16 - (وأما إذا ما ابتلاه فقدر) ضيق (عليه رزقه فيقول ربي أهانن)
وقوله : " وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه " يقول : وأما إذا ما امتحنه ربه بالفقر " فقدر عليه رزقه " يقول : فضيف عليه رزقه وقتره ، فلم يكثر ماله ، ولم يوسع عليه " فيقول ربي أهانن " يقول : فيقول ذلك الإنسان : ربي أهانني ، يقول : أذلني بالفقر ، ولم يشكر الله على وهب له من سلامة جوارحه ، ورزقه من العافية في جسمه .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن " ما أسرع كفر ابن آدم .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن يزيد ، في قوله " فقدر عليه رزقه " قال : ضيقه .
واختلفت القراء في قراءة قوله " فقدر عليه رزقه " فقرأت عامة قراء الأمصار ذلك بالتخفيف ، " فقدر " بمعنى فقتر ، خلا أبي جعفر القارئ ، فإنه قرأ ذلك بالتشديد ( فقدر ) . وذكر عن أبي عمرو بن العلاء أنه كان يقول : قدر ، بمعنى يعطيه ما يكفيه ، ويقول : لو فعل ذلك به ما قال ربي أهانني .
والصواب من قراءة ذلك عندنا بالتخفيف ،لإإجماع الحجة من القراء عليه .
قوله تعالى:" وأما إذا ما ابتلاه" أي امتحنه بالفقر واختبره. "فقدر" أي ضيق "عليه رزقه" على مقدار البلغة."فيقول ربي أهانن" أي أولاني هوانا. وهذه صفة الكافر الذي لايؤمن بالبعث. وإنما الكرامة عنده والهوان بكثرة الحظ في الدنيا وقلته. فأما المؤمن فالكرامة عنده أن يكرمه الله بطاعته وتوفيقه، المؤدي إلى حظ الآخرة، وإن وسع عليه في الدنيا حمده وشكره.
قلت: الآيتان صفة كل كافر. وكثير من المسلمين يظن أن ما أعطاه الله لكرامته وفضيلته عندالله، وربما يقول بجهله: لو لم أستحق هذا لم يعطينيه الله. وكذا إن قتر عليه يظن أن ذلك لهوانه عند الله. وقراءة العامة(فقدر)مخففة الدال. وقرأ ابن عامر مشدداً، وهما لغتان. والاختيار التخفيف، لقوله: " ومن قدر عليه رزقه" [الطلاق:7]. قال أبو عمرو: و(قدر)أي قتر. و(قدر)مشددا: هو أن يعطيه ما يكفيه، ولوفعل به ذلك ما قال (ربي أهانن). وقرأ أهل الحرمين وأبو عمرو(ربي )بفتح الياء في الموضعين. وأسكن الباقون. وأثبت البزي وابن محيصن ويعقوب الياء من (أكرمن)، و(أهانن) في الحالين، لأنها اسم فلا تحذف. وأثبتها المدنيون في الوصل دون الوقف، اتباعاً للمصحف. وخير أبوعمرو في إثباتها في الوصل أو حذفها، لأنها رأس آية، وحذفها في الوقف لخط المصحف. الباقون بحذفها، لأنها وقعت في الموضعين بغير ياء، والسنة ألا يخالف خط المصحف، لأنه إجماع الصحابة.
يقول تعالى منكراً على الإنسان في اعتقاده إذا وسع الله تعالى عليه في الرزق ليختبره في ذلك, فيعتقد أن ذلك من الله إكرام له وليس كذلك بل هو ابتلاء وامتحان كما قال تعالى: "أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين * نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون" وكذلك في الجانب الاخر إذا ابتلاه وامتحنه وضيق عليه في الرزق يعتقد أن ذلك من الله إهانة له, كما قال الله تعالى: "كلا" أي ليس الأمر كما زعم لا في هذا ولا في هذا, فإن الله تعالى يعطي المال من يحب ومن لا يحب, ويضيق على من يحب ومن لا يحب, وإنما المدار في ذلك على طاعة الله في كل من الحالين: إذا كان غنياً بأن يشكر الله على ذلك وإذا كان فقيراً بأن يصبر, وقوله تعالى: "بل لا تكرمون اليتيم" فيه أمر بالإكرام له كما جاء في الحديث الذي رواه عبد الله بن المبارك عن سعيد بن أبي أيوب عن يحيى بن أبي سليمان عن يزيد بن أبي عتاب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم "خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه, وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه ـ ثم قال بأصبعه ـ أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا".
وقال أبو داود : حدثنا محمد بن الصباح بن سفيان , أخبرنا عبد العزيز يعني ابن أبي حازم , حدثني أبي عن سهل يعني ابن سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة" وقرن بين أصبعيه الوسطى والتي تلي الإبهام, "ولا تحاضون على طعام المسكين" يعني لا يأمرون بالإحسان إلى الفقراء والمساكين ويحث بعضهم على بعض في ذلك "وتأكلون التراث" يعني الميراث "أكلاً لماً" أي من أي جهة حصل لهم ذلك من حلال أو حرام "وتحبون المال حباً جماً" أي كثيراً, زاد بعضهم فاحشاً.
16- "وأما إذا ما ابتلاه" أي اختبره وعامله معاملة من يختبره "فقدر عليه رزقه" أي ضيقه ولم يوسعه له، ولا بسط له فيه "فيقول ربي أهانن" أي أولاني هواناً، وهذه صفة الكافر الذي لا يؤمن بالبعث، فأنه لا كرامة عنده إلا الدنيا والتوسيع في متاعها، ولا إهانة عنده إلا فوتها وعدم وصوله إلى ما يريد من زينتها، فأما المؤمن فالكرامة عنده أن يكرمه الله بطاعته ويوفقه لعمل الآخرة، ويحتمل أن يراد الإنسان على العموم لعدم تيقظه أن ما صار إليه من الخير وما أصيب به من الشر في الدنيا ليس إلا للاختيار والامتحان، وأن الدنيا بأسرها لا تعدل عند الله جناح بعوضة، ولو كانت تعدل جناح بعوضة ما سقى الكافر منا شربة ماء. قرأ نافع بإثبات الياء في "أكرمن" و "أهانن" وصلاً وحذفهما وقفاً، وقرأ ابن كثير في رواية البزي عنه وابن محيصن ويعقوب بإثباتهما وصلاً ووقفاً، وقرأ الباقون بحذفهما في الوصل والوقف اتباعاً لرسم المصحف ولموافقة رؤوس الآي، والأصل إثباتها لأنها اسم، ومن الحذف قول الشاعر:
ومن كائح ظاهر عمره إذا ما انتصبت له أنكرن
أي أنكرني. وقرأ الجمهور "فقدر" بالتخفيف، وقرأ ابن عامر بالتشديد، وهما لغتان. وقرأ الحميان وأبو عمرو "ربي" بفتح الياء في الموضعين وأسكنها الباقون.
16- "وأما إذا ما ابتلاه"، بالفقر، "فقدر عليه رزقه"، قرأ أبو جعفر وابن عامر "فقدر" بتشديد الدال، وقرأ الآخرون بالتخفيف، وهما لغتان، أي ضيق عليه رزقه. وقيل: قدر بمعنى قتر وأعطاه قدر ما يكفيه. "فيقول ربي أهانن"، أذلني بالفقر. وهذا يعني به الكافر، تكون الكرامة والهوان عنده بكثرة المال والحظ في الدنيا وقلته.
قال الكلبي ومقاتل: نزلت في أمية بن خلف الجمحي الكافر.
16-" وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه " إذا التقدير وأما الإنسان إذا ما ابتلاه بالفقر والتقتير ليوازن قسيمه . " فيقول ربي أهانن " لقصور نظره وسوء فقره ، فإن التقتير قد يؤدي إلى كرامة الدارين ، والتوسعة قد تفضي إلى قصد الأعداء والانهماك في حب الدنيا ولذلك ذمه على قوليه سبحانه وتعالى وردعه عنه بقوله :
16. But whenever He trieth him by straitening his means of life, he saith: My Lord despiseth me.
16 - But when he trieth him, restricting his subsistence for him, then saith he (in despair), My Lord hath humiliated me!