16 - (ألم يأن) يحن (للذين آمنوا) نزلت في شأن الصحابة لما أكثروا المزاح (أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل) بالتشديد والتخفيف (من الحق) القرآن (ولا يكونوا) معطوف على تخشع (كالذين أوتوا الكتاب من قبل) هم اليهود والنصارى (فطال عليهم الأمد) الزمن بينهم وبين أنبيائهم (فقست قلوبهم) لم تلن لذكر الله (وكثير منهم فاسقون)
أخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن عبد العزيز بن أبي رواد أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ظهر فيهم المزاح والضحك فنزلت ألم يأن للذين آمنوا الآية وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حبان قال كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قد أخذوا في شيء من المزاح فأنزل الله ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله الآية
وأخرج عن السدي عن القاسم قال مل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ملة فقالوا حدثنا يا رسول الله فأنزل الله نحن نقص عليك أحسن القصص ثم ملوا ملة فقالوا حدثنا يا رسول الله فأنزل الله ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله الآية
وأخرج ابن المبارك في الزهد انبأنا سفيان عن الأعمش قال لما قدم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فأصابوا من العيش ما أصابوا بعدما كان بهم من الجهد فكأنهم فتروا عن بعض ما كانوا عليه فنزلت ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم الآية
يقول تعالى ذكره " ألم يأن للذين آمنوا " : ألم يحن للذين صدقوا الله ورسوله أن تلين قلوبهم لذكر الله فتخضع قلوبهم له ولما نزل من الحق وهو هذا القرآن الذي نزله على رسوله صلى الله عليه وسلم .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال ثني أبي عن أبيه عن ابن عباس قوله " ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله " قال : تطيع قلوبهم .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا يحيى بن واضح قال : ثنا الحسين عن يزيد عن عكرمة " ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله "
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة قوله " ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله " الآية ذكر لنا أن شداد بن أوس كان يروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن أول ما يرفع من الناس الخشوع .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور عن معمر عن قتادة قال : كان شداد بن أوس يقول أول ما يرفع من الناس الخشوع .
واختلفت القراء في قوله " وما نزل من الحق " فقرأته عامة القراء غير شبيه ونافع بالتشديد نزل وقرأه شبيه ونافع وما نزل بالتخفيف وبأي القرأتين قرأ القارىء فمصيب لتقارب معنييهما .
وقوله " ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد " يقول تعالى ذكره : ألم يأن لهم أن ولا يكونوا يعني الذين أوتوه من قبلهم التوراة والإنجيل .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا جرير عن مغيرة عن أبي معشر عن إبراهيم قال : جاء عتريس بن عرقوب إلى ابن مسعود فقال يا عبد الله هلك من لم يأمر بالمعروف وينه عن المنكر فقال عبد الله : هلك من لم يعرف قلبه معروفا ولم ينكر قلبه منكرا إن بني إسرائيل لما طال عليهم الأمد وقست قلوبهم اخترعوا كتاباً من بين أيديهم وأرجلهم استهوته قلوبهم واستحلته ألسنتهم وقالوا نعرض بني إسرائيل على هذا الكتاب فمن آمت به وتركناه ومن كفر به قتلناه قال : فجعل رجل منهم كتاب الله في قرن ثم جعل القرن بين ثندوتيه فلما قيل له : أتؤمن بهذا ؟ قال آمنت به ويومىء إلى القرن الذي بين ثندويته وما لي لا أؤمن بهذا الكتاب فمن خير مللهم اليوم ملة صاحب القرن .
يعني بقوله " فطال عليهم الأمد " ما بينهم وبين موسى صلى الله عليه وسلم وذلك الأمد الزمان .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسين قال : ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله " الأمد " قال : الدهر .
وقوله : " فقست قلوبهم " عن الخيرات واشتدت على السكون إلى معاصي الله " وكثير منهم فاسقون " يقول جل ثناؤه : وكثير من هؤلاء الذين أوتوا الكتاب من قبل أمة محمد صلى الله عليه وسلم فاسقون .
قوله تعالى : " ألم يأن للذين آمنوا " أي يقرب ويحين ، قال الشاعر :
ألم يأن لي ياقلب أن أترك الجهلا وأن يحدث الشيب المبين لنا عقلا
وماضيه أني بالقصي .ويقال :آن لك - بالمد - أن فعل كذا يئين أينا أي حان ، مثل أني لك وهو مقلوب منه . وأنشد ابن السكيت :
ألما يئن لي أن تجلى عمايتي وأقصر عن ليلى بلى قد أنى ليا
فجمع بين اللغتين ، وقرأ الحسن ألما يأن وأصلها ألم زيدت ما فهي نفي لقول القائل : قد كان كذا ، و لم نفي لقوله : كان كاذا .وفي صحيح مسلم عن أبن مسعود قال :
ماكان يبن إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية " ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله " إلا أربع سنين . قال الخليل :العتاب مخاطبة الإدلال ومذاكرة الموجدة ، تقول عاتبته معاتبة " أن تخشع " أي تذل وتلين " قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق "روي أن المزاح والضحك كثر في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لما ترفهوا بالمدينة ، فنزلت الآيةولما نزلت هذه الآية "قال صلى الله عليه وسلم :
إن الله يستبطئكم بالخشوع فقالوا عند ذلك :خشعنا . " وقال ابن عباس : إن الله استبطأ قلوب المؤمنين ، فعاتبهم على رأس ثلاث عشر سنة من نزول القرآن . وقيل: نزلت في المنافقين بعد الهجرة بسنة . وذلك أنهم سألوا سيلمان أن يحدثهم بعجائب التوراة فنزلت : " الر تلك آيات الكتاب المبين " [يوسيف : 1 ] إلى قوله : " نحن نقص عليك أحسن القصص " [يوسف: 3 ] الآية ، فأخبرهم أن هذا القصص أحسن من غيره وأنفع لهم ، فكفوا عن سلمان ،ثم سألوه مثل الأول فنزلت :" ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق " فعلى هذا التأويل يكون الذين آمنوا في العلانية باللسان .قال السدي وغيره : " ألم يأن للذين آمنوا " والظاهنر وأسروا الكفر "أن تخشع قلوبهم لذكر الله " .وقيل :نزلت في المؤمنين . " قال سعد : قيل يارسول الله لو قصصت علينا فنزلت : " نحن نقص عليك " [يوسف : 3 ] " فقالوا بعد زمان : لو حدثتنا فنزلت : " الله نزل أحسن الحديث " [ الزمر : 23 ] فقالوا بعد مدة : لو ذكرتنا فأنزل الله تعالى : " ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق " ونحوه عن الن مسعود قال :ماكان بين إسلامنا وبين أن عوتبنا بهذه الآية إلا أربع سنين ، فجعل ينظر بعضنا إلى بعض ويقول : ما أحدثنا ؟ قال الحسن أستبطأهم وهم أحب خلقه إليه . وقيل :هذا ألخطاب لمن آمن بموسى وعيسى دون محمد عليه السلام لأنه قال عقيب هذا : " والذين آمنوا بالله ورسله " أي ألم يأن للذين آمنوا بالتوراة والإنجيل أن تلين قلوبهم للقرآن ،وألا يكونوا كمتقدمي قولم موسى وعيسى ، إذا طال عليهم الأمد بينهم وبين نبيهم فقست قلوبهم .
قوله تعالى : " ولا يكونوا " أي وألا يكونوا فهو منصوب عطفا على " أن تخشع " . وقيل : مجزوم على النهي ،مجازه ولا يكونن ، ودليل هذا التأويل رواية رويس عن يعقوب لا تكونوا بالتاء ، وهي قراءة عيسى وابن اسحاق . يقو ل : لاتسلكوا سبيل اليهود وانصارى ، أعطوا التوراة والإنجيل فطالت الأزمان بهم . قال ابن مسعود : إن بني إسرائيل لما طال عليهم الأمد قست قلوبهم ،فاخترعوا كتابا من عند أنفسهم استحلته أنفسهم ، وكان الحق يحول بينهم وبين كثير من شهواتهم ، حتى نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون ، ثم قالوا : أعرضوا هذا الكتاب على بني إسرائيل ،فإن تابعوكم فآتركوهم وإملما فآقتلوهم . ثم اصطلحوا علىأن يرسلوه إلى عالم من علمائهم ، وقالوا : إن هو تابعنا لم يخالفنا أحد ، وإن أبى قتلناه فلا يختلف علينا بعده أحد ، فأرسلوا إليه ، فكتب كتاب الله في ورقة ورجعها في قرن وعلقه في عنقه ثم لبس عليه ثيابه ، فأتاهم فعرضو عليهم كتابهم ، وقالوا : أتؤمن بهذا ؟فضرب بيده على صدره ، وقال : أمنت بهذا يعني المعلق على صدره .فافترقت بنو إسرائيل على بضع وسبعين ملة ، وخير مللهم أصحاب ذي القرن . قال عبد الله : ومن يعش منكم فسيرى منكرا ،وبحسب أحدكم إذا رأى المنكر لا يستطيع أن يغيره أن يعلم الله من قلبه أنه له كاره . وقال مقاتل بن حيان : يعني مؤمني أهل الكتاب طال عليهم الأمد واستبطؤوا بعث النبي صلى الله عليه وسلم " فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون " وعني الذين ابتدعوا الرهبانية أصحاب الصوامع .وقيل : من لايعلم ما يتدين به من الفقيه ويخالف من يعلم . وقيل :هم من لايؤمن في علم الله تعالى . ثبتت طائفة منهم على دين عيسى حتى بعث النبي صلى الله عليه وسلم فآمنوا به ، وطائفة منهم رجعوا عن دين عيسى وهم الذين فسقهم الله . وقال محمد بن كعب كانت الصحابة بمكة مجدبين ، فلما هاجروا أصابوا الرف والنعمة ، ففتروا عما كانوا فيه ، فقست قلوبهم ، فوعظهم الله فأفاقوا .وذكر ابن المبارك : أخبرنا مالك بن أنس ،قال :بلغني أن عيسى عليه السلام قال لقومه : لا تكثروا الكالم بغير ذكر الله تعالى فتقسو قلوبكم ، فإن القلب القاسي بعيد من الله ولكن لاتعلمون . ولاتنظروا في ذنوب الناس كأنهم أرباب وانظروا فيها - أو قال في ذنوبكم - كأنكم عبيد ، فإنما الناس رجلان معافى ومبتلى ، فارحموا أهل البلاء ،واحمدوا الله على العافية .وهذه الآية " ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله " كانت سبب توبة الفضل بن عياض وابن المبارك رحمهما الله تعالى :كذكر أبو المطرف عبد الرحمن بن مروان القلانسي قال : حدثنا أبو محمد الحسن بن رشيق ،وقال حدثنا علي بن يعقوب الزيات ،قال حدثنا إبراهيم بن هشام ، قال حدثنا زكريا بن أبي أبان قال حدثنا الليث بن الحرث قال حدثنا الحسن بن داهر ،قال سئل عبد الله بن المبارك عن بدء زهده قال كنت يوما مع إخواني في بستان لنا، وذلك حين حملت الثمار من ألوان الفوكه ،فأكلنا وشربنا حتى الليل فنمنا ، وكنت مولعا بضرب العود والطنبور ،فقمت في بعض الليل فضربت بصوت يقال له راشين السحر ،وأراد سنان يغني ،وطائر يصيح فوق رأسي على شجرة ،والعود بيدي لا يجيبني إلى ما أريد ، وإذا به ينطق كما ينطق الإنسان - يعني العود الذي بيده - ويقول : " ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق " قلت : بلى والله ! وكسر العود ، وصرفت من كان عندي ، فكان هذا أول زهدي وتشميري . وبلغنا عن الشعر الذي أراد ابن المبارك أن يضرب به العود :
ألم يأنلي منك أن ترحما وتعص العواذل واللوما
وترثي لصب بكم مغرم أقام على هجركم مأتما
يبيت إذا جنه ليلة يراعي الكواكب والأنجما
وماذا على الظبي لوأنه أحل من الوصل ما حرما
وأما الضيل بن عياض فكان سبب توبتهم أنه عشق جارة فواعدته ليلا ، فبينما هو يرتقي الجدار إليها إذ سمع قارئا يقرأ : " ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله " فرجع القهقري وهو يقول : بلى والله قد آن ! فآواه الليل إلى خربة وفيها جماعة من السابلة ، وبعضهم يقول لبعض : إ، فضيلا يقطع الطريق . فقال الفضيل : أواه ! أراني بالليل أسعى في معاصي الله ، قوم من المسلمين يخافونني ! اللهم إن قد تبت إليك ،وجعلت توبتي إليك جوار بيتك الحرام .
يقول تعالى: أما آن للمؤمنين أن تخشع قلوبهم لذكر الله, أي تلين عند الذكر والموعظة وسماع القرآن فتفهمه وتنقاد له وتسمع له وتطيعه. قال عبد الله بن المبارك: حدثنا صالح المري عن قتادة عن ابن عباس أنه قال: إن الله استبطأ قلوب المؤمنين فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة من نزول القرآن فقال: "ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله" الاية, رواه ابن أبي حاتم عن الحسن بن محمد بن الصباح عن حسين المروزي عن ابن المبارك به. ثم قال هو ومسلم: حدثنا يونس بن عبد الأعلى, أخبرنا ابن وهب, أخبرني عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال, يعني الليثي, عن عون بن عبد الله عن أبيه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الاية "ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله" الاية, إلا أربع سنين, كذا رواه مسلم في آخر الكتاب, وأخرجه النسائي عند تفسير هذه الاية عن هارون بن سعيد الأيلي عن ابن وهب به. وقد رواه ابن ماجه من حديث موسى بن يعقوب الزمعي عن أبي حازم عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه مثله, فجعله من مسند ابن الزبير, لكن رواه البزار في مسنده من طريق موسى بن يعقوب عن أبي حازم عن عامر عن ابن الزبير عن ابن مسعود فذكره.
وقال سفيان الثوري عن المسعودي عن القاسم قال: مل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ملة فقالوا: حدثنا يارسول الله, فأنزل الله تعالى: "نحن نقص عليك أحسن القصص" قال: ثم ملوا ملة فقالوا: حدثنا يارسول الله فأنزل الله تعالى "الله نزل أحسن الحديث" ثم ملوا ملة فقالوا: حدثنا يارسول الله, فأنزل الله تعالى: "ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله" وقال قتادة "ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله" ذكر لنا أن شداد بن أوس كان يروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أول ما يرفع من الناس الخشوع". وقوله تعالى: "ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم" نهى الله تعالى المؤمنين أن يتشبهوا بالذين حملوا الكتاب من قبلهم من اليهود والنصارى, لما تطاول عليهم الأمد بدلوا كتاب الله الذي بأيديهم واشتروا به ثمناً قليلاً ونبذوه وراء ظهورهم, وأقبلوا على الاراء المختلفة والأقوال المؤتفكة, وقلدوا الرجال في دين الله واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله, فعند ذلك قست قلوبهم فلا يقبلون موعظة ولاتلين قلوبهم بوعد ولا وعيد "وكثير منهم فاسقون" أي في الأعمال فقلوبهم فاسدة وأعمالهم باطلة كما قال تعالى: "فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظاً مما ذكروا به" أي فسدت قلوبهم فقست وصار من سجيتهم تحريف الكلم عن مواضعه وتركوا الأعمال التي أمروا بها, وارتكبوا ما نهوا عنه, ولهذا نهى الله المؤمنين أن يتشبهوا بهم في شيء من الأمور الأصلية والفرعية.
وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا هشام بن عمار, حدثنا شهاب بن خراش, حدثنا حجاج بن دينار عن منصور بن المعتمر عن الربيع بن عميلة الفزاري قال: حدثنا عبد الله بن مسعود حديثاً ما سمعت أعجب إلي منه إلا شيئاً من كتاب الله أو شيئاً قاله النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن بني إسرائيل لما طال عليهم الأمد فقست قلوبهم اخترعوا كتاباً من عند أنفسهم استهوته قلوبهم واستحلته ألسنتهم واستلذته, وكان الحق يحول بينهم وبين كثير من شهواتهم فقالوا تعالوا ندع بني إسرائيل إلى كتابنا هذا, فمن تابعنا عليه تركناه ومن كره أن يتابعنا قتلناه, ففعلوا ذلك وكان فيهم رجل فقيه, فلما رأى مايصنعون عمد إلى ما يعرف من كتاب الله فكتبه في شيء لطيف ثم أدرجه, فجعله في قرن ثم علق ذلك القرن في عنقه, فلما أكثروا القتل قال بعضهم لبعض: يا هؤلاء إنكم أفشيتم القتل في بني إسرائيل فادعوا فلاناً فاعرضوا عليه كتابكم, فإنه إن تبعكم فسيتابعكم بقية الناس وإن أبى فاقتلوه, فدعوا فلاناً ذلك الفقيه قالوا: أتؤمن بما في كتابنا هذا, قال: وما فيه ؟ اعرضوه علي فعرضوه عليه إلى آخره, ثم قالوا: أتؤمن بما في كتابنا هذا ؟ قال: نعم آمنت بما في هذا وأشار بيده إلى القرن فتركوه فلما مات فتشوه فوجدوه معلقاً ذلك القرن, فوجدوا فيه ما يعرف من كتاب الله فقال بعضهم لبعض: ياهؤلاء ما كنا نسمع هذا أصابه فتنة, فافترقت بنو إسرائيل على اثنتين وسبعين ملة, وخير مللهم ملة أصحاب ذي القرن" قال ابن مسعود: وإنكم أوشك بكم إن بقيتم أو بقي من بقي منكم أن تروا أموراً تنكرونها لا تستطيعون لها غيراً, فبحسب المرء منكم أن يعلم الله من قلبه أنه لها كاره.
وروى أبو جعفر الطبري حدثنا ابن حميد, حدثنا جرير عن مغيرة عن أبي معشر عن إبراهيم قال: جاء عتريس بن عرقوب إلى ابن مسعود فقال: يا أبا عبد الله هلك من لم يأمر بالمعروف وينه عن المنكر, فقال عبد الله. هلك من لم يعرف قلبه معروفاً ولم ينكر قلبه منكراً. إن بني إسرائيل لما طال عليهم الأمد وقست قلوبهم اخترعوا كتاباً من بين أيديهم وأرجلهم استهوته قلوبهم واستحلته ألسنتهم, وقالوا نعرض بني إسرائيل على هذا الكتاب, فمن آمن به تركناه, ومن كفر به قتلناه, قال فجعل رجل منهم كتاب الله في قرن ثم جعل القرن بين ثندوتيه, فلما قيل له أتؤمن بهذا ؟ قال آمنت به ويومىء إلى القرن بين ثندوتيه, ومالي لا أؤمن بهذا الكتاب ؟ فمن خير مللهم اليوم ملة صاحب القرن.
وقوله تعالى: " اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون " فيه إشارة إلى أن الله تعالى يلين القلوب بعد قسوتها ويهدي الحيارى بعد ضلتها, ويفرج الكروب بعد شدتها, فكما يحيي الأرض الميتة المجدبة الهامدة بالغيث الهتان الوابل, كذلك يهدي القلوب القاسية ببراهين القرآن والدلائل, ويولج إليها النور بعد أن كانت مقفلة لا يصل إليها الواصل, فسبحان الهادي لمن يشاء بعد الضلال, والمضل لمن أراد بعد الكمال, الذي هو لما يشاء فعال, وهو الحكيم العدل في جميع الفعال, اللطيف الخبير الكبير المتعال.ص
قوله: 16- "ألم يأن للذين آمنوا" يقال أنى لك يأنى أنى: إذا حان. قرأ الجمهور "ألم يأن" وقرأ الحسن وأبو السماك ألما يأن وأنشد ابن السكيت:
ألما يأن لي أن تجلى عمايتي وأقصر عن ليلى بلى قد أنى ليا
و"أن تخشع قلوبهم" فاعل يأن: أي ألم يحضر خشوع قلوبهم ويجيء وقته، ومنه قول الشاعر:
ألم يأن لي قلب أن أترك الجهلا وأن يحدث الشيب المنير لنا عقلاً
هذه الآية نزلت في المؤنين. قال الحسن: يستبطئهم وهم أحب خلقه إليه. وقيل إن الخطاب لمن آمن بموسى وعيسى دون محمد. قال الزجاج: نزلت في طائفة من المؤمنين، حثوا على الرقة والخشوع، فأما من وصفهم الله بالرقة والخشوع فطبقة فوق هؤلاء. وقال السدي وغيره: المعنى ألم يأن للذين آمنوا في الظاهر وأسروا الكفر أن تخشع قلوبهم "لذكر الله" وسيأتي في آخر البحث ما يقوي قول من قال إنها نزلت في المسلمين، والخشوع لين القلب ورقته. والمعنى: أنه ينبغي أن يورثهم الذكر خشوعاً ورقة، ولا يكونوا كمن لا يلين قلبه للذكر ولا يخشع له "وما نزل من الحق" معطوف على ذكر الله، والمراد بما نزل من الحق القرآن، فيحمل الذكر المعطوف عليه على ما عداه مما فيه ذكر الله سبحانه باللسان، أو خطور بالقلب، وقيل المراد بالذكر هو القرآن، فيكون هذا العطف من باب عطف التفسير، أو باعتبار تغير المفهومين. قرأ الجمهور "نزل" مشدداً مبنياً للفاعل. وقرأ نافع وحفص بالتخفيف مبنياً للفاعل. وقرأ ابن مسعود أنزل مبنياً للفاعل "ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل" قرأ الجمهور بالتحتية على الغيبة جرياً على ما تقدم. وقرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة بالفوقية على [الخطاب] التفاتاً، وبها قرأ عيسى وابن إسحاق، والجملة معطوفة على تخشع: أي ألم يأن لهم أن تخشع قلوبهم ولا يكونوا، والمعنى: النهي لهم عن أن يسلكوا سبيل اليهود والنصارى الذين أوتوا التوراة والإنجيل من قبل نزول القرآن "فطال عليهم الأمد" أي طال عليهم الزمان بينهم وبين أنبيائهم. قرأ الجمهور الأمد بتخفيف الدال، وقرأ ابن كثير في رواية عنه بتشديدها: أي الزمن الطويل، وقيل المراد بالأمد على القراءة الأولى الأجل والغاية، يقال أمد فلان كذا: أي غايته "فقست قلوبهم" بذلك السبب، فلذلك حرفوا وبدلوا، فهنى الله سبحانه أمة محمد صلى الله عليه وسلم أن يكونوا مثلهم "وكثير منهم فاسقون" أي خارجون عن طاعة الله لأنهم تركوا العمل بما أنزل إليهم، وحرفوا وبدلوا ولم يؤمنوا بما نزل على محمد صلى الله عليه وسلم، وقيل هم الذين تركوا الإيمان بعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم، وقيل هم الذين ابتعدوا الرهبانية، وهم أصحاب الصوامع.
قوله عز وجل: 16- "ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله"، قال الكلبي ومقاتل: نزلت في المنافقين بعد الهجرة بسنة، وذلك أنهم سألوا سلمان الفارسي ذات يوم فقالوا: حدثنا عن التوراة، فإن فيها العجائب، فنزلت: "نحن نقص عليك أحسن القصص" (يوسف- 3)، فأخبرهم أن القرآن أحسن قصصاً من غيره، فكفوا عن سؤال سلمان ما شاء الله، ثم عادوا فسألوا سلمان عن مثل ذلك فنزل: "الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً" (الزمر- 23)، فكفوا عن سؤاله ما شاء الله ثم عادوا فقالوا: حدثنا عن التوراة فإن فيها لعجائب فنزلت هذه الآية.
فعلى هذا التأويل، قوله "ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله"، يعني في العلانية وباللسان.
وقال الآخرون نزلت في المؤمنين. قال عبد الله بن مسعود: ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية: "ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله"، إلا أربع سنين.
وقال ابن عباس: إن الله استبطأ قلوب المؤمنين فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن، فقال: "ألم يأن" ألم يحن للذين آمنوا أن تخشع: ترق وتلين وتخضع قلوبهم لذكر الله، "وما نزل"، قرأ نافع، وحفص عن عاصم بتخفيف الزاي، وقرأ الآخرون بتشديدها، "من الحق"، وهو القرآن، "ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل"، وهم اليهود والنصارى، "فطال عليهم الأمد"، الزمان بينهم وبين أنبيائهم، "فقست قلوبهم"، قال ابن عباس: مالوا إلى الدنيا وأعرضوا عن مواعظ الله، والمعنى أن الله عز وجل ينهى المؤمنين أن يكونوا في صحبة القرآن كاليهود والنصارى الذين قست قلوبهم لما طال عليهم الدهر.
روي أن أبا موسى الأشعري بعث إلى قراء أهل البصرة فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرؤوا القرآن فقال لهم: أنتم خيار أهل البصرة وقراؤهم فاتلوه ولا يطولن عليكم الأمد فنقسو قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم.
"وكثير منهم فاسقون"، يعني الذين تركوا الإيمان بعيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام.
16-" ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله " ألم يأت وقته يقال أنى الأمر يأتي أنياً وأناً إذا جاء إناه ، وقرئ ألم يئن بكسر الهمزة وسكون النون من آن يئين بمعنى أتى وألما يأن .روي أن المؤمنين كانوا مجدبين بمكة فلما هاجروا أصابوا بالرزق والنعمة ففتروا عما كانوا عليه فنزلت . " وما نزل من الحق " أي القرآ ن وهو عطف على الذكر عطف أحد الوصفين على الآخر ، ويجوز أن يراد بالذكر أن يذكر الله ، وقرأ نافع و حفص و يعقوب "نزل " بالتخفيف . وقرئ أنزل . " و لا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل " عطف على " تخشع " ، وقرأ رويس بالتاء والمراد النهي عن مماثلة أهل الكتاب فيما حكي عنهم بقوله : " فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم " أي فطال عليهم الأجل لطول أعمارهم وآمالهم ، أو ما بينهم وبين أنبيائهم " فقست قلوبهم " . وقرئ " الأمد " وهو الوقت الأطول . "وكثير منهم فاسقون " خارجون عن دينهم رافضون لما في كتابهم من فرط القسوة .
16. Is not the time ripe for the hearts of those who believe to submit to Allah's reminder and to the truth which is revealed, that they become not as those who received the Scripture of old but the term was prolonged for them and so their hearts were hardened, and many of them are evil livers.
16 - Has not the time arrived for the Believers that their hearts in all humility should engage in the remembrance of God and of the Truth which has been revealed (to them), and that they should not become like those to whom was given Revelation aforetime, but long ages passed over them and their hearts grew hard? For many among them are rebellious transgressors.