة مسلمة كانت فكاكه من النار عضواً بعضو, ومن شاب شيبة في سبيل الله كانت له نوراً يوم القيامة, ومن رمى بسهم فبلغ فأصاب أو أخطأ كان كمعتق رقبة من بني إسماعيل" وروى أبو داود والنسائي بعضه.
(طريق أخرى) قال أحمد : حدثنا هاشم بن القاسم , حدثنا الفرج , حدثنا لقمان عن أبي أمامة عن عمرو بن عبسة , قال السلمي : قلت له: حدثنا حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس فيه انتقاص ولا وهم, قال سمعته يقول: "من ولد له ثلاثة أولاد في الإسلام فماتوا قبل أن يبلغوا الحنث أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم, ومن شاب شيبة فيسبيل الله كانت له نوراً يوم القيامة, ومن رمى بسهم في سبيل الله بلغ به العدو أصاب أو أخطأ كان له عتق رقبة, ومن أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل عضو منه عضواً منه من النار, ومن أنفق زوجين في سبيل الله فإن للجنة ثمانية أبواب يدخله الله من أي باب شاء منها" وهذه أسانيد جيدة قوية, ولله الحمد.
(حديث آخر) قال أبو داود : حدثنا عيسى بن محمد الرملي , حدثنا ضمرة عن ابن أبي عبلة عن العريف بن عياش الديلمي , قال: أتينا واثلة بن الأسقع فقلنا له: حدثنا حديثاً ليس فيه زيادة ولا نقصان, فغضب وقال: إن أحدكم ليقرأ ومصحفه معلق في بيته فيزيد وينقص, قلنا: إنما أردنا حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: " أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في صاحب لنا قد أوجب يعني النار بالقتل فقال: أعتقوا عنه يعتق الله بكل عضو منه عضواً من النار", وكذا رواه النسائي من حديث إبراهيم بن أبي عبلة , عن العريف بن عياش الديلمي , عن واثلة به.
(حديث آخر) قال أحمد : حدثنا عبد الصمد , حدثنا هشام عن قتادة عن قيس الجذامي عن عقبة بن عامر الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أعتق رقبة مسلمة فهو فداؤه من النار", وحدثنا عبد الوهاب الخفاف عن سعيد عن قتادة , قال: ذكر لنا أن قيساً الجذامي حدث عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أعتق رقبة مؤمنة فهي فكاكه من النار" تفرد به أحمد من هذا الوجه.
(حديث آخر) قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن آدم وأبو أحمد قالا: حدثنا عيسى بن عبد الرحمن البجلي من بني بجيلة من بني سليم عن طلحة بن مصرف عن عبد الرحمن بن عوسجة عن البراء بن عازب قال: " جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله علمني عملاً يدخلني الجنة, فقال: لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة, أعتق النسمة وفك الرقبة فقال: يا رسول الله أو ليستا بواحدة, قال: لا إن عتق النسمة أن تنفرد بعتقها, وفك الرقبة أن تعين في عتقها, والمنحة الوكوف, والفيء على ذي الرحم الظالم فإن لم تطق ذلك فأطعم الجائع, واسق الظمآن, وأمر بالمعروف وانه عن المنكر, فإن لم تطق ذلك فكف لسانك إلا من الخير".
وقوله تعالى: "أو إطعام في يوم ذي مسغبة" قال ابن عباس : ذي مجاعة, وكذا قال عكرمة ومجاهد والضحاك وقتادة وغير واحد, والسغب هو الجوع, وقال إبراهيم النخعي : في يوم الطعام فيه عزيز, وقال قتادة : في يوم مشتهى فيه الطعام وقوله تعالى: "يتيماً" أي أطعم في مثل هذا اليوم يتيماً "ذا مقربة" أي ذا قرابة منه, قاله ابن عباس وعكرمة والحسن والضحاك والسدي , كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد : حدثنا يزيد , أخبرنا هشام عن حفصة بنت سيرين عن سلمان بن عامر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي الرحم اثنتان: صدقة وصلة" وقد رواه الترمذي والنسائي وهذا إسناد صحيح, وقوله تعالى: "أو مسكيناً ذا متربة" أي فقيراً مدقعاً لاصقاً بالتراب, وهو الدقعاء أيضاً. قال ابن عباس : ذا متربة هو المطروح في الطريق الذي لا بيت له ولا شيء يقيه من التراب, وفي رواية هو الذي لصق بالدقعاء من الفقر والحاجة ليس له شيء, وفي رواية عنه: هو البعيد التربة, قال ابن أبي حاتم : يعني الغريب عن وطنه, وقال عكرمة : هو الفقير المديون المحتاج, وقال سعيد بن جبير , هو الذي لا أحد له, وقال ابن عباس وسعيد وقتادة ومقاتل بن حيان : هو ذو العيال, وكل هذه قريبة المعنى.
وقوله تعالى: "ثم كان من الذين آمنوا" أي ثم هو مع هذه الأوصاف الجميلة الطاهرة مؤمن بقلبه محتسب ثواب ذلك عند الله عز وجل كما قال تعالى: " ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا " وقال تعالى: "من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن" الاية. وقوله تعالى: "وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة" أي كان من المؤمنين العاملين صالحاً "المتواصين بالصبر على أذى الناس وعلى الرحمة بهم كما جاء في الحديث الشريف الراحمون يرحمهم الرحمن, ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء" وفي الحديث الاخر "لا يرحم الله من لا يرحم الناس". وقال أبو داود : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة , حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن ابن عامر عن عبد الله بن عمرو يرويه قال: "من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا فليس منا".
وقوله تعالى "أولئك أصحاب الميمنة" أي المتصفون بهذه الصفات من أصحاب اليمين. ثم قال " والذين كفروا بآياتنا هم أصحاب المشأمة " أي أصحاب الشمال "عليهم نار مؤصدة" أي مطبقة عليهم فلا محيد لهم عنها ولا خروج لهم منها! قال أبو هريرة وابن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد ومحمد بن كعب القرظي وعطية العوفي والحسن وقتادة والسدي "مؤصدة" أي مطبقة قال ابن عباس : مغلقة الأبواب, وقال مجاهد : أصد الباب بلغة قريش أي أغلقه وسيأتي في ذلك حديث في سورة "ويل لكل همزة لمزة" وقال الضحاك "مؤصدة" حيط لا باب له, وقال قتادة "مؤصدة" مطبقة فلا ضوء فيها ولا فرج ولا خروج منها آخر الأبد, وقال أبو عمران الجوني إذا كان يوم القيامة أمر الله بكل جبار وكل شيطان وكل من كان يخاف الناس في الدنيا شره, فأوثقوا بالحديد ثم أمر بهم إلى جهنم ثم أوصدوها عليهم أي أطبقوها, قال: فلا والله لا تستقر أقدامهم على قرار أبداً, ولا والله لا ينظرون فيها إلى أديم سماء أبداً, ولا والله لا تلتقي جفون أعينهم على غمض نوم أبداً, ولا والله لا يذوقون فيها بارد شراب أبداً, رواه ابن أبي حاتم . آخر تفسير سورة البلد, ولله الحمد والمنة.
16- "أو مسكيناً ذا متربة" أي لا شيء له كأنه لصق بالتراب لفقره، وليس له مأوى إلا التراب، يقال ترب الرجل يترب ترباً ومتربة: إذا افتقر حتى لصق بالتراب ضراً. قال مجاهد: هو الذي لا يقيه من التراب لباس ولا غيره. وقال قتادة: هو ذو العيال. وقال عكرمة: هو المديون. وقال أبو سنان: هو ذو الزمانة. وقال ابن جبير: هو الذي ليس له أحد. وقال عكرمة: هو البعيد التربة الغريب عن وطنه، والأول أولى، ومنه قول الهذلي:
وكنا إذا ما الضيف حل بأرضنا سفكنا دماء البدن في تربة الحال
قرأ الجمهور ذي مسغبة على أنه صفة ليوم، ويتيماً هو مفعول إطعام. وقرأ الحسن ذا مسغبة بالنصب على أنه مفعول إطعام: أي يطعمون ذا مسغبة، ويتيماً بدل منه.
16- "أو مسكيناً ذا متربة"، قد لصق بالتراب من فقره وضره. وقال مجاهد عن ابن عباس: هو المطروح في التراب لا يقه شيء. و المتربة مصدر ترب يترب ترباً ومتربة، إذا افتقر.
16-" أو مسكيناً ذا متربة " لما فيهما من مجاهدة النفس ولتعدد المراد بها حسن وقوع لا موقع لم فإنها لا تكاد تقع إلا مكررة ، إذ المعنى : فلا فك رقبةً ولا أطعم يتيماً أو مسكيناً . والمسغبة والمقربة والمتربة مفعلات من سغب إذا جاع وقرب في النسب وترب إذا افتقر ، وقرأ ابن كثير و أبو عمرو و الكسائي فك رقبة على الإبدال من " اقتحم " وقوله تعالى : " وما أدراك ما العقبة " اعتراض معناه إنك لم تدر صعوبتها وثوابها .
16. Or some poor wretch in misery,
16 - Or to the indigent (down) in the dust.